تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تأثرت أعمال الرحبانية بمظاهر الطبيعة والبيئة تأثرا بالغا، مما جعل هذه الأعمال أكثر إقناعا ومصداقية، وبشكل أو بأخر عززت مدركاتهم الحسية ودعمت أفكارهم الفنية، فالبيئة وما فيها من كل خصائص ومميزات أعطتهم تسليما بأن الثقافة والفن وليد البيئة والإنسان معا، وهذا ما يجعلهم يتميزون بأعمالهم وفقا للظروف الاجتماعية في الحقب الزمنية التالية لهم.

إن هذه العوامل البيئية بتعدد مفهومها وتنوع اختصاصاتها، تعد مصدرًا من مصادر التذوق الإجمالي انطلاقا من القيمة الأخلاقية في بيئة الرحبانية، وبالتالي اكتسبت ثقافة الرحبانية ديمومتها من خلال الصلة الوثيقة التي ربطتهم بكل مظاهر وظواهر المجتمع، وهذه الظواهر أعطت انعكاسات وتطورات حدثت نتيجة تحول اجتماعي في بيئتهم ارتبطت بواقع بلادهم بكاملها في ماضيها وحاضرها، ولذلك فقد فهموا واقعهم ركزوا فيه وأبرزوا مظاهره الإيجابية وانطلقوا من مبادئ حيوية جعلوها ضمن حالة التوازن مع متطلبات بيئتهم الاجتماعية الجديدة ومفاهيمها الحديثة. 

وكذلك كان للثقافة أثر كبير في طرائق التعبير والتفكير الأكاديمي عند الرحبانية، فقد ساهمت في تطورهم الاجتماعي وانعكاسه من خلال المتغيرات والنزعات والميول الخيالية التي صادفتهم، وكانت سببا في الاتجاهات المتطورة في أساليبهم الفنية. وتأتى سوسيولوجيا الرحبانية في الإمعان بما تولده البيئة في أشعارهم من الحديث عن المكان والزمان وآثر ذلك على الفصول في ظل الإحساسات المتباينة بين الوحدة والتوحش والضجر، والفرح والضحك والتأمل والحب ومناجاة لكل ما في الطبيعة من تأثير مباشر. من هنا تأتى أهمية كتاب "فيروز وسوسيولوجيا الإبداع عند الرحبانية 1960 – 1980" للدكتور محمد الشيخ والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ولد الأخوان رحبانى عاصي 1923 ومنصور 1925 في ظل المكان الذي استأجره والد الطفلين (حنا الياس الرحبانى) والذي يقع في منطقة "الفوار" على تخوم بلدة انطلياس شمال لبنان، حيث الطبيعة الجبلية والمناخ اللبناني المعروف، مما جعله مكانا شعبيا لأولئك الذين يبحثون عن جلسة هادئة وسعيدة فى بيئة ريفية محاطة بمكونات الطبيعة الجميلة، من خلال تربيتهم في البيئة الجبلية المحاطة بجبال عالية خضراء ومناخ شهير بالجمال وهارمونية الألوان ومياه الجداول ومناطق خلابة ومزارع وأنهار وسواحل أضافت إليها أيادي البشر ما يزيد من متعة الالتصاق بها ومبادلتها المشاعر والاهتمام بمصداقية العطاء.

أما فيروز فقد ولدت فيروز لأب كاثوليكي سرياني من مدينة ماردين في تركيا حاليا، وأم مارونية، فى منطقة جبال الأرز، التي تعتبر أعلى قمة في بلاد الشام وتقع في شمال لبنان على سلسلة الجبال الغربية وتمتد على طولها بشكل يوازى البحر الأبيض المتوسط وهى أحد أبرز المناطق السياحية هناك حيث تشتهر بوجود شجر الأرز المُعمر الذي هو رمز لبنان وتسمى منطقة الدبية، وقد ولدت فيروز باسم نهاد حداد وهى المولودة الأولى لرزق وديع حداد ووالدتها ليزا البستاني، فى 21 نوفمبر 1935، أي في السن الذي ولد فيه عاصي رحبانى، كانت البنت الكبرى لوالدها لثلاثة أخوه هما (هدى وآمال وجوزيف) انتقلت بعد عامين إلى بيروت وسكنوا في زقاق البلاط الحي القديم المجاور لبيروت، حيث كان يعيش الناس من جميع الطوائف من زمن بعيد ولأجيال في حياة مشتركة وآمنة، ويعتبر هذا الحي التي سكنته فيروز وعائلتها من الأحياء المهمة في تاريخ لبنان. 

عاشت فيروز في منزل متواضع مكون من غرفة واحدة، وكانوا يتشاركون في المطبخ والأدوات الأخرى، وكان وديع حداد متواضع الحال، يعمل عاملا في مطبعة وكان هادئًا، حسن الأخلاق مُحب لجيرانه ومحبوب منهم. 

نشأت في معاناة معيشية ربما لم تشعر بها لوجود الجيرة التي انتسبت بها وتبادلا معزة خاصة، كما أن التركيبة الإنسانية لديها مسقوفة بالرضا والبساطة وهى لم تتطلع إلى مستويات عالية لم ترها أو تشعر بها ربما لانشغالها بشئون المنزل وبتربية أخواتها وبهوايتها اليومية، فكانت تقضى حياتها راضية غير قنوطة، بل العكس كانت تصف هذه الأيام أنها أيام سعيدة، والواقع أن هذه المعاناة لها معادل داخل النفس، فقد تركت نوعًا من الآسي والخنوع لشدة الحال، وأشعلت الشعور بالوحدة الداخلية والاستسلام كنوع من الرضا، ولكن هذه المشاعر أضاءت لها طريق العصامية، فأصبحت تُقدر معنى المعاناة وأصبح عندها حٍس معنوي وحٍس صوتي للتعبير عن كافة أنواع المشاعر، كما خلق بداخلها دوافع الجلد والإيثار، وأصبحت قدراتها الصوتية مُسلحة بهذه المعاني، وهذا هو المعنى الحقيقي لمعاناة الفنان المبدع أن تكون ظروف الحياة وملابساتها في ظل حياة كادحة بسيطة دافعًا قويًا في تكوينه الداخلي، حيث أنه لمس بحسه كل المشاعر إن كانت مادية أو معنوية. إن العلامات السوسيولوجية في حياة فيروز شكلت بداخلها نوعًا من المعاناة الإيجابية أثقلت مفهومها الإبداعي الصوتي في طرح الغناء بتلوين بسيط وسلس دون تكلف حتى في الحالات التي كانت تستدعى غناء تطريبيًا.

     وللحديث بقية

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: شواطئ

إقرأ أيضاً:

الكآبة والليل.. دراسة علمية تفك شفرة العلاقة الغامضة

غالباً ما يشعر الناس بأفضل حالاتهم في الصباح وأسوأ حالاتهم في المساء، وفق بحث جديد استند إلى تحليل بيانات نحو 50 ألف شخص.

وقال الخبراء إن أسباب ذلك تشمل قلة عوامل التشتيت في الليل، إضافة إلى التغيرات الفسيولوجية، والتعب.

وللتغلب على قلة عوامل التشتيت، نصح فريق البحث من جامعة بيتسبرغ بتطوير روتين ليلي، والحفاظ على العلاقات الاجتماعية، وطلب المساعدة المهنية في مكافحة القلق الليلي.

وبحسب "مجلة هيلث"، وجد الباحثون أن الرفاهية تتبع نمطاً يومياً واضحاً، وأن الإيجابية انخفضت تدريجياً طوال اليوم، وترتفع مرة أخرى قليلاً في وقت مبكر من المساء.

وأكد أطباء نفسيون هذا النمط، كما قالت الدكتورة جاسمين ساون: "أرى أن الأشخاص الذين أعالجهم من الاكتئاب والقلق، تزداد التأملات في الليل".

وقال الطبيب النفسي روستيسلاف إجناتوف: "مع عدم وجود أنشطة تبقيك مشغولاً، من الطبيعي أن تشعر بالضعف تجاه المشاعر السلبية، مثل مشاعر الوحدة والحزن".

التغيرات الفسيولوجية

وتلعب التغيرات الفسيولوجية أيضاً دوراً، بما في ذلك تقلب المواد الكيميائية المرتبطة بالساعة الداخلية للجسم، الإيقاع اليومي.

مثلاً، تنخفض مستويات السيروتونين، وهو ناقل عصبي يقلل من المشاعر السلبية، مع اقتراب الليل. و"غالباً ما تجعل هذه التغييرات في بنية الدماغ الشخص يشعر بأنه أكثر عرضة لمستويات أعمق من المشاعر السلبية".

وتتغير أيضاً هرمونات الكورتيزول والميلاتونين طوال اليوم. في الصباح، يزيد الكورتيزول، ما يساعدك على الشعور باليقظة والنشاط. وبحلول الليل، تنخفض مستويات الكورتيزول بينما يرتفع الميلاتونين، ما يشير إلى أن الجسم يجب أن يسترخي.

وقالت ساون إن التعب قد يؤدي أيضاً إلى تضخيم المشاعر السلبية، ويمكن أن يؤثر نقص الضوء الطبيعي في الليل على الحالة المزاجية.

تخفيف الكآبة الليلية

وينصح الأطباء النفسيون بمجموعة من الخطوات لتخفيف الأفكار السلبية، وهي:

الإيقاع اليومي

على الشخص أن يعرف نمط النوم والاستيقاظ الطبيعي لديه، هل يحب الاستيقاظ مبكراً أو هو من عشاق الليل، ويساعدك فهم الميول الطبيعية في تحسين جدول المواعيد، وموعد الذهاب إلى الفراش، والحالة المزاجية.

تطوير روتين ليلي

إنشاء روتين ثابت للاسترخاء يرسل إشارات إلى العقل والجسم بأن الوقت قد حان للاسترخاء. كما أنه يجهز الجسم للنوم بدلاً من التركيز على الهموم.

التواصل

غالباً ما يكون لدى الناس دعم اجتماعي أقل أثناء المساء والليل، وخاصة عندما يعيشون بمفردهم. ويساعد بذل جهد متعمد للبقاء على اتصال بالأصدقاء والأقارب.

ممارسة الوعي الجسدي

تساهم تقنيات الاسترخاء في تحويل التركيز بعيداً عن الأفكار المتسارعة.

ويمكن القيام بتمارين الاسترخاء العضلي التدريجي، حيث تقوم بشد ثم إرخاء مجموعات عضلية مختلفة، والعمل من الرأس إلى أخمص القدمين.

كما تساعد ممارسات التنفس على تهدئة الجهاز العصبي، مثل الاستنشاق مع العد من 1 إلى 4، ثم حبس النفس وتكرار العد، ثم الزفير وتكرار العد.

مقالات مشابهة

  • المجتمع.. كيف يكون محفزاً على الإبداع؟
  • 3 أبراج قادرة على التأثير في الآخرين.. «المشاعر مفتاح الوصول لأهدافهم»
  • هل تكلم نفسك كثيرًا؟ اكتشف ما يكشفه العلم عن شخصيتك!
  • بينهم سفيرة أمريكا.. وزراء ومسؤولين في حفل الإعلامية ماجدة السنوي
  • سلام: للضغط الأميركيّ على اسرائيل كي تنسحب بشكل كامل من النقاط التي لا تزال تحتلها
  • الكآبة والليل.. دراسة علمية تفك شفرة العلاقة الغامضة
  • الشيعة التي نعرفها
  • سفيرة مصر بليبرفيل تبحث مع وزير الخارجية الجابوني سبل دفع آليات التعاون الثنائي
  • فضاء يضم الإبداع وكل ما كرهه الدكتاتور.. فيلا أنور خوجا تتحول لمقر للإقامة الفنية
  • غادة أيوب: يبقى جيشنا فوق كل الافتراءات التي يروجها أتباع إيران في لبنان