مع تسارع تطويرات أنظمة الذكاء الاصطناعي تتسارع دائرة انتشار تطبيقاتها فـي حياتنا الخاصة والعامة والمهنية، وصار من اليسير على كل فرد منا أن يجعل من تطبيقات الذكاء الاصطناعي جزءا مهما من حياته، ولعلّ أقرب مثال استعمال معظم الناس لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل «شات جي بي تي» لأغراض متعددة تشمل أبسط المهام مثل البحث الذي سيقوّض من شعبية محركات بحث كبيرة مثل «جوجل»، وتبرز فـي هذا الشأن الفرص الرقمية الجديدة الناشئة والتحديات التي ستواجه منظومات رقمية أخرى مثل شركة «جوجل» فـي البحث عن سبل البقاء فـي بيئة رقمية منافسة لم تعد «جوجل» تملك فـيها صدارة التقدّم التقني، وهذا ما يوجهنا إلى أن نرى الأمور بمنظور أكثر شمولية يجمع بين البحث عن الفرص وبين مواجهة التحديات بوجود عنصر الحذر.

رغم ما يعتري كبرى شركات التقنية مثل «جوجل» من تحديات، ولكنها تبذل جهدا موازيا لمواجهة كل التحديات التي تفرضها الثورة الرقمية وانفتاح فرصها للجميع، وهذا ما ينبغي أن ندركه نحن كذلك فـي محيط منظومتنا الحكومية التي تمثّل توجهاتنا الوطنية الرامية إلى تحقيق أفضل مستويات المعيشة والاستدامة.

سيجد بعضنا أن لا علاقة بين التنافس المحتدم فـي ثورة الذكاء الاصطناعي -خصوصا فـي نطاقه التجاري- وبين مطالبتنا لتوسيع دائرة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي فـي القطاعات الحكومية، ولكن ثمّة علاقة تتصل بمفهوم الفرص والتحديات؛ فنحن أيضا نخوض منافسة إقليمية ودولية لا نعفـي أنفسنا منها وفق قواعد التنافس النزيه المتعلق بقطاع البحث العلمي والتنمية الاقتصادية والتطبيقات الرقمية، ويأتي الذكاء الاصطناعي -فـي حاضرنا الرقمي- باعتباره أحد أهم عناصر هذا التنافس الذي نرى فـيه الفرص الكثيرة وفـي الوقت نفسه نلحظ التحديات الكثيرة. بات من السهل أن نلمح فرص الاندماج مع تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحديد تطبيقاتها ومواضع استعمالاتها فـي قطاعاتنا الوطنية، ولكن بعين راصدة أخرى لا ينبغي أن نغفل عن التحديات المصاحبة لهذه الفرص؛ لنتجنب معضلات تمس الجانب الأمني والاستثماري -المالي-؛ فمجاراتنا لتطويرات الذكاء الاصطناعي حاجة ملحة لا مناص من خوض غمارها حال أننا قبلنا بأن نكون جزءا من هذا العالم الرقمي وبلوغ مستويات التقدّم العلمي والاقتصادي الذي تؤكد الدراسات أنه منوط بنجاح الدول فـي الجانب التقني والرقمي، وهذا ما يشمل التفوّق العسكري؛ فما تزال مقولة الرئيس الروسي «بوتين» تتردد حين قال إن الذكاء الاصطناعي ومن يملكه ويتقن استعماله سيكون معيار القوة للدول، ويعبّر هذا التصريح عن واقع لا ينبغي أن نغفله أبدا.

سبق أن تحدثنا عن الفرص الممكنة لأنظمة الذكاء الاصطناعي واستعمالاتها فـي قطاعاتنا الوطنية، وسبق أن رصدنا مسارنا الرقمي فـي تبنّي سلطنة عُمان لكثير من هذه الفرص منها ما يمكن تصنيفه بأنه من التطبيقات المتقدمة مثل تفعيل دور الذكاء الاصطناعي ليكون أحد أهم المشغلات فـي القمر الصناعي العُماني الذي أطلقته سلطنة عُمان بداية شهر نوفمبر الجاري، وما زلنا نرصد الكثير من الإنجازات الرقمية فـي المسار الرقمي العُماني الذي يأتي فـي صوره التدريبية والتطبيقية، ولكن يظل سؤال -فـي عقلي- ملازما مفاده: أفعلا أننا فـي مسار جيد نقتنص فـيه الفرص الرقمية ونعمل بكفاءة عالية فـي عملية تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي فـي كل قطاعاتنا، وأننا على وعي عالٍ بالتحديات المتوازية لهذه الفرص؟ ولكي أكون أكثر موضوعيا فـي الجواب مع احتفاظي بإعجابي بمسارنا الرقمي الحالي؛ فأجيب أننا نبذل جهودا كبيرة نشكر القائمين عليها، ولكن فـي ظل المنافسة الإقليمية والدولية سنحتاج أن نتخلّص من التواضع الرقمي وعدم الاكتفاء بهذه المستويات؛ فنحن أمام تحديات كثيرة، وستزيد مع كل صعود وتيرة التطويرات الرقمية والتنافس الذي يحصل بين الدول على الصعيد العلمي والتجاري والعسكري، وسنحتاج إلى مضاعفة دائرة التفعيل للذكاء الاصطناعي على صعيد واسع ووفق معايير وطنية محضة؛ فنحتاج أولا إلى توسيع رقعة البرامج الرقمية وخصوصا الذكاء الاصطناعي لتبدأ من الناحية المعرفـية عبر مناهجنا المدرسية بشكل عميق دون أن تقل درجة عن بقيّة العلوم الرئيسة، وكذلك فـي البرامج الجامعية -هذه إحدى التوصيات الرئيسة التي أفرزها المؤتمر الدولي الرابع «الاتصال والإعلام وثورة الذكاء الاصطناعي: الحاضر والمستقبل» الذي اختتمت أعماله الأسبوع المنصرم فـي جامعة السلطان قابوس-، وينبغي أن ندفع بالمؤسسات الوطنية الرقمية الناشئة -الصغيرة والمتوسطة- لتكون ضمن عملية هذا التحول الرقمي الشامل والتفعيل الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتكون هذه دعوة لدعم هذه المؤسسات العُمانية ودعمها ومشاركتها مشروعات التحول الرقمي بشكل أكبر عبر منحهم فرص المساهمة المباشرة فـي تشغيل الأنظمة الرقمية، وذلك لعدة أسباب أولها وأهمها ضمان أمن البيانات؛ فأهل البيت أحرص من غيرهم على حفظ خصوصية البيت وحمايته من الأخطار، وتحقيق أهداف اقتصادية تضمن الحركة المالية فـي النطاق الداخلي، وتعزيز الخبرات الوطنية التي بوجود البرامج التعليمية الرقمية والممارسة العملية لتشغيل الأنظمة التقنية المتقدمة سنتمكن من صناعة جيل قادم لا يواجه تحديات تراجع الفرص الوظيفـية لصالح الذكاء الاصطناعي الذي سيأخذ فرصا مهنية من الإنسان -بدأنا نلحظه فـي حاضرنا- مثل الترجمة والتنسيق والتحليل بما فـيه تحليل الفحوصات الطبية والأشعة والبرمجة وتصميم البرامج ومواقع الإنترنت والمراقبات الأمنية والصناعية، وفـي مستقبل أبعد -فـي حدود لا يقل عن 20 عاما- ستختفـي وظائف -لصالح الذكاء الاصطناعي- مثل قيادة السيارات والحافلات والطائرات والسفن والمناصب الإدارية الكبرى بما فـيها الإدارات التنفـيذية. تتعدد الفرص فـي حاضرنا وعلينا أن نسابق الزمن فـي تعلمها وتعليمها وتأسيس جيل قادر على التفاعل معها ومواجهة تحديات تخص أمن البيانات، وحوكمة الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، والتأقلم مع فرص مهنية أخرى مناسبة للإنسان تعيد تموضعه فـي سوق العمل دون أيّ تراجع فـي مواكبة الزحف الرقمي ودون أن يفقد الإنسان دوره المتجدد فـي الحياة. لا أجد أفضل من القطاعات الحكومية فـي توجيه هذه الرسالة للمسارعة فـي فهم هذه المتغيرات وضرورة تحديد الفرص الرقمية وصناعتها والأهم الوعي بالتحديات -التي ذكرناها آنفا- والاستعداد لمواجهتها؛ فنحن مع نهضتنا المتجددة نملك الإرادة والمقومات البشرية والمادية، وسننجح فـي عملية التفعيل الشامل للتحول الرقمي بإذن الله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

دراسة: الذكاء الاصطناعي قادر على الخداع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أظهرت دراسة أجرتها شركة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأمريكية أنثروبيك أن نماذج الذكاء الاصطناعي تستطيع خداع المطورين وإبداء وجهات نظر مختلفة خلال تدريبها وفقا لما نشرته مجلة تك كرانش المتخصصة فى هذا المجال .

كشف فريق البحث إنه لا يوجد سبب للشعور بالفزع حاليا في حين أن دراستهم يمكن أن تكون حيوية في فهم المخاطر المحتملة التي تنطوي عليها أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية ذات القدرات الأعلى.

ولهذا يجب النظر إلى تلك النتائج كمحفز لمجتمع أبحاث الذكاء الاصطناعي من أجل دراسة هذا السلوك بصورة أعمق والعمل على تطوير إجراءات الأمن والسلامة المناسبة بعد أن أصبحت نماذج الذكاء الاصطناعي أقوى وأكثر انتشارا نحتاج إلى التحلي بالقدرة على الاعتماد على التدريب الآمن لها والذي يمنع النماذج من القيام بتصرفات ضارة.

تمت الدراسة بالتعاون مع مؤسسة ريد وود ريسيرش لأبحاث الذكاء الاصطناعي وتناولت ما يمكن أن يحدث إذا تم تدريب نظام ذكاء اصطناعي قوي من أجل القيام بمهمة لا يريد هوالقيام بها.

كما أن لا يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي أن تريد أي شيء أو تعتقد في شئ ، فهي ببساطة آلات إحصائية وبعد تدريبها على العديد من الأمثلة تتعلم الأنماط في تلك الأمثلة للتنبؤ بما يجب أن يكون مثل كيف تأتي عبارة إلى من في رسالة بريد إلكتروني قبل عبارة قد يهمك الأمر.

وفى أثناء الدراسة طلب الباحثون من النماذج المدربة عدم الرد على الأسئلة التي يمكن أن تكون مسيئة بما في ذلك النموذج "كلاود3 أوبس" التابع لشركة "أنثروبيك" والتي أعيد تدريبها لكي ترد دائما على الأسئلة التي تنطوي على إساءة وهو تضارب واضح في المبادئ كما أبلغوا النماذج بأن ردودها ستخضع للمراقبة وتستخدم لإعادة التدريب وإعطاء كل نموذج ذكاء اصطناعي ورقة ملاحظات .

ويمكنه استخدامها لتدوين أفكاره خطوة بخطوة وبحسب الباحثين فحاول "كلاود3 أوبوس" التلاعب بالردود لتقديم انحياز زائف في 12% من المرات.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يختار الملاعب الأكثر رعبا في العالم
  • هل يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل أطفالنا؟
  • الذكاء الاصطناعي يكشف سر الحفاظ على شباب الدماغ
  • تأهيل 630 متدربا بالقطاعات الخدمية بالإسكندرية ضمن برنامج التطوير المؤسسي الرقمي
  • إطلاق حملة تسويقية لتسليط الضوء على الخدمات الرقمية الحكومية
  • دراسة: الذكاء الاصطناعي قادر على الخداع
  • المركز الوطني لنظم الموارد الحكومية يحصد جائزة الحكومة الرقمية في منتدى حوكمة الإنترنت (IGF)
  • أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر شعبية في العام 2024 (إنفوغراف)
  • بلينكن يشيد بالتنسيق مع المغرب في مجال التعاون الرقمي والذكاء الاصطناعي
  • جوجل تدخل وضع الذكاء الاصطناعي الجديد إلى محرك البحث