النادي البنزرتي يُنهي عقد محمد علي الوريمي
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
أعلنت الهيئة المديرة للنادي البنزرتي عن توصّلها لاتّفاق مع متوسّط الميدان الهجومي محمد علي الوريمي، يقضي بإنهاء العقد بين الطرفين بالتراضي.
يذكر أنّ الوريمي قد أمضى عقدا لمدة 3 مواسم مع النادي البنزرتي في الميركاتو الصيفي لسنة 2022، في صفقة انتقال حرّ.
.المصدر: موزاييك أف.أم
إقرأ أيضاً:
محجوب محمد صالح .. قليلا عرفته
قبل نحو عام ، أو يزيد قليلا ، و أنا في منازحي المختلفة في السودان ، دخلت إحدى مراكز التدريب المهني بمدينة القضارف ، و سألتهم ما إذا كان بإمكاني استخدام شبكة الإنترنت لديهم . فلم يتسن لي متابعة العديد من المسائل منذ شهور حينها . فرحبت بي إدارة المركز و وفرت لي جهاز لابتوب متصل بالإنترنت . و ما أن بدأت تصفحي على الأخبار ، حتى صفعني الخبر: رحيل محجوب محمد صالح . فغم علي غما شديدا . و لبرهة ، جعلت أفكر في لا شيئ . فمحجوب محمد صالح من الناس الذين تتمنى ألا يموتوا ، خصوصا في أوقات الأزمات الوطنية المربكة . فمجرد أن تتذكر أن محجوب محمد صالح موجود ، يغشاك قدر من الطمأنينة أن هناك صوتا و صدى عاقل و موزون في السودان يمكن له يهدئ هذا الفوران المجنون .
كنت في بداية الألفية ، و أنا عائد من الجمهورية اليمنية ، أنشر مقالاتي في صحيفة الأستاذة الشجاعة أمال عباس (كان اسم الصحيفة "الرأي المختلف" أو شيئا يشبه هذا الاسم) ، و لكن توقفت تلك الصحيفة عن الصدور . ثم اتجهت لنشر مقالاتي في صحيفة "الحرية" التي كان يرأس تحريرها الأستاذ سعد الدين إبراهيم ، و لم تلبث أن تتوقف عن الصدور هي الأخرى . و بالرغم أن صحيفة خرطوم مونتر التي كان يحررها الفريد تعبان كانت تنشر مقالاتي بانتظام ، إلا أن محدودية قرائها دفعني للبحث عن الصحف العربية ، حيث كنت استشعر أهمية ما أطرحه في مضمار المناداة بالتغيير بكلفة محتملة و زمن معقول لإنجاز هذا التغيير .
و جعلت أطوف على الصحف التي تصدر في الخرطوم و كانت كثيرة ، و كنت أقابل رؤساء تحريرها في مكاتبهم الكبيرة ، و أناولهم مقالي الذي كتبته ، و لكنهم كانوا يتحججون بأن هذا المقال فوق مستوى القراء لذلك لا يمكن لهم نشره !! و بالطبع ، أدركت لاحقا أن المقال ليس فوق مستوى القراء إنما فوق مستواهم هم .. و لا عجب أن شهدت تلك الفترة رؤساء تحرير أتت بهم الصدف أو الغفلة أو الإثنين معا .
و في حيرتي تلك ، التقيت مصادفة الأستاذ الفاضل حيدر المكاشفي ، فناولته المقال الذي كنت أود نشره ، فقال لي إن هذا المقال مكانه "الأيام" ، وكلف إحدى الصحفيات بتسليم المقال للأستاذ محجوب محمد صالح . و منذها ظلت "الأيام" تنشر مقالاتي لما يزيد على عشر سنوات .
كنت التقي الأستاذ محجوب لماما عند زيارتي لصحيفته ، فقد كنت اكتفي بتسليم المقال للأستاذ وائل محجوب ، و هو صحفي عميق الانتباه ، يفوق عقله سنوات عمره بكثير . ثم أدلف إلى مكتب الكاتب الكبير الراحل تاج السر مكي و غالبا ما أجد في معيته كاتب العمود الأستاذ محمد موسي حريكة .
كان مكتب الأستاذ محجوب محمد صالح عند المدخل يمينا و على المخرج يسارا . و قليلا ما كنت ألقى عليه التحية عند مغادرتي لمبنى "الأيام" . و كان ينتابني كثير من الضجر المخلوط بالحيرة و أنا أرى شخصا واسع الذهن كمحجوب محمد صالح يجلس في مكتب ضيق ، بينما أتذكر رؤساء تحرير ضيقي الذهن يجلسون في مكاتب واسعة .. شيئ عجيب و رب السماء و الأرض و ما بينهما !!
كان محجوب محمد صالح واسع الذهن حاده ، غزيز المعرفة طيبها ، قاسي العبارات لطيفها . و لعل الصفة الأخيرة هذه ، هي ما تميز بها الأستاذ محجوب محمد صالح عن كل الكتاب في الصحافة السودانية و غير الصحافة السودانية . و هي صفة فريدة تكاد تكون بصمة خاصة بة . فمحجوب محمد صالح يمكنه أن يكتب بأقسى العبارات لكن من دون تجريح ، و أقوى العبارات من دون صراخ !! و هو ما جعل كل الأطراف تصغي له ، بل لعله السبب الذي جعل تحالف المعارضة يرشحه لمنازلة مرشح "المؤتمر الوطني" في انتخابات 2015 ، و ذلك قبل أن تقرر المعارضة التصويت بأرجلها كما جرت العبارة . و أذكر في تلك الأيام أن "الأيام" نشرت خبر الترشيح هذا في ربع عمود ببنط عادي !! و لك أن تتصور ، يا ابن ودي ، لو كان الترشيح لأحد رؤساء التحرير الأجوفين هؤلاء ، إذن لقعقع في صماخك رعد الأنا المتورمة ، و لكن محجوب محمد صالح كان له نصيب وافر من تواضع كبار المثقفين السياسيين .
كان محجوب محمد صالح يدرك أنه ليس صحفيا عاديا و إن كان قديرا كما وصفه الدكتور منصور خالد معلقا على منتقدي اتفاقية نايفاشا الذين أضافوا لها ملاحظات مهمة و بناءة كالدكتور محمود شعراني على حد تعقيبات منصور .. فقد كان محجوب يدرك أنه صاحب رؤية سياسية ناضجة نحو التحول الديمقراطي و إرساء دعائم الحكم الرشيد في السودان و في محيط السودان و امتداداته ، يعبر عنها عبر نشاطه الصحفي ، و يدرك أن السياسية إنما هي علم إدارة شئون الناس . و عبارة ناضجة ، هنا ، تعني واقعية . فقد كان يبني تصوراته على ما هو ممكن و متاح في الفعل السياسي . على سبيل المثال ، إن كنت تعتقد أنك إن تريد مزيدا من الحرية ، عليك أن تملأ ما هو متاح منها ، و هو الحيز الذي أتاحته اللحظة السياسية الحاضرة في إشارة منه إلى اتفاقية نايفاشا ، مصوغا استئهالك المزيد منها . كما أنه لم ييأس من تذكير القوى السياسية بضرورة إصلاح حالها و التحرك في المساحة المتاحة . و أذكر أن أحد القراء أرسل له رسالة ، نشرها الأستاذ محجوب في عمودة "أصوات و أصداء" ، يقول فيها القارئ إنك يا أستاذ محجوب تنفخ في قربة مقدودة ، و رد عليه محجوب بأننا ليس أمامنا إلا أن نظل ننفخ في هذه القربة المقدودة !!
كان محجوب محمد صالح يوظف معارفة الغزيرة لخدمة مشروعه السياسي في التحول الديمقراطي في السودان و في المنطقة . على سبيل المثال ، عندما نشبت أزمة سد النهضة الأثيوبي ، لم يكتف بترديد "علينا تحويل التحديات إلى فرص" بل شرح الأمر بأكمله في مقالات رصينات كان المقال الواحد منها يحتل صفحة كاملة ، لو أستوعبتها إدارات دول حوض النيل لكفتها جهدا كبيرا و وفرت عليها زمنا كثيرا و لاستفادت شعوبها و عاشت في سلام و رفاهية أجمعين . و لو كان هناك جهة مسئولة عن حفظ إرث محجوب لحق عليها جمع هذه المقالات في كتيب و إهدائها لإدارات دول حوض النيل و من ثم نشرها في دوريات الاتحاد الأفريقي و الدوريات المتعلقة بالنزاع حول المياة و على رأسها الدورية الدولية المختصة بمسألة المياه التي كان يرأس تحريرها عالم قانون المياه السوداني الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان .
كان محجوب محمد صالح سخي العطاء في توجيه الكتاب و إرشادهم بالطريقة المثلى لمواجهة تحدياتهم دون إملال . أذكر أنه طلب مقابلتي ، و ذهبت إليه في مكتبه ، و طاف بذهني ذات الطائف: الرجل الكبير في المكتب الصغير . حياني الرجل ، و قال لي بصوت هادئ إن فرع التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة قد حرر بلاغا ضدك بسبب مقالك الأخير . (جرت العادة أن يتم استدعاء كاتب المقال و رئيس تحرير الصحيفة التي نشرته) . و قال لي إن البلاغ حرر تحت بند الجرائم الموجهة ضد الدولة (كان فحوى المقال أنني طالبت بلجم جنرلات المؤسسة العسكرية الذين يتحرشون باتفاقية نايفاشا) . و قدم لي نصائح غالية في التعامل مع موضوع البلاغ ، و زودني بمعرفة قانونية في التاريخ السياسي في السودان كنت أحتاجها كإضراب قوات البوليس من العام 1951، ثم طلب مني لقاءه قبل يوم محاكمتي . كما وفر لي المحامي الكبير عمر شمينا في مرحلة لاحقة من تطور القضية رغم علمه إن لي محاميين كانا يتابعان أمر البلاغ و هما الأستاذ غازي سليمان و الدكتور محمود شعراني . وكانت تقديرات محجوب في مكانها في هذا الصدد . لهم الرحمة و البركة أجمعين .
و لعل محجوب محمد صالح امتلك روح الأستاذية في وقت مبكر من حياته العملية ، و وظفها توظيفا جميلا في تعليم المشتغلين بالصحافة ، و بث فيهم روح المسئولية عند الكتابة و كان يقول كلما زادت ثقافتك زادت معها مسئوليتك تجاه مجتمعك . كما عرفت أنه عمل في التدريس بالفعل في أربعينات القرن الماضي . فقد أخبرني وكيل مكتب بريد و برق مديرية النيل الأبيض السابق ، السيد إسماعيل البشير تناد ، و هو والد الكاتب ، إن محجوبا كان يدرسهم اللغة الإنجليزية في معهد البريد و البرق بالعاصمة الخرطوم . و كانت معروفة أهمية البريد و البرق في ذلك الزمن بالنسبة للحياة السياسية و الاجتماعيه في السودان ، حيث كان ثوار الحركة الوطنية يتواصلون عبرها و ينقلون زخم حركتهم للمدن السودانية عبرها ، كما كان عبقري الفن إبراهيم الكاشف يستوحي اللحن منها من نقرات التليغراف ، حبيبي أكتب لي و أنا أكتب ليك ..
اللهم يا سيد الأكوان و الأبدان ، يا أيها المتناغم الجميل الممتد ، القديم الجديد المتجدد ، الواحد الأحد اللامنقسم ، أرفع محجوبا مقاما فوق مقامه ، إنك أنت الرافع المقيم .
adil.esmail@gmail.com