إسراء بدر تكتب: صينية شائعات بالهذيان على طريقة قنوات الإخوان
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
فى الوقت الذى يخرج فيه إعلام المطاريد من الجماعة الإرهابية يسب ويسخر من الإعلام المصرى فإن منابرهم الممولة بملايين الدولارات من أجندات خارجية تخبرنا بكيفية عمل صينية شائعات وأكاذيب بالتدليس والتزوير فى «قعدة المصاطب» الخاصة بهم، لتشويه الإنجازات المصرية إلى إخفاقات.
عزيزى القارئ قنوات إعلام المطاريد تستغل العنعنة التى اعتمدوها فى مصادرهم لنشر الأكاذيب والشائعات فتجد مقدم البرامج يهلل بالحدث وكأنه اليقين وعند الاستعراض تكتشف أن معلوماته جاءت «عن» موقع من المواقع الموالية للإرهابية والذين أتوا بأخبارهم «عن» مصادر مجهولة ويبدأون فى الإقناع والتحليل لهذه العنعنة ويحاولون باستماتة إقناع المشاهد بعنعنتهم التى لا تمت للمهنية بشىء، أما المصادر الأخرى فمن صنع يدى الإرهابية بالفعل، فتجدهم يتمسكون بمقطع مصور أو صورة أو خبر انتشر بشكل موسع على مواقع التواصل الاجتماعى غرضه نشر أكذوبة بعينها لتشتيت الشعب المصرى والنيل به وهنا تبدأ مهمتهم فى منابر الإرهابية وكأنهم حصلوا على انفراد صحفى وهو فى حقيقة الأمر أكذوبة فإذا تم البحث عن مصدر مقاطع الفيديو التى استخدموها لإثارة البلبلة فتجدها صفحة موالية للجماعة الإرهابية أو الصهاينة والأمر ولا فارق بينهما فكلاهما غرضه الدولة المصرية.
مهنية إعلام المطاريد المزيفة تخرج بألفاظ بذيئة وسب علنى وإيحاءات جنسية، هل هذه هى المهنية من وجهة نظركم أم أفواه خرجت من البالوعات لتلقى كل هذه القاذورات فى وجهنا؟!، هل فكرتم للحظة فى المجتمع الذى تزايدون على أخلاقه فى أنكم تفسدوه بمثل هذه الألفاظ والإيحاءات؟! وفى الوقت ذاته نجد إعلام المطاريد يخرج لنا وكأنه سيفجر قنبلة مدوية ويبدأ فى سرد رواية من تأليفه عما يحدث فى الدائرة المقربة من صناع القرار فى الدولة المصرية وكأنهم جهة استخباراتية لولبية خزعبلية، فلماذا لا يفعلون ذلك إلا مع الدولة المصرية؟ لماذا لا يفعلوه مع الصهاينة مثلا على سبيل أنهم العدو الأكبر عبر التاريخ أم أن هناك أمرًا ما لا نعلمه لكى يغضوا البصر عن الكيان الصهيونى ويكثفون إمكانياتهم الوهمية على الدولة المصرية فحسب؟!
ماذا عن الدين الذى تتاجرون به وترفعون قيادات الجماعة الإرهابية على رؤوسكم وتكفرون كل من يخالف آرائكم، هل الدين أباح لكم نشر الفسق والفجور بهذه الطريقة عبر منابركم التى تذاع من الخارج ليكون هدفها الأول والأخير هو تدمير المجتمع المصرى وتفكيك النسيج الوطنى؟! فوالله الدين برىء مما تعملون وتقولون.
أما عن النقطة الثالثة وهى الوطنية المفرطة التى يدعيها إعلام المطاريد، كيف تتحدث عن الوطنية وحبك على الوطن وأنت تكرس حياتك كاملة من أجل نشر الشائعات والأكاذيب والسب فى الدولة ليلا ونهارًا؟ كيف استمع إليك وتحاول إقناعى بوطنيتك وأنت على هذا الحال؟ هل تظن أن الشعب المصرى جاهل عن أفعالكم ومخططاتكم؟ أم أنه لا يعلم أنكم مطاريد وهاربون من دولة لأخرى تجمعون المزيد من الدولارات مقابل النيل بالدولة المصرية؟
أما عن الشعور بالمواطن البسيط ومحاولة استفزاز مشاعره وإحباطه المستمرة، فأين كانت مراعاة جماعة الإخوان الإرهابية للمواطن البسيط وهى تدمر وتخرب وتقتل وترهب فى الشعب المصرى بأكمله وخاصة معارضيكم؟ أم أنكم لا تشمون رائحتكم التى نشمها جميعا على مدار التاريخ؟
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الجماعة الإرهابية قنوات الإخوان الشائعات والأكاذيب الإعلام المصري الأجندات الخارجية إثارة البلبلة النيل من الدولة المصرية تدمير المجتمع الكيان الصهيوني الشعب المصري المواطن البسيط الهجوم على مصر نشر الأكاذيب تمويل الإرهاب الإعلام الموجه سب وقذف الوطنية الكاذبة جماعة الإخوان الدولة المصریة
إقرأ أيضاً:
يسرا زهران تكتب: عدم دفع أجور عادلة للعاملين يضعف قدرة المستهلكين على الطلب.. ويؤدي لإضعاف الاقتصاد ويضر صاحب العمل
70% من الاقتصاد الأمريكى، وفقاً لكتاب «ادفعوا للناس: لماذا تعد الأجور العادلة أمراً جيداً للأعمال وأمراً عظيماً بالنسبة لأمريكا؟!»، تعتمد على طلب المستهلك، أى إن غالبية النشاط الاقتصادى فى الولايات المتحدة تقوم ببساطة على أشخاص يشترون أشياء، على شراء الناس لاحتياجاتهم من الطعام والملابس والأجهزة الإلكترونية والسيارات والوجبات السريعة. لا يحتاج الاقتصاد لكى يزدهر إذن إلى زيادة عدد رؤساء الشركات والمديرين ذوى الثراء الفاحش، لكنه يحتاج إلى ملايين المستهلكين الذين يملكون ما يكفى من المال فى جيوبهم لشراء احتياجاتهم من السلع.
الحد الأدنى القانونى للأجور فى أمريكا حالياً يترك العامل عاجزاً عن شراء أى شىء فوق احتياجاته الأساسية (والتى قد لا يقدر أحياناً على تلبيتها). هو لا يحظى مثلاً بإمكانية تناول الطعام فى مطعم من آن إلى آخر، ولا يقدر على شراء هاتف محمول جديد أو حذاء رياضى من مكان مناسب، دعك طبعاً من شراء سيارة جديدة.
هو شخص، من وجهة نظر الأعمال، يُعد فعلياً غير موجود. لا يصنَّف كمستهلك، ولا يمكن أن ينال هذه المرتبة طالما ظل أجره على ما هو عليه.
هذا الأمر يجعل الأشخاص الذين لا يحصلون إلا على الحد الأدنى للأجور أشخاصاً غير قادرين على أن يفيدوا أو يستفيدوا من الاقتصاد الأمريكى، وهو ما يشكل عبئاً كبيراً على كل الأعمال والمشروعات التى تعتمد على قيام الناس العاديين بشراء منتجاتها.
هذه الأعمال والمشروعات لا تختلف عن الاقتصاد: هى أيضاً تنمو من أسفل إلى أعلى. يقول الكتاب: «ليس هناك سبيل للنجاح، حتى لو كنت تمتلك أفضل فريق من المديرين التنفيذيين، لو أن نموذج الأعمال الخاص بك يقوم على قاعدة مستهلكين غير قادرة على الاستهلاك. بعبارة أخرى: لو أن الناس لا يملكون ما يكفى من المال لشراء المنتج الذى تقدمه، فإن مشروعك محكوم عليه بالفشل».
زيادة مرتبات العاملين ليست مجرد تكلفة على صاحب العمل.. لكنها استثمار في قاعدة المستهلكين لصالح المجتمع كلهالأزمة المالية عام 2008 تسببت فى خسائر فادحة للاقتصاد الأمريكى كثرة تغيير الموظفين قد تسبب لصاحب العمل خسارة ثلث قيمة أجورهم السنوية وقد تصل إلى 200% منها قيمة أسهم الشركات التى تهتم بحقوق وأجور العاملين فيها تزداد سنوياً بنسبة تصل إلى 3.8% مقابل منافسيها
الأزمة المالية عام 2008 تسببت فى خسائر فادحة للاقتصاد الأمريكى كثرة تغيير الموظفين قد تسبب لصاحب العمل خسارة ثلث قيمة أجورهم السنوية وقد تصل إلى 200%،منها قيمة أسهم الشركات التى تهتم بحقوق وأجور العاملين فيها تزداد سنوياً بنسبة تصل إلى 3.8% مقابل منافسيها
«المنطق البسيط يقول إذن إن رفع الحد الأدنى للأجور ومنح ملايين الموظفين مزيداً من المال يعنى أنهم سينفقون مزيداً من المال لشراء المزيد من السلع والخدمات، وهو ما سينعكس فى صورة أرباح شاملة للاقتصاد ككل. الأمر الصحيح إذن، من وجهة النظر الاقتصادية، هى ألا ينظر صاحب العمل إلى كشوف مرتبات العاملين لديه ويرى فيها تكلفة ومصاريف وحسب، ولكن أن يعتبر دفعه أجوراً عادلة لموظفيه نوعاً من الاستثمار فى قاعدة مستهلكين أكثر ازدهاراً لصالح المجتمع كله».
كثرة تغيير الموظفين قد تسبب لصاحب العمل خسارة ثلث قيمة أجورهم السنوية وقد تصل إلى 200% منها قيمة أسهم الشركات التي تهتم بحقوق وأجور العاملين فيها تزداد سنوياً بنسبة تصل إلى 3.8% مقابل منافسيهاوهى الفكرة التى لخّصتها جملة أوردها الكتاب فى مقدمته، قالها «شارلى ويلسون»، مدير شركة «جنرال إليكتريك» التى تقوم بإنتاج الأجهزة المنزلية الكهربائية عام 1944 عندما قال: «كيف يمكن للناس أن يشتروا ثلاجات من عندى لو أننى لا أمنحهم أجوراً تكفى لشرائها؟».
وعلى العكس من التصور الشائع بأن مجتمع الأعمال كله يقف متحداً فى رفضه لرفع الحد الأدنى للأجور، فإن الكتاب الأمريكى يؤكد أن 67% من أصحاب الأعمال الصغيرة والمشروعات المتوسطة يؤيدون رفع الحد الأدنى للأجور، ويؤيدون كذلك وجود زيادة سنوية منطقية لها. ويقول الكتاب إن ذلك يرجع إلى أن طبيعة الأعمال الصغيرة والمتوسطة، مثل المطاعم والكافيتيريات والمحلات والمتاجر الصغيرة، تجعل أصحابها أكثر قدرة على فهم طبيعة واحتياجات الأشخاص الذين يتناولون الطعام فى مطاعمهم أو يشترون السلع من محلاتهم، ويحتكون بهم مباشرةً بشكل يومى، مما يجعل رؤية هؤلاء أكثر وضوحاً وواقعية من غالبية الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى، المعزولين فى مكاتبهم فوق ناطحات السحاب.
لكن كلاً من الأعمال الكبيرة، مثل شركات الهواتف المحمولة والإلكترونيات الكبرى، والأعمال الصغيرة مثل المحلات والمطاعم، تعانى حتماً من عدم وجود قاعدة مستهلكين قادرة على شراء منتجاتهم، خاصة إذا كان أكثر من ثلث الأمريكان، كما هو واقع حالياً، يحصلون على أجور تكفى معيشتهم بالكاد، ولا يمكنهم تحمل تكلفة شراء مزيد من المنتجات، وهو ما يجعل عدم دفع أصحاب الأعمال أجوراً عادلة لموظفيهم إضعافاً مباشراً للاقتصاد، لأنه يُضعف قدرة المستهلكين على الطلب.
وهى حالة تشبه حالة الركود التى شهدتها أمريكا خلال الأزمة المالية بين عامى 2007 و2009.
فى تلك الفترة، انخفض الدخل المتاح بنسبة 6%، فانخفض الإنفاق الاستهلاكى للناس بنسبة 4%. ربما تبدو هذه أرقاماً صغيرةً فى ظاهرها، إلا أنها كانت كافية لزلزلة مجتمع الأعمال كله، وكادت تصل بالاقتصاد الأمريكى إلى حافة الانهيار.
«روزفلت» راهن فى «الصفقة الجديدة» على ضخ أموال لرفع أجور الأكثر فقراً بدلاً من ترك الثروات تتدفق نحو القمة.. والنتيجة رفاهية مشتركة للجميعوهو ما جعل مؤلف الكتاب يعود إلى استلهام تجربة اقتصادية ناجحة من التاريخ الأمريكى لدعم وجهة نظره فى ضرورة زيادة أجور العمال الأكثر فقراً، وهى تجربة الرئيس الأمريكى الأسبق «فرانكلين روزفلت» التى عُرفت باسم «الصفقة الجديدة».
هى التجربة التى يصفها البعض بأنها أكثر الإصلاحات الاقتصادية نجاحاً فى التاريخ الأمريكى. بدأت إثر «الكساد الكبير» الذى ساد منذ أواخر العشرينات من القرن الماضى، وتسبب فى تزايد معدلات البطالة وانخفاض الناتج والدخل المحلى وتوقف المصانع والمزارع عن العمل. كانت هناك تفاصيل كثيرة فى «الصفقة الجديدة» التى ما زالت حتى هذه اللحظة تقدم دروساً للعالم كله فى كيفية تجاوز الأزمات الاقتصادية والتنبؤ بها قبل وقوعها. إلا أن ما يهم مؤلفى الكتاب هنا هو إدراك الرئيس «روزفلت» ومستشاريه أن هناك تغييراً جذرياً لا بد أن يتم فى بنية الاقتصاد الأمريكى من أجل إصلاحه. وراهن الرئيس الأمريكى الأسبق فى صفقته الجديدة على أن ضخ الأموال لرفع أجور العمال الأكثر فقراً، بدلاً من ترك مزيد من الثروات تتدفق نحو القمة، سيشكل أرضية وقاعدة ثابتة يمكن أن تقوم عليها رفاهية مشتركة للجميع.
كان رهاناً لا يخلو من المخاطرة. لكن «روزفلت» كان محقاً. وأدى هذا الاستثمار فى الناس (المتمثل فى ضخ أموال فى أجور الموظفين الأكثر فقراً) إلى أن يتحقق الاستقرار الاقتصادى بالنسبة للملايين، وتزايد نمو الطبقة الوسطى المكونة من ملايين المستهلكين الذين يملكون أموالاً ينفقونها على الخدمات والسلع التى يقدمها الاقتصاد، مما أدى فى النهاية إلى الازدهار الاقتصادى الذى عرفته أمريكا فى الخمسينات والستينات، والذى عُرف بـ«العصر الذهبى» أو الحقبة الذهبية للاقتصاد الأمريكى.
لكن بمرور الوقت، ومع ظهور سياسات اقتصادية تقوم على أفكار مثل أن خفض الضرائب على الأغنياء يصب فى النهاية فى صالح الفقراء، لأن الأغنياء يوجهون ثرواتهم ساعتها لمزيد من الاستثمار، بالإضافة إلى تحول الكونجرس الأمريكى إلى مجلس تشريعى مهزوز ومنكسر، تزايد عدم المساواة الاقتصادية، واختل استقرار وتوازن الاقتصاد من جديد.
هى السياسات التى تعكسها تصريحات صُناع التشريعات والقوانين من اليمين الأمريكى المحافظ (ومنهم من يدعمون سياسات الرئيس الأمريكى الحالى «دونالد ترامب» فى خفض الضرائب على الأغنياء والتى انتهجها منذ فترته الرئاسية السابقة)، والتى تزعم أن رفع الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعمال الأكثر فقراً سوف يؤدى إلى انهيار الأعمال وفقدان الوظائف وغرق الاقتصاد كله. وهو الكلام الذى يرفضه «جون دريسكول»، مؤلف الكتاب، مؤكداً أن الأمر لا يحتاج إلى التخمين أو الاعتماد على حسابات نظرية وهمية لإثبات خطأ هؤلاء السياسيين. هناك بالفعل عشرات الحالات والدراسات لمدن وولايات فى أمريكا رفعت كلها الحد الأدنى لأجور العاملين فيها بشكل مستقل عما تحدده اللوائح الفيدرالية الأمريكية وأثبتت بالتجربة العملية أن رفع الأجور يصب فى صالح الجميع.
ينظر الكتاب إلى مسألة رفع أجور الموظفين من ناحيتين: من الناحية الإنسانية التى تتعامل مع الموظف كبشر من لحم ودم، ومن الناحية العملية التى ترى فى الأمان المالى للموظف أمراً يصب فى صالح العمل ككل. يقول الكتاب: «من الطبيعى أن تتأثر قدرة الموظف على الأداء بشكل جيد إذا كان عاجزاً عن دفع إيجار شقته أو تكاليف معيشته. عندما يعانى الموظف أو العامل من توتر وقلق مزمن لعدم قدرته على دفع فواتيره فحتماً سوف يتشتت تركيزه خلال ساعات العمل، وبالتالى ستنخفض جودة هذا العمل. هذا ليس مجرد كلام نظرى. تُظهر استطلاعات الرأى المختلفة أن أكثر من نصف الموظفين يقضون ما لا يقل عن ثلاث ساعات أسبوعياً من ساعات العمل يفكرون فيها فى أمورهم ومشاكلهم المالية. تلك الساعات التى يقضونها فى القلق تنخفض فيها جودة وفاعلية ما يقدمون من عمل. بالتالى فإن تخفيف أسباب هذا التوتر المالى من عليهم (بزيادة أجورهم) لن يعنى فقط زيادة سعادتهم وراحتهم، ولكنه سيعنى أيضاً زيادة إنتاجيتهم وكفاءتهم، وسيزيد بالتالى من أرباح العمل».
هذا الأمر يظهر كأشد ما يكون وضوحاً فى الأعمال والمشروعات التى تحتاج إلى علاقة مباشرة بين العاملين والمستهلكين، مثل المطاعم والمحلات التجارية والشركات التى تقدم خدمات للناس. فى تلك الحالات، فإن زيادة رضا الموظفين عن مكان عملهم تساوى مزيداً من الزبائن الراضين بدورهم عن المكان، وتعنى بالتالى مزيداً من الولاء له والاستمرار فى العودة للتعامل معه مجدداً. وهو أمر منطقى تماماً، فالزبون الذى يجد أمامه عاملاً راضياً، مبتسماً ومستريحاً، وليس عاملاً أو موظفاً متوتراً ومضغوطاً، سيجد أن تجربته الشرائية فى هذا المكان مُرضية وجذابة.
الأهم أن الاهتمام بالجانب الإنسانى للعاملين فى شركة ما لا يعنى فقدان هذه الشركة لقيمتها السوقية، بل إن العكس هو الصحيح. يلفت الكتاب الأمريكى النظر إلى أن قيمة أسهم الشركات، التى تُعد مؤشراً فعلياً على نجاح العمل وازدهاره، ترتبط ارتباطاً مباشراً بمدى راحة ورضا العاملين فيها. ويدعم وجهة نظره قائلاً: «إن قائمة «أفضل مائة مكان للعمل»، وهى القائمة التى توضح للموظفين أفضل الشركات التى تهتم بحقوق العاملين فيها، فى الفترة ما بين عامى 1984 حتى عام 2011، كانت تُظهر باستمرار زيادة قيمة أسهم هذه الشركات فى البورصات العالمية عن منافسيها، بنسبة سنوية تتراوح ما بين 2.3 و3.8 %».
ويواصل: «إن الاهتمام بالجانب الإنسانى للموظفين، والنظر إليهم على أنهم بشر لهم حياة لا تقل قيمة ولا أهمية عن حياة صاحب العمل، ليس أمراً يتعلمه الرؤساء التنفيذيون فى كليات إدارة الأعمال. ربما كان الأسهل هو النظر إلى الموظفين على أنهم مجرد أرقام على الورق، إلا أن المؤكد أن دعم صاحب العمل لموظفيه فى تأمين احتياجاتهم واحتياجات أسرهم هو أحد أهم التغييرات التى يمكن لأى عمل أن يقوم بها نحو مزيد من الفاعلية والإنتاجية».
والأهم أنه يساعد صاحب العمل على أن يحتفظ بموظفيه، دون تغيير كثير فى طاقم عمله.
هى نقطة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الحد الأدنى للأجور. كثير من الأعمال التى لا تمنح أجراً كافياً لنسبة كبيرة من موظفيها، وتكتفى بمنح رواتب كبيرة للمديرين والرؤساء التنفيذيين فيها على الرغم من ازدهار العمل وقدرته على الوفاء باحتياجات العاملين فيه دون عناء، هى أعمال تواجه دوماً وجود نسبة كبيرة مما يسمى بالموظف «الدوّار»، أو الذى يترك العمل قبل مرور أقل من عام على وجوده فيه. هذه الأعمال تتعامل مع زيادة نسبة الموظفين المغادرين لها على أنها جزء من طبيعة العمل، ولا علاقة له بتدنى الأجور التى تمنحها لهم.
الواقع أن زيادة عدد الموظفين المتغيرين أو الدوّارين ليست دليلاً على حيوية العمل وإنما على فشله، وأن المؤسسات الناجحة هى التى تستطيع أن تحافظ على ولاء موظفيها لها، بحيث يستثمرون أوقاتهم وأعمارهم فى إنجاحها كما تستثمر هى فى توفير حياة لائقة لهم ولأسرهم. لا أحد يريد أن يتنقل من عمل إلى آخر دون أن يعرف الاستقرار. ومن علامات تدهور العديد من الأعمال أن أصحابها يرون أنه من العادى أن تصل نسبة الموظفين الدوّارين أو المغادرين فيها إلى الربع وأحياناً إلى النصف سنوياً. الأمر الذى يعكس انفصالهم التام عن الوضع الإنسانى لمن يأتون للعمل فى شركاتهم.
يقول الكتاب الأمريكى: «كل من يبدأ عملاً يريد الاستمرار والاستقرار فيه، لكنه يجد نفسه مجبراً على البحث عن عمل فى مكان آخر لو شعر أن صاحب العمل لا يمنحه ما يستحقه. إن العامل لا يختلف كثيراً عن صاحب العمل فى هذه النقطة: كلاهما يريد الاستمرارية ويُقدّر الاستقرار والثبات، والانتقال من عمل إلى آخر أمر ملىء بالتوتر وعدم اليقين للجميع، خاصة ممن يعملون فى مهن برواتب قليلة. تدور فى ذهنهم أسئلة من عيّنة: «ماذا لو كان القادم أسوأ؟ ماذا لو كانت ظروف العمل أكثر تدهوراً؟ ماذا لو كان رئيس العمل التالى لا يطاق؟». لكن عندما يجد هؤلاء أنفسهم فى مواجهة ظروف عمل لا تمنحهم أجراً ولا احتراماً، فإن المستقبل المجهول (وربما المخيف) ساعتها يصبح أكثر احتمالاً من الواقع المؤكد».
تقدير الموظفين لاستقرار وظائفهم أظهره استطلاع للرأى أجرته مجلة «هارفارد بيزنس ريفيو». قال 62% من العاملين الذين يتلقون أجوراً زهيدة إنهم على استعداد للاستمرار فى عملهم الحالى لو أنهم حصلوا على ترقية أو زيادة فى أجورهم. وقال 9% منهم إنهم مستعدون للاستمرار فى أعمالهم الحالية دون زيادة فى الأجور لو أن صاحب العمل تعهّد بإلحاقهم ببرامج تدريبية أو لزيادة المهارات الوظيفية. وأعلن 6% استعدادهم للاستمرار فى العمل لو شعروا بثقة صاحب العمل فيهم بمنحهم مزيداً من المسئوليات. لكن المثير أن 22% من العاملين قالوا إنهم يريدون الاستمرار فى وظائفهم الحالية حتى بغير إجراء أى تغييرات على رواتبهم أو تدريبهم أو زيادة مسئولياتهم.
والواقع أن مسألة كثرة تغيير الموظفين، والتى تصل إلى ذروتها فى الأعمال التى تعتمد بنسبة كبيرة على أصحاب الرواتب الزهيدة، الذين يتغيرون على نحو مستمر بشكل يجعل هذه الأعمال هى الأقل استقراراً من وجهة النظر الاقتصادية، هى مسألة تزيد من تكاليف العمل بشكل مباشر وغير مباشر. إن تكاليف العمل لا تنحصر فى زيادة الأجور وضعفها فحسب، وتكلفة الموظف المغادر بسبب قلة الأجر لا تنحصر فى خانة أجره وحدها. الأخطر هنا هو التكلفة غير المباشرة التى تبدأ فى الظهور عند مغادرة موظف ما، والوقت الذى تحتاجه الشركة لتدريب موظف جديد على مهام عمل الموظف السابق، والتى يقوم بها عادة موظف آخر قديم، يخسر العمل جزءاً من ساعات إنتاجيته بسبب انشغاله فى تدريب الموظف الجديد، أو اضطراره لسد الفراغ الذى تركه الموظف المغادر. كل هذه التكاليف قد تصل إلى آلاف الدولارات، إذ إن أقل التقديرات التى درست تكلفة الموظف المغادر أو الدوّار، وفقاً للكتاب، ترى أن تكلفة استبدال أى موظف تصل إلى حوالى ثلث أجره السنوى، فالموظف الذى كان يحصل على 21 ألف دولار سنوياً مثلاً يكلف استبداله 7 آلاف دولار، وهكذا. هذا هو التقدير الأدنى، إلا أن معظم التقديرات تشير أيضاً إلى أن التكلفة الفعلية قد تصل إلى ما بين 50% إلى 200% من أجر الموظف المغادر فى بعض الأحيان.
دعك طبعاً من أن أى موظف جديد لا يبدأ العمل بفاعلية وكفاءة كاملتين على الفور، ويحتاج إلى قدر منطقى من الوقت قبل أن يتمكن من إتقان مهامه الوظيفية، أى إن مغادرة الموظف الذى يعرف بالفعل كيفية أداء العمل، واستبداله بآخر جديد، يعنى أن صاحب العمل لا بد أن ينتظر ما بين ثلاثة أشهر إلى عام، وربما عامين، قبل أن يصل الموظف الجديد إلى نفس نقطة الإنتاجية والفاعلية التى وصل إليها الموظف السابق وقت مغادرته.
تخيل إذن حجم التكلفة التى تتحملها شركة يغادرها سنوياً مائة عامل مثلاً على الأقل. ألم يكن من الأفضل إذن زيادة الأجور فيها بنسبة بسيطة ولائقة لحياة الناس، وتكلفة أقل بكثير من تكلفة المغادرة التى تضاف إلى زيادة عدم استقرار العمل وربما انخفاض قيمته ككل؟
بعض رجال الأعمال لا يفهمون كيف يسير الاقتصاد.. ولا سبيل لنجاح المشروعات لو أن قاعدة المستهلكين لا تملك ما يكفى من المالالمشكلة أن رؤساء ومديرى الأعمال والشركات قد لا يشعرون بالفراغ الذى يتركه الموظف إلا إذا كان على مستوى القيادات الإدارية أو العاملين الذين تسبب مغادرتهم فراغاً ملحوظاً على مستوى المؤسسة، إلا أن الكتاب الأمريكى يلفت النظر إلى أن العمل قد يتأثر أيضاً بغياب أصحاب الوظائف الصغيرة، أو المهمشة التى قد يعتبرها البعض للوهلة الأولى غير مؤثرة، يقول: «تخيل مثلاً كم الوقت الضائع والتكلفة والإنتاجية المفقودة التى قد تسببها مغادرة العامل الذى يعرف بالفعل مكان كل شىء فى المخزن، أو الطاهى الذى يعرف كيفية تشغيل وإصلاح الموقد القديم، أو العامل الذى يعرف كيف يعلم القادمين الجدد الطريقة الصحيحة والسريعة لرص الأرفف فى محلات البقالة. هذه هى التفاصيل الصغيرة التى تجعل العمل يسير بفاعلية وبشكل سلس. غياب هذه العناصر التى تساعد على سلاسة سير التفاصيل الصغيرة وغير الملحوظة فى العمل يشبه غياب الزيت الذى يساعد على ليونة عمل المحركات، لن تواجه عندها إذن إلا الخشونة وتعطيل سير العمل».
إنها تلك التفاصيل الصغيرة التى تصنع الفارق بين الربح والخسارة، وبين النجاح والفشل، والتى لا ينتبه إليها كثيرون، للأسف، إلا بعد فوات الأوان.