محكمة الاستئناف بطنجة تلغي حكما أدان امرأة وعشيقها بسبب قبلة
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
هل القبلة بين رجل وامرأة ليس بينهما علاقة شرعية تعتبر فسادا في القانون الجنائي المغربي؟
هذه القضية كانت موضوع حكم قضائي ابتدائي بإدانة سيدة بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، وعشيقها بـ3 أشهر موقوفة التنفيذ، بعدما اعترفا أمام الشرطة بأنهما قبلا بعضهما البعض، وهو ما كيفته المحكمة على أنه فساد. لكن محكمة الاستئناف قضت اليوم الجمعة بتبرئة السيدة من الفساد، معتبرة أن القبلة ليست فسادا.
تعود تفاصيل القضية إلى شكاية وضعها شخص قال فيها إن طليقته (25 عاما) تمارس الفاحشة مع شخص (29 عاما) في شقة، وإن معها طفلتها، ما يشكل قدوة سيئة.
وبناء على متابعة وكيل الملك وعلى محضر الشرطة القضائية المنجز بتاريخ 2023/08/08 من طرف فرقة الأخلاق العامة بالمصلحة الولائية للشرطة بالعرائش، انتقلت عناصر الضابطة القضائية إلى عين المكان، حيث عاينت وجود المتهمة برفقة صديقها، وسجلت وجود مجموعة من المشروبات الكحولية من نوع الفودكا وبلاك رام، ليتم إنجاز البحث التمهيدي.
وبناء على محضر التصريحات التمهيدية للمتهمة تبين أنها على علاقة حميمة مع المتهم، وأنها تبادلت معه القبل والعناق، ولم يسبق لها أن مارست الجنس معه بشكل كامل.
وبناء على محضر التصريحات التمهيدية للمتهم، والذي أكد من خلالها كونه كان يقبل المتهمة قبلا حميمة فقط، وليس هنالك أي علاقة جنسية كاملة ربطته وإياها.
وبناء على إدراج القضية بعدة جلسات آخرها بتاريخ 2023/10/16، ترافع دفاع المتهمين واعتبر أن أركان جريمة الفساد غير متوفرة.
وقضت المحكمة بمؤاخذة المتهمين من أجل ما نسب إليهما، والحكم على المتهمة الأولى بشهرين اثنين حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية نافذة قدرها خمسمائة درهما (500)، وعلى المتهم الثاني بثلاثة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وتحميلهما الصائر تضامنا، وتحديد مدة الإجبار في الأدنى.
وفي الدعوى المدنية التابعة قضت بأداء المتهمة لفائدة المطالب بالحق المدني تعويضا مدنيا قدره ألفا وخمسمائة (1500) درهم وتحميلها الصائر، وتحديد مدة الإكراه البدني في الأدنى، ورفض باقي الطلبات. وقد بني الحكم الابتدائي على أساس أن المتهمين اعترفا بتقبيل بعضهما البعض وهو ما يعتبر إقرارا منهما بممارسة الفساد.
وجاء في حيثيات الحكم « حيث إنه طبقا للفصل 493 من القانون الجنائي، فإن الجريمة المعاقب عليها في الفصل 490 من نفس القانون أي جريمة الفساد – تثبت بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي ». وحيث أن تصريحات المتهمين التمهيدية هي بمثابة اعتراف تضمنته مكاتيب وأوراق صادرة عنهما.
ولكن الحكم الاستئنافي في محكمة طنجة قضى بتبرئة المتهمة من تهمة الفساد، لكون القبلة لا تعتبر فسادا.
كلمات دلالية فساد قبلة محكمة الاستناف طنجةالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: فساد قبلة وبناء على على محضر
إقرأ أيضاً:
لبنان عروس شاخت سريعا
لبنان كانت يوما ما قبلة العرب والعروبة في التعددية والجمالية، كانت مضرب المثل في احتواء الجميع، لم تفرق بين أصولي وليبرالي، ولا بين مسيحي ومسلم، ولا بين سني وشيعي، ولا بين أشعري صوفي وسلفي، ولا بين إخواني وحبشي، ولا بين درزي وإمامي، ولا بين ماروني وكاثوليكي، ولا بين أرمن وسريان، ولا بين من يجعل من الاتجاهات المعاصرة له منهجا، ولا بين من لا زال يعيش ماضية وفق تصوره اللاهوتي، فأرض لبنان جمعتهم جميعا، وعاشوا تحت ظلالها، واستمتعوا بخيراتها.
«هنا بيروت» كانت قلب العالم العربي لمن أراد المعرفة والنقد والفلسفة وحرية الكلمة، يفد إليها المفكرون والفلاسفة والسياسيون والمعارضون والمهمشون جميعا، فيجدونها ملاذا وعالما يسعهم بأطيافهم المتباينة، وكانت مقاهي بيروت يلتقي فيها رموز الأدب والفكر والسياسة، وسايرت المقاهي صحافة لبنان لتسعهم جميعا، فيكتبون فيها ما يخشونه في بلدانهم، وكان الفنانون يجدون في لبنان عالما يعطيهم مساحة من الحرية لإبداع فنهم، ليصبح صوت فيروز صوتا للعالم أجمع، والتي لم تغنِ إلا للإنسان والجمال فقط، ليتجاوز اللغة والجغرافيا والأعراق.
«طبع في بيروت» «طبع في لبنان» لا يكاد كتاب عربي خلال أكثر من قرن يخلو من اسم بيروت أو لبنان، بل أكثر من ذلك، فمطبعة الشماس الماروني عبد الله الزاخر (ت: 1748م) في دير مار يوحنا الصابغ والتي تعود إلى عام 1731م، فهي الثانية بعد مطبعة حلب، بيد أنها استمرت أكثر من قرنين، وطبعت بالحروف السريانية أولا، ثم العربية ثانيا، ولا زال الكتاب حتى اليوم يطبع في بيروت، ولا زالت لبنان قبلة الناشرين، ليطبع فيها أمهات الكتب، ولم يستطع قطر عربي آخر أن ينافسها في هذا الجانب.
«الصيف في بيروت» «الصيف في جبال لبنان وجنوبه والبقاع وطرابلس وصيدا» وغيرها من مناطق لبنان، كانت قبلة لمن أراد الاستجمام بعد عام من العمل والجهد، يعادله اليوم كالذي يريد الاستجمام في أوروبا، فكانت لبنان سويسرا العرب، جمعت بين جمال الطبيعة والتضاريس، وبين جمال الطقس والمناخ، فأجواء «الكريسماس» وأعياد الميلاد مؤذنة بشتاء ثلجي لمن يحب العيش في هذه الأجواء، وصيفها أخضر معتدل في الجبال والبقاع والجنوب والشمال، مع ساحل بحري وعيون وخضرة تجذب الناضرين إليها.
«آثار بعلبك» أو«مدينة الشمس» مسرح ومعابد وآثار رومانية قديمة، ماثلها جرش في الأردن، وقرطاج وسبيطلة في تونس وغيرها، بيد أن بعلبك أخذت حيزا فنيا وسياحيا مبكرا، فمهرجان بعلبك بدأ عام 1955م، ولا زال حتى اليوم قائما، فكانت قبلة الفنانين والموسيقيين لأكثر من سبعة عقود، وفيها غُنت ذهبيات الفن والإبداع العربي.
«هذه لبنان» تعانقت فيها المساجد والكنائس ليرون الله رمز الجمال والمحبة، فالله محبة، والأديان تجسيد لهذه المحبة، وفيها اجتمعت محبة آل البيت بين التصوف والتشيع، كما اجتمعت فيها جميع التيارات والحركات والتوجهات لأن الأرض تسعهم جميعا، وقد توحدت كلمتهم جميعا ضد «فرمان» سفر برلك عام 1914م، كما توحدوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي، فعانقت روح شكيب أرسلان (ت: 1946م) وكمال جنبلاط (ت: 1977) من الدروز مع روح جبران خليل جبران (ت: 1931م) وجورج إبراهيم عبدالله من الموارنة، مع أرواح إخوانهم من السنة والشيعة والأرمن وغيرهم.
«لبنان عروس شاخت» منذ بدايات الحرب الأهلية عام 1975م بدأت لبنان تتراجع إلى الخلف، وبدأت هذه العروس الجميلة تشيخ شيئا فشيئا، فأدرك الفرنسيون والاستكبار الغربي والاحتلال الإسرائيلي عموما أن لبنان حاضنة للعرب عموما، علما وحرية وإبداعا، وللنضال الفلسطيني خصوصا، فاستغلوا التعددية الطائفية، فجعلوا الكفة السياسية والإدارية للمسيحيين الموارنة ليس حبا فيهم ولعروبتهم وسريانيتهم، ولكنها بداية الشرارة، ليتحول عناق الكنائس والمساجد إلى صراع وحروب وتنافر، فبدأت مع الفلسطينيين، ثم توسعت طائفيا بين المسلمين والمسيحيين.
ثم ظهر الصراع القومي الماركسي مع الأصوليات الدينية، ومع الصحوة الإسلامية ظهر صراع الطوائف الإسلامية ذاتها، بين التصوف والأحباش والأشاعرة من جهة، وبين السلفية من جهة ثانية، ثم بين التسنن والتشيع بشكل أوسع، ثم الأحزاب السياسية ذاتها، فتحولت كما يرى المفكر اللبناني وجيه قانصو إلى أيدولوجيات بذاتها، أو خادمة للأيدولوجيات وليس الوطن.
هنا لم يعد الوطن جامعا للبنانيين، ولم تعد تربته حاضنة لهم، وإن اختلفوا وتباينوا فهذا شيء طبيعي إذا ما كان الاختلاف والتباين لأجل الوطن، بيد أنهم عاشوا جسدا في لبنان، ولكن العديد منهم أصبحت أرواحهم معلقة بولاءات خارجية، حسب انتماءاته الفكرية والمذهبية والدينية، والوطن إذا لم يكن رمزا جامعا للولاء من أبنائه، فلن يدم طويلا، ويسهل اختراقه، وزرع الفتنة والفوضى فيه، وهذا ما حدث في لبنان، فالتعددية حالة طبيعية وصحية إذا ما كان الولاء والعمل للوطن، والناس سواسية فيه، ذاتهم واحدة لا تختلف بينهم، أيا كانت ألبستهم الدينية والمذهبية والفكرية.
وزاده ألما هذا الدمار وهذه الإبادة من قبل كيان لا يعرف الرحمة، ولا يهمه أكان الضحية صغيرا أم كبيرا، ذكرا أم أنثى، محاربا أم مدنيا، يدمر كل شيء، من بيوت بما فيها، ومن مدارس ومستشفيات وطرق، حتى أصبحت بعض مدن لبنان وقراها أشبه بمدينة الأشباح، والعالم يتفرج وكأنها دماء جرذان لا دماء إنسان، وقد قدمت لبنان لعروبتها الكثير، وآوت الكثير، فحق أن يرد جميلها، وأن تقف العروبة معها، لعلها تعود كما كانت عروسا حسناء لا تشيخ، وما ذلك ببعيد إذا أدرك اللبنانيون أولا أن ولاءهم لوطنهم هو الذي يجعل لهم ثقلا في العالم، وإذا ما أدرك العرب أن استقرار لبنان وما حولها وجميع ديار العرب هو استقرار لهم جميعا، وإلا سيكون مصير الجميع «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».