ألقى الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بعنوان: "أنت عند الله غال" من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت بجمهورية داغستان، في ضوء خطة وزارة الأوقاف وجهود الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف في مد جسور التعاون، وعلى هامش مشاركته في فعاليات المؤتمر والمنتدى الدولي العلمي بعنوان: "آليات تعزيز التعاون الدولي للحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية التقليدية وتعزيزها"، الذي يُعقد في مدينة محاج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان الروسية، في الفترة من 20 إلى 23 نوفمبر 2024.


وجاء هذا نص خطبته  كالآتي: 


الجمع الكريم : ما وقفت في هذا المكان المبارك إلا محملا برسالة مباركة من السيد صاحب المعالي أ.د / أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري تحوي في مبناها ومعناها قبسات من التكريم الأزلي للإنسان وأبجديات بنائه، تتوجه إليه في خطابها وندائها وعرفها وشذاها أيها الإنسان : ( أنتَ غال عند الله ) وهي عبارة نسجت خيوطها من إشراقات النور التي لا تُحدُّ بزمان، ولا تنتهى بمكان، ولا تََختصُّ بإنسان، وإنما قوام الحال إطلاق الخطاب ليتعلق بكينونات دين الله، وجوهر التشريع من خلال سمو العلاقة بين خالق ومخلوق، ورب ومربوب، وعابد ومعبود.


إن الإنسان إذا تنكر لمقتضيات الربوبية والألوهية حينًا من الدهر فهذا لا يُخرِجُه من كونه غال عند ربه وخالقه، هذا حديث النفس لمطلق النفس، لأجلها هبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- واقفا حينما انتقلت إلى خالقها وباريها، وعندما سُئل -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك أحال إلى الإنسان مطلق الإنسان وكفى من الإنسانية معانى التكريم في مفاهيم دلالاتها: 


( أليست نفسًا ).. هذه ليست أيدولوجية قاصرةً وإنما مطلقيةٌ معبرة، ولعل المرجعيةَ هنا تكمنُ في أمرين :
الأول : قضية الاستخلاف والنيابة عن الله (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
الثاني : مطلوب الحق من الخلق، وهو: عمارة الكون والحياة.(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)


أما الاستخلافُ فهو لإنسان غالٍ عند الله له قدمُ صدق عند خالقه ومولاه، خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وألهمه رشده في حواريةٍ عجيبةٍ انتهت بأن ألقت الملائكةُ زمامَ العلم والعرفان في بحار التسليم: ( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).


من أجل هذا كانت نوعيةُ التكريم بمفرداته وتفرداته: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، واختصاصُ التقويم: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) لتنتقل سامقُ المنزلة من معقولات المعاني إلى تمثلات السلوك مشاهدة وعيانا، والذي بموجبه كان خليفةُ الله في كونه، منشغلًا برسالته الأزلية عمارة الكون والحياة، ولأجل أنه غالٍ في مطلق إنسانيته كانت عمومية الخطاب: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ؛ التأصيل لوحدة النشأة والتكوين: (خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )؛ ولأنه غالٍ عند الله كان التنوعُ في الملكات والمواهب تكاملًا لا تناقضًا :(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)،ولكي لا يُنتقص ممن استخلفه اللهُ في كونه لعمارته كانت العنديةُ الإلهيةُ في الأحكام لا تنصرف إلا لله : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وما قصر العندية في الآية إلا لتحقق الصفاتٍ التي لا تليق إلا بجلاله وجماله فهو سبحانه العليم الخبير .. من أجل ذلك ليس للإنسان في خطاب العقول إلا التذكير والبلاغ : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وإن قد تعلقَ الأمر يوما بأهداب قدرياتٍ في الخلقة تتقاصرُ دونها الإرادات، فليتساءل الإنسانُ بينه وبين نفسه: أتعيبُ الصنعة ؟ أم تعيبُ الصانع ؟! ومن ثم يكون الكمال الذي لا نقصان فيه:" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون".


فلنتذكر تكريم الله لأفضل الخلق لديه.. الإنسان ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )..تكريم لكل إنسان؛ فلا تخصيص ببقعة بعينها، أو جنس بعينه، أو طائفة بعينها.


وإنما سلام ؛ يحوى التعارف بين البشرية جمعاء، سلام أخبر به عن صحيح ديني تحمله نسائم الرحمة والإحسان من أرض الكنانة والمكانة إلى أرض داغستان، وأهتف مفاخرا به في أرض الله أنْ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) نداءً كونيًّا يمتد إلى الطبيعة في شتى مجاليها؛ لأنها في مفهوم أهل الله كائنٌ له من حقيقة التسبيح ما يجعله ينتظم في سلك الأحياء، فما من شيء إلا يسبح بحمده، دالٌ بالحال والمقال على لمن خلقه وسواه، بيدَ أنَّ تنوعَ الأجناسِ يُورِثُ العجزَ في فقه التسبيحِ مع وجودِ حقيقته(وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).. أنت عند الله غالٍ نداءٌ للمحبة والتعارف يسري عبر الزمان من القاهرة إلى داغستان، يُحلِّقُ في سماءِ الإنسانيةِ بحديثٍ عن إنسانٍ هو مطلقُ الإنسان.. صُنعَ على عين الله في جوهر تكوينه.. فهو بنيانُ الله وملعون من هدم بنيان الله؛ ولأنه غال عند الله حمى عقله وحفظ عرضه وصان ماله وحفظ حياته، ومن قبلُ حفظ دينَهُ في أصل الاعتقاد؛ :( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ومن بعدِ الاعتقادِ الذى يخلوا من شوائب الجبر والإكراه أصبحَ كل عابد لله في خندقٍ واحدٍ لمواجهةِ الإلحاد.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الخطبة الموحدة القاهرة داغستان أنت عند الله غال خطبة الجمعة عند الله

إقرأ أيضاً:

الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية يقدم رد الجزائر للقائم بالأعمال في سفارة فرنسا

استقبل اليوم الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية لوناس مقرمان، بمقر الوزارة القائم بأعمال سفارة الجمهورية الفرنسية بالجزائر.

وحسب بيان لوزارة الشؤون الخارجية، فإن هذا اللقاء يأتي تبعا للمقابلة التي خص بها القائم بأعمال سفارة الجزائر بفرنسا يوم 14 مارس الجاري،

وهى المقابلة التي تسلّم خلالها قائمة بأسماء المواطنين الجزائريين الذين صدرت في حقهم قرارات إبعاد من التراب الفرنسي.

وسلّم الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية إلى القائم بأعمال السفارة الفرنسيةمذكرة شفوية تتضمن الرد الرسمي للسلطات الجزائرية، إلى القائم بأعمال السفارة الفرنسية.

أين أكدت الجزائر من جديد، رفضها القاطع للغة التهديد والوعيد والمهل ولكافة أشكال الابتزاز،

كما اعترضت الجزائر على المقاربة الانتقائية التي تنتهجها فرنسا إزاء الاتفاقيات الثنائية والدولية التي تربط البلدين،

وأكدت أن المحرك الرئيسي للموقف الجزائري يتمثل في الوفاء بما يقع على بلادنا من واجب توفير الحماية القنصلية لرعاياها المتواجدين بالخارج.

أما بخصوص المسعى الفرنسي والمتمثل في تقديم قائمة بأسماء المواطنين الصادرة في حقهم قرارات الإبعاد، فقد تم رفضه من قبل السلطات الجزائرية شكلا ومضمونا.

فمن ناحية الشكل، أوضحت الجزائر بأنه لا يمكن لفرنسا أن تقرر بصفة أحادية وانفرادية إعادة النظر في القنوات الاعتيادية المخصصة لمعالجة حالات الإبعاد.

وعليه تمت دعوة الطرف الفرنسي إلى احترام الإجراء المعمول به في هذا المجال من خلال اتباع القنوات المتفق عليها،

أي تلك القائمة بين المقاطعات الفرنسية والقنصليات الجزائرية المختصة وكذا الحفاظ على طريقة المعالجة المعتمدة، أي دراسة طلبات الإبعاد حالة بحالة.

وأما فيما يخص المضمون، فقد أكد الردّ الجزائري على أن بروتوكول اتفاق عام 1994 لا يمكن تطبيقه بمعزل عن اتفاقية العلاقات القنصلية لعام 1974 ،

التي تظل الإطار المرجعى الرئيسي في المجال القنصلي بين البلدين. ومن هذا المنظور، لا ينبغى أن يكون تنفيذ أحد هذين النصين القانونيين على حساب الآخر،

خصوصا عندما يتعلق الأمر بضرورة ضمان احترام حقوق الأشخاص المعنيين بتدابير الإبعاد.

لكل هذه الأسباب، قررت السلطات الجزائرية عدم دراسة القائمة التي قدمتها السلطات الفرنسية،

حيث تمت دعوة هذه الأخيرة إلى اتباع القنوات الاعتيادية القائمة بين المقاطعات الفرنسية والقنصليات الجزائرية.

مقالات مشابهة

  • الأُمُّ بَابُ رَحْمَةِ اللهِ.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة
  • الأم باب رحمة الله.. موضوع خطبة الجمعة المقبلة
  • الأمين العام للجامعة العربية يدين محاولة استهداف موكب الرئيس الصومالي
  • الأمين العام لـ «زايد العليا»: يوم زايد للعمل الإنساني مناسبة لاستذكار عطاء الشيخ زايد
  • الضمير الإيراني العامري وزيدان يؤكدان على حماية مشروع المقاومة الإسلامية
  • الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن صدمته إزاء الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة
  • الأمين العام لمجلس التعاون ورئيس المجلس الأوروبي يبحثان عددًا من المبادرات والمشاريع المشتركة
  • الأمين العام لجامعة الدول العربية يُدين الغارات الإسرائيلية الوحشية على غزة
  • الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية يقدم رد الجزائر للقائم بالأعمال في سفارة فرنسا
  • دعوات شعبية أردنية لمسيرة حاشدة نصرة للأقصى يوم الجمعة