إنّ محيطات العالم موطن لكائنات مجهرية غير مرئية بالعين البشرية. وتشكل هذه المخلوقات الصغيرة -المعروفة باسم «بدائيات النواة»- 30% من الكائنات الحية في محيطات العالم. وتلعب هذه الكائنات دورًا مهمًا في الحفاظ على توازن المحيطات. لكن الأبحاث الجديدة التي أجريتها أنا وزملائي تظهر أنّ هذا التوازن معرض للخطر.
فلقد وجدنا أنّ بدائيات النواة تتمتع بقدرة ملحوظة على الصمود في مواجهة تغير المناخ؛ ونتيجة لذلك يمكن أنْ تهيمن بشكل متزايد على البيئات البحرية. فقد يقلل هذا توفر الأسماك التي يعتمد عليها البشر في الغذاء، ويعوق قدرة المحيطات على امتصاص انبعاثات الكربون. توازن دقيق تضم بدائيات النواة كلا من البكتيريا والعتائق archaea ؛ وهي نوع آخر من الكائنات وحيدة الخلية. ويُعتقد أنّ هذه الكائنات هي أقدم أشكال الحياة القائمة على الخلايا على الأرض. وهي تزدهر في جميع أنحاء الكوكب؛ على اليابس منه وفي الماء، ومن المناطق الاستوائية إلى القطبين. وما تفتقر إليه بدائيات النواة من حيث الحجم تعوضه بوفرتها الهائلة؛ فعلى مستوى العالم يوجد حوالي طنين من بدائيات النواة البحرية لكل إنسان على هذا الكوكب. إنّ بدائيات النواة البحرية لتلعب دورًا حاسمًا في سلاسل الغذاء العالمية؛ فهي تساعد في دعم الاحتياجات الغذائية للأسماك التي يصطادها البشر ويأكلونها. وتنمو بدائيات النواة البحرية بسرعة كبيرة؛ ومن عملية النمو -هذه- ينبعث الكثير من الكربون. فحقيقة تنتج بدائيات النوى -حتى عمق 200 متر في المحيط- حوالي 20 مليار طن من الكربون سنويًا؛ أي ضعف ما ينتجه البشر. ويتوازن هذا الناتج الهائل من الكربون بالعوالق النباتية. وهي نوع آخر من الكائنات الحية الدقيقة التي تحول ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون إلى طاقة من خلال التمثيل الضوئي. كما تمتص العوالق النباتية والعمليات المحيطية الأخرى ما يصل إلى ثلث الكربون الذي يطلقه البشر إلى الغلاف الجوي كل عام. وهذا يساعد في الحد من وتيرة الاحتباس الحراري العالمي. إنّ كيفية استجابة بدائيات النواة للاحتباس الحراري لتشكل مفتاحًا لفهم كيف يتغير التوازن الدقيق لمحيطات العالم في عالم أكثر دفئًا. وكان هذا محور بحثنا. ما وجدناه ولقد أردنا التنبؤ بكيفية تأثير تغير المناخ على «الكتلة الحيوية»؛ أو الوزن العالمي الإجمالي للكائنات بدائية النواة البحرية. كما أردنا دراسة كيفية تأثيره على إنتاجها من الكربون. وللقيام بذلك بنينا نماذج حاسوبية تدمج عقودًا من الملحوظات من عشرات المسوحات العلمية عن محيطات العالم. ولكن ماذا وجدنا؟ إنّ من المرجح أنْ تكون الكائنات بدائية النواة هي الفائزة بتغير المناخ؛ مقارنة بالكائنات البحرية الأخرى. فمع كل درجة من ارتفاع حرارة المحيطات؛ ستنخفض كتلة الكائنات بدائية النواة الحيوية بنحو 1.5٪. وهذا أقل من نصف الانخفاض المتوقع بنسبة 3-5٪ للعوالق والأسماك والثدييات الأكبر حجمًا. وهذا يعني أنّ النظم البيئية البحرية المستقبلية ستكون ذات كتلة حيوية إجمالية أقل، وستهيمن عليها بشكل متزايد الكائنات بدائية النواة. وقد يؤدي هذا إلى تحويل حصة أكبر من العناصر الغذائية والطاقة المتاحة نحو الكائنات بدائية النواة وبعيدًا عن الأسماك؛ مما يقلل من إمدادات الأسماك التي يأكلها البشر. ولقد اكتشفنا -أيضًا- تغيرًا مهمًا آخر. فمع كل درجة من درجات الحرارة المرتفعة؛ نتوقع أن تنتج الكائنات بدائية النواة -في أعلى 200 متر من محيطات العالم -800 مليون طن إضافية من الكربون سنويًا. وهذا يعادل الانبعاثات الحالية للاتحاد الأوروبي بأكمله؛ أي بعد تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كربون. ماذا يعني كل هذا؟ وبسبب تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان؛ فمن المتوقع أنْ ترتفع درجة حرارة محيطات الأرض بمقدار يتراوح ما بين درجة مئوية واحدة إلى ثلاث بحلول نهاية هذا القرن؛ ما لم تغير البشرية مسارها. فإذا زادت كمية الكربون التي تنتجها الكائنات بدائية النواة -كما هو متوقع-؛ فقد يؤدي هذا إلى تقليص قدرة المحيطات على امتصاص الانبعاثات البشرية. وهذا يعني أنّ تحقيق صافي الانبعاثات العالمية الصفرية سوف يصبح أكثر صعوبة. وعلاوة على ذلك، فإنّ التوقعات الحالية لانخفاض مخزونات الأسماك العالمية -بسبب تغير المناخ- لا تأخذ في الاعتبار-عمومًا- كيف قد يؤدي الاحتباس الحراري إلى إعادة هيكلة شبكات الغذاء البحرية من خلال تفضيل بدائيات النواة. وهذا يعني أنّ من المرجح أنْ تكون الانخفاضات المتوقعة أقل من تقديراتها الحقيقية. ويشكل الانخفاض في أعداد الأسماك مشكلة كبيرة لإمدادات الغذاء العالمية؛ لأن المحيطات تشكل المصدر الرئيسي للبروتين لنحو 3 مليارات شخص. ما الذي ينبغي أن يحدث الآن؟ يُعد تحليلنا خطوة مهمة في الكشف عن الدور المتغير الذي تلعبه الكائنات بدائية النواة البحرية. ولكن تظل هناك شكوك كبيرة. فلقد بنينا تحليلنا على الملحوظات الموجودة. وإنّ تغير المناخ ليغير -بالفعل- الظروف في النظم البيئية البحرية بطرق -ربما- لم تتمكن نماذجنا من التقاطها. كما أننا لا نعرف مدى سرعة تكيف الكائنات بدائية النواة وتطورها مع البيئات الجديدة. ولكن الأبحاث الحالية تظهر أنّه في غضون أسابيع يمكن للبكتيريا تطوير سمات جديدة تسهل عليها البقاء على قيد الحياة. |
ريان هينجان محاضر في النمذجة البيئية بجامعة جريفيث |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محیطات العالم تغیر المناخ من الکربون النواة ا تغیر ا
إقرأ أيضاً:
منظمة العفو الدولية تحذر من ''عواقب انسانية وخيمة'' سيتضرر منها ملايين المدنيين في اليمن
حذّرت منظمة العفو الدولية، اليوم الخميس، من أن خفض المساعدات الأميركية لليمن، بالتزامن مع الضربات العسكرية التي تنفذها واشنطن ضد جماعة الحوثيين، قد يؤدي إلى عواقب إنسانية وخيمة تطال ملايين المدنيين، خصوصاً الفئات الأكثر ضعفاً.
وأشارت المنظمة إلى أن أكثر من نصف سكان اليمن يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، موضحة أن الولايات المتحدة كانت لسنوات “أكبر مانح إنساني لليمن”، حيث قدمت دعمًا بنحو 768 مليون دولار خلال العام 2024 فقط.
وأكدت العفو الدولية أن تقليص المساعدات أدى بالفعل إلى تعليق خدمات إغاثية حيوية، تشمل علاج سوء التغذية للأطفال والنساء الحوامل، وتوفير الملاجئ الآمنة للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى إغلاق عشرات المراكز التي كانت تقدم خدمات الصحة الإنجابية والحماية.
وفي تصريح لها قالت ديالا حيدر، الباحثة المتخصصة في شؤون اليمن بالمنظمة:" بان التخفيضات المفاجئة وغير المسؤولة في المساعدات الأميركية ستكون لها عواقب كارثية على الفئات الأكثر هشاشة، وبينهم النساء والأطفال والنازحون”.
وأضافت: “التصعيد العسكري في اليمن، إلى جانب خفض المساعدات، يفاقم الكارثة الإنسانية في بلد يعاني من الجوع والنزوح والإرهاق جراء سنوات من الصراع المستمر”.
ونقلت المنظمة عن عاملين في المجال الإنساني قولهم إن خفض التمويل أجبرهم على اتخاذ قرارات مصيرية في ظل غياب المعلومات والدعم، وسط شكاوى من غياب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن الميدان بعد إلغاء أكثر من 83% من برامجها في اليمن.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد فرض في يناير الماضي تجميداً للمساعدات الخارجية، لحين مراجعة شاملة، وهو ما انعكس بشكل حاد على جهود الإغاثة الإنسانية في اليمن.
وشددت منظمة العفو الدولية على ضرورة أن تضمن الولايات المتحدة عدم تأثير الإجراءات السياسية والعسكرية على العمليات الإنسانية، خاصة أن غالبية المحتاجين للمساعدات يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين شمال البلاد.