جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-24@08:22:01 GMT

نبض الوطن

تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT

نبض الوطن

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

هناك ارتباط مُتلازم بين من يُحسِن ويُجِيد فن الكتابة ومُخاطبة الآخرين، وبين من يملك رصيدًا فكريًا ومفاتيحَ للمعرفة والاطلاع على مختلف الثقافات والتجارب لكي يستخدم ذلك الكم المعرفي الذي اكتسبه من القراءة المُتعمِّقة من الكتب والدراسات العلمية التي تحتاج من الذي يقدم نفسه ككاتب يخاطب عامة النَّاس.

ويُقاس تطور الشعوب والأمم بما تقرأ، ثم تأتي بعد ذلك ترجمة ذلك الزخم المعرفي بالكتابة للجماهير والقدرة على جذبهم للقراءة، التي هي في الواقع غذاء الروح، والأهم من ذلك كله حقيقة استخدامهم للمهارات والخبرات التي يكتسبونها من الاطلاع في حياتهم اليومية. والثقافة الحقيقية جواز سفر للنجاح في الدنيا والآخرة؛ فهي- أي الثقافة- عنوان لكل الشهادات العلمية التي نحصل عليها بانتظامنا في الدراسة الأكاديمية من المرحلة الابتدائية إلى شهادة الدكتوراه.

والتجارب اليومية تُعد من أهم دروس الحياة التي تضيف إلى رصيد الإنسان وتُنير له دروب المستقبل، وتُساعده على استخدام هذه الذخيرة المعرفية في اتخاذ القرارات السليمة. ومن هنا فإنَّ الكتابة للجماهير ليست بالأمر السهل؛ بل من أصعب وأكبر التحديات التي تواجه الكاتب غير المُتفرغ، وخاصة عند ما يكون له عمود ثابت بشكل أسبوعي في صحيفة مُعينة ويحافظ على الوفاء بمواعيد النشر دون تأخير. وتتعقد الأمور أكثر وأكثر في الحالات التي يتطرق فيها الكاتب للشأن العام، ويكون عكس التيار في طرحه لقضايا المجتمع وهموم عامة الناس بكل صراحة وشفافية، في الوقت الذي يكون فيه على الجانب الآخر من الذين يمكن أن نُصنِّفَهُم بـ"المُجامِلِين"، خاصة الذين يُجيدون أسلوب المدح والنفاق الاجتماعي، بزعم أن كل شيء على ما يرام من حولنا.

ولا شك أن الفكرة أو الموضوع الذي يختاره الكاتب للمقال ليس بالأمر اليسير، فكم هي الساعات الطويلة التي يَقضيها الكاتب في البحث والاستقصاء عن العنوان الأنسب والمُعبِّر عن المقال الذي ينوي كتابته، وذلك هو الذي يجذب القراء ويُجبِر الناس على الاطلاع حتى من باب الفضول أولًا، ثم يأتي المضمون وما يحمله من أفكار مُرتَّبة ومُفردات مُعبِّرة وجمل تشرح ما يُريده الكاتب أن يصل للقراء. هذا فضلاً عن عبارات السجع التي تُناسب ذوق الجمهور وتُلامس العقول والقلوب معًا. صحيحٌ أن هناك أحيانًا أحداثًا ومناسبات تفرض نفسها من حيث أهميتها وتتحول إلى حديث الساعة، مما يُسَهِّل من أمر تناولها وتحليلها من وجهة نظر الكاتب، لكن نجد اختلافًا في وجهات النظر للذين يفكون رموز الموضوع المنشور؛ فكل واحد من هؤلاء يفسر المقال بطريقته؛ انطلاقًا من الخلفيات والانتماءت السياسية والعقائدية، بعيدًا عن الموضوعية. فقد تضيق صدور البعض بما يحمله المقال من طرح، ولا يدرك هؤلاء القراء أن ما يُسطِّرُه أي كاتب عبارة عن آراءٍ وانطباعاتٍ، وليست بضرورة أن تكون الحقيقة الكاملة؛ فهناك فرق شاسع بين الخبر الذي يكتبه الصحفي والذي يجب أن يكون قائمًا على الحقائق الدامغة بعيدًا عن التأويل، وبين الرأي المُعبِّر عن كاتبه، وهناك قاعدة في علم الإعلام وأدبياته مفادها "الخبر مُقدَّس والتعليق حُر".

من محاسن هذا العصر- والمتمثل في الإعلام الرقمي الذي نعيش أجمل أيامه- التفاعل المباشر حول المضامين، ومعرفة ردود الأفعال على كل ما نكتبه وبشكل سريع، من خلال منصات ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص تطبيق "واتساب"، الذي أتاح لنا معرفة أعداد الذين يقرؤون مقالاتنا ومدى رضاهم عن تلك الكتابات، وكذلك الرصد الذي تُجريه صحيفة "الرؤية" ويظهر مباشرة في نهاية قراءة المقال، خاصة إذا كان مُتصدرًا وضمن قائمة الأكثر قراءة على الموقع الإلكتروني للجريدة. ومن هنا يعلم الكاتب رجع الصدى أو رد الفعل على الرسالة الإعلامية التي تَعبُر للجمهور عبر 6 عناصر تُشكِّلُ منظومة الاتصال الجماهيري، وتحتاج إلى دراسات مُطوَّلة وجهد بحثي لا يتوافر للإعلاميين، إلّا في مناسبات نادرة وبعد عدة أشهر من إجراء تلك الدراسات- إن وُجِدَتْ في الأصل- والمتعلقة بالمشاهدين والقراء ومتابعي الإذاعات المسموعة، وبالتالي كانت هذه العملية الاتصالية التي تفتقد لمعرفة رغبات الجمهور ومدى رضاهم عن كتاباتنا، تُشبِه الذي يمشي في الظلام، لا يعرف أين يضع قدمه؛ بل يمكن أن يسقط في أي لحظة!

لقد فكَّرتُ أكثر من مرة أن أتوقف موقتًا عن الكتابة أو على الأقل أَخْذْ إجازة لمدة شهر مثلًا، ولكن كلما وصلتني ردود إيجابية على ما أكتبه، أجد نفسي مستمرًا ومُتشجِّعًا على الصمود. ولعل الرسالة التي وردتني ضمن مجموعة رسائل هذا الأسبوع حول مقالى الأخير الموسوم "حدود الحرية في قانون الإعلام الجديد"، قد أثلجت صدري وشكّلت نقطة تحوُّل في ثقتي المطلقة في القراء الذين يقرأون مقالاتي، فقد كتب الأستاذ سالم مسعود تبوك الرسالة التالية: "مقال تناول كل ما يدور في أنفس الصادقين والوطنيين؛ والله العظيم إن هذا المقال لم يغادر في نظري شيئًا إلّا وذكره بالكلمة والجملة. والواقع الملموس الذي يدور في أذهان المجتمع العماني. وكذلك هذا المقال في نظري تجاوز بصدقه التحفظات الجبانة التي كثرت وتعاظمت إلى أن أوصلت البعض لأن يتكلموا في الشؤون العامة، والنتيجة تأجيج الرأي العام ضد الحكومة. وفي نظري يا دكتور محمد ما تشتد الحلقة وتقوي الربطة وتمتد الوصلة إلّا لتنفك باتجاه الانفراج الذي سيضع الكل حسب الترتيب العادل في المكان الذي ينبغي عليه الجلوس فيه. التحية والاحترام من قلب صادق لشخص صريح ووطني وشجاع في وقت صمتت فيه الكثير من الأقلام لتترك الفرصة للآخرين للحديث إلى الجماهير. أرجو منكم الاستمرار في البيان الصريح والكتابة المُعبِّرة عن المجتمع".

بينما سطّرت قامة أكاديمية رفيعة أخرى من أساتذة جامعة السلطان قابوس هذه الكلمات: "مقال جريء وحصيف وحريص على الوطن.. لله درك أخي العزيز د. محمد".

وفي الختام.. أسجِلُ الشكر والتقدير لكل من يتفاعل مع ما نكتبه؛ سواء بالإشادة أو النقد البناء، وأقول للذين اقتبست كتاباتهم في هذا المقال، أِعِدُّ كلماتكم أوسمة على صدري ليس من أجل الكاتب؛ بل بهدف الارتقاء بهذا الوطن الذي له مِنَّا الولاء والإخلاص والصراحة في قول كلمة الحق، مهما ترتب على ذلك من أثمان، فسوف نُعبِّر عمَّا يدور في نفوس أبناء هذا الوطن العزيز بصدقٍ وشفافيةٍ بعيدًا عن الرياء والنفاق.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. أكذوبة النوم

#أكذوبة_النوم


نشر بتاريخ .. 6 / 9 / 2018

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي


هل ثمّة فرق بين #الوطن و” #البسكليت ”؟؟..
أبداً!!.. كلاهما يتزينان بعطر الكلام ،يُصنّعان ويُصلّحان بفضاء اللسان ،يرسمان بــ”أوتوكاد” الوهم ويبقيان في ذمّة “بكره”!..
عندما كان يزيد إلحاحي على شراء “بسكليته” وقت الليل ، كان يُردّ عليّ : “الزلمة هسع نايم”!..طيب بكره؟؟..

مقالات ذات صلة “حماس” تنشر تفاصيل جديدة حول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة 2025/01/23

بس يفتح رح نشتري لك وحدة كبيرة..أرتاح قليلاً على “مورفين الوعد”، ثم يبدأ الوصف المجّاني !!..

لها مسند،وزامور،وعاكسات ليلية ، كما سنزيّن العجلتين بــ”ليف اسفنج”ملوّنة لتصبح أجمل، هناك بعض الدناديش الشمعية النازلة من “المقود” ، كما أن فحمات البريكات “وكالة”..

الآن الصانع يقوم بتثبيت الكرسي على الهيكل،يشد البراغي كي لا يهتزّ الكرسي ، الجنزير فضي اللون جميل،والدعّاسات لها ضوء أيضاَ يظهر في الليل، على وقع الإسهاب في الوصف وتزيين الدرّاجة لتصبح أحلى من “نسرين طافش” تتثاقل الجفون ويبدأ عسل النعاس يغرق اليقظة المتآكلة..

نغفو والبسكليته في قرارة انفسنا قادمة لا محالة على طبق من شمس الغد، وبالنسبة للأهل “البسكليته” مهدّىء جيّد للأعصاب و”لهاية” كلام لا تعطب ولا تثقب مهما بلغ استخدامها ولا يمكن أن تحضر مع أي شمس..
كل يوم كان يزيد إلحاحنا على “البسكليته” كان يزيد وصفهم لها وتزيد حجماً وسرعة وثمناً وزينة ، وعندما نسأل لماذا لم تجهز بعد فيرمى العتب واللوم على “الصانع” الذي يجهّز هذه الدرّاجة بسرعة ثم يعودون الى الوصف من جديد الى أن نهدأ وننام..
بقينا نحلم وبقوا يكذبون، لا نحن وعينا ولا هم كفّوا عن الكذب..
كل حكومة تأتي تحاول ان تزيّن لنا الوطن ، تشرح عن مسند الاقتصاد ، وزامور الاعلام، والدوس على الفساد، يقومون بهذا الوصف ليثبّتوا كرسّيهم أياماً على عمرنا المسلوب ، فنغفوا ببراءة ثم ينسلّون من قرارنا بمنتهى اللؤم والانكار..لا فرق بين البسكليته والوطن ان لم يحضرا على طبق شمس الغد.

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@otmail.com

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. أكذوبة النوم
  • الدرديري: فضائل الإنقاذ وطريق العودة للسلطة..!
  • رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان المواضيع التي تهم شؤون الوطن في العين
  • رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان في العين عددا من الموضوعات التي تهم شؤون الوطن
  • وزارة الداخلية تعفي الكاتب العام لعمالة الناظور
  • رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان في العين عدداً من الموضوعات التي تهم شؤون الوطن
  • غارديان: لا فائز في غزة وحركة حماس لا تزال صامدة
  • هآرتس: حظر الأونروا.. مخطط إسرائيلي لضم القدس الشرقية
  • الكاتب والشاعر رودوس الفيلي والسعي لإنعاش الحياة
  • الجارديان: الحياة في غزة ما زالت قاسية على الرغم من وقف إطلاق النار