فى هذه الأيام الحالكة السواد، يتوق المرء إلى تلك اللحظات التى تحمله إلى الفرح والأمل والتوازن النفسى يصنع لنا مسارات التفاؤل بمستقبل، يعد بفيض ممتع من الفن الملهم الراقى. تملكتنى تلك اللحظات مع تتابع تترات النهاية للفيلم الوثائقى «رفعت عينى للسما» الذى يعرض الآن فى قاعات العرض، وقدم خلاله المخرجان «أيمن الأمير» و«ندى رياض» تجربة شديدة التفرد والخصوصية والإبداع، عملا من أجل إنجازها بلا كلل لأربعة أعوام، ليأتى فيلمهما حافلا بالصدق الفنى والرؤية الواعية التى تحملها رسائل تنطوى على الاحتفاء بمقاومة كافة عوامل التخلف الاجتماعى، الذى ترسخه تقاليد بالية تؤسس قواعد قهرها إلى الطرف الأضعف فى معادلة الهيئة الاجتماعية: المرأة.
ينطوى عنوان الفيلم على مضمونه: «رفعت عينى للسما» ليس استجداء أو ضعفا، كما هو المعنى المضمر الشائع لرفع العين إلى السماء، ولا قلة حيلة، بل أملا فى رحمة السماء الواسعة والممتدة، وشغفا بالأحلام والأخيلة التى تتشكل حين النظر إلى النجوم والكواكب فى أرجاء هذا الكون، وصولا لثقة بالنفس، تقود لرفع الرأس عاليا إلى السماء.
ويحكى الفيلم تجربة مجموعة فتيات موهوبات مفتونات بالفنون الإبداعية، ومسكونات بإيمان عميق بقدرة الفن على التأثير فى الواقع أو تغييره، من قرية البرشا - وهو اسم فرعونى للقرية ويعنى بالعربية مقاطعة الأرنب- إحدى قرى مركز ملوى بمحافظة المنيا، التى تقع شرق نهر النيل، حيث يجرى بجمال خلاب لا مثيل له، أحد أوسع فروع النهر، لتكوين «فرقة بانورما البرشا» لتقديم العروض المسرحية، فى شوارع القرية التى تعد نموذجا لكل قرى الصعيد. وبوعى تلقائى، أدركت فتيات البرشا أن الفن هو اللغة المشتركة التى يمكن للناس، أن يفهموا بها بعضهم البعض، برغم اختلاف ثقافتهم ومشاكلهم. فبدأن بتأسيس خشبة للمسرح للقيام بالتدريبات، وجلن شوارع القرية وهن يقرعن آلات إيقاعية، لتقديم مشاهد من عروضهن لأهلها.
أما المشاهد المسرحية، فهى تقدم نقدا لاذعا لما تتعرض له الفتيات من زواج قسرى، وتنمر تسلط ذكورى على مصائرها، داخل الأسرة والمجتمع. ولأنه نقد ينطوى على أهازيج غنائية، فهو يتحلى بالجاذبية والتسلية التى تنجح فى جذب انتباه أهالى القرية. ويعرج الفيلم لمصائر الفتيات أعضاء الفرقة حيث تتخلى إحداهن بالزواج عن حلمها أن تصبح مطربة مثل أصالة. وتستنيم أخرى لطلب خطيبها مغادرة الفرقة، برغم تشجيع أبيها لها على مواصلة حلمها كراقصة باليه وممثلة، وتتشبث ثالثة بحلمها وتقرر السفر للقاهرة لكى تلتحق بمعهد الفنون المسرحية، لكى تدرس فن التمثيل الذى عشقته.
ويأتى المشهد الختامى للفيلم مفعما بالإيحاءات البارعة. جيل جديد نشأ فى ظلال فرقة بانوراما البرشا، وتأثرا بها، متسلحا هذه المرة بما قد تعلمه من دروس نجاحها وإخفاقها، وشتاتها، يجوب أنحاء البرشا، وهو يقرع بشغف وهمة الطبول لإيقاظ الغافلين، ومواصلة الطريق الذى مهدته الفتيات، نحو الحرية والتحقق.
لم يكن غريبا أن يفوز الفيلم بجائزة العين الذهبية، للنقاد فى الأفلام التسجيلية فى مهرجان كان هذا العام، فقد مهد صدقه وتعبيره البسيط العفوى والمتقن عن واقع ريفى تقليدى، الطريق نحو هذا الفوز. فضلا عن التوظيف المتقن للغة والاستخدام الذكى للصورة، وللرموز الكنسية، والقرع المدوى للطبول، بما ينطوى عليه من معانى التحذير والتنبيه الإنذار، والسرد التلقائى والتجريبى لممثلين مبتدئين، وكلها أدوات تصوغ واقعا فنيا ينشد فيه الإنسان بالشجاعة والحرية مواجهة التهميش. ومثلما شيدت واقعية نجيب محفوظ الطريق نحو عالميته، فإن فيلم ندى رياض وأيمن الأمير «رفعت عينى للسما» يؤسس لسينما تسجيلية مصرية، تخطو بثبات نحو العالمية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمينة النقاش رفعت عيني للسما على فكرة رفعت عینى للسما
إقرأ أيضاً:
القرية التراثية بالعامرات.. منصة تدعم الحرفيين وتجسد الثقافة العمانية
تعتبر القرية التراثية بمهرجان ليالي مسقط منصة لعرض المنتجات الحرفية والتقليدية كالفضيات والخشبيات والفخار وصناعة العطور والبخور وخياطة الملابس النسائية على مختلف أنواع القماش وخياطة الكمة الرجالية التي تتفنن النساء في رسم نقوشها ورسم نقوش أخرى بالحناء لتزيين أيدي النساء، إضافة إلى الوجبات الشعبية العمانية، مما يدعم كل الحرفيين ويحفزهم على استمرارية الصناعات اليدوية التي تمثل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية، من خلال التعريف بمنتجاتهم وبيعها بشكل مباشر للجمهور، ليحصل الحرفيون على دخل مستدام يعزز من استمرارية هذه المهن، ويسهم في الحفاظ على التراث الحرفي من الاندثار.
كما تشكل الأركان التراثية عنصر جذاب في غالب المهرجانات سواءً كانت للعمانيين أو السياح، وخصوصا عندما تشدوا ألحان الفنون الشعبية العمانية بمختلف أشكالها ويتوافد الكثير من الناس لحضور القرية التراثية وتحاوطهم الأركان الشعبية لتكون سببا لدفع فضول الزوار للتعرف على المعروضات المتواجدة في الأركان وخصوصا عندما تفوح رائحة البخور واللبان مما يعزز ذلك توافد السياح للإنفاق على المنتجات التقليدية والهدايا التذكارية، ويعزز هذا الإقبال من إيرادات المهرجانات وينشط الاقتصاد المحلي.
كما تتيح هذه المهرجانات المختلفة فرصة للشباب ورواد الأعمال للدخول في سوق العمل عبر تقديم منتجاتهم وخدماتهم المستوحاة من التراث العماني مما يدعم الآباء والشباب المشتغلين في هذا المجال، وإتاحة الفرصة لهم للتسويق لأنفسهم ومشاريعهم ومنتجاتهم مما يفتح لهم المجال أمام شراكات تجارية واستثمارات طويلة الأجل مع الشركات المحلية والخارجية أو حتى المؤسسات الحكومية.
وأوضح عبد الله بن خميس اليعربي، أحد المشاركين الحرفيين في مهرجان ليالي مسقط بالعامرات أن مشروعه يعتمد على تصميم وتصنيع المجسمات الخشبية باستخدام أعواد المشاكيك أو الخيزران، مع تشكيلها وتزيينها بأسلوب فني يعكس التراث العماني.
وأشار اليعربي إلى أن الإقبال على ركنه الحرفي كان جيدًا في أيام الخميس والجمعة، بينما يقل الحضور في بقية أيام الأسبوع بسبب ارتباط الكثير من الأسر بفترة الاختبارات.
وأضاف: "رغم الإقبال في بعض الأيام، إلا أن مستوى الدخل هذا العام أقل مقارنة بالأعوام السابقة، إذ كانت المهرجانات في السابق تشهد ازدحامًا أكبر وقوة شرائية أعلى، وقد يكون السبب في ذلك تعدد الفعاليات المقامة في مواقع مختلفة، مما أدى إلى توزع الجمهور".
وعن أهدافه من المشاركة، أضاف اليعربي: "هدفي الأساسي هو استعراض الحرفيات التراثية والاحتكاك بالجمهور لتعريفهم بمشروعي، بالإضافة إلى تبادل الخبرات مع زملائي الحرفيين المشاركين في المهرجان، كما أن المشاركة في المهرجان تمثل فرصة حقيقية لاستقطاب زبائن جدد يمكن أن يتواصلوا معنا حتى بعد انتهاء المهرجان وقد جربنا ذلك في مهرجانات سابقة ".
وأكد اليعربي على أهمية الترويج للمشاريع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أنها أصبحت أداة رئيسية للتسويق في عصر التكنولوجيا، واختتم بقوله: "علينا أن نواكب التطورات ولو بقدر بسيط لضمان استمرارية مشاريعنا وزيادة انتشارها".
وقالت إلهام بنت يونس المعمرية، صاحبة مشروع نقش الحناء من ولاية قريات: إن الإقبال على الركن التراثي الذي تشارك به كان جيداً بشكل عام، مع تفاوت ملحوظ حسب أيام الأسبوع، وأوضحت أن الإقبال يكون أقل خلال أيام العمل مقارنة بالإجازة الأسبوعية التي تشهد حضورًا جيدًا وأرجعت السبب في ذلك إلى انشغال الأطفال حاليًا بفترة الاختبارات، مما يصعّب على بعض الأسر زيارة المهرجان.
وأشارت المعمرية إلى أن هدفها الأساسي من المشاركة في المهرجان هو تحقيق انتشار أوسع لمشروعها المنزلي خارج نطاق الولاية قائلة: "كنت أعمل في هذا المشروع ضمن نطاق منطقتي فقط، ولكن بفضل ودعم مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح لدي زبائن من مختلف المناطق، حيث ساهم نشر زبائني لنتاج عملي على منصات التواصل المختلفة مع مشاركة حسابي ورقم هاتفي، مما أدى إلى زيادة الإقبال على عملي وتعزيز استمراريتي لأنه مصدر دخلي"، مؤكدة أن مشاركتها في المهرجان تعتبر فرصة قيمة للتعريف بمهاراتها في نقش الحناء، وستتيح لها فرصة للتوسع وإثبات قدراتها في هذا المجال كما أنها فرصة للتسويق لعملها لما بعد المهرجان.
وأكدت فاطمة بنت عوض عبد الله، إحدى المشاركات من ولاية صلالة في مهرجان ليالي مسقط بالعامرات أن مشاركتها الدائمة في المهرجان تعود إلى كونه فرصة قيمة للترويج للمنتجات المحلية التي تقوم بتصنيعها من عطور وبخور، موضحةً أن المهرجان يتيح لها إبراز جودة منتجاتها وقيمتها الثقافية من خلال التسويق المباشر والتفاعل مع الزوار.
وأشارت فاطمة إلى أن الإقبال هذا العام كان أقل مقارنة بالسنوات الماضية، ما أثر على مستوى الاستفادة المالية المعتادة، فعادةً، يسجلون استفادة مالية جيدة من خلال المشاركة في المهرجانات والمعارض مقارنة بالبيع من المنزل، ولكن هذا العام لم يكن الحال كما هو متوقع حتى الآن.
ورغم ذلك، أكدت فاطمة على أهمية المشاركة في المهرجانات لتعزيز حضور المنتجات المحلية التي تقوم الأسر المنتجة بتصنيعها واستمرارية التفاعل مع الجمهور للترويج لمنتجاتهم، مما يسهم ذلك في دعمهم كون هذه المشاريع تعتبر هي مصدر دخل يعتمد عليه.
أوضحت عايدة بنت عبد الله الحمداني، صانعة الوجبات العمانية المشاركة في المهرجان أن الإقبال خلال الأيام الماضية كان "لا بأس به"، مع تزايد ملحوظ خلال عطلة نهاية الأسبوع، مشيرةً إلى أن مشروعها لا يقتصر على كونه مصدر دخل فحسب، بل يعد وسيلة للترويج للثقافة العمانية من خلال الترويج للمأكولات التقليدية، وأوضحت إلى أن الدخل خلال أيام المهرجان كان أفضل بالنسبة لها مقارنة بالأيام العادية قبل المهرجان، حيث أتاح لها للوصول إلى جمهور أوسع.
وعن التحديات التي واجهتها قالت الحمدانية: "إن من أحد التحديات كان التقيّد بإعداد أنواع محددة من الأطعمة التي يسمح المهرجان بتقديمها، وعدم المشاركة بالأطباق التي تحتوي على اللحوم والدجاج، ربما لتجنب مخاطر التلف لأنها معرضة إلى أن تفسد، مع ذلك أوضحت أن الوقت قصير من العصر حتى المساء، مما يجعل هذا القلق غير مبرر، خاصة أن جميع الأطباق تُحضر طازجة ومباشرة على النار".
وأشادت الحمدانية بالمهرجان كونه فرصة من الممكن أن تساهم في تعزيز الدخل وترويج الأطعمة العمانية التقليدية، مؤكدة أن هذه الفعاليات تلعب دورًا محوريًا في دعم المشاريع الصغيرة وتحفيز الابتكار في تقديم التراث الغذائي بأسلوب عصري يستمتع بها المتذوق.