ألقى الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بعنوان: "أنت عند الله غال" من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت بجمهورية داغستان، في ضوء خطة وزارة الأوقاف وجهود الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف في مد جسور التعاون، وعلى هامش مشاركته في فعاليات المؤتمر والمنتدى الدولي العلمي بعنوان: "آليات تعزيز التعاون الدولي للحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية التقليدية وتعزيزها"، الذي يُعقد في مدينة محاج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان الروسية، في الفترة من 20 إلى 23 نوفمبر 2024.


وجاء هذا نص خطبته  كالآتي: 


الجمع الكريم : ما وقفت في هذا المكان المبارك إلا محملا برسالة مباركة من السيد صاحب المعالي أ.د / أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري تحوي في مبناها ومعناها قبسات من التكريم الأزلي للإنسان وأبجديات بنائه، تتوجه إليه في خطابها وندائها وعرفها وشذاها أيها الإنسان : ( أنتَ غال عند الله ) وهي عبارة نسجت خيوطها من إشراقات النور التي لا تُحدُّ بزمان، ولا تنتهى بمكان، ولا تََختصُّ بإنسان، وإنما قوام الحال إطلاق الخطاب ليتعلق بكينونات دين الله، وجوهر التشريع من خلال سمو العلاقة بين خالق ومخلوق، ورب ومربوب، وعابد ومعبود.


إن الإنسان إذا تنكر لمقتضيات الربوبية والألوهية حينًا من الدهر فهذا لا يُخرِجُه من كونه غال عند ربه وخالقه، هذا حديث النفس لمطلق النفس، لأجلها هبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- واقفا حينما انتقلت إلى خالقها وباريها، وعندما سُئل -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك أحال إلى الإنسان مطلق الإنسان وكفى من الإنسانية معانى التكريم في مفاهيم دلالاتها: 


( أليست نفسًا ).. هذه ليست أيدولوجية قاصرةً وإنما مطلقيةٌ معبرة، ولعل المرجعيةَ هنا تكمنُ في أمرين :
الأول : قضية الاستخلاف والنيابة عن الله (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
الثاني : مطلوب الحق من الخلق، وهو: عمارة الكون والحياة.(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)


أما الاستخلافُ فهو لإنسان غالٍ عند الله له قدمُ صدق عند خالقه ومولاه، خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وألهمه رشده في حواريةٍ عجيبةٍ انتهت بأن ألقت الملائكةُ زمامَ العلم والعرفان في بحار التسليم: ( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).


من أجل هذا كانت نوعيةُ التكريم بمفرداته وتفرداته: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، واختصاصُ التقويم: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) لتنتقل سامقُ المنزلة من معقولات المعاني إلى تمثلات السلوك مشاهدة وعيانا، والذي بموجبه كان خليفةُ الله في كونه، منشغلًا برسالته الأزلية عمارة الكون والحياة، ولأجل أنه غالٍ في مطلق إنسانيته كانت عمومية الخطاب: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ؛ التأصيل لوحدة النشأة والتكوين: (خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )؛ ولأنه غالٍ عند الله كان التنوعُ في الملكات والمواهب تكاملًا لا تناقضًا :(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)،ولكي لا يُنتقص ممن استخلفه اللهُ في كونه لعمارته كانت العنديةُ الإلهيةُ في الأحكام لا تنصرف إلا لله : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وما قصر العندية في الآية إلا لتحقق الصفاتٍ التي لا تليق إلا بجلاله وجماله فهو سبحانه العليم الخبير .. من أجل ذلك ليس للإنسان في خطاب العقول إلا التذكير والبلاغ : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وإن قد تعلقَ الأمر يوما بأهداب قدرياتٍ في الخلقة تتقاصرُ دونها الإرادات، فليتساءل الإنسانُ بينه وبين نفسه: أتعيبُ الصنعة ؟ أم تعيبُ الصانع ؟! ومن ثم يكون الكمال الذي لا نقصان فيه:" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون".


فلنتذكر تكريم الله لأفضل الخلق لديه.. الإنسان ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )..تكريم لكل إنسان؛ فلا تخصيص ببقعة بعينها، أو جنس بعينه، أو طائفة بعينها.


وإنما سلام ؛ يحوى التعارف بين البشرية جمعاء، سلام أخبر به عن صحيح ديني تحمله نسائم الرحمة والإحسان من أرض الكنانة والمكانة إلى أرض داغستان، وأهتف مفاخرا به في أرض الله أنْ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) نداءً كونيًّا يمتد إلى الطبيعة في شتى مجاليها؛ لأنها في مفهوم أهل الله كائنٌ له من حقيقة التسبيح ما يجعله ينتظم في سلك الأحياء، فما من شيء إلا يسبح بحمده، دالٌ بالحال والمقال على لمن خلقه وسواه، بيدَ أنَّ تنوعَ الأجناسِ يُورِثُ العجزَ في فقه التسبيحِ مع وجودِ حقيقته(وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).. أنت عند الله غالٍ نداءٌ للمحبة والتعارف يسري عبر الزمان من القاهرة إلى داغستان، يُحلِّقُ في سماءِ الإنسانيةِ بحديثٍ عن إنسانٍ هو مطلقُ الإنسان.. صُنعَ على عين الله في جوهر تكوينه.. فهو بنيانُ الله وملعون من هدم بنيان الله؛ ولأنه غال عند الله حمى عقله وحفظ عرضه وصان ماله وحفظ حياته، ومن قبلُ حفظ دينَهُ في أصل الاعتقاد؛ :( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ومن بعدِ الاعتقادِ الذى يخلوا من شوائب الجبر والإكراه أصبحَ كل عابد لله في خندقٍ واحدٍ لمواجهةِ الإلحاد.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الخطبة الموحدة القاهرة داغستان أنت عند الله غال خطبة الجمعة عند الله

إقرأ أيضاً:

وزارة الأوقاف تحدد خطبة الجمعة القادمة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: “وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ”، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: هو التحذير من باطن الإثم، وهو الكِبْر الذي يجعل الإنسان يتعالى على خلق الله، ويظن أنه خير منهم بتعبده، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول التحذير البالغ من كافة صور العنف ضد المرأة.

وكيل وزارة الأوقاف بسوهاج يشهد احتفالية "معًا نصنع الفارق.. أثرنا معًا" وزير الأوقاف: جناح الأزهر بمعرض الكتاب منارة علمية وتربوية


الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، حَمْدًا يَلِيقُ بِعَظَمَةِ جَلَالِهِ وَكَمَالِ أُلُوهِيَّتِهِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا  مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ دَعْوَةٌ قُرْآنِيَّةٌ كَرِيمَةٌ إِلَى اجْتِنَابِ مَا يَحُولُ بَيْنَ الناس وَبَيْنَ خَيْرِ اللهِ تَعَالَى وَرِزْقِهِ وتَوْفِيقِه، إِنَّهُ أَمْرُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِتَرْكِ الآثَامِ وَالأَوْزَارِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، دِقِّها وَجِلِّهَا، سِرِّهَا وَعَلانِيَتِهَا، يَقُولُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}.
وَظَاهِرُ الإِثْمِ مَعْلُومٌ كَالكَذِبِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا، أَمَّا باَطِنُ الإِثْمِ فَهُوَ الكِبْرُ كَمَا بيَّن عُلَماؤُنَا الكِرَامُ، وَالكِبْرُ دَاءٌ عُضَالٌ وَمَرَضٌ نَفْسِيٌّ مُدَمِّرٌ، وَهوَ ذَنْبُ إِبْلِيس الأَوَّل الَّذِي عَصَى بهِ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ منَ الكَافِرِينَ}، والمُتَكَبِّرُ يُبْغِضُهُ اللهُ تَعَالَى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ {لَا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ}.
وَلَكِنِ انْتَبِهُوا أَيُّهَا الكِرَامُ، إِنَّ بَاطِنَ الإِثْمِ أَشَدُّ خَطَرًا مِنْ ظَاهِرِهِ، فَإِذَا كَانَ ظَاهِرُ الإِثْمِ يَمْحُوهُ النَّدَمُ وَالإِخْبَاتُ وَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَإِنَّ بَاطِنَ الإِثْمِ خَفِيٌّ مُسْتَتِرٌ يُدَمِّرُ القَلْبَ وَيُهْلِكُ صَاحِبَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، حَيْثُ يَظُنُّ صَاحِبُ التَّدَيُّنِ الظَّاهِرِيِّ المَوْهُومِ المَعْزُولِ عَنْ أَنْوَارِ الشَّرِيعَة وَأَخْلَاقِهَا وَآدَابِهَا نَفْسَهُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَيَسْتَصْغِرُ خَلْقَ اللهِ وَيَحْتَقِرُهُمْ، وَيُصِيبُهُ دَاءُ إِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}، وَإِذَا تَضَجَّرَ النَّاسُ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ وَنَالُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَزْدَادُ عُنْفًا مَعَهُمْ، وَغِلْظَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَصَوَّرَ أَنَّهُمْ يُعَادُونَ الدِّينَ، وَهُمْ فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ لَا يُطِيقُونَ العُجْبَ وَالكِبْرَ والتَّشَدُّدَ!
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الحَالَ بَائِسٌ بَغِيضٌ، حَيْثُ يَتَحَوَّلُ التَّدَيُّنُ إِلَى حَالَةٍ إِيمَانِيَّةٍ زائفةٍ، وَنَظْرَةٍ اسْتِعْلَائِيَّةٍ مَقِيتَةٍ، تَزُجُّ بِصَاحِبِهَا فِي بَرَاثِن الكِبْرِ وَالفَوْقِيَّةِ وَالعُنْصُرِيَّةِ وَالعِرْقِيَّةِ، فِي سَمْتٍ نَفْسِيٍّ مَقِيتٍ يؤَصِّلُ فِي المُتَحَقِّقِ بِهِ أَنَّهُ هُوَ وَجَماعَتَهُ العُصْبَةُ المُؤْمِنَةُ، وَالفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ، وَالطَّائِفَةُ المُؤَيَّدَةُ المَنْصُورَةُ، فَيُدْخِلُونَ هَؤُلَاءِ الجَنَّةَ وَأُولِئِكَ النَّارَ، وَقَدْ صُمَّتْ آذَانُهُمْ عَنْ هَذَا البَيَانِ الإِلَهِيِّ المَهِيبِ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الشَّرِيفِ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ؟ إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، وَأَحْبَطتُّ عَمَلَكَ؟!».
أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ تَسْتَحقُّ أُمَّتُنَا المَرْحُومَةُ وَمُجْتَمَعُنَا المُسْلِمُ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ، وَتُعَظَّمُ فِيهِ شَعَائِرُ اللهِ، وَيُكْرَمُ فِيهِ القُرْآنُ وَأَهْلُهُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مُجْتَمَعٌ جَاهِلِيٌّ؟! أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ فِكْرَةَ الاسْتِعْلَاءِ بِالإِيمَانِ هِيَ المَادَّةُ الخَامُ الَّتِي قَامَ عَلَيْهَا نَمَطُ التَّكْفِيرِ، وَفِي الوَقْتِ ذَاتِهِ كَانَتْ البِذْرَةَ الأُولَى لِظَاهِرَةِ الإِلْحَادِ المُعَاصِر.
احْذَرُوا أَيُّهَا السَّادَةُ مِنْ كُلِّ عُجْبٍ وَكِبْرٍ وتَشَدُّدٍ فِي دِينِ اللهِ يَنْجَرِفُ صَاحِبُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي إِلَى الإِرْهَابِ، وَمِنَ الغَرِيبِ أَنْ يَظُنَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِظَاهِرِ التَّدَيُّنِ، وَيَغِيبُ عَنْهُ بَاطِنُ السَّعَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّوَاضُعِ لِخَلْقِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ.
وَيَا أَيُّهَا المُسْتَعْلِي عَلَى خَلْقِ اللهِ، حَنَانَيْكَ، لَا تَكُنْ صَاحِبَ فِكْرٍ أَهْوَج وَانْدِفَاعٍ طَائِش، بَل اسْتَشْعِرْ نِعْمَةَ التَّوْفِيقِ الإِلَهِيِّ  لِطَاعَةِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَتَذَوَّقْ حَلَاوَةَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ}، وَلْيَكُنْ مَنْهَجُكَ {فِبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
لَا تَكُنْ صِدَامِيًّا، وَلَا مُتَسَارِعًا، وَلَا مُتَعَالِيًا، وَلَا مُتَكَبِّرًا، وَلَا مُتَغَطْرِسًا، تَحَقَّقْ- هَدَاكَ اللهُ- بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ، طَهِّرْ قَلْبَكَ مِنْ بَاطِنِ الإِثْمِ، وَكُنْ عَلَى مُرَادِ اللهِ فِي الخِدْمَةِ، وَقَرِّب النَّاسَ إِلَى رَبِّهِمْ بِاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ وَالتَّوَدُّدِ، وَليَكُنْ شِعَارُكَ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
***
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا النَّبِيلُ، كُنْ سِلمًا سَلَامًا، أَمْنًا أَمَانًا لِلدُّنْيَا كُلِّهَا، كُنْ كَرِيمًا مُكْرِمًا لِخَلْقِ اللهِ، لَا سِيَّمَا المَرْأَةُ الَّتِي أَحَاطَهَا الجَنَابُ الأَكْرَمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِكُلِّ صُوَرِ التَّقْدِيرِ وَالإِجْلَالِ وَالاحْتِرَامِ، وَأَوْصَى بِالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيَمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ».
فَهَذِهِ يَا سَادَةُ حَيْثِيَّاتُ الخَيْرِ وَدَلَائِلُ النُّبْلِ؛ أَنْ تَكُونَ رَفِيقًا مَعَ المَرْأَةِ، رَافِضًا لِلْعُنْفِ وَالتَّعَنُّفِ، فَلَيْسَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ أَنْ تَكُونَ عَنِيفًا مَعَ زَوْجَتِكَ أَوْ ابْنَتِكَ أَوْ أُخْتِكَ، فَتَضْرِبَ هَذِهِ وَتَشْتُمَ هَذِهِ، وَتَقْسُوَ عَلى هَذِهِ، وَتُسِيئَ فَهْمَ قِيمةَ الرُّجُولَةِ، وَيَضْطَّرِبَ فِي ذِهْنِكَ المُرَادُ مِنْ قَوْلِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، فَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا ظَنَنْتَ، إِنَّ القِوَامَةَ الحَقِيقِيَّةَ أَنْ تَكُونَ سَنَدًا لِلْمَرْأَةِ ظَهْرًا حَامِيًا لَهَا، القِوَامَةُ مُعَامَلَةٌ بِالمَعْرُوفِ، لَا إِتْيَانٌ لِلْمُنْكَرِ مِنَ القَوْلِ وَالفِعْلِ، القِوَامَةُ تَنْفِيذُ الأَمْرِ الإِلَهِيِّ {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف}، القِوَامَةُ أَنْ تَكُونَ جَمِيلَ الصِّفَاتِ، سَخِيَّ الأَخْلَاقِ، نَاشِرًا لِلْخَيرِ،  نَاثِرًا السَّعَادَةَ فِي أَرْجَاءِ البَيْتِ.
أَيُّهَا الكِرَامُ: لَيْسَ مِنَ المُرُوءَةِ أَنْ يَتَعَرَّضَ الجُبَنَاءُ الخُبَثَاءُ لِلْمَرْأَةِ المُكَرَّمَةِ بِالتَّحَرُّشِ وَالمُعَاكَسَةِ وَالمُضَايَقَةِ، إِنَّ هَذَا الفِعْلَ المُشِينَ لُؤْمٌ وَقُبْحٌ، أَيْنَ هَذَا الفِعْلُ القَبِيحُ المَعِيبُ مِنْ هَذَا البَيَانِ النَّبَوِيِّ المَهِيب: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم».
وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ: إِذَا تَعَرَّضْتِ لِلْعُنْفِ أَوِ التَّحَرُّشِ أو التَّنَمُّرِ فإِيَّاكِ أَنْ تَظُنِّي أَنَّكِ ضَعِيفَةٌ فَتَسْكُتِي عَنْ حَقِّكِ، بَلْ يَلْزَمُكِ أَنْ تُبَلِّغِي عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الوَقَائعِ، لِيَرْجِعَ الجُبَنَاءُ عَنْ سُوءِ صَنِيعِهِمْ، وَيَنالُوا جَزَاءَهُمْ، وَيِعيشَ المُجْتَمَعُ حَيَاةً كَرِيمَةً آمِنةً مُطْمِئِنَّةً، يَسُودُهَا الأَدَبُ وَالاحْتِرَامُ وَالتَّوْقِيرِ.

مقالات مشابهة

  • موضوع خطبة الجمعة اليوم وموعد الصلاة
  • خطبة الجمعة اليوم 7 فبراير
  • ما أخطر أنواع الكبر؟.. عضو الأعلى للشئون الإسلامية يوضح «فيديو»
  • «وذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ».. نص خطبة الجمعة غدا 7 فبراير2025
  • نص خطبة الجمعة غدًا.. وذروا ظاهر الإثم وباطنه
  • «وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ».. وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 7 فبراير
  • «وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِن».. موضوع خطبة الجمعة المقبلة
  • وزارة الأوقاف تحدد خطبة الجمعة القادمة
  • وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • وكيل وزارة الأوقاف بالغربية: الأعلى للشئون الإسلامية مؤسسة فكرية رائدة تسهم إصداراته في نشر الفكر الوسطي