استقطاب الكفاءات أو قرصنة الغرب الجديدة!
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
استقطاب الكفاءات أو قرصنة الغرب الجديدة
يأتي الغرب ويستقطب أطباء ومهندسين وخبرات رفيعة التكوين مجانا، دون مقابل. إنها عملية قرصنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى!
ينبغي البحث عن آليات وقف هذه الهجرة النوعية، لأنها تعني عرقلة التنمية في دول كثيرة تبحث عن الخروج من مأزق الفقر والتخلف.
التهميش الأكبر في الحديث عن الهجرة هو عدم التركيز الكبير على هجرة الكفاءات واليد العاملة ذات التكوين العالي من العالم الثالث الى الغرب
يعلن الغرب محاربة الهجرة غير النظامية في حين يستنزف بدرجة خطيرة للغاية كفاءات وخبرات دول فقيرة استثمرت الكثير من الأموال في تكوينها.
استعمر الغرب معظم العالم الثالث، وسرق موارده وخيراته الطبيعية، والآن يستقطب الكفاءات في عملية سرقة بحلة جديدة، مدمرا بذلك نموه الطبيعي.
تمارس دول الغرب إغراء كبيرا لجلب الكفاءات من مهندسين وأطباء وعلماء وأكاديميين، برواتب تكون أضعاف المرات مقارنة بالرواتب في الوطن الأم.
تحتاج نخب الكفاءات ذات التكوين العالي والرفيع إلى الحرية لتبدع لكن دول العالم الثالث تفتقد الحرية وتراجعت فيها الديمقراطية خاصة بعد جائحة كورونا.
* * *
يعلن الغرب محاربة الهجرة غير النظامية، وفي الوقت نفسه يقوم باستنزاف الكفاءات والخبرات من الدول الصاعدة والدول التي تصنف ضمن العالم الثالث إلى مستوى خطير للغاية، لاسيما وأن الدول الفقيرة استثمرت الكثير من الأموال في تكوين هذه الكفاءات، بما فيها أموال مصدرها قروض من المؤسسات الدولية. وهذا الوضع المقلق يتطلب إجراءات لمواجهة هذه الظاهرة مثل التعويض.
وعمليا، وطيلة الثلاثين سنة الأخيرة، يحضر موضوع الهجرة، خاصة في شقه غير النظامي، أو غير القانوني أو السري في مختلف وسائل الإعلام الدولية.
وتطالعنا الصحافة الأوروبية والعربية بشكل يومي بمآسي الهجرة في البحر الأبيض المتوسط، أو معاناة الافارقة في الحدود بين الساحل ودول المغرب العربي، كما يحدث حاليا في تونس وقبلها في المغرب والجزائر، وانتقلت هذه المآسي إلى بحر المانش بغرق قوارب انطلقت من سواحل فرنسا نحو بريطانيا.
وفي الطرف الآخر من العالم، يجري الحديث يوميا عن قوافل الهجرة من دول أمريكا اللاتينية نحو الولايات المتحدة، علاوة على الهجرة من جنوب شرق آسيا إلى أستراليا.
ساهمت الهجرة في تغيير سياسي كبير في الدول الغربية، إذ لا يمكن فهم ظهور اليمين القومي المتطرف في مختلف الدول الأوروبية بعيدا عن توظيف ما يجري تصنيفه «خطر الهجرة» على هوية البلدان الأوروبية.
كما لا يمكن فهم ظاهرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعيدا عن الرؤية السلبية للقوميين البيض الأمريكيين للهجرة اللاتينية وأساسا المكسيكية.
ويستلهم ترامب وأنصاره أطروحتهم حول الهجرة اللاتينية من كتاب «من نحن» وهو آخر كتاب للمفكر الجيوسياسي صامويل هنتنغتون الذي حذّر من المخاطر الاجتماعية والسياسية في حالة بلوغ الهجرة اللاتينية 25% من سكان الولايات المتحدة.
وعلاقة بالهجرة، هناك تهميش لهجرة من نوع آخر وهي، هجرة ونزوح مواطني دول العالم الثالث بينهم، إذ يشتكي الأوروبيون من نازحي العراق وأفغانستان وسوريا ضمن دول أخرى، في حين دول مثل تركيا ولبنان استقبلت ملايين المهاجرين والنازحين.
يبقى التهميش الأكبر في الحديث عن الهجرة هو عدم التركيز الكبير على هجرة الكفاءات واليد العاملة ذات التكوين العالي من العالم الثالث الى الغرب ونتائجها السلبية الكبيرة على الدول الأم. وفي الواقع يتعلق الأمر بعملية استقطاب وتهجير تكاد تكون قسرية لسببين، وهما:
في المقام الأول، تمارس الدول الغربية إغراء كبيرا لجلب الكفاءات من مهندسين وأطباء وعلماء وأكاديميين، حيث تقدم رواتب تكون أضعاف المرات مقارنة بالرواتب في الوطن الأم.
في المقام الثاني، تنتمي الكفاءات واليد العاملة ذات التكوين العالي والرفيع إلى النخبة. وتحتاج النخبة إلى الحرية لكي تبدع في وطنها، علما بأن العديد من دول العالم الثالث تفتقد للحرية، أو تراجعت فيها الديمقراطية خلال السنوات الأخيرة وبالخصوص بعد الجائحة.
كما تكون للنخبة تطلعات في مجال اختصاصها، بينما مفهوم الكفاءة في الرقي في العمل يغيب كثيرا لصالح الزبونية والقرابة العائلية والقرب من السلطة، أو التحول إلى بوق للحاكم. وعديدة هي الأمثلة في هذا الشأن، ومنها في دول المغرب العربي.
معالجة الخلل المذكور الوارد في السبب، أي غياب الحرية، يتطلب الكثير من الوقت، وهو رهين بنضالات الشعوب. بينما يختلف الأمر في حالة السبب الأول، رغم أنه أقل تأثيرا من السبب الثاني. لقد نجحت دول غير ديمقراطية في التقدم مثل حالة إيران ودول شبه ديمقراطية مثل تركيا، وذلك بالحفاظ على أطرها وتفادي هجرتها.
وعلاقة بهذا، إن استقطاب الدول الغربية للأطر من العالم الثالث يعتبر عملا غير أخلاقي، سواء من الناحية السياسية أو المعنوية، لأنه استنزاف لقدرات دول العالم الثالث، ويترتب عنه مزيد من تدمير هذه الدول.
ومن ضمن الأمثلة، يعمل الغرب على استقطاب الأطباء، وينتج عن هذا العمل ترك مستشفيات العالم من دون أطباء، وأحيانا يؤدي هذا إلى موت الكثيرين بسبب نقص اليد العاملة في المجال الطبي.
ويمكن الاستشهاد بحالتي استقطاب فرنسا وكندا للأطباء من المغرب والجزائر، وخلال السنوات الأخيرة استقطاب مهندسي الحاسوب والبرمجيات.
في الوقت ذاته، قامت الدول الفقيرة بالاقتراض من المؤسسات المالية الدولية التي يسيطر عليها الغرب، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، لتكوين جيل من الكفاءات، وتثقل هذه الديون كاهل الدول الفقيرة.
وفي آخر المطاف، يأتي الغرب ويستقطب أطباء ومهندسين وخبرات رفيعة التكوين مجانا، ومن دون مقابل. إنها عملية قرصنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
في الماضي، استعمر الغرب جزءا كبيرا من العالم الثالث، وقام بسرقة موارده وخيراته الطبيعية، وما زال يسيطر على نسبة منها بطرق مختلفة مثل حالة النفط والذهب واليورانيوم، وعرقل النمو الطبيعي لهذه الدول.
ويقوم الآن باستقطاب الكفاءات في عملية سرقة في حلة جديدة، مدمرا بذلك نمو هذه الدول الطبيعي. في هذا الصدد، وبراغماتيا، يجب على الدول الفقيرة مطالبة الغرب بالتعويض عن استقطابها لهذه الأطر، سواء من خلال الحصول على تعويضات مباشرة، أو إعادة النظر في نسبة فوائد القروض أو إلغاء بعض القروض برمتها مثل قروض التعليم.
في الوقت ذاته، ينبغي البحث عن آليات وقف هذه الهجرة النوعية، لأن هذه الهجرة تعني عرقلة التنمية في دول كثيرة تبحث عن الخروج من مأزق الفقر والتخلف.
*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب استقطاب الكفاءات الخبرات العالم الثالث الهجرة غير الشرعية دول العالم الثالث الدول الفقیرة دول الغرب
إقرأ أيضاً:
اليمن ثالث الدول الأعلى في العالم بالإصابة بالكوليرا خلال يناير الماضي
قالت منظمة الصحة العالمية، إن اليمن حل ثالثاً بين الدول الأعلى في الإصابات بالكوليرا والإسهال المائي خلال شهر يناير/ كانون أول الماضي.
ووفق المنظمة الدولية، حل اليمن ثالثاً في ترتيب الدول الأعلى تسجيلاً لحالات الإصابة في يناير كانون الثاني بعدد 6110 حالات خلف جنوب السودان التي تصدرت الترتيب بمجموع 10833 حالة وأفغانستان التي جاءت في المركز الثاني بواقع 6346 حالة.
وسجلت المنظمة، حوالي 35 ألف حالة إصابة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في 19 دولة من بينها اليمن والسودان والصومال، في حين بلغت حالات الوفاة 349 خلال شهر يناير كانون الثاني.
وعلى صعيد الوفيات حل اليمن سابعاً بتسجيل أربع حالات وفاة، وجاء السودان في المركز الثالث مسجلاً 46 حالة وفاة خلف جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية اللتين سجلتا 159 و67 حالة وفاة على الترتيب.
واشترك الصومال في المركز التاسع مع كل من أفغانستان وأوغندا بحالة وفاة واحدة. ولم تسجل أي وفيات في ست دول من ضمن 19 دولة أبلغت عن إصابات.
وكانت المنظمة قد قالت في أواخر يناير كانون الثاني الماضي إن تفشى الكوليرا في اليمن أودى بحياة 879 شخصا وإصابة أكثر من 260 ألف حالة خلال العام الماضي، بما يمثل 35 في المئة من العبء العالمي للكوليرا و18 في المئة من الوفيات المُبلَّغ عنها عالميا.