الاستشراق مفتاح الإسلاموفوبيا وعدوانية حرق المصحف
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
الاستشراق مفتاح الإسلاموفوبيا والعدوانية وحرق المصحف
القضية تتعلق بالثقافة والحضارة أكثر منها متعلقة بالدين. والأمثلة قديمة على صناعة الآخر.
فى السويد كانت الكاثوليكية قد سبقت الإسلام فى التحيز ضدها. لكن سرعان ما تلاشى التحيز ضد الكاثوليكية، وحل «محلها الإسلام».
تعتبر مفردات استخدمها رئيس وزراء السويد عقب واقعة حرق المصحف باعتبارها نموذجًا ممتازًا لعملية «إنتاج» الآخر وصناعته صنعًا.
الوقوف على طبيعة الاستشراق بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فى السويد وغيرها مثل الدنمارك، التى تشهد وقائع عدوانية كحرق المصحف.
الموقف من الإسلام سبق الإسلاموفوبيا الذى يظل أحدث تجليات الظاهرة فلا يمكن فهم الإسلاموفوبيا ذاتها بعيدًا عما مهد لها وأعطاها الشرعية، أى الاستشراق.
كانت السويد تاريخيًا كاثوليكىة ثم تحولت بروتستانتية فى القرن 17 وصارت النظرة للكاثوليكية نظرة دونية باعتبار الانتماء لها «يعبر عن غير المتعلمين» المعادين «للدين الحق» على حد قولهم وقتها!
* * *
تناولت فى المقال السابق وظيفة الإسلاموفوبيا فى المجتمعات الغربية، وعرضت المفردات التى استخدمها رئيس الوزراء السويدى عقب واقعة حرق المصحف باعتبارها نموذجًا ممتازًا لعملية «إنتاج» الآخر وصناعته صنعًا.
وفى نهاية المقال، أشرتُ إلى أن صناعة الآخر التى تستهدف «الإسلام» (هكذا بالجملة) موجهة للذين يأتون من العالمين العربى والإسلامى، بمن فيهم المسيحيون.
فالقضية تتعلق بالثقافة والحضارة أكثر منها متعلقة بالدين. والأمثلة قديمة على صناعة الآخر. إذ تجدر الإشارة إلى أنه فى السويد مثلًا، كانت الكاثوليكية قد سبقت الإسلام هناك فى التحيز ضدها.
فالسويد تاريخيًا كانت تنتمى للمذهب الكاثوليكى ثم تحولت عنه للبروتستانتية فى القرن السابع عشر. ومع الوقت صارت النظرة فيها للكاثوليكية نظرة دونية باعتبار الانتماء لها «يعبر عن غير المتعلمين» المعادين «للدين الحق» على حد قولهم وقتها! لكن سرعان ما تلاشى التحيز ضد الكاثوليكية، وحل «محلها الإسلام».
والموقف من الإسلام سابق على صك تعبير «الإسلاموفوبيا»، الذى يظل أحدث تجليات الظاهرة. ومن هنا، لا يمكن على الإطلاق حتى فهم الإسلاموفوبيا ذاتها بعيدًا عما مهد لها وأضفى عليها الشرعية، أى الاستشراق.
فالوقوف على طبيعة الاستشراق بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فى السويد وغيرها من دول، مثل الدنمارك، التى تشهد وقائع عدوانية كحرق المصحف.
فبدون ذلك الإطار الفكرى سيظل تعاملنا مع تلك الممارسات لا يبارح مكانه، إذ هو الآن يقوم على منطق رد الفعل ويتناول تلك الممارسات بالقطعة، إذا جاز التعبير، أى تجاه كل حدث بمعزل عن غيره، فيفاجئنا فى كل مرة! وللدلالة على أهمية منظومة الاستشراق.
تجدر الإشارة إلى أن السويد تحديدًا تزامن فيها تناول الإسلام والمسلمين منذ القرن التاسع عشر بالاحتفاء بدراسات المستشرقين، التى تغلغلت فى كل أوجه الحياة الغربية من القانون للتعليم ووصولًا لصياغات العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وأهم من قدم نقدًا للاستشراق وكيفية «صناعة» الإسلام والمسلمين فى الغرب لم يكن مسلمًا وإنما كان مسيحيًا بروتستانتيا فلسطينيا. فلا يمكن بحال فهم تلك الظاهرة دون إرجاع الفضل للمفكر الراحل إدوارد سعيد.
عاش إدوارد سعيد، الأمريكى ذو الأصول الفلسطينية، سنى طفولته بالقاهرة، إذ نشأ، كما جاء فى مذكراته، بين فلسطين ومصر ولبنان قبل أن تنتقل عائلته للولايات المتحدة. وإدوارد سعيد، أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة كولومبيا من أهم مفكرى القرن العشرين (توفى عام 2003).
ورغم أن كتابات الرجل كلها تمثل إرثًا فكريًا بالغ الأهمية، إلا أن إسهامه الأهم كان كتابه «الاستشراق» الذى ظهرت أولى طبعاته فى نهاية السبعينيات، ويظل من أهم الدراسات الأكاديمية على الإطلاق.
قدم إدوارد سعيد نقدًا للدراسات «الأكاديمية» الغربية فى تناولها الأيديولوجى، لا العلمى، المنحاز ضد ما يسمونه «الشرق» و«الإسلام». وكتاب الاستشراق يعتبر، فى تقديرى، من أهم الكتب العلمية قاطبة وأكثرها تأثيرًا طوال القرن العشرين.
فقد كان له تأثيره واسع النطاق فى كل مكان فى العالم وأحدث ثورة فى مناهج البحث لأكثر من فرع من فروع العلوم الاجتماعية، بدءًا بالأنثروبولوجيا ودراسات ما بعد الكولونيالية ودراسات أمريكا اللاتينية والدراسات الآسيوية والإفريقية، ومرورًا بالدراسات النسوية ووصولًا لدراسة الأقليات.
لكن المفارقة الجديرة بالتأمل هى أن المنطقة الوحيدة من العالم التى لم يكن لكتاب إدوارد سعيد فيها تأثير يُذكر كانت عالمنا العربى! فلا هو أثّر فى دراسة مجتمعاتنا، ولا كان له تأثير يُذكر فى مناهج البحث فى العلوم الاجتماعية عندنا، كما سأحاول شرحه فى مقالات قادمة.
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب الشرق الإسلام الاستشراق السويد الدنمارك عدوانية حرق المصحف الكاثوليكية فى السوید
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف: ظاهرة الإسلاموفوبيا باتت تشكل تهديدًا واضحًا للسلم الاجتماعي والتعايش الإنساني
أكد الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف أن ظاهرة الإسلاموفوبيا باتت تشكل تهديدا واضحا للسلم الاجتماعي والتعايش الإنساني على المستويات المحلية والقارية والدولية، مشيرًا إلى أنها ليست مجرد مخاوف فردية، بل اتجاه متنامٍ يرسخ الانقسام وينال من أسس الاحترام المتبادل بين الشعوب.
وأضاف الأزهري -في كلمته بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإسلام اليوم /السبت/- أن تخصيص يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح لمواجهة هذه الظاهرة المتصاعدة، مستحسنًا تفاعل المؤسسات الدولية مع هذا اليوم باعتباره يومًا لمكافحة العداء للمسلمين والتمييز ضدهم.
وثمّن الوزير نشاط مجموعة الدول الإسلامية والعربية في الأمم المتحدة حتى إقرار يوم عالمي لمكافحة تلك الظاهرة، مؤكدًا أن حقيقتها ليست رهابًا مَرَضيًا، بل هي عداء مستتر وتمييز ظاهر يقترفهما أصحاب المصالح وينساق وراءهما من تنطلي عليهم خطابات الكراهية والإقصاء والتمييز.
وأوضح وزير الأوقاف أن تلك الظاهرة العدائية هي نتاج مباشر لغياب الوعي بحقيقة الإسلام وقيمه النبيلة، فضلًا عن الحملات الممنهجة التي تعمل على تشويه صورته من خلال ربطه بالإرهاب والتطرف، وهو ما يخالف الحقيقة التاريخية التي تثبت أن الإسلام كان على الدوام دين سلام وتعارف وتعاون بين الشعوب، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13]، ومؤكدًا أن التنوع الديني والثقافي إرادة إلهية وسنة كونية يتعلمها المسلم من أول آية في القرآن الكريم بعد البسملة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: ٢]، فيترسخ في يقين المسلم -الحق- أن الله أراد كونه عوالم متعددة الجهات والتوجهات، مختلفة المشارب والأديان، متنوعة الأعراق والحضارات، فيشب بذلك على احترام إرادة الله في خلقه.
وأشار الوزير إلى أن تصاعد خطابات الكراهية ضد المسلمين يأتي نتيجة لاستغلال بعض الجهات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر صور نمطية مغلوطة عن الإسلام، مؤكدًا أن هذه الممارسات تعزز الانقسامات المجتمعية وتؤدي إلى مزيد من التوتر والصراعات، ودعا إلى ضرورة تفعيل مبادرات إعلامية وثقافية تهدف إلى تقديم الصورة الحقيقية للإسلام وتصحيح المفاهيم الخاطئة عنه، من خلال التعاون بين المؤسسات الدينية والمجتمعية على المستوى الدولي، مشيرًا إلى أن الإنصاف من أسمى القيم الإنسانية التي هي أوجب ما تكون بين الإنسان والمختلف عنه في أي شيء.
كما شدد الوزير على أهمية إقرار القوانين وإنفاذها لمكافحة التمييز الديني والعنصري، مطالبًا بضرورة وضع تشريعات دولية تحظر أي شكل من أشكال التحريض على الكراهية ضد الأديان، وتجريم الخطابات التي تثير العداء ضد المسلمين، وأكد أن الوقت قد حان لتطوير سياسات أكثر فاعلية لتعزيز ثقافة الحوار والتسامح، بدلًا من السماح باستمرار الخطابات المتطرفة التي تضر بالاستقرار العالمي.
وأكد وزير الأوقاف أن وحدة الصف بين أركان المؤسسة الدينية في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، تعد ركيزة أساسية في مواجهة تلك الظاهرة العدائية وفي التصدي لحملات التشويه التي تستهدف صورة الإسلام والمسلمين، وأوضح أن التنسيق المستمر بين هذه المؤسسات أسهم في إطلاق مبادرات فكرية وإعلامية تعكس جوهر الإسلام القائم على الرحمة والتسامح، فضلًا عن تنظيم المؤتمرات الدولية واللقاءات الحوارية لتعزيز التفاهم بين الشعوب.
كما شدد على اهتمام الوزارة بإعداد دعاة وأئمة وواعظات على مستوى عالٍ من الوعي والثقافة، ليكونوا سفراء لقيم الاعتدال، في مواجهة التطرف من جهة، وخطابات الكراهية من جهة أخرى، ما يعزز مكانة الإسلام بوصفه دينًا يدعو إلى التعارف والتعايش السلمي بين البشر.
وفي ختام كلمته، أبدى وزير الأوقاف تأييده لدعوة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، إلى إنشاء قواعد بيانات توثق جميع أشكال الاعتداءات العنصرية والتمييز ضد المسلمين، لتكون مرجعًا للمنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية في رصد الظاهرة ومعالجتها بآليات أكثر فاعلية.
كما أكد أن التصدي للعداء للمسلمين والتمييز ضدهم ليس مسئولية المسلمين وحدهم، بل هو واجب إنساني عالمي يتطلب تضافر الجهود لبناء عالم أكثر تسامحًا وعدالةً وانفتاحًا على الجميع لخير بني الإنسان.