الأدب يهزم القُبح.. ويبقى ذاكرة للحروب (2)
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
الصادق أحمد عبيدة / باريس
———————————-
تحت هذا العنوان تناولتُ في الأيام الماضية فوز الكاتب كمال داؤود بجائزة (الغونكور) الأدبية الفرنسية كأول كاتب جزائري يفوز بها، عن روايته "الحوريات" التي إستدعى فيها فظائع الحرب الأهلية في الجزائر.
هيمنت ثيمة الحروب وقبحها على المشهد الأدبي كأروع ما كُتِب هذا العام! ووصلت رواية "جَاكَراندا" Jacaranda للكاتب الرواندي الفرنسي Gaël FAYE غاييل فآي إلى القائمة القصيرة (للغونكور) منافِسةً "لحوريات" داؤود.
• فاي :
ولد غاييل فاي عام 1982 في بوجومبورا عاصمة بورندي حيث نزحت والدته من رواندا عقب حملة التطهير العرقي الأولى ضد قبيلتها التوتسي، ووالده فرنسي الجنسية.
عندما إندلعت الحرب الأهلية في بورندي في عام 1993، وتصاعدت وتيرة المذابح ضد قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994، كان الصبي غايبل آنئذٍ في الثالثة عشر من عمره. فتم تسجيل إسمه في قائمة الفرنسيين المرشحين إلى الإجلاء إلى فرنسا فراراً من الحرب. وصل الصبي إلى فرنسا ومعه أخته الصغيرة ، وتم إيداعهما، بواسطة مؤسسة رعاية الطفولة، في كَنف أسرةٍ حاضنة إلى أن التأم شملهما مع والدتهما التي إستقرت بهما في ضاحية فيرساي Versailles، حيث عاش الجزء الثاني من شبابه ، ودرس المرحلة الثانوية. ساعدته موهبته وإهتمامه بالموسيقى على تخطي آلام الغربة وفَقْد الأحبة ومرتع الصِبا.
واصل تعليمه العالي حتى نال درجة الماجستير في دراسات التأمين في المدرسة الوطنية للتأمينات. وعمل بعد ذلك في كبرى الشركات في لندن، ثم إستقال من منصبه ليتفرغ للكتابة والتأليف الموسيقي.
أصدر في العام 2016، روايته الأولى Petit Pays "بلدٌ صغير" إستدعى فيها أحداث الحرب الأهلية في رواندا، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي صدر في 2020 بنفس الإسم، و قد ساهم هو في كتابة سيناريو الفيلم..يمكن مشاهدة الفيلم الآن عبر منصة النيتفيليكس.
• جاكَراندا :
تتناول الرواية، الصادرة عن دار "غراسيه"، قصة حياة الصبي "ميلان" وهو فرنسي من جهة الأب، رواندي من جهة الأم، نشأ في مدينة فيرساي ، يكتشف عبر التلفزيون مأساة التطهير العرقي في رواندا عام 1994، وتهيمن على عقله قصص ذلك البلد الصغير، وتلِحُ عليه
الأسئلة، ويقرر البحث عن حقيقة ماجرى لأسرة والدته هناك..لكن أمه التي تنتمي إلى قبيلة التوتسي ، كانت تتهرب طوال سنوات من الإجابة على هذا السؤال إذ أنها دفنت تلك الأحداث في أعماقٍ سحيقةٍ من سراديبِ الذاكرة ، و كغيرها من ضحايا الحروب، ضربت علي نفسها جداراً سميكاً من الصمت .
وخلال 25 عام قام ميلان بالبحث عن ما جرى ، وذلك من خلال رحلاته المتعددة إلى رواندا وإستنطاقه للشجر، والحجر، والطير، حتى الأموات وما تبقى من الأحياء المكفنين بالصمت..
أراد الكاتب من خلال رواية الجاكراندا أن يحكي لهذا الجيل قصة هذا (البلد الصغير) الذي عاش أسوأ الظروف ، وأبشع الفظائع، ومع ذلك استطاع أن يحقق التصالح والوحدة، وينهض من رماده، ويتكاتف أبناؤه ليصبح بعد ثلاثين عاماً بالتمام والكمال (1994-2024) واحداً من أكثر الدول الحديثة إزدهاراً وتقدماً..
إذن هي قصة نهضة رواندا وإزدهارها خلال ربع القرن الذي مضى حيث بلغت نسبة النمو فيها أكثر من 7 في المائة .
وقد فسر الكاتب إختياره لإسم شجرة (جاكراندا) عنوانا لروايته، بأنها الكلمة الفرنسية المحببة لنفسه، ولأنها الشجرة التي تحمل كثيراً من الأسرار وترمز إلى رواندا التي تحمل سر البقاء ، حيث تمر السنوات ولكنها تبقى شاهدة على كل ما مرت به من أحداث .
- الحروب :
وهكذا، مرة أخرى ، في عالم اليوم الذي انطمست فيه الحدود الفاصلة ما بين الحروب الإفتراضية عبر لعبة البليستيشن، والدمار الحقيقي الذي نعيشه أصبح التعايش مع القبح روتيناً يومياً أو كاد.. وهنا تأتي عبقرية الأدب الذي يقبض على هذه اللحظات الهاربة مع الزمن ليبقيها ذاكرةً "إبداعية" للأجيال.
elsadiq007@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی رواندا
إقرأ أيضاً:
"الشارقة للآداب" يختتم فعالياته
اختُتمت فعاليات الدورة الأولى من "مهرجان الشارقة للآداب" الذي أضاء سماء الإمارة بمختلف أنواع الأدب الإماراتي تحت شعار "حكايات الإمارات تُلهم المستقبل"، على مدار 5 أيام.
نظمت المهرجان هيئة الشارقة للكتاب وجمعية الناشرين الإماراتيين برعاية من عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وتوجيهات رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب والرئيسة الفخرية لجمعية الناشرين الإماراتيين الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، ونجح المهرجان في فتح نافذةً جديدة على عوالم الأدب الإماراتي، حاملاً في طياته أهدافاً طموحة تمثّلت في تسليط الضوء على إنجازات الأدباء والناشرين الإماراتيين، وتعزيز مكانة الإمارات كمركز رائد للأدب والثقافة، وقدّم الحدث تجربة فريدة لزواره عبر فعالياته المتنوعة التي جسّدت روح الهوية الثقافية الإماراتية.
قدم مهرجان الشارقة للآداب 29 ضيفاً و12 مُحاوراً من أبرز أعلام الأدب والفكر والفن والإعلام في الإمارات، الذين حوّلوا ساحة قاعة المدينة الجامعية في الشارقة إلى مسرح لفعاليات ملهمة تضمنت 20 جلسة وندوة حوارية سلطت الضوء على الإبداعات الأدبية الإماراتية في الحاضر والماضي، وناقشت توجهاتها المستقبلية، ودور الأدب في غرس القيم الوطنية والإبداعية، فضلاً عن 9 ورش عمل ملهمة للصغار والكبار أخذتهم إلى عوالم الفضاء، وفنون التصميم باستخدام الخط العربي، وصناعة المسك والشموع المعطَّرة، والسرد القصصي، والفنون.
كما اشتمل المهرجان على معرض للكتاب قدّم أحدث إصدارات 41 ناشراً إماراتياً، إلى جانب 25 عرضاً موسيقياً آسراً من ضمنها حفل عزف على البيانو مع أول ملحنة إماراتية إيمان الهاشمي، إضافة إلى تجارب التسوق المميزة التي قدمتها 5 متاجر مشاركة، ومتعة تذوُّق النكهات الرائعة في 10 مطاعم متنوعة.
وصرح المدير التنفيذي لجمعية الناشرين الإماراتيين راشد الكوس: "لقد حققت النسخة الأولى من المهرجان نجاحاً فاق توقعاتنا، ما يعكس شغف المجتمع المحلي بالأدب والثقافة، كانت الفعاليات بمثابة احتفال بالهوية الثقافية الإماراتية والثراء الأدبي الذي تميّز به الكتّاب الإماراتيون عبر الأجيال، نحن فخورون بأن تكون الشارقة نقطة انطلاق لهذا الحدث الثقافي الرائد الذي نطمح لأن يصبح منصة أدبية عالمية في المستقبل".