أَطْلَقَ هذا المعني «الإنسانية» وبالإنجليزية «Humanism» مفكرو عصر النهضة المتخصصين في الآداب اليونانية القديمة، حيث تُشير كلمة إنساني في هذا الصدد إلى الآداب بعيدًا عن الدين المُنَزَلَ. وقد تطور هذا المعني في مجال الفلسفة معبرًا عن الفكر الذي يجعل من الذات معيار المعرفة والحقيقة، فكان وعي الإنسان بذاته هو مفتاح عصر النهضة، حيث يمكن تفسير كل شيء بمعان إنسانية في التعبير عن الإنسان داخل هذا العالم، مؤكدًا على استقلاله وفرديته واتساع معرفته.
عزيزي القارئ تغلب على العصر الحديث نزعة بادية في تفكيره وهي نزعة التمرد علي العقل، وهناك ظروف اقتصادية خاصة، وأحوال سياسية وأسباب عالمية جعلت هذه النزعة أكثر وضوحًا وتأثيرًا في عالم السياسة، ومهما تكن غرابة هذه النزعة فإنها ليست أول خروج عن العقل وانشقاق على احكامه وسنته ومحاولة لصدع اغلاله، إلا أن الثورات التي ترمي إلى إزالة نفوذ العقل والقضاء على سلطته تظهر وتختفي بعد حين وآخر في التاريخ، ولكي تتضح هذه الوجهة سنلقي نظرة خاطفة على التاريخ الفلسفي لنستكشف خط ذلك المصطلح.
صديقي القارئ تميزت هذه النزعة بالرجوع إلى النصوص الكلاسيكية القديمة كالإغريقية والرومانية لتستمد منها منهاجها وفلسفتها، حيث انتصرت الفلسفة اليونانية قديمًا للعقل علي يد سقراط الذي كان يدعو حتى وضوح التفكير والخضوع للعقل، بينما أقام أفلاطون "الجمهورية" علي حكم الفلاسفة في ضوء الإعلاء من قيمة العقل، وفي نهاية عهد ماركس أورلياس (أحد حكام الإمبراطورية الرومانية ووضع لنا كتابه الشهير التأملات) خرج أنصار الأفلاطونية الجديدة علي العقل، وظل الآخر مطاردًا حتي استنفذته الفلسفة المدرسية، وطلائع نهضة إحياء العلوم، حتى أستمد قوته في عصر التنوير علي يد فولتير وروسو ومونتسكيو، وكان دعاة هذا العصر يرون الكون أشبه بآلة ضخمة في وسع العقل الكشف عن قوانينها واكتشاف أسرارها، وظل الأمر كذلك حتي منتصف القرن التاسع عشر، حيث تحول الاتجاه نحو التمرد علي العقل بداية من نيتشه وسوريل مرورًا بالفاشية والقوي اللامعقولة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النزعة الإنسانية
إقرأ أيضاً:
“عين الإنسانية” يكشف حصيلة مأساوية للعدوان الإسرائيلي على غزة
يمانيون../
نشر مركز “عين الإنسانية للحقوق والتنمية” في صنعاء تقريرًا شاملًا يرصد حجم الدمار والخسائر البشرية في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 460 يومًا، وذلك استنادًا إلى إحصائيات المركز الفلسطيني للإعلام.
ووفقًا للتقرير، بلغت حصيلة الشهداء 45,885 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال، فيما تجاوز عدد الجرحى 109,196 في إحصائية أولية. كما تعرض قطاع غزة لتدمير شبه كامل، وسط وضع إنساني كارثي.
وتستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة عبر عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي اليومي، ما أدى إلى نزوح أكثر من 95% من السكان.
منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023، يعاني القطاع من حصار خانق يمنع وصول المساعدات الإنسانية وطواقم الإنقاذ، في ظل وجود آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات دون أي استجابة دولية فعّالة.