عالم "الجربندية" السياسية
مندوحة التدخل الاممي - لفصل القوات أم اعادة إنتاج الفوضى؟
كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات
من عجائب التفسيرات السياسية التي طفت على السطح في الأزمة السودانية، حديث البعض عن ضرورة تدخل أممي لفصل قوات (الجنجويد) مليشيا الدعم السريع المتصارعة على البلاد عن الجيش السوداني، وكأن الواقع المعاش يقتصر على صراع متكافئ بين جهتين شرعيتين.
واقع النزوح ومفهوم الأمان
تحدث غريزة الإنسان عندما يبحث عن الأمان في خضم الصراعات. المواطن السوداني لم يُخدع بجدليات أو دعايات سياسية؛ بل اختار البقاء تحت حماية الجيش في المناطق التي يسيطر عليها، بينما أجبرته غارات (الجنجويد) مليشيا الدعم السريع الوحشية على الهروب من قراهم ومدنهم. المناطق التي اجتاحها الجنجويد أُفرغت من سكانها، وتحولت إلى ساحات للنهب والتدمير، بينما لجأ المواطنون إلى معاقل الجيش حيث شعروا بأن حقوقهم الأساسية في الحياة والأمان ما زالت محفوظة.
في هذه الصورة القاتمة، يأتي طرح "فصل القوات" كفكرة تتناقض مع الواقع. كيف يمكن فصل جيش وطني عن مليشيا خارجة عن القانون؟ هل يعقل أن يُطلب من الدولة التي يهاجمها العدو أن تتخلى عن أحد أبرز أدوات دفاعها الشرعية بحجة "التدخل الإنساني"؟ ومندوحة علاقة المؤسسة العسكرية بسناء حمد او علي كرتي؟
فخ التدخل الأممي وأهدافه المستترة
التاريخ الحديث يفضح غايات التدخلات الأممية في أزمات مشابهة. يُقدم التدخل دائماً تحت عباءة "حماية المدنيين"، لكنه ينطوي غالباً على مصالح سياسية واقتصادية تخدم أطرافاً غير محلية. في الحالة السودانية، فإن فصل القوات سيؤدي إلى تحقيق مكاسب استراتيجية (للجنجويد) الدعم السريع
إضفاء شرعية ضمنية
وضع المليشيا في نفس الكفة مع الجيش يساوي بين الجاني والضحية، ويعطيها مساحة للمناورة السياسية.
تعزيز الاستعداد العسكري
وقف العمليات القتالية سيوفر للجنجويد فرصة لإعادة التموضع والتخطيط لمزيد من الهجمات.
تقويض الدولة السودانية
التدخل الأممي سيضعف سيطرة الجيش على الأرض، مما يفتح الباب أمام فوضى أكبر، ويضعف السيادة الوطنية ويفتح بوابة "تقرير المصير" والتقسيم المرئي..
لقد كشفت الأحداث الأخيرة، مثل الهجوم بالطائرات المسيرة على عطبرة المزدحمة بالنازحين، الوجه الحقيقي (للجنجويد) الدعم السريع عدوٌ للمواطن والوطن. فكيف يمكن أن يُبرر أي تدخل أممي من شأنه منح هذه المليشيا فرصة إضافية لإثارة الفوضى والتنكيل بالمواطن المراد حمايته؟
المخرج الحقيقي للأزمة
بدلاً من الوقوع في فخ التدخل الأممي، يجب على السودانيين والمجتمع الدولي اعتماد خطة محكمة تستند إلى حقائق الأرض ومصلحة السودان، تشمل:
تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية
المجتمع الدولي مطالب بإعلان هذه المليشيا عدواً للإنسانية نظراً لما ترتكبه من جرائم بحق المدنيين
تعزيز دور الحكومة المؤقتة بتعيين رئيس وزراء مدني لتشكيل حكومة حرب وتولي الجيش تطهير البلاد من المليشيا:
يجب أن تكون حكومة السودان المؤقتة، بالتعاون مع الجيش، الطرف الوحيد المخوَّل بالتعامل مع الأزمة مع ان الدعم الدولي ينبغي أن يتوجه لتقوية هذه الحكومة، لا الالتفاف عليها.
تطبيق استراتيجية الشعب المسلح:
بدلاً من النزوح، يجب تمكين السودانيين من الدفاع عن أنفسهم عبر تسليح المدنيين في المناطق التي تتعرض لهجمات المليشيات، بما يحمي أرواحهم وممتلكاتهم دونما التعدي او الهجوم على قوات للمليشيا حيث الهجوم وحسم التمرد المليشي هو من صميم عمل المؤسسة العسكرية.
إقامة ممرات إغاثة داخلية تحت إشراف الدولة:
تقديم المساعدات الإنسانية لا يجب أن يكون بوابة لتدخلات سياسية؛ يمكن إنشاؤها وإدارتها تحت إشراف مباشر من الحكومة السودانية وبالتنسيق مع منظمات دولية ملتزمة مع كامل الشفافية
استراتيجية حسم عسكرية مدعومة دولياً:
الحل الأمثل لفصل القوات يكمن في دعم الجيش لإنهاء التهديد الذي تمثله المليشيا، وليس في تحييده أو إضعافه عبر سياسات التدخل المضللة وتدخلات ديبلوماسية “الجربندية".
العدالة وسد أبواب الفوضى
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية تجاه السودان؛ ليس عبر فرض الحلول من الخارج، بل عبر دعم الشعب السوداني لتحقيق تطلعاته في السلام والاستقرار عبر السماع لمن يمثلون الكتلة الحرجة وليس واضعي اليد عليها وحدهم. يجب أن تكون الأولوية لإنهاء الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، لا في تعزيز توازنات مختلة على حساب الضحايا
ختاما: فصل القوات في سياق السودان الحالي ليس حلاً؛ بل هو دعوة مستترة لإعادة إنتاج الفوضى وتثبيت أركان التمرد ونفق في اخره ضوء تقسيم للوطن العزيز.
إذا أراد العالم حقاً أن يساعد السودان، فعليه دعم الشرعية الوطنية والجيش السوداني، والعمل على إنهاء خطر المليشيات بصفته الشرط الأول لتحقيق السلام والتنمية واعمال مبدا مسؤولية الحماية
R2P
تحت اشراف الحكومة المشار اليها انفا.
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع فصل القوات
إقرأ أيضاً:
تحذير أممي من “وباء عنف جنسي” ضد النساء في السودان
حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، خلال زيارة إلى السودان، الإثنين، مما أسماه "وباء عنف جنسي" تتعرض له النساء في البلد الغارق بالحرب، مشددا على أن نطاق هذه الاعتداءات "غير مقبول"، وفي أول زيارة له إلى بورتسودان، المدينة المطلة على البحر الأحمر، قال فليتشر: "أشعر بالخجل لأننا لم نتمكن من حمايتكنّ، وأشعر بالخجل من أمثالي الرجال بسبب ما فعلوه".
وأودت الحرب بين الجيش السوداني وقوت الدعم السريع بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص، وتسبّبت بما تعتبره الأمم المتحدة "أسوأ أزمة إنسانية" في الذاكرة الحديثة.
ويواجه ما يقرب من 26 مليون شخص، أي حوالي نصف السكان السودان، خطر مجاعة جماعية، في الوقت الذي يتبادل فيه طرفا الصراع الاتهامات باستخدام الجوع سلاحا في الحرب.
وخلال زيارته إلى بورتسودان، التقى المسؤول الأممي بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد، وناقشا الجهود المبذولة "لزيادة توصيل المساعدات عبر الحدود وخطوط الصراع".
وتندد فرق الإغاثة بعقبات بيروقراطية تفرضها الحكومة، وفق وكالة فرانس برس.
"اغتصاب أمام العائلة".. روايات مروعة لضحايا العنف الجنسي في السودان
باب صغير هو كل ما كان يفصل أم عن ابنتها التي تتعرض للاغتصاب وتصرخ مطالبة النجدة، والاتهام هنا كان لاثنين من أفراد قوات الدعم السريع السودانية، حيث اعتدى أحدهما جنسيا على الابنة في غرفة منزلها، ووقف الآخر خارجها يهدد نساء أخريات في المنزل يتوسلن لمساعدتها.
جرت هذه الواقعة في الخرطوم، ولكنها لم تكن الوحيدة بالعاصمة وتكررت في مناطق سودانية أخرى، حيث حصل موقع "الحرة" على عدد من الشهادات من ضحايا وذويهم ومنظمة حقوقية، كشفت وقوع انتهاكات جنسية تصل إلى حد الاسترقاق الجنسي، وبشكل "ممنهج".
وخلال فعالية أقيمت في إحدى مدارس بورتسودان بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، قال فليتشر إن العالم "يجب أن يفعل ما هو أفضل" من أجل نساء السودان اللاتي يتعرضن لعنف جنسي منهجي.
وفي نهاية أكتوبر، قالت الأمم المتحدة في تقرير، إنّ جرائم الاغتصاب في السودان أصبحت "معممة"، موضحة أنّها أجرت تحقيقا "أكّد أن معظم أعمال الاغتصاب ارتكبتها قوات الدعم السريع".
وقال رئيس البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان محمد شاندي عثمان في بيان: "لقد صعقنا بالنطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان. إن وضع المدنييّن الأكثر حاجة، لا سيما النساء والفتيات من جميع الأعمار، يبعث على القلق الشديد ويتطلّب معالجة عاجلة".
و"لم يسلم الأطفال من هذا العنف، في حين اختطفت نساء وفتيات لاستعبادهن جنسيا"، وفقا لهذا التقرير.
وتنفي قوات الدعم السريع بشكل متكرر الاتهامات المنسوبة إلى عناصرها. وقال مستشار قائدها، الباشا طبيق، في تصريحات سابقة لموقع "الحرة"، إن الحديث عن حدوث حالات اعتداء جنسي وعمليات اغتصاب جماعي هو "غير صحيح".
واتهم من وصفهم بـ"الفلول والكيزان" (أنصار الحركة الإسلامية)، بإدارة "حملة إعلامية ممنهجة وشرسة لإدانة قوات الدعم السريع".
كما قال طبيق إن "المواطن بالنسبة لهم خط أحمر، وأي اعتداء عليه مرفوض"، مضيفا أن "لديهم لجان تحقيق" تتولى متابعة هذه الأمور، و"قوات لحماية المدنيين ومحاربة الظواهر السلبية".
وكانت رئيسة مركز مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، سليمة إسحق، قد تحدثت بشكل مفصل في تقرير سابق نشر على موقع "الحرة"، عن معاناة المرأة السودانية بسبب الحرب، وكشفت عن شهادتين لناجيات من العنف الجنسي على يد قوات الدعم السريع.
تزايد حالات العنف الجنسي المتصل بالنزاع في السودان
"في وضح النهار".. ناشطات يحذرن من تفاقم حالات الخطف والاغتصاب في السودان
بينما كانت إحدى الأمهات السودانيات تسير مع بنتيها البالغتين 14 و13 عاما، مساء الأحد، أوقفتهم عناصر الدعم السريع في وسط الطريق بمنطقة الحلفايا بالخرطوم بحري.
وقالت إسحاق إن النساء بشكل عام يدفعن ثمن الحرب من التشريد والنزوح وفقدان الأمن والأمان، موضحة أن المركز "وثّق أكثر من 300 حالة اغتصاب جنسي"، وذلك دون إضافة تحديثات الاعتداءات التي حدثت في ولاية الجزيرة في الآونة الأخيرة.
وأوضحت أيضًا أن العدد "لا يتجاوز 2 بالمئة من الرقم الحقيقي"، لأسباب كثيرة أبرزها "استمرار الحرب، وعدم توفر المعلومات، وعدم تمكن النساء من الوصول إلى الخدمات التي يقدمها المركز".
وأضافت أن "48 حالة من الذين وثقهم المركز تحت 18 عاما، من بينهم طفلة في السادسة من العمر"، مستطردة: "فقدنا 3 ضحايا بسبب نزيف ناجم عن الاغتصاب الجماعي، وعدم قدرتهن على للحصول على الخدمات الصحية اللازمة. حالة منهن هذا العام وحالتين العام الماضي".
كما وصفت الجرائم الجنسية ضد النساء بأنها "منظمة وتتكرر بنمط متشابه في الخرطوم والجزيرة ودارفور ومناطق أخرى"، متهمة الدعم السريع بـ"ارتكاب نحو 98 بالمئة من تلك الجرائم، لأن سيطرتهم الميدانية كانت أكبر واستخدموا العنف الجنسي كجزء من التكتيك الحربي".
وتابعت: "الجرائم التي ارتكبوها لم تحدث في مناطق مواجهة مثل ارتكازات أمنية مثلا، بل كانت هناك نية لديهم لارتكابها عندما توجهوا إلى المنازل"، مستطردة: "للأسف ما حدث هو أن المسلحين يقتحمون المنازل، حيث تجتمع النساء فقط في مكان واحد للشعور بالأمان".
الحرة - دبي