عربي21:
2025-04-01@00:43:26 GMT

سيرك ترامب والأنظمة العربية

تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT

عينٌ تتابع الأخبار والتطورات في العالم، وأخرى تتابع التعليقات والتحليلات في الإعلام العربي، خاصةً في ما يخص الشأن الأمريكي، في محاكاةٍ واستدعاءٍ لأيام يدٍ تبني ويد تحمل السلاح، المجيدة (أو المزعومة المجد وفقاً للقناعات والانحيازات الشخصية)، وذلك قبل أن تلقي السلاح الذي ما حملته إلا مضطرةً، كما يتبين الآن مع التأمل والتمحيص في ما صار تاريخاً ممتداً من الهزائم، وتتحول عوضاً عنه إلى يدين بل أيادٍ تدمر وتقمع بوتيرةٍ متسقة ومستمرة.



المهم، لا شك أننا نعيش الآن أوقاتاً شيقة، حروبٌ مستعرة في الشرق والغرب، منها حرب التطهير العرقي التي تخص وجودنا وكياننا، وأخرى توشك أن تهدد السلالة البشرية والكوكب، ناهيك عن تلك التي توشك أن تندلع في المناطق ذات التوتر التقليدي، كالذي بين تايوان والصين والكوريتين كأقرب مثال.

لكن وصلة المنوعات الممتدة، التي يبدو للوهلة الأولى كأنها تجمع بين «الفارس والسيرك» هي التطورات في الولايات المتحدة، خاصةً عقب انتخاب دونالد ترامب، الذي كأنه ملتزمٌ ومتعهدٌ بأن لا يرشح لحكومته، إلا المتعصبين وأرباب السوابق، أو من سبق اتهامهم ومحاكمتهم في دعاوى الاغتصاب وتسهيل دعارة الأطفال، وكلهم يتماثلون متميزين في انعدام الخبرة، في الملفات والوزارات الموكلة إليهم، أو مواقفهم المعادية والمتطرفة، مثل القس الإنجيلي الذي رشحه سفيراً لإسرائيل، والذي ينكر لا حق الشعب الفلسطيني في الأرض وحسب، بل ينكر وجوده كشعبٍ من الأساس، وآخر متهم بالاغتصاب، لوظيفة المدعي العام.

من الثابت أن ترامب لا يقيم أي وزنٍ أو اعتبارٍ سوى للولاء الشخصي الصارم والتام لشخصه التافه الجاهل الضئيل، لكن النرجسي لأبعد مدى والمعتد المنتفخ بنفسه حد الانفجار. غير أن هذه التطورات في البلد الأقوى عسكرياً في التاريخ، تفضح خللاً وسقماً وسأماً غايةً في العمق في نسيج هذا البلد ومجتمعه نتيجةً لأوضاعٍ اقتصادية متردية وتفاوتاتٍ طبقية وخوفٍ من المستقبل، أي ظاهرةٍ معقدة ليس هنا مجال تحليلها، إلا أنه ـ راكباً على هذه الموجة ـ يسعى ترامب في استغلال آليات الديمقراطية النسبية لبناء ديكتاتورية، وبذا فإن هذا السيرك المضحك والمسلي للوهلة الأولى، له جانبه المظلم المخيف الذي يدخلنا إلى عالم الـ»ديستوبيا».
مواقف ترامب ومن حوله مناوئةٌ لمصالح شعوبنا وحقوقنا التاريخية في طبعةٍ هي الأشمل والأكثر صفاقة
والذي لا شك فيه أن مواقف ترامب ومن حوله مناوئةٌ لمصالح شعوبنا وحقوقنا التاريخية في طبعةٍ هي الأشمل والأكثر صفاقة، لذا، مدركين ذلك تماماً حيث لا مواربة تسمح بالتحايل على النفس، أو على الجمهور، فقد مضى المحللون العرب في العويل والندب على الأربع سنوات العجاف التي تنتظرنا، ولعلهم محقون في ذلك.

إلا أن ما لا يُعار ما يستحقه من التفات هو السؤال الجوهري: هل تشارك الأنظمة الرسمية العربية الجمهور والمحللين هذه المخاوف؟ أعني بطبيعة الحال وراء الخطاب الرسمي والأبواب المغلقة في أروقة السلطة. الإجابة في رأيي هي النفي القاطع، بل العكس تماماً، فلعل مجيء ترامب، باندفاعه الأهوج الذي لا يثمن سوى القوة والمصالح المادية، والذي لا يعير التفاتاً إلى أي قيمة معنوية أو للحقوق التاريخية، هو بالضبط ما ينتظره ويحتاجه وما كان ينتظره النظام الرسمي العربي.

ترامب «المقاول»، رجل الصفقات الذي يفاخر بذلك يرى أن لكل شيءٍ سعراً، فهو يختلف جذرياً مع الراحل أمل دنقل، فكل الأشياء لديه تُشترى، الذمم والتاريخ والحق، كلها قابلةٌ للتشفير والتحويل إلى أرقام، هو نفسه قابلٌ لذلك يخضع لقانون السوق والعرض والطلب لذا، فكل الاعتبارات التي كانت تحكم الحسابات سابقاً خاصةً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي كانت تُحجم الخطاب والطرح الرسمي الأمريكي نوعاً ما، وتجبره على الرياء والتظاهر بالموضوعية، وإقامة اعتبارٍ للحق والوجود الفلسطينيين، الإنساني قبل الوطني والقومي، كل ذلك لا يعني ترامب في شيء.

إن أجندة ترامب المعلنة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تتوافق تماماً مع أجندة الأنظمة وهي باختصار: تصفية هذه القضية، أو اعتبارها بمثابة «الدَين المُعد».

لقد خض طوفان الأقصى الشعوب العربية خضاً عنيفاً، فأيقظها من خمولٍ نجحت الأنظمة بعد عناء من زرعه بعد هزة الثورات العربية، كما أن أجيالاً بأسرها نشأت في ظل مشاريع السلام والتطبيع، متصورةً أن ذلك هو «السلام العادل» ونهاية الصراع، بل التاريخ، أوقِظت وأثير فضولها وأنشأت تتعرف على هذه القضية، الأمر الذي لا تريده هذه الأنظمة، فهي تدرك وتخشى من أن تعود قضية التحرر الفلسطيني إلى السطح لتصير عنواناً وقاطرةً للتحرر العربي من هذه الأنظمة الميتة منتهية الصلاحية.

كما أن ترامب لا تهمه الشعوب العربية ولا حقوق الإنسان ولن يكلف نفسه مشقة التظاهر بالاهتمام، فهو يرى أن «ديكتاتوره المفضل» القاتل وإخوانه، كما وصفه بالحرف مناسبٌ تماماً لهذا البلد ولهذه المنطقة وهذه «العينات» من البشر والمخلوقات، والمقياس الحقيقي لصلاحيته من عدمها هو نجاحه في البقاء ومدى فائدته للمصالح الأمريكية، فانطلاقاً من مدرسة القوة والواقع، طالماً أنه نجح في الاستمرار، أياً كانت الوسائل ومهما سالت من الدماء، تعني أنه الذي يستحق البقاء.

لعل الأدق هو أن نزعم أن الأنظمة العربية تراهن على ترامب ليجهز برعونةٍ على هذه القضية بصيغةٍ ما؛ هي تتمنى ألا تثير هذه الطريقة شعوبها، لكنها تأمل في حلٍ باترٍ سريع، يجعل هذه القضية تاريخاً لا يلبث أن يُنسى، كما تستبشر به لأنه لن يحاسب أياً منه على أشياء من قبيل حقوق الإنسان والحريات. الأنظمة العربية متوافقة مع إسرائيل في ما يخص القضية الفلسطينية/ التي لم تعد تشكل بالنسبة لها سوى صداعٍ مزمن يطل برأسه كلما حسبته خمد؛ غاية ما هنالك ربما أنها لا ترى مبرراً ولا جدوى وربما لا تستسيغ كل هذه الدماء.

لا بد لنا من أن نفيق ونرى خلل الدخان، الحقيقة المؤلمة: إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية أجزاءٌ من منظومة واحدة. لا شك أن الأدوار تتفاوت بين قائدٍ كأمريكا ومقودٍ مفعول به كهذه الأنظمة، إلا أنها جميعاً في النهاية منظومةٌ واحدة متداخلة ومترابطة.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة ترامب الولايات المتحدة غزة الاحتلال الدول العربية ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة العربیة هذه القضیة الذی لا

إقرأ أيضاً:

اكتشاف نسخ جديدة من فيروس SparrowDoor تستهدف مؤسسات في أمريكا والمكسيك

في تطور جديد يسلط الضوء على التهديدات السيبرانية المتزايدة من قبل مجموعات قرصنة مدعومة من الصين، كشفت تقارير أمنية أن مجموعة FamousSparrow نفذت هجومًا إلكترونيًا معقدًا استهدف مجموعة تجارية في الولايات المتحدة ومعهدًا بحثيًا في المكسيك، مستخدمة برمجيات خبيثة متطورة مثل SparrowDoor وShadowPad

استغلال أنظمة تشغيل قديمة لتنفيذ الهجوم

بدأ الهجوم بزرع ويب شل على خادم IIS، مما سمح للمتسللين بتنزيل وتشغيل أوامر خبيثة على أجهزة الضحايا، ومن ثم تثبيت SparrowDoor وShadowPad، مستغلين أنظمة تشغيل قديمة غير محدثة، مثل Windows Server وMicrosoft Exchange Server، وهو ما ساعدهم في تنفيذ الاختراق دون مقاومة كبيرة.

هجوم سيبراني ضخم يستهدف منصة X.. وإيلون ماسك يكشف التفاصيلتطوير جديد في برمجيات SparrowDoor

وفقًا لتقرير صادر عن شركة الأمن السيبراني ESET، فإن المجموعة نشرت نسختين جديدتين من SparrowDoor، إحداهما تعتمد على مكونات إضافية (موديولر)، مما يجعلها أكثر تعقيدًا من الإصدارات السابقة، حيث أصبحت قادرة على تنفيذ أوامر متعددة بشكل متزامن، مثل تشغيل بروكسي، وإدارة الملفات، وجمع معلومات عن الضحية، والتقاط لقطات شاشة، وتسجيل ضغطات لوحة المفاتيح

آلية عمل البرمجية الخبيثة

تحمل إحدى النسخ الجديدة من SparrowDoor تشابهًا كبيرًا مع برمجية Crowdoor المستخدمة في عمليات قرصنة سابقة، لكنها شهدت تطورات ملحوظة تجعلها أكثر خطورة، حيث أصبح بإمكانها فتح قنوات اتصال متعددة مع خوادم التحكم والسيطرة (C&C) لتلقي وتنفيذ الأوامر بسرعة وكفاءة، مما يسمح للمتسللين بسرقة البيانات أو التجسس على المستخدمين أو حتى السيطرة على الأنظمة بالكامل

تصاعد تهديدات القرصنة الصينية

يؤكد هذا التطور أن مجموعة FamousSparrow لا تزال نشطة وتواصل تطوير أدواتها الهجومية، مما يعزز المخاوف بشأن تصاعد الهجمات المدعومة من جهات حكومية، وهو ما يستدعي تعزيز تدابير الأمن السيبراني وتحديث الأنظمة بشكل دوري للحماية من هذه الهجمات

مقالات مشابهة

  • ترامب: قدرات الحوثيين التي يهددون بها السفن في البحر الأحمر يتم تدميرها
  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • كيف سيستجيب البنك المركزي الأوروبي للتعريفات الجمركية التي فرضها ترامب؟
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • اليمن وغزة في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني
  • اكتشاف نسخ جديدة من فيروس SparrowDoor تستهدف مؤسسات في أمريكا والمكسيك
  • الدول العربية التي أعلنت غدًا الأحد أول أيام عيد الفطر 2025
  • ما هي الدول العربية التي أعلنت الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك؟
  • لنعد إلى إنسانيتنا
  • المقاومة الفلسطينية بين حرب التحرير وتغريدة البجعة