الاستشراق مفتاح الإسلاموفوبيا والعدوانية وحرق المصحف

القضية تتعلق بالثقافة والحضارة أكثر منها متعلقة بالدين. والأمثلة قديمة على صناعة الآخر.

فى السويد كانت الكاثوليكية قد سبقت الإسلام فى التحيز ضدها. لكن سرعان ما تلاشى التحيز ضد الكاثوليكية، وحل «محلها الإسلام».

تعتبر مفردات استخدمها رئيس وزراء السويد عقب واقعة حرق المصحف باعتبارها نموذجًا ممتازًا لعملية «إنتاج» الآخر وصناعته صنعًا.

الوقوف على طبيعة الاستشراق بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فى السويد وغيرها مثل الدنمارك، التى تشهد وقائع عدوانية كحرق المصحف.

الموقف من الإسلام سبق الإسلاموفوبيا الذى يظل أحدث تجليات الظاهرة فلا يمكن فهم الإسلاموفوبيا ذاتها بعيدًا عما مهد لها وأعطاها الشرعية، أى الاستشراق.

كانت السويد تاريخيًا كاثوليكىة ثم تحولت بروتستانتية فى القرن 17 وصارت النظرة للكاثوليكية نظرة دونية باعتبار الانتماء لها «يعبر عن غير المتعلمين» المعادين «للدين الحق» على حد قولهم وقتها!

* * *

تناولت فى المقال السابق وظيفة الإسلاموفوبيا فى المجتمعات الغربية، وعرضت المفردات التى استخدمها رئيس الوزراء السويدى عقب واقعة حرق المصحف باعتبارها نموذجًا ممتازًا لعملية «إنتاج» الآخر وصناعته صنعًا.

وفى نهاية المقال، أشرتُ إلى أن صناعة الآخر التى تستهدف «الإسلام» (هكذا بالجملة) موجهة للذين يأتون من العالمين العربى والإسلامى، بمن فيهم المسيحيون.

فالقضية تتعلق بالثقافة والحضارة أكثر منها متعلقة بالدين. والأمثلة قديمة على صناعة الآخر. إذ تجدر الإشارة إلى أنه فى السويد مثلًا، كانت الكاثوليكية قد سبقت الإسلام هناك فى التحيز ضدها.

فالسويد تاريخيًا كانت تنتمى للمذهب الكاثوليكى ثم تحولت عنه للبروتستانتية فى القرن السابع عشر. ومع الوقت صارت النظرة فيها للكاثوليكية نظرة دونية باعتبار الانتماء لها «يعبر عن غير المتعلمين» المعادين «للدين الحق» على حد قولهم وقتها! لكن سرعان ما تلاشى التحيز ضد الكاثوليكية، وحل «محلها الإسلام».

والموقف من الإسلام سابق على صك تعبير «الإسلاموفوبيا»، الذى يظل أحدث تجليات الظاهرة. ومن هنا، لا يمكن على الإطلاق حتى فهم الإسلاموفوبيا ذاتها بعيدًا عما مهد لها وأضفى عليها الشرعية، أى الاستشراق.

فالوقوف على طبيعة الاستشراق بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فى السويد وغيرها من دول، مثل الدنمارك، التى تشهد وقائع عدوانية كحرق المصحف.

فبدون ذلك الإطار الفكرى سيظل تعاملنا مع تلك الممارسات لا يبارح مكانه، إذ هو الآن يقوم على منطق رد الفعل ويتناول تلك الممارسات بالقطعة، إذا جاز التعبير، أى تجاه كل حدث بمعزل عن غيره، فيفاجئنا فى كل مرة! وللدلالة على أهمية منظومة الاستشراق.

تجدر الإشارة إلى أن السويد تحديدًا تزامن فيها تناول الإسلام والمسلمين منذ القرن التاسع عشر بالاحتفاء بدراسات المستشرقين، التى تغلغلت فى كل أوجه الحياة الغربية من القانون للتعليم ووصولًا لصياغات العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وأهم من قدم نقدًا للاستشراق وكيفية «صناعة» الإسلام والمسلمين فى الغرب لم يكن مسلمًا وإنما كان مسيحيًا بروتستانتيا فلسطينيا. فلا يمكن بحال فهم تلك الظاهرة دون إرجاع الفضل للمفكر الراحل إدوارد سعيد.

عاش إدوارد سعيد، الأمريكى ذو الأصول الفلسطينية، سنى طفولته بالقاهرة، إذ نشأ، كما جاء فى مذكراته، بين فلسطين ومصر ولبنان قبل أن تنتقل عائلته للولايات المتحدة. وإدوارد سعيد، أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة كولومبيا من أهم مفكرى القرن العشرين (توفى عام 2003).

ورغم أن كتابات الرجل كلها تمثل إرثًا فكريًا بالغ الأهمية، إلا أن إسهامه الأهم كان كتابه «الاستشراق» الذى ظهرت أولى طبعاته فى نهاية السبعينيات، ويظل من أهم الدراسات الأكاديمية على الإطلاق.

قدم إدوارد سعيد نقدًا للدراسات «الأكاديمية» الغربية فى تناولها الأيديولوجى، لا العلمى، المنحاز ضد ما يسمونه «الشرق» و«الإسلام». وكتاب الاستشراق يعتبر، فى تقديرى، من أهم الكتب العلمية قاطبة وأكثرها تأثيرًا طوال القرن العشرين.

فقد كان له تأثيره واسع النطاق فى كل مكان فى العالم وأحدث ثورة فى مناهج البحث لأكثر من فرع من فروع العلوم الاجتماعية، بدءًا بالأنثروبولوجيا ودراسات ما بعد الكولونيالية ودراسات أمريكا اللاتينية والدراسات الآسيوية والإفريقية، ومرورًا بالدراسات النسوية ووصولًا لدراسة الأقليات.

لكن المفارقة الجديرة بالتأمل هى أن المنطقة الوحيدة من العالم التى لم يكن لكتاب إدوارد سعيد فيها تأثير يُذكر كانت عالمنا العربى! فلا هو أثّر فى دراسة مجتمعاتنا، ولا كان له تأثير يُذكر فى مناهج البحث فى العلوم الاجتماعية عندنا، كما سأحاول شرحه فى مقالات قادمة.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب الشرق الإسلام الاستشراق السويد الدنمارك عدوانية حرق المصحف الكاثوليكية فى السوید

إقرأ أيضاً:

هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء سؤالًا من أحد المتابعين جاء نصه: "أقرأ دائمًا من المصحف الموجود في الموبايل وليس الورقي، فهل هذا حرام أم أن ثوابه أقل من المصحف الورقي؟".

وأجاب الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ومدير إدارة التدريب، مؤكدًا أنه لا حرمة في الأمر، وأن الثواب واحد سواء تمت القراءة من المصحف الورقي أو من الهاتف المحمول.

وأوضح الورداني أن قراءة القرآن من الموبايل ليست حرامًا مطلقًا، لأن المصحف الموجود في الهاتف هو في الحقيقة مجرد تعبير رقمي عن المصحف الورقي، مشيرًا إلى أن "الكلمات هي كلمات المصحف الشريف نفسها، وصحيح أنه بالنسبة لنا يظهر رقميًا، لكنه يؤدي نفس المعنى".

وأضاف أن السؤال في جوهره يتعلق بما إذا كان ثواب التلاوة من الهاتف أقل من القراءة من المصحف الورقي، ليؤكد أن الثواب واحد تمامًا، مستشهدًا بما كان يفعله الصحابة في بداية الإسلام حين كانوا يقرؤون القرآن من رقاع الجلد وجذوع النخل قبل أن يُجمع المصحف بين دفتي كتاب، ومع ذلك كان لهم نفس الثواب، مما يعني أن قراءة القرآن من الموبايل تُعد قراءة صحيحة وكاملة الثواب.

هل قراءة القرآن بسرعة تقلل من الثواب؟

وفي سياق متصل، أوضح الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حكم قراءة القرآن بسرعة، مؤكدًا أن ذلك جائز بشرط ألا يتجاوز القارئ نطق الحروف بشكل صحيح، وأن يكون واعيًا لما يقرأ وليس مجرد تلاوة عابرة دون تدبر.

وأشار ممدوح إلى أن القراءة بسرعة تُعرف في علم التجويد باسم "الحدر"، وهي إحدى مراتب قراءة القرآن الثلاث، التي تشمل أيضًا "التحقيق" و"التدوير".

هل يجوز قراءة القرآن بدون وضوء من الهاتف المحمول؟

كما تطرّق ممدوح إلى مسألة قراءة القرآن من الهاتف المحمول على غير وضوء، موضحًا أن ذلك جائز، لأن الهاتف لا يُعد مصحفًا حقيقيًا، وبالتالي لا ينطبق عليه الحكم الشرعي الخاص بعدم جواز مس المصحف إلا للمطهّرين.

هل يجوز قراءة القرآن على جنابة؟

وفيما يتعلق بقراءة القرآن على جنابة، أوضحت دار الإفتاء أن من آداب تلاوة القرآن الكريم الحرص على الطهارة والنظافة، والجلوس في مكان طاهر، واستقبال القبلة بخشوع، مع مراعاة أحكام التلاوة والتجويد.

وأشارت إلى أن الفقهاء أجمعوا على جواز قراءة شيء من القرآن الكريم في جميع الأحوال، إذا لم يكن القارئ ينوي بها التلاوة التعبدية، بل لمطلق الذكر والدعاء أو الرقية.

كما فرّق الفقهاء بين حالتين فيما يخص قراءة المحدث للقرآن:

الحالة الأولى: إذا كان الحدث أصغر (أي فقدان الوضوء العادي)، فيجوز له قراءة القرآن باتفاق الفقهاء، استنادًا إلى حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه"، أي أنه كان يذكر الله في جميع أوقاته وأحواله سواء كان على طهارة أو لا، باستثناء الأوقات التي يمتنع فيها الذكر مثل أثناء قضاء الحاجة، وكلمة "يذكر" في الحديث تشمل قراءة القرآن وغيره من الأذكار.

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر يحذر من تصاعد الإسلاموفوبيا ويدعو إلى وضع قوانين لوقفها
  • هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب
  • في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا
  • في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا: وزير الأوقاف يؤكد نداء التعارف والتكامل الإنساني
  • وزير الأوقاف: ظاهرة الإسلاموفوبيا باتت تشكل تهديدًا واضحًا للسلم الاجتماعي والتعايش الإنساني
  • شيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا نتاج للجهل بحقيقة الإسلام
  • 15 مارس.. اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام "الإسلاموفوبيا".. علماء: سن قوانين تجرم التحريض
  • مفتي الجمهورية: الإسلاموفوبيا تهديد خطير يستوجب تعاونًا دوليًّا لمواجهته
  • أستاذة مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق لـ "البوابة نيوز": الحضارة الإسلامية قدمت نموذجًا مبكرًا لاحترام التعددية الثقافية.. ورمضان فرصة للتقارب والتسامح
  • من مقر الأمم المتحدة بنيويورك: الرابطة تُسمع العالم صوت الشعوب المسلمة في يوم مكافحة “الإسلاموفوبيا”