سودانايل:
2024-11-23@11:39:01 GMT

فتح الحوار حول كيفية إعادة بناء الدولة السودانية

تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT

الدكتور الخضر هارون

إن أهم ما ينبغي أن يفكر فيه السودانيون، كل السودانيين، هو تصور صعوبة الحفاظ علي الدولة السودانية بعد الانتصار علي هذا العدوان الغاشم بذات التصورات التي سبقت العدوان وبذات الهياكل التي قامت عليها الدولة منذ الاستقلال وأن النظر في ذلك يلح علي دراسة الأسباب التي أدت لقيام هذه الحرب منذ أبريل ٢٠٢٣ وإلي الهشاشة التي وجدت عليها الدولة واستسهال زوالها بالكلية.


والنظر الفاحص لذلك يستدعي الوقوف عند محطة انفصال الجنوب في ٢٠١١ والذي كان نذيرا يستوجب تدابير ووسائل للحفاظ علي ما تبقي من البلد وأن مجرد وقوع ذلك الحدث الذي أودي بقاعدة صلبة وركناً ركينا قامت عليه منظمة الوحدة الإفريقية ثم الإتحاد الإفريقي وهو الحفاظ علي الحدود الموروثة عن الاستعمار وهو ركن كان بالإمكان التشبث به والخلوص إلي خيارات أخري تقيم العلاقات بين جزئي السودان علي تدابير مقبولة للطرفين دون الانفصال . وقوع الحدث ربما أغري بتكراره والسعي للقضاء علي الدولة بكاملها. والعبرة هنا أن الدولة التي حصلنا عليها ب الاستقلال غدت الآن ممزقة وأضعف وربما علي نحو ما آيلة للسقوط وذلك يستدعي وبإلحاح النظر في استعادتها علي أسس جديدة. ذلك لا يعني صحة مقولة أن السبب الذي يردده البعض بالهجوم علي دولة ١٩٥٦ وأن علتها كانت سيطرة عرق بعينه أو موقع جغرافي معين كما تدعي أبواق تحركها ضغائن عنصرية وجهوية لا غير ، لأن الجميع أسهموا في الكفاح ضد المستعمر منذ علي عبداللطيف المنحدر من قبيلة الدينكا في الجنوب وعبد الفضيل الماظ القادم من جبال النوبة في عشرينيات القرن العشرين حتي تحقق بالتراكم الاستقلال واتبع جيل الاستقلال مشكورا ومأجوراً ما كان معروفا في ذلك الوقت : معايير السودنة استنادا علي مستويات التعليم، وإقامة نظام مدني ديمقراطي بالانتخابات المباشرة محاكاة لنظام المستعمر في بلده وذلك قصاري ما كان ممكناً وحتي رفض الفيدرالية الذي كان نقضا للعهد مع الجنوب كان عذره عدم معرفة ما هي الفيدرالية ولم تكن القارة بأسرها تعرف نظاما فيدرالياً يمكن محاكاته فنيجيريا الاتحادية استقلت بعد السودان بأربعة أعوام ومع ذلك انفصلت بيافرا. فجمهورية السودان قامت كما قامت كل الدول التي كانت مستعمرة ، دولة مدنية ديمقراطية مركزية قابضة مركبة من حيث العرقيات والإثنيات المتعددة أغفلت لقلة خبرة إدارة التنوع كالمرتجى وقامت أحزابها علي استقطاب طائفي حاد فلم تعمر النظم المدنية فيها طويلا كما أنها لم تصادف نجاحاً في انطلاق التنمية أو تحقيق الأمن بل استعانت أحزابها جميعا بالجيش علي بعضها البعض.
ذلك التدبير وتلك الدولة القائمة منذ الاستقلال وضعتها حرب مليشيا الدعم السريع الآن علي المحك وثبت أن دولة صغيرة لا يبلغ عدد سكانها المليون الواحد هي إمارة أبو ظبي تحديدا إن تحرينا الدقة ،ونزعنا الاسم الأكبر الإمارات العربية المتحدة تستطيع بضخامة ما تملك من ( كاش) تقويض دولة عريقة ذات تاريخ تليد هي السودان.

لذا ينبغي التفكير في طريقة بديلة بالكامل لتأسيس السودان والذي أشك في أن يعود كما كان كما هي أمنياتنا جميعاً، لذلك اقترح أن تتولي حكومة الأمر الواقع في بورتسودان الدعوة لكل السودانيين للانخراط في حوار علني عن النظام الأمثل الذي يعالج الاختلالات التي مرت بها الدولة السودانية المستقلة منذ 1956.عبر دراسات علمية في المجالات كافة وعبر حوارات شفافة تنقلها الوسائط الإعلامية .
نتحاور جميعا بكل شفافيةً للإجابة علي أسئلة جوهرية مثل هل تقسم البلاد مثلا لست أقاليم تتمتع بحكم اتحادي حقيقي تكون فيه لكل إقليم حكومة منتخبة ومجلس تشريعي منتخب . وتكون في عاصمة البلاد حكومة اتحادية تتولي قيادة الجيش القومي والشرطة الاتحادية والاستخبارات والأشراف علي التعليم العالي. يمكن أن تكون الدولة برلمانية كالهند يتولى الرئاسة المراسمية والرمزية للدولة المسؤول الأول في كل إقليم لمدة عام وذلك يعني أن تكون دورة الحاكم ست سنوات في الإقليم كسلطة تنفيذية. وتنتدب مجالس الولايات بالتساوي عددا لبرلمان قومي في العاصمة يكون هو البرلمان الاتحادي يختار رئيسا للوزراء للدولة الاتحادية . أو تكون الدولة رئاسية كالولايات المتحدة الأمريكية.
مثل هذا الحوار يحتاج للجنة رسمية تشكل لتقسيم محاور الحوار القانونية والإدارية والاجتماعية والعلاقات الخارجية متدرجة من الجوار للأخذ في الاعتبار التداخل الإثني ثم الإقليمي فالدولي وهذه اللجنة تقترح مختصين في الجوانب المذكورة لوضع محاور كل جانب: قانوني، تقسيم إداري، مكونات قبلية ، وضع القوات المسلحة وضرورة تقوية الجيش ليتمكن من أداء دوره في الحفاظ علي وجود الدولة وأمنها وهل تشترط التقسيمات الإدارية أن يكون كل أقاليم قادر علي الاعتماد علي موارده مثلا وكيف تسهم الإدارة الفيدرالية في سد النقص إن كانت الإجابة بالنفي.
والعمل علي إعداد تعداد سكاني بكشوفات ضبط كل إقليم إن اجتمع الرأي علي التقسيم الإداري إلي أقاليم . لضبط عمليات التصويت خاصة وأن أعدادا كبيرة استوطنت خارج أماكنها الأصلية ويستهدي في ذلك بتجارب الدول الأخرى كالهند مثلا والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا.
يبتدر المختصون الحوار فيما بينهم في البداية ثم يخرجوا به إلي العلن ليشارك فيه الجميع.
وهذا العمل ليس سهلاً كما يبدو ولكنه ضروري لإنجاز المهمة ومشاركة الجميع فيه ربما قطعت دابر الحروب لأن الغاية أن تقوم الدولة المرغوبة بتراضي الجميع وتنتفي نغمة سيطرة عرق أو جهة علي الدولة ولو لا الجوار المتداخل قبليا لاقترحنا إلغاء أي إشارة للقبائل في التعريف الشخصي للأفراد.
القيام بهذا العمل ربما تنزاح به آفاق أخري أرحب فعندما عندما اضطر نظام الفريق عبود العسكري بعد فشل سياسة القبضة الحديدية علي الجنوب لفتح الباب للقوي السياسية لمناقشة السياسة المرجوة هناك وسع المتحاورون المجال لمناقشة أزمة الحكم في كل البلاد لا السياسات تجاه الجنوب وحده وانطلقت صيحة حل مشكلة الجنوب في حل مشكلة الشمال وهي زوال الحكم العسكري وقد زال بالفعل لكن قبل أن يتطور الحوار للخلوص إلي رؤية تحظي برضا الجميع فيجئ المولود ناضجاً قابلا للحياة فجاءت الديمقراطية عرجاء لم تسلم من الصراعات بين القوي الحديثة والقوي التقليدية فانفتحت البلاد علي نظم شمولية ينحصر إنجازها أكثر الأحيان في كيفية البقاء علي سدة السلطة .
مؤتمر المائدة المستديرة في الستينيات كان تجربة فريدة لدولة استقلت قبل سنوات قلائل. قال أبل ألير لو طبقت قرارته في الحكم الإقليمي كانت حازت علي رضانا رغم أنها كانت دون مطلبنا في الحكم الفيدرالي طبقها نميري في اتفاقية أديس أبابا وحققت السلام لعشر سنوات إلي أن بدلها فقامت الحقبة الأخطر في حرب الجنوب عام ١٩٨٣.
يمكن ان تنهي الحوار بمؤتمر جامع مثله يخطط لوضع جديد لحكم السودان.
هذه خطوط عريضة قابلة للاستدراك بالإضافة والحذف رأيت أن أعرضها للتداول قبل نشرها.
أتمني بعد مرئياتكم أن تنتهي للسيد وزير الإعلام الجديد خالد عويس ليبتدر بها عهده لعلها تفضي إلي عمل يقود خطي السودان للاستقرار والنماء.
ويلزم عندما تتبرؤون الرؤى أن يتم تناول هذا الحوار الجاد بين الجميع في قنوات التلفزة والإذاعات ولتعقد له الندوات والمحاضرات في الجامعات وغير الجامعات لإنقاذ البلاد وحماية وحدتها واستقلالها.

abuasim.khidir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

منير خيرالله: نحن أمام مسؤولية تاريخية تحتّم علينا العمل موحَّدين على إعادة بناء لبنان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

احتفلت أبرشية البترون المارونية بعيد الاستقلال وذكرى تطويب القديسة رفقا، ونظمت مسيرة حج وصلاة إلى دير مار يوسف جربتا حيث ترأس راعي الأبرشية المطران منير خيرالله قداسا احتفاليا عاونه فيه مرشد الدير الاب ميشال اليان ولفيف من كهنة الأبرشية، في حضور راهبات، الاخويات، طلائع وفرسان العذراء، حشد كبير من المؤمنين الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية ومن رعايا الأبرشية، بالإضافة إلى الاخويات وطلائع وفرسان العذراء. وخدم القداس الفنانان رفقا فارس ورودولف خوري.

بعد الإنجيل ألقى خيرالله عظة قال فيها: "في 22 تشرين الثاني 1985، تداعينا للمرة الأولى في أبرشية البترون، بعد إعلان تطويب الراهبة رفقا ولمناسبة عيد الاستقلال، إلى مسيرة حج وصلاة إلى ضريح الطوباوية رفقا في دير مار يوسف جربتا. تسعة وثلاثون سنة مضت ونحن نلتقي في مسيرات حج وصلاة، وكان وطننا لبنان، ولا يزال، يعاني من حروب الآخرين على أرضه ويدفع ثمنها اللبنانيون. فمات من مات، واستشهد من استشهد، وهُجِّر من هُجِّر، وهاجر من هاجر. وبقينا نحن نصارع من أجل الحياة، حياةٍ حرة وكريمة، في ظل دولة تحترم دستورها وقوانينها وتؤمّن مصالح مواطنيها وتستحق الاستقلال الناجز. للسنة التاسعة والثلاثين على التوالي نحجّ إلى ضريح القديسة رفقا لنحتفل معًا بعيدي القداسة والاستقلال. وبين الاثنين قرابة روحية ووطنية، إذ هما ثمرة تضحيات شعب وجهود أفراد. "

وأضاف: "نحتفل أولاً بعيد القداسة في هذا الدير الذي شيّدته القديسة رفقا مع أخواتها سنة 1897 في وادي القداسة والقديسين، هنا في جربتا. وقررت أن تمشي مسيرة القداسة التي تعود بنا إلى الجذور، إلى روحانية أبينا مار مارون الذي استنبط روحانيةً نسكية في كنيسة أنطاكيه، تعاش على قمم الجبال أو في قعر الوديان، في علاقة مميزة مع الله في الصلاة والتقشف والتجرّد عن ملذات العالم، وفي العمل في الأرض للعيش منها بحرية وكرامة. وأتى تلاميذ مارون يعيشون هذه الروحانية على قمم جبال لبنان أو في وديانه وحوّلوها إلى مراكز قداسة ومزارات لتمجيد الله. وأسسوا كنيسة مع البطريرك يوحنا مارون وأكملوا فيها مسيرة الروحانية النسكية في القداسة. واجهوا عبر الأجيال محنًا كثيرة في الاضطهادات والحروب والنزوحات، ولكنهم بقوا ثابتين في إيمانهم بالله، ومتمسكين بالقيم المسيحية والإنسانية التي تربّوا عليها، ومحافظين على أرضهم التي اعتبروها عطية من الله ووقفًا له. وكان منهم النساك والشهداء والقديسون، أمثال نعمة الله وشربل ورفقا".

وتابع: "أما العيد الثاني، عيد الاستقلال، استقلال لبنان الوطن والكيان، فهو أيضًا، كما مسيرة القداسة، احتاج إلى جهود وتضحيات كبيرة من شعبنا قدّمها خلال التاريخ منذ بداية وجوده وحضوره على هذه الأرض المقدسة. والقديسة رفقا، كما القديسون نعمة الله وشربل والاخوة المسابكيون، كانوا شهودًا لمرحلة من مراحل الاضطهادات التي تعرّض لها شعبنا في مسيرة استقلال الكيان اللبناني بين 1840 و1860، يوم كان الموارنة والمسيحيون يُذبحون في عهد الإمبراطورية العثمانية. والبطريرك المكرّم الياس الحويك، ابن منطقتنا، وحّد اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، وراح يطالب باسمهم الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى بإعلان دولة لبنان الكبير؛ الكبير لا في جغرافيته وأرضه، بل في دعوته ورسالته، لأنه وطن رسالة لكل بلدان العالم وشعوبه. وطن رسالة في المحبة والمصالحة والسلام والانفتاح والعيش الواحد في احترام التعددية، تعددية الانتماءات الدينية والطائفية والحزبية والثقافية والحضارية، على أن تبقى كلها تحت سقف الانتماء الواحد للوطن والدولة. ونال ما طلبه، وأعلنت دولة لبنان الكبير 1920. وتابع البطريرك أنطون عريضه النضال حتى نال لبنان استقلاله في 22 تشرين الثاني 1943 على إسم الجمهورية اللبنانية".

وأردف خيرالله: "لكن هذا الاستقلال لم يُنجز فعليًا لأن اللبنانيين لم يثقوا بدولتهم ولم يضحوا بمصالحهم الخاصة في سبيل المصلحة العامة. فبقيت عيونهم شاخصة إلى دول خارجية، وقلوبهم معلّقة بزعماء ورؤساء غير لبنانيين. واندلعت الحرب فيما بينهم ومع الآخرين منذ ما يقارب الخمسين سنة وما زالت مستعرة. وذلك لأنهم بَدَوا قاصرين فاستُعبدوا، ومنقسمين فحُكموا بالقوة، ومشرذمين فاحتُلت أرضهم".

أضاف: "نقف اليوم بعد كل هذا المسار المؤلم، على ضريح القديسة رفقا، أمام ذواتنا وأمام الله وأمام بعضنا البعض وأمام مجتمعنا، وقفة توبة صادقة لطلب الغفران على كل ما اقترفنا من أخطاء وخطايا. لنعمل بعد ذلك، وبكل جرأة، على قراءة نقدية لتاريخنا وللأحداث التي عشناها بهدف تنقية الذاكرة وإقامة حوار صادق وصريح في ما بيننا للوصول إلى مصالحة باتت ضرورية، بل ملحّة اليوم".

واختتم: "نحن أمام مسؤولية تاريخية تحتّم علينا العمل متعاضدين موحَّدين على إعادة بناء لبنان، الوطن الرسالة كما أطلق عليه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة حوار وسلام كما يردّد قداسة البابا فرنسيس. وبناء مستقبل واعد لأولادنا وأجيالنا الطالعة لينعموا باستقلال مستحَقّ وسيادة كاملة. نحن قادرون على ذلك بقوة إيماننا بالله ورجائنا  يسوع المسيح الذي تنازل من ألوهيته ليصير إنسانًا مثلنا ويتبنّى إنسانيتنا الضعيفة ويقويها ويحملها معه حتى الصليب فالموت والقيامة. نطلب من الله، بشفاعة القديسة رفقا، التي حملت الصليب مع يسوع وصارت رسولة الألم وشفيعة المتألمين، أن يمنحنا القوة على حمل الصليب معه والانتصار على الشر والخطيئة، كي نكون رسل محبة ومصالحة وسلام في لبنان الرسالة وفي العالم. والمسيح باقٍ معنا إلى نهاية العالم".

مقالات مشابهة

  • نجيب ساويرس يثير تفاعلا بسؤال حول كيفية بناء قاعدة مشجعين لنادي زد
  • منير خيرالله: نحن أمام مسؤولية تاريخية تحتّم علينا العمل موحَّدين على إعادة بناء لبنان
  • العلاقات الروسية وخارطة الطريق السودانية
  • عمليات قتل تطال العشرات في ود عشيب السودانية.. واتهامات للدعم السريع بالوقوف وراءها
  • عشرات القتلى في ود عشيب السودانية.. واتهامات لـالدعم السريع بالوقوف وراءها
  • الكتابة في زمن الحرب: التنمية المستدامة لقرية ما بعد الحرب
  • توم بيرييلو: تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد
  • حركة تحرير الجزيرة وتقرير مصير الجميع
  • السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية