فى الثقافة اليابانية ثمة خدعة نفسية يتعلمها كل محارب الساموراى فى الصغر كى يتغلب على ما يواجهه من أحداث الواقع الأليم عن طريق تكوين مأوى نفسى داخل أعماقه محاط بسياج ذى ثمانى بوابات تلوذ به روحه عندما يواجه ما يؤلمه فى الحياة بكل ما تحمله من اختبارات قاسية ومآسٍ تدمى قلبه، سواء فقدان عزيز أو تقلبات دهر قاسية وهو بذلك يتعلم كيف يتغلب على ألمه الشديد ويقف ثانية على قدميه لمواجهة شدائد الحياة، إذ تستعيد نفسه صفاءها بمرور الوقت، ويواصل حياته دون أن ينهار أو يفكر لحظة فى أن يتخلص من حياته تحت وطأة ما يصادفه من أحداث قاسية.
لا شك أن ذلك الملاذ النفسى العميق الذى تدرب اليابانيون على الاحتماء به منذ الصغر قد نأى بهم عن الوقوع فى براثن الانكسار إزاء كل كارثة تحل بهم بل ساعدهم هذا المأوى النفسى على النهوض سريعاً وهم الذين اعتادوا الكوارث الطبيعية من حولهم من زلازل وبراكين.. إلخ والتى ألقت بظلالها على نمط حياتهم وفلسفتهم إزاء الكون، إذ كانوا ينهضون سريعاً مرة تلو أخرى كطائر العنقاء الأسطورى الذى ينهض من الرماد بعد أن يظن الجميع أنه سوف يفنى إلى الأبد.
ولك أن تتخيل أن اليابان فى القرن الماضى وتحديداً فى عام 1862 قد أوفدت لمصر «بعثة الساموراى»، الذين كانوا أكثر الطبقات تعليماً وتثقيفاً لديهم آنذاك، ضمن رحلتهم إلى بلدان أخرى كثيرة للوقوف على أسباب نهضتها وتقدمها، لكى تحذو حذوها وتبلغ مراقيها ولكم كانت دهشة اليابانيين المبعوثين عندما وجدوا فى مصر قطاراً وسكة حديدية فى الوقت الذى لم تكن اليابان قد عرفت القطارات بعد!!
الآن انتقلت الدهشة لتكون من نصيبنا نحن، حيث نقف مشدوهين أمام يابان الحاضر، ناظرين إليها نظرة ملؤها الإعجاب بما تمثله من نهضة فريدة على جميع الأصعدة، فقد غدوا أسطورة تقدمية تبعد آلاف السنوات الضوئية عن يابان الماضى و«عنا كذلك»، إذ تعد اليابان من الناحية الاقتصادية أحد أكثر البلاد تقدماً فى العالم ويحتل الناتج القومى الإجمالى المرتبة الثانية على مستوى العالم، كما تحظى العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا، وسونى، وأفلام فوجى وباناسونيك بشهرة عالمية غير مسبوقة.
أما نظام النقل فى اليابان فهو يعد من الأنظمة الفريدة المتطورة جداً، فشبكات الطرق والسكك الحديدية تغطى تقريباً كل جزء من البلاد، إذ تتحرك القطارات السريعة، المسماة «شينكانسن» أو القطارات «الرصاصة»، بسرعات فائقة السرعة تصل إلى 250 و300 كيلومتر فى الساعة، بينما تحتوى شبكة خطوطها على خمسة مسارات ويعتبر النظام اليابانى الأكثر أماناً للسكك الحديدية فائقة السرعة على مستوى العالم.
نعم، قد تعترينا الحسرة عند النظر للطفرة اليابانية مقارنة ببلادنا فى هذه الآونة، حيث لم ننجح فى تحقيق الطفرة المأمولة التى تؤمّن لنا ما نأمله من الرفاه الاجتماعى والقضاء على ثالوث الجهل والفقر والمرض، ناهيك بالاقتصاد المنهَك والجنيه «معدوم العافية» الذى هو فى حالة تراجع دائم مع مستوى من التضخم لم نشهده من قبل.
ربما لا يوجد لدينا -نحن المصريين- سياج ذو ثمانى بوابات نلوذ به عند اشتداد الأزمات كاليابانيين، لكن الشخصية المصرية بما عُرف عنها من الصلابة والقدرة على التحمل وتحويل لحظات الانكسار إلى انتصار تعطينا الأمل فى أننا نستطيع، نعم نستطيع تحقيق الكثير مما يدهش العالم فقط إذا توافرت الإرادة والعزم على التغيير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بوابات السياج طريق مأوى فقدان عزيز
إقرأ أيضاً:
نجيب ميقاتي: طوينا مرحلة قاسية لم يعشها اللبنانيون على مدار تاريخهم
قال نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، إن بلاده أمام يوم جديد بعد وقف إطلاق النار ودخوله حيز التنفيذ، متمنيًا أن يحمل السلام والاستقرار إلى الوطن.
وأضاف «ميقاتي»، خلال مؤتمر صحفي، اليوم الأربعاء: «نحن نعلق آمالنا على الجيش في بسط سيطرة الدولة على ربوع الوطن، كما نؤكد التزام الحكومة بتنفيذ القرار الأممي 1701، لاسيما فيما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش في الجنوب».
وتابع: «طوينا مرحلة من أقسى مراحل المعاناة التي عاشها اللبنانيون على مدار تاريخهم»، معقبًا: «الحكومة لم تتوان عن الاضطلاع بدورها منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية، لذلك متمسكون بسيادة دولتنا برًا وبحرًا وجوًا، ونؤكد تعاوننا مع قوات (اليونيفيل) في الجنوب اللبناني».
وواصل: «نطالب إسرائيل بالالتزام بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، ونؤكد المرجعية الأمنية للجيش اللبناني بما يسقط الحجج التي يختبئ خلفها الاحتلال الإسرائيلي».
وقال: «الجيش اللبناني يقوم بعمله في أصعب الظروف، حيث قدم 46 شهيدًا من جنوده وعددا من المصابين جراء الحرب الإسرائيلية، وجراء تلك الحرب علينا التكاتف لمواجهة التحديات التي تواجه لبنان بعد العدوان»
واختتم: «نثمن جهود الجيش ونشيد بدوره لإعادة الأمن والاستقرار إلى الجنوب اللبناني، ونآمل أن تؤدي الأيام المقبلة إلى انتخاب رئيس جمهورية واستكمال المؤسسات الدستورية».
اقرأ أيضاًرئيس مجلس النواب اللبناني: نحن أمام اختبار حقيقي لإنقاذ لبنان وإعادة المؤسسات الدستورية
الرئاسة الفلسطينية ترحب بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار في لبنان
بري: نطوي لحظة تاريخية كانت الأخطر على لبنان هددت شعبه وتاريخه