لجريدة عمان:
2025-04-29@18:01:54 GMT

مطولات شعرية في الوحدة العمانية والتآلف القبلي

تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT

في ديوان الشعر العماني مطولات شعرية، نظمها الشعراء في استنهاض همم القبيلة، تذكِّرُ بمَحتدِها وأرومتها، جاءت وكأنها رسائل تنشد الوئام، وتدعو إلى الالتفاف في حيزوم الوطن، أو كأنها خنجر يزهو في الخاصرة، وفي هذا المقال أتناول ثلاث قصائد من المطولات في الشعر العماني، كتبها الشعراء في حب الوطن، وهي؛ قصيدة «الفتح والرضوان في السيف والإيمان»، والمشهورة باسم: «النونية»، لأبي مسلم البهلاني (ت: 1920م)، والثانية قصيدة «الوحدة» لأمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي (ت: 2000م)، والأخيرة قصيدة «القلادة»، للشاعر الشيخ هلال بن سالم السيابي ببيانه الشعري الملهم، كتبوا في حب عُمان، من خلال التذكير بالمدينة والقبيلة معًا، واستثارة الهمة والأرومة التي ينشدها الشاعر، هذه القصائد الثلاث أنموذج للمطولات الشعرية التي تنشد الوحدة العمانية وتدعو إليها.

- «الفتح والرضوان» لأبي مسلم: الكتابة عن القصيدة النونية ليس بجديد، ولا يأتي بجديد، فقد كتب عنها الكثير، تحليلا ونقدًا، وشدت بها الحناجر منذ أن خطها المؤلف في منفاه الأخضر بزنجبار عام 1332هجرية، وقد أوتي الشيخ أبو مسلم في هذه القصيدة وديوانه أيضًا حظًا من الشهرة والتوفيق، ومحبة الناس التي لا توصف، حتى أصبحت فاكهة المجالس، ومهوى أفئدة الحفاظ، والنغم الشعري الذي يسيل من الحناجر شدْوًا، وهناك أسباب كثيرة حفزت هذا الشعور، فالشاعر أبو مسلم عاش حياته مغتربًا في زنجبار، وقد أبدع في وصف الحنين إلى الوطن، ورسم حرائق أشواقه بقلم شاعر فنان مطبوع، والقارئ للقصيدة لا يتمالك إلا أن ينفعل بتلك الشحنة الشعرية الهائلة من الحنين والبكاء على الوطن البعيد، منذ البيت الأول: «تلك البوارق» المؤتلقة في سماء المخيلة، فما لطرفك يا ذا الشجو وسنان!.

الحنين إلى أماكن الطفولة، ووصف الجبال المطلة برؤوسها وكأنها منحوتات بديعة، والعيون الدافقة بالحياة، ووصف لواعج الأشواق ومحبة الوطن البعيد، ومرابع الطفولة التي تسكن البال، وذكرى الأحبة الذين فارقهم الشاعر في منبت مرعاه الطفولي الأخضر، تحتشد كلها في الأبيات الأولى، فيبدع الشاعر أكثر في رسم صور الشوق إلى منابع الطفولة، وساحات الصبا، والمعاهد التي كان يتعهدها ويعهدها، لأنها ما تزال تسكن وجدانه ويسأل عن ذرى الجبال السامقة: (وهل ذُرَى القَفْص فالمِقرَاة مُعشِبَة)؟. قبل أيام ذهبت إلى زيارة الشيخ موسى بن سالم الرواحي، وفي الطريق إلى قرية «السيح» بوادي بني رواحة، حيث يسكن الشاعر الشيخ، تذكرت المعاهد التي بكاها أبو مسلم في نونيته، فهذه الجبال التي تكحل عيني قممها، كانت يومًا تلهب ذكراها وجدان الشاعر أبو مسلم وهو في زنجبار، وتذكرت طفولته في هذه الأنحاء الخضراء، والذرى المعشبة، وعانقت ذرى «القفص» و«المقراة»، وكأن الشاعر ينشد قصيدته، ويزرعها نغما شجيًا في خيالي. يا لأبي مسلم في وصفه الرائق لهذه الأمكنة الدافئة، يا لها من أشواق وهي تتصبب من خياله كالمطر المنهمر، تشعل جمرتها البوارق، وتسيل بهزيم الودق، بين الآكام العالية والقيعان السحيقة، فترفق يا برق بجفن الشاعر، وحسبك أنه ما في الأرض ظمآن، ويبخل بدمعه حتى لا يسيل على أرض ليست له وطنا.

وبعد تلك الأنواء الشعرية التي أبدع الشاعر وصفها في 38 بيتًا، يأتي إلى ناقل العيس من عليا بدية، حيث اليحمد الحائزون المجد، مخلفا وراءه عز والمضيرب والدريز والقابل، وإبرا العلاية والسفالة، وسمد والأخشبة والخضراء، ووادي حلفين وجرنان إزكي، ثم مباشرة إلى الجوف العماني، بدءًا بقرية «فرْق»، الثغر الباسم في وجه «نزوى»، ليعانق فيها هضبات «الحوراء» الشاخصة، والحاضنة للسحب، هناك حيث نزوى الميمونة، التي (رَسَتْ بها هَضْبَةُ الإسلامِ مِنْ حِقَبٍ)، و(قامَتْ بها قبةُ الإسلامِ شامِخةً).

ونأتي إلى لب قصدنا من القصيدة، وهو استنهاضه العجيب للقبائل العُمانية، بتذكيرها بأمجادها، بدءًا بذئاب الدوِّ بني تمام ومن ربته جعلان، والجنيبيون سعد العشيرة، وراسب سيف الأزد، وأهل الذمار الهشم، والحرث الكرام، والمساكرة الصيد الغطارف، والحبسيون، إلى بقية القبائل التي أبدع في استنهاض نخوتها، فقد كان الوطن الوَحْي الأول في قلب الشاعر، والوحدة بين القبائل رسالته الأهم، ناصحًا بحرارة المحبة، ومختتمًا قصيدته المهلمة بهذا البيت: (فإنْ تَمَكَّنَ نُصْحِي مِنْ بَصائِرِكُمْ .. بَدَا لكُمْ مِنْ ضِياءِ الحَقِّ فُرْقانُ).

– «الوحدة» لعبدالله الخليلي: قصيدة ميمية، تناولت الوحدة بين القبائل من أجل الوطن، نُشِرَت القصيدة في ديوان «من نافذة الحياة»، ضمن «الموسوعة الشعرية لأمير البيان»، الصادرة بتحقيق الأستاذ سعيد بن سالم النعماني، عام 2018م، يقول المحقق في سياق تقديمه للقصيدة: (إنَّ الشاعر يُعوِّل أكثر على جامعة الوطن، ورآها أوثق عرى الائتلاف، في سياق الغاية التوحيدية، التي أقام قصيدته على أساسها)، يبدأ في مطلعها بذكر «أَدَم»، كونها المنشأ الأول للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي: (يا سَاهِرَ البَرْقِ بالعَليَاءِ مْنْ أَدَمِ .. حُيِّيْتَ حَيِّ مَغانيها بمُنْسَجِمِ/ وَحَيِّ نَزْوَى بأنْوَاءٍ مُبارَكَةٍ .. تَهْمِي عَليْها بمُنْهَلٍ مِنَ النِّعَمِ/ واطْوِ الصَّحَارِيَ فالعَليَاءُ مُصْحِرَةٌ .. عَنْ رَأيِها وَصُحُارٌ مُلتَقَى الدِّيَمِ/ واسْقُطْ سُقُوطَ النَّدَى تَسْقِي بمَسْقَطَ مِنْ .. أفيَائِها عامِرًا بالعَالَمِ الفَهِمِ) الخ.

ولا يُخفِي الشاعر تأثره بنونية أبي مسلم، لا من حيث نظمه لمفتتح قصيدة تبلغ 60 بيتًا، يحاكي فيها القصيدة النونية، مبنى ومعنى ووزنا وقافية: (اللهُ يَحْكُمُ والأكوَانُ أعْيَانُ .. والنَّصْرُ يَبْرُقُ والصِّمْصامُ ظمْآنُ)، ولا من حيث محاكاته لمطلع قصيدة أبي مسلم: (تلكَ البَوَارِقُ حَادِيهِنَّ مِرْنانُ)، فيكتب الخليلي ألفية جديدة يسميها «وحدة الشعب»، أو «ملحمة القبائل»: (يا سَاهِرَ البَرْقِ بالعَلياءِ مِنْ أَدَمِ).

يقول الشاعر في ميمية الوحدة: (يا إخوتي بعُمانَ الأمِّ تَذكِرَةً .. فإنما نَحنُ والذِّكرَى بَنُو رَحِمِ/ قدْ عاشَ آباؤُنا يَرْوُونَها غَدَقًا .. بكَوْثَرِ الحُبِّ فاخْضَلَّتْ برَيِّهِمِ/ وها أنا الآنَ أسْقيها بنَبْعِكِمُ .. نَبْعِ الأخُوَّةِ في فيَّاضَةِ الشَّبِمِ) الخ.

- «القلادة» لهلال بن سالم السيابي: في نظمه لقصيدة القلادة، استفاد الشاعر من تجربة أبي مسلم في نونيته، فقد كتبها على ذات الوزن والقافية، وغذَّاها بعذب بيانه الشعري، جامعًا بين ذكر المدن العمانية والقبائل التي تسكنها، مفتتحا بهذا المطلع: (يا شَادِيَ الأيْكِ لا رَنْدٌ وَلا بَانُ .. نَبَا المَكانُ وَعَزَّ اليومَ إمْكانُ/ قدْ بَارَحَتْهُ يَدُ الوَسْمِيِّ مُبْكِرَةً .. وَبَانَ مِنْ أيْكِهِ النَّسْرينُ والبَانُ)، وكأنه في مطالع قصيدته يترسم ذات الخطى والمسلك الذي نهجه أبو مسلم، فهي على غرارها، وصدرت مطبوعة لأول مرة في بيروت عام 2004م، ثم ضمَّنها ديوانه الجامع، الصادر بعنوان: «أصداء من وادي عبقر».

القصيدة سخية بمعانيها البلاغية، فالشاعر هلال السيابي أستاذ في هذا الجانب، وأجاد في ربطه ببعض الأساليب البيانية بقصيدة أبي مسلم، حتى أنه ضمَّن بعضًا من أشطرها، وهي قليل قياسًا بقصيدته الجامعة هذه، وأحيانا يغترف من مفردات أبي مسلم، ما يتجانس مع قصيدته، ثم بعد بكاء على الأطلال، والتذكير بالمُدُن التي تسكن القلب، يبدأ بـ«مسقط»، وما حولها من مدن، يقول: (فانزِلْ على بَرَكاتِ اللهِ مَسْقطَ .. دَارُ العِزِّ والشُّهْمِ لا هانَتْ ولا هَانُوا .. فثَمَّ للمَجْدِ رَاياتٌ مُظفَّرَةٌ .. وَثمَّ للمَجْدِ أطوَادٌ وأرْكانُ)، ذاكرًا القبائل التي تسكنها: (سَمَتْ بآل سَعِيدٍ عِزَّة وَعُلًا .. كما سَمَتْ بهمُ في الفَخْرِ قحْطانُ)، و(حَيِّ آلَ وهيبٍ في جَوانِبِها)، وَحَيِّ عني عواليها بنِي حَسَنٍ)، معدِّدًا مناقب كل قبيلة في كل مدينة يسلكها الشاعر، ثم يتجه إلى مدن الداخل العماني، ثم إلى الظاهرة، ثم إلى البريمي ومسندم، ويعود إلى الباطنة، والرُّستاق، بمن يسكنها من القبائل، ويحث السير نحو الشرق العماني، إلى سَمد والمضيبي، ورواشد سناو وبراشدهم، ويقف عند إبراء، وينزل في دَما، وينزل على آل حِجْر في بديَّة، وراسب جعلان، ثم إلى صور حيث الجنيبيون، ويحيِّي قلهات، والشعيبيين، ويسافر إلى ظفار حيث المعاشن وآل كثير، والمهرة ثم يعود إلى سمائل، مخاطبا أباه، ليحاور معه سمائل، نبع الطفولة ومنابت الشعراء، أو كما يقول: (ولِي بسَاحَاتِها عَهْدٌ ومُرْتبَعٌ .. ولِي برَوْضَاتِها رَوْحٌ وَرَيْحَانُ).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أبو مسلم مسلم فی بن سالم

إقرأ أيضاً:

"العمانية لنقل الكهرباء" تؤكّد جاهزيتها لفصل الصيف بأنظمة تشغيلية متقدمة

 

 

مسقط- الرؤية

أكّدت الشركة العمانية لنقل الكهرباء- إحدى شركات مجموعة نماء- جاهزيتها التامة واستعداد فرقها الفنية وأنظمتها التشغيلية للاستجابة للطلب المتزايد على الطاقة خلال صيف عام 2025م، والذي من المتوقع أن يشهد ارتفاعًا في الأحمال بنسبة تتجاوز 10%.

ويأتي هذا التأكيد عقب سلسلة من ورش العمل الفنية المتخصصة التي نظمتها الشركة بهدف استعراض التوقعات المتعلقة بالأحمال الصيفية، ومناقشة أفضل الممارسات لتشغيل وحدات الإنتاج بكفاءة اقتصادية، إضافةً إلى استعراض الحلول التقنية المبتكرة التي من شأنها دعم كفاءة العمليات التشغيلية وتعزيز استقرار الشبكة الكهربائية في مختلف محافظات السلطنة.

وشملت الورش المنفّذة استعراض أهم المشاريع والمحطات الجديدة التي دخلت أو ستدخل الخدمة قبل فصل الصيف، وأهمها مشروع خطوط النقل الهوائية جهد 400 كيلوفولت الرابطة بين عبري والرستاق وصولاً إلى الجفنين بمحافظة مسقط، ومدى مساهمتها في تعزيز أداء الشبكة الكهربائية، إلى جانب مناقشة أوضاع الأصول التي خضعت لأعمال الصيانة الدقيقة، واستعراض التحديات التي واجهتها الفرق الفنية خلال أعمال الصيانة، والحلول الفعّالة التي طُبّقت للتغلّب على تلك التحديات، كما تطرقت الورش إلى موضوعات تتعلق بخطط الشركة الخمسية لتطوير الشبكة وتعزيز بنيتها التحتية.

وقال المهندس سلطان الرواحي المدير العام لمركز توزيع الأحمال بالشركة العمانية لنقل الكهرباء: "إن جميع الأنظمة الحيوية والفرق الفنية بالشركة على أتمّ الجاهزية للعمل بكفاءة عالية خلال الفترة المقبلة، حيث أن دخول أكثر من 1000 ميجا واط من الطاقة الشمسية النظيفة رفع القدرة الإنتاجية من الطاقة المتجددة إلى أكثر من 1550 ميجا واط، ستُسهم في إحداث تغيير كبير في عمليات توزيع الطاقة واختلاف مصادرها والتحديات التي تواجه تشغيلها بالشبكة، وذلك بما يضمنُ استمرار الخدمة بأفضل مستويات الجودة والموثوقية خلال فصل الصيف، الذي يشهد عادةً زيادة ملحوظة في الطلب على الطاقة من مختلف القطاعات."

وأضاف: "تلتزم الشركة بمراجعة ومتابعة جميع العمليات التشغيلية لضمان تنفيذها وفق أعلى معايير الجودة والكفاءة، بهدف تعزيز استدامة شبكة الكهرباء في جميع أنحاء السلطنة، وتشمل هذه الجهود تنفيذ حملات تدريبية، وزيارات ميدانية، ودراسات تطويرية تهدف إلى رفع كفاءة الفرق الفنية، وتعزيز استخدام التقنيات الحديثة، وتبنّي حلول مبتكرة وذكية تواكب تطوّرات القطاع."

مقالات مشابهة

  • عبدالله بلحيف يشارك في أمسية شعرية في «أبوظبي للكتاب»
  • سوناطراك تناقش تعزيز القدرات الإنتاجية للشركة العمانية الجزائرية للأسمدة
  • أبناء مديرية الوحدة يعلنون وثيقة الشرف القبلي والنفير لمواجهة التصعيد الأمريكي
  • قرارات جديدة للاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير العمانية ومعادلة المؤهلات
  • الفنان القحوم يعبر عن سعادته بعد حفلتين ناجحتين في دار الأوبرا العمانية
  • منصور بن زايد: سعدت بحضور العرس الجماعي لقبيلة النيادات وأبناء القبائل الأخرى بمنطقة العين
  • "العمانية لنقل الكهرباء" تؤكّد جاهزيتها لفصل الصيف بأنظمة تشغيلية متقدمة
  • وقفة مسلحة في بني بهلول دعماً للشعب الفلسطيني وإعلان وثيقة الشرف القبلي
  • “سوسطارة” تواصل الغرق.. شبيبة القبائل تُطيح بـ”السياربي” و ترتقي لوصافة الترتيب
  • جامعة الاسراء تستضيف الجلسات النقدية ضمن مؤتمر قصيدة النثر في العراق