المليشيا والدولة في السودان
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
(استغرب بعضهم قولي على الجزيرة مباشر أن من حق الجيوش توظيف مليشيات لأغراضها دون أن تتخلى عن احتكارها للسلاح الذي هو خصيصتها في الدولة الحديثة. والترخص في احتكار السلاح هو ما ارتكبه نظام الإنقاذ لا بخروج الدعم السريع من رحمه كما يذاع، بل لأنه جعله جيشاً ثانياً شريكا في حمل السلاح باستقلال. فكانت المليشيات قبله تنشأ بجانب الجيش ثم تنفض متى فرغت من مهمتها ليومها.
وصفت بلين هاردن استخدام الدولة السودانية لـ “المليشيات القبلية”، في حربها ضد قوات الحركة الشعبية، بأنها الحرب بأدنى تكلفة. وليس هذا صحيحاً وحسب، بل أن هذه الحرب الرخيصة أيضاً ظلت أداة تاريخية تلجأ لها الدولة السودانية مع قوى البادية السودانية الخارجة على سلطانها. فغالباً لم يكن في مقدور هذه الدولة أن تطال تلك القوى في بواديها المستغلقة المستعصية. وكثيرًا ما وجدت تلك الدولة نفسها مضطرة للتحالف مع جماعات أخرى في نفس البادية لها خصومة مؤكدة مع تلك القوى الخارجة على الحكومة. وهذه الخصومة هي التي تجعل حلفاء الحكومة حريصين على ملاحقة الخارجين على الحكومة وترويعهم في بيئة لا قبل للدولة لشقها وفرض أدوات سيطرتها عليها.
وأستطيع من خبرتي بتاريخ عرب الكبابيش بشمال إقليم كردفان أن أدلل على رسوخ نسق تحالف الدولة القاصرة مع نظم اجتماعية وسياسية أدنى مثل القبيلة والطائفة لتصفية معارضيها في بيئات البادية والهوامش المستعصية. فقد طلبت الإدارة التركية في السودان (1821-1881) من بعض فروع الكبابيش أن لا يهبطوا مع بقية الكبابيش إلى النهر في موسم الصيف ليبقوا بجهات الصافية ونواحيها بشمال كردفان لردع أعراب دارفور، وبني جرار، خاصة الذين كانوا يقطعون طرق القوافل بين كردفان ودارفور. وواضح أنه لم يكن خافٍ على تلك الإدارة قوة إغراء هذا العرض على الكبابيش. فبين الكبابيش وبني جرار عداء مستحكم انتهي بتجريد بني جرار من دارهم بشمال كردفان، واحتلال الكبابيش لها ولياذ بني جرار بدارفور. والأكثر إغراءً في هذ العرض هو إباحة الإدارة التركية لفروع الكبابيش المأمورة بمطاردة بني جرار الغنائم التي تجنيها من قتالها لبني جرار وقبائل دارفور.
ووظفت دولة المهدية (1881-1898) خصومات الكبابيش في حملتها لإخضاع الكبابيش وكسر ثورتهم. فقد استخدم الخليفة عبد الله زعماء وقوى من قبائل حمر ودار حامد والكواهلة وبني جرار، وهي القبائل ذات الثارات على الكبابيش، في طور أو آخر من أطوار حربه وملاحقته للشيخ صالح فضل الله، زعيم الكبابيش المعارض، حتى قضى عليه وعلى ثورته.
وتحالفت الحكومة الإنجليزية مع الكبابيش خلال العقدين الأولين من هذا القرن، حين تطابقت استراتيجية الحكومة في حصر وضبط السلطان علي دينار، سلطان دارفور، مع استراتيجية الكبابيش للتوسع غرباً حتى مطالع حدود دارفور الشرقية. ولأن الكبابيش كثيرًا ما يخاطرون في نواحي دارفور المعادية، أصبحوا في نظر الحكومة حراس الأحراش الغربية، والمصدر الرئيسي للمعلومات الرسمية لما يجري هناك. فحين يغزو الكبابيش قبائل دارفور فمن الممكن تسويغ ذلك على أنه انتقال لما يكون قد وقع عليهم من تلك القبائل. ولم تشجع الحكومة السودانية غزوات الكبابيش في العلن ولكنها متواطئة في تفهم دوافعها ونفعها له على أية حال. ولذا لم تجد الحكومة السودانية نفسها بحاجة إلى اتخاذ خطوات حاسمة لزجر الكبابيش وهو زجر كان سيصعب على الحكومة ومؤكد أنه قليل الأثر.
وحين قررت حكومة السودان إزاحة السلطان علي دينار عن حكم دارفور وضم دارفور للسودان كان للكبابيش موقع في خطة الإبعاد والضم. وقد زودت الحكومة فرسان الكبابيش بالسلاح والعتاد. ومع أن دور الكبابيش لم يكن كبيرًا في الحملة إلا أن فرسانهم فتحوا دارفور منن الشمال بينما دخلت قوات حكومة السودان من الوسط.
ومن المهم التذكير أن استخدام الدولة للمؤسسة القبلية العسكرية في حربها للحركة القومية الجنوبية تكتيك حكومي قديم. فقد عبأت حكومة الفريق عبود (1958-1964) قبائل المورلي في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان لقطع الطريق أمام وصول قوات الأنانيا الأولى إلى مناطق القبائل النيلية من مركز قوتها في شرق الاستوائية.
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عشرات القتلى في ود عشيب السودانية.. واتهامات لـالدعم السريع بالوقوف وراءها
اتهمت تقارير سودانية، الأربعاء، قوات الدعم السريع بارتكاب "مجزرة" بحق المواطنين في قرية "ود عشيب" بولاية الجزيرة وسط السودان، مما أسفر عن مقتل 42 شخصا وإصابة العشرات.
وقال بيان لـ"مؤتمر الجزيرة"، وهو كيان مدني تشكل بعد سيطرة قوات الدعم على ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، إن الأخيرة ارتكبت "مجزرة مروعة بحق المواطنين"، الثلاثاء.
وأضاف البيان أن أهالي القرية يعانون من "حصار" قوات الدعم السريع ومن "تعدياتها المستمرة التي تسببت في كارثة إنسانية لا تقل أبداً عن تلك التي تسببت بها في مدينة الهلالية، وراح ضحيتها 26 مواطنا جراء الجوع والمرض".
وتواصلت "الحرة" مع متحدث باسم قوات الدعم السريع للحصول على تعليق، الذي لم يرد حتى موعد نشر الخبر.
اتهامات جديدة لـ"الدعم السريع" بقتل مدنيين في الجزيرة السودانية كشفت تقارير سودانية محلية، السبت، مقتل 23 مواطنا بإحدى قرى ولاية الجزيرة على يد قوات الدعم السريع، في استمرار للاتهامات التي تواجهها المجموعة التي دخلت في حرب مع الجيش منذ أبريل 2023.وطالما تنفي قوات الدعم السريع استهداف المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، وتقول إنها تستهدف "مجموعات مسلحة موالية للجيش".
يذكر أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وافق، الإثنين، على مقترحات قدمها المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، بشأن الأزمة، وذلك خلال لقاء جرى بينهما في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية.
من جانبه، عبّر المبعوث الأميركي الخاص للسودان عن سعادته بزيارة السودان، مبيناً أنها (الزيارة) "تحمل رسالة واضحة من الولايات المتحدة بأنها تقف بجانب الشعب السوداني، مثلما كان يحدث دائماً خلال العقود الماضية".
البرهان يوافق على مقترحات المبعوث الأميركي لحل الأزمة السودانية وافق رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على مقترحات قدمها المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، بشأن الأزمة السودانية، خلال لقاء جرى بينهما، الإثنين في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية.وأوضح أنه عقد اجتماعات "مثمرة" مع البرهان، وقادة المجتمع المدني وفريق الأمم المتحدة الإنساني.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دان في الأول من نوفمبر الجاري، الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، داعيا إلى وقف إطلاق النار لحماية المدنيين.
وأصدر غوتيريش بيانا، أعرب فيه عن استيائه الشديد بشأن التقارير التي أفادت بأن "أعدادا كبيرة من المدنيين قُتلوا واحتجزوا وشُردوا، وبأن أعمال العنف الجنسي ارتكبت ضد النساء والفتيات، كما نُهبت المنازل والأسواق وأُحرقت المزارع".