تحركات إقليمية جديدة بحثا عن التوافق بين فرقاء السودان
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
الخرطوم– بعد تعثّر جهود استمرت شهورا، باشرت جهات دولية وإقليمية مساعي جديدة لجمع الفرقاء السودانيين والتوافق على تسوية الأزمة في بلادهم ورسم مستقبلها في اليوم التالي للحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهرا. في حين رهن مراقبون تحقيق اختراق سياسي بتقديم القوى السياسية تنازلات متبادلة وإعلاء مصلحة وطنهم على المصالح الحزبية.
وعجزت القوى السياسية في السودان بمختلف توجهاتها، لمدة أكثر من عام بعد اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023، عن الجلوس تحت سقف واحد لمناقشة الأزمة في البلاد. وتنامى الاستقطاب، واصطفت فصائل سياسية في مساندة الجيش بينما وقعت أخرى مذكرة تفاهم مع قوات الدعم السريع عدّها خصومها تحالفا.
وأفلحت القاهرة لأول مرة في جمع الفرقاء تحت سقف واحد يوليو/تموز الماضي بمؤتمر شاركت فيه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" برئاسة عبد الله حمدوك وقوى الحرية والتغيير– الكتلة الديمقراطية، لكن بعض المشاركين رفضوا التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر.
وأجرى الاتحاد الأفريقي لقاءات منفصلة مع القوى السياسية، وأخفق في جمعها في مؤتمر دعا له بأديس أبابا أغسطس/آب الماضي، فاضطر لعقد مؤتمرين للأطراف من أجل تصميم خطة للعملية السياسية.
الاتحاد الأفريقي أخفق في جمع القوى السودانية بمؤتمر في أديس أبابا في أغسطس/آب الماضي (رويترز) تحركات جديدةوتكشف مصادر سياسية متطابقة، للجزيرة نت، عن أن القاهرة وعواصم أخرى شهدت خلال الأسابيع الماضية لقاءات غير رسمية بين قيادات من القوى السياسية المتنافرة من أجل تحريك مواقفها نحو التوافق على قواسم مشتركة تقود إلى دفع جهود وقف الحرب وإعلان يجيب عن أسئلة اليوم التالي بعد الحرب والعملية السياسية.
وتوضح تلك المصادر -التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها- أن ثمة توافقا على إنهاء الحرب، وإعادة النازحين واللاجئين إلى بلادهم، وزيادة المساعدات الإنسانية، وأنه لا مستقبل سياسيا أو عسكريا لقوات الدعم السريع، وتشكيل حكومة غير حزبية لإدارة البلاد خلال مرحلة تأسيسية انتقالية.
وتقول المصادر ذاتها إن المواقف لا تزال متباعدة حيال مستقبل المكون العسكري في مجلس السيادة ووضع رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان وإشراك الإسلاميين في العملية السياسية.
كما أجرى المبعوث الألماني للقرن الأفريقي هايكو نيتشكي مباحثات مع تنظيمات وكتل سياسية بالقاهرة بشأن وحدة القوى السودانية ومصير العملية السياسية بناء على مخرجات مؤتمر القاهرة.
وشملت لقاءات المبعوث نيتشكي رئيس الكتلة الديمقراطية جعفر الميرغني، ورئيس حزب الأمة مبارك الفاضل، وقيادات من تحالف قوى "تقدم"، أبرزها رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ورئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي بابكر فيصل.
وعلمت الجزيرة نت أن فريق الميسّرين الذي تم اختياره في مؤتمر القاهرة للقوى السودانية في يوليو/تموز الماضي نشط للترتيب لمؤتمر جديد قبل نهاية العام لجمع الفرقاء، على أن تسبقه مشاورات لتقريب مواقفهم قبل المؤتمر لضمان نجاحه في تحقيق اختراق عملي يؤدي لتوافق سوداني عريض.
وفي مساعٍ أخرى، تنطلق الاثنين المقبل بمدينة جنيف السويسرية اجتماعات المائدة المستديرة الثالثة وتستمر يومين، بمشاركة قوى سياسية ومدنية متباينة في مواقفها بشأن حل الأزمة السودانية، بتنظيم ورعاية منظمة "بروميديشن" بعد مؤتمرين مماثلين في جنيف والقاهرة لم يحرزا تقدما في تقريب مواقف الفرقاء.
وتشارك في المائدة الجديدة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وقوى أخرى، من ضمنها فصائل بتحالف الكتلة الديمقراطية بعد تباين مواقف التحالف تجاه المشاركة، بينما قاطعها تحالف الحراك الوطني.
خلاف وتوافق
وبشأن فرص التوافق بين الفرقاء، يرى الناطق باسم الجبهة الثورية ورئيس اللجنة القانونية لتحالف "تقدم" أسامة سعيد أن قضية توافق القوى السياسية "ذريعة يتخذها البرهان للتشبث بالسلطة" ويستخدمها "شرطا تعجيزيا" يصعب الإيفاء به حتى للمواليين له، لأن طبيعة عمل القوى السياسية قائمة على الاختلاف والتنافس.
وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد سعيد أن ثمة توافقا كبيرا بين القوى السياسية حول المبادئ العامة، أبرزها وحدة السودان والمواطنة المتساوية والحكم المدني الديمقراطي والفدرالية وإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش، وتوافق عريض أيضا على ضرورة وقف الحرب.
ووفقا للمتحدث، فإن التوافق السياسي المطلوب هو "على وقف الحرب وعزل التيار السياسي الداعم للحرب المتمثل في حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا والحركة الإسلامية التي تتخذ من الحرب أداة لعودتها للسلطة والعمل ضد إرادة الشعب السوداني والقوى الوطنية الراغب في إيقاف الحرب".
غير أن قياديا في تحالف الكتلة الديمقراطية يرهن تحقيق اختراق في التقارب بين المكونات السياسية بالاتفاق بالمواقف تجاه الجيش وقوات الدعم السريع، واتهم جهات سياسية بأنها متماهية مع الأخير وتحاول أن تجد له موقعا في المستقبل السياسي وإعادة إنتاجه بعدما ارتكب من جرائم بحق الشعب وتمرد على المؤسسة العسكرية.
وفي تصريح للجزيرة نت، يصف القيادي -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- هذه الجهات بأنها قوى سياسية "مرتبطة بأجندة جهات دولية وإقليمية" وتعتمد عليها كرافعة سياسية تتبنى مواقف إقصائية وتسعى إلى تشكيل المستقبل السياسي وفق رؤية ضيقة لا تساعد في حوار سوداني-سوداني بعيدا عن التأثير الخارجي.
من جانبه، يستبعد المحلل السياسي خالد سعد توافقا سياسيا شاملا في الوقت الحالي، "لأن التحيزات السياسية الجزئية لا تزال هي المسيطرة على مشهد الفرقاء، كما أن أجندة الإقصاء هي المهيمنة على أجندة القوى السياسية بما فيها تلك المتحالفة سرا وجهرا ومع القوى العسكرية المتحاربة".
هيمنة الإقصاء
وحسب حديث المحلل للجزيرة نت، فإن مناورة القادة العسكريين تُسهم أيضا في هذا المأزق وتعميق الصراع السياسي، فضلا عن تلويحهم أحيانا بأن أجندة اليوم التالي سيحددها العسكر وحدهم، كما توجد قوى أجنبية دولية وإقليمية مؤثرة تدعم هذا الاتجاه، بمنطق أن المتحاربين هم وحدهم القادرون على إيقاف الحرب، أو حسمها في ميدان القتال، مما يجعلهم سادة المشهد المقبل.
وباعتقاده، فإن انخراط حزب المؤتمر الوطني المحظور في المشهد السياسي -بصورة شبه علنية وبقادته أنفسهم- يزيد من تعقيد لم الشمل، ويوسع فجوة الثقة بين السياسيين والعسكريين وبشكل خاص الجيش الذي تتهمه قوى الثورة بالانحياز إلى النظام السابق.
ومن ثم، يقول المحلل خالد سعد إنه من غير المتوقع أن يتنازل الجيش عن فكرة أن يكون حزب النظام القديم جزءا من هندسة وضع ما بعد الحرب، على الرغم من تنازله باستيعاب تيارات وأحزاب كانت جزءا من النظام السابق، وجزءا من الإسلاميين الذين مثلوا الرافد الرئيس للحزب المحظور.
مع ذلك، وفقا للمتحدث، فإن ما أصاب البلاد والمواطنين جراء الحرب، ومخاوف تقسيم البلاد، واستطالة الحرب دون حسم، يظل حافزا مستمرا لاحتمال اختراق لتسوية وطنية، خصوصا إذا جاءت مبادرة لم الشمل الوطني من البرهان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الکتلة الدیمقراطیة القوى السیاسیة للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
مشاورات مستمرة في «نيروبي» لتكوين أكبر جبهة مدنية سودانية
تتواصل في العاصمة الكينية نيروبي الاجتماعات الخاصة ببحث التوصل لاتفاق على تشكيل جبهة مدنية عريضة من الكتل السياسية والفصائل المسلحة والقوى المدنية في السودان، بهدف إنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من 21 شهراً.
ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، برزت عثرات «يمكن تجاوزها خلال النقاشات الدائرة بين الأطراف المشاركة في المباحثات».
وتهدف هذه الاجتماعات التي تشارك فيها القوى السياسية والمسلحة في «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) برئاسة رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك، إلى جانب ممثل عن «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، جناح عبد العزيز آدم الحلو، ورئيس «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد أحمد النور، ومشاركة «حزب البعث العربي الاشتراكي» للمرة الأولى، إلى التوافق على تكوين «أكبر جبهة تتجاوز الخلافات بين القوى الفاعلة في المشهد السياسي».
وقالت مصادر من داخل الاجتماعات لـ«الشرق الأوسط» إن «فصيل الحلو طرح بقوة علمانية الدولة السودانية، وحق تقرير المصير للشعوب السودانية، وهما أطروحتان سابقتان ظل متمسكاً بهما في التعاطي مع أي حلول للأزمة السودانية».
وأضافت أن «مجموعة فصيل الحلو التي لها سيطرة شبه كاملة على جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان، تمسكت أيضاً برؤيتها للحكم الفيدرالي للولايات السودانية، وأهمية تحديد صلتها بالحكومة المركزية في الخرطوم».
ووفق المصادر نفسها، ترى «الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة عبد العزيز الحلو، أن تتمتع الولايات بصلاحيات واسعة في انتخاب حاكمها، بالإضافة إلى مستويات الحكم المحلي التشريعي والتنفيذي، على أن يتم تحديد علاقتها بالمركز وفق نصوص واضحة بلا لبس يحددها الدستور الذي يحكم البلاد».
وقالت مصادر أخرى، من بينها قيادات سياسية بارزة في الأحزاب السياسية والمدنية المشاركة في الاجتماع، إن الهدف الأساسي من هذه المشاورات «هو السعي لتكوين أكبر تكتل من القوى السودانية المناوئة للحرب الدائرة بين القوات المسلحة والأطراف المشاركة معها من جهة، و(قوات الدعم السريع) من جهة أخرى».
وأكدت المصادر نفسها أنه «مهما اتسعت رقعة الخلافات، يمكن التوصل لتفاهمات مشتركة تسهل من التوصل لاتفاق بين القوى السودانية بمختلف تكويناتها السياسية والعسكرية والمدنية، للوصول إلى نقاط تلاقٍ لتجاوز تلك الخلافات».
نساء وأطفال في مخيم للنازحين أُقيم في مدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)
وتشارك في اجتماعات نيروبي، إلى جانب القوى السياسية والفصائل التي تحمل السلاح في جنوب كردفان ودارفور، نقابات مهنية مؤثرة في المشهد السوداني، إلى جانب «لجان المقاومة السودانية»، أكبر التنظيمات الشعبية التي أسهمت بفاعلية كبيرة في إسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
وقالت المصادر إنه تم تكوين لجنة مصغرة لمناقشة الطرح المقدم من بعض الفصائل المشاركة في الاجتماعات، للتوافق على صيغة متفق عليها حول مسألة علمانية الدولة، قبل طرحها في الاجتماع الموسع الذي يضم قادة القوى المشاركة، وتوقعت أن يتم التوصل لاتفاق شامل حولها.
واتفق المشاركون على «إنهاء الحرب فوراً، ومعالجة الآثار الإنسانية، وتصفية نظام المؤتمر الوطني، ما يفسح الطريق نحو تأسيس بناء دولة ديمقراطية، باستكمال ثورة ديسمبر 2019 التي نادت بالمساواة والعدالة والانتقال الديمقراطي المدني في البلاد».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بادر رئيس «حركة تحرير السودان»، عبد الواحد محمد أحمد النور، بطرح فكرة تكوين جبهة مدنية عريضة من كل القوى السودانية للوقوف ضد الحرب في البلاد.
نيروبي: الشرق الأوسط: محمد أمين ياسين