خطيب الأزهر: أعداؤنا يريدون شبابنا بلا هوية حتى ينالوا من أوطاننا
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني لمجمع البحوث الإسلامية ودار موضوعها حول "التمسك بالوحي".
وقال الهواري، إننا نعيش في زمن من التناقضات والصراعات التي تتعرض لها قيمنا الإسلامية السمحة بسبب حرب مستعرة يقف خلفها أعداء هذا الدين الحنيف، من أجل إصابة الجسد المسلم في أخطر جزء وأهمه وهم الشباب الذين يمثلون عماد حضارتنا ونهضتنا الإسلامية، وهو ما يستوجب منا التأمل في المعاني التي جاء بها الوحي الكريم، لنوقظ قلوب الأمة من الغفلة التي تحاول أن تجرها للتراجع عن دورها ومكانتها العظيمة، لأن التمسك بالوحي والتبصر بما يحمله من معان هو دليل على الثبات على الحق في زمن علا فيه صوت الباطل وتبجح في وجه مجتمعاتنا.
وأوضح الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني، أن هناك فهما قاصرا في التعامل مع الوحي الشريف، فهناك من يظن أن التمسك بالوحي هو أن يمسك بالمصحف المنزه في يده أو في جيبه، وهو أمر طيب لكن المقصود بالآية الشريفة {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، أن يتمسك الإنسان المسلم بالمعاني والتشريعات التي نقلها إلينا الوحي الكريم لتكون لنا دستورا يقينا الوقوع في العثرات، كما أن التمسك بالوحي تتسع له كل جنبات الحياة الإنساني في بيعها وشرائها، وفي كل أمر في كبيرها وصغيرها، فلم يترك الوحي شيئا من حياة الناس مع بعضهم البعض إلا ووضع له ضابطا يضبطه بما يناسب كل زمان ومكان، ولم يدع الوحي صغيرة ولا كبيرة بين الإنسان ونفسه التي بين جنبيه إلا وضبطها على وجهها الأكمل، وهو دليل على أن هذ الدين دين شامل لكل شيء.
وبين خطيب الجامع الأزهر أن الإنسان المتعلق بالوحي حقيقة من خلال تطبيق معاني الوحي في كل شيء في حياته، وظاهرًا من خلال حرصه على قراءة القرآن الكريم والخشوع فيه وأن يجعل لنفسه وردا منه، هو ذلك الإنسان المفلح في الدنيا والآخرة لأنه أخذ بأسباب النجاح والفلاح، وأننا في هذه الأيام في حاجة ماسة إلى أن نوقظ هذا الإنسان بداخلنا لأننا نعيش في مرحلة غزو فكري وأخلاقي وقيمي في كل نواحي الحياة، ولا ننجو من أخطاء هذا الغزو إلا من خلال تمسكنا بالقيم والمعاني النبيلة التي جاء بها الوحي الكريم، وإلا فسوف تقع مجتمعاتنا فريسة لسماسرة المجون والانحراف الذين يسعون لمكاسبهم الشخصية على حساب أشلا ء المجتمعات.
وأكد الهواري أنه لا يمكن لمجتمع واع أن تضعف أخلاقه أو أن تضيع قيمه، لأنه مجتمع لديه مناعة تحصنه ضد الانحطاط، وهو ما كان سببًا في الحضارة التي بناها المسلمون الأوائل بفضل تمسكهم بتعاليم الشرع وتوجيهاته، فكانت أمة نافعة لنفسها مفيدة لغيرها، وما تكالبت عليها الأمم إلا بسبب ما أحدثته من تقدم ورقي، وما ضعفت واستسلمت إلا نتيجة لتقصير أبنائها في التمسك بالمعاني والقيم التي جاء بها الوحي الكريم، فإذا كنا نريد الرقي والحضارة فعلينا بمنهج القرآن وتعاليمه، وإلا سنظل ننزلق إلى مؤخرة الأمم.
وفي ختام الخطبة حذر الهواري الشباب من أن يقعوا فريسة لمخططات قراصنة المجتمعات، التي يقف خلفها أعداء أمتنا من أجل أن يفقدونا هويتنا، لنكون أمة بلا هدف، لذلك يسعون إلى بث الأفكار الغريبة والمنحطة في مجتمعاتنا وأن يصير شبابنا مقلدًا لأفكار منحرفة، ليجهزوا على قيمنا، يريدون شبابنا أن يتخلى عن عفته وعن حيائه ليتمكنوا من ديننا، يريدون شبابنا أن يكون خائنا حتى يسهل عليهم النيل من أوطاننا، يريدون شبابنا متشككا في عظمة أمته من أجل أن يسهل عليهم غزونا، يريدون شبابنا جاهلا بثقافته متنكرا لتراثه لنصبح أمة بلا هوية، ولن نسمح لهم بسرقة مستقبلنا ولكن علينا جميعا أن نتمسك بالوحي القرآني.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
أوطاننا في خطر
هل يتذكر المواطنون العرب، المثقفون منهم والعوام كم عدد القمم العربية التي عُقدت منذ إنشاء جامعة دول العربية وحتى اليوم؟ هل يعلم الكثيرون أن العرب ليسوا أصحاب إنشاء جامعة الدول العربية؟ بل بريطانيا هي صاحبة الفكرة حينما تأزمت الأوضاع العسكرية للحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، وتوقفت وسائل الإمداد والتموين بسبب محاصرة المحور على البحار والمحيطات، وواجه مئات الألوف وربما الملايين من جنود الحلفاء أزمة كبيرة في التسليح والغذاء، حينئذ ابتكر إيدن رئيس وزراء بريطانيا ما سُمي بمركز تموين الشرق الأوسط، واتخذ من القاهرة مقرًا له، وتحددت مهامه في أن تتولى الدول الواقعة في البلدان التي لديها فائض غذائي بإمداد الدول ذات الندرة الغذائية بهدف دعم جيش الحلفاء، واستعارة الأسلحة من جيوش المنطقة لكي تتولى القوات المتحالفة الاعتماد عليها لمواجهة قوات المحور التي كانت تحقق انتصارًا ساحقا على قوات الحلفاء، ونجحت التجربة، بل لعلها كانت في مقدمة الأسباب التي أوحت لإيدن بإنشاء مؤسسة عربية يتم التنسيق معها لدعم القوات المتحالفة، من هنا جاءت فكرة جامعة الدول العربية التي اقتنع بها رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس ومعه الملك فاروق، بعدها انضمت الدول العربية واحدة بعد الأخرى لكي تجتمع أول قمة عربية في مصر (١٩٤٦).
تعاقبت القمم العربية فيما بعد بشكل منتظم سنويًّا أو غير منتظم، كلما ألمت أزمة بدولة عربية، وفي كل مرة ينتهي الاجتماع ببيان إنشائي بعدها ينصرف الحكام العرب عائدون إلى بلدانهم دون إنجاز أي نتائج حقيقية، باستثناء ما حدث في غزو الكويت ١٩٩٠، وما أعقبها من اجتماع آخر طارئ عقد في القاهرة ٢٠٠٣، حينما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة بعض القوى الأجنبية والعربية على غزو العراق، ولعل ذلك كان هو البداية الحقيقية لدخول العرب في أزمات كبيرة، ربما لم تنته نتائجها بعد، ورغم كل ما واجهه العرب من أزمات إلا أن المخاطر التي تواجهها الأمة العربية هذه الأيام لا مثيل لها في التاريخ، فقد اجتاح الصهاينة فلسطين، بعد أن تمكنوا من إقامة دولتهم عقب حرب ١٩٤٨، ومنذ هذا التاريخ الذي اقترب من الـ٧٧ عامًا والعرب يواصلون اجتماعاتهم في قمم عربية متواصلة جميعها لم تحقق نتائج عملية على الأرض، رغم وقوع حروب متوالية ١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٧٣، بعدها دخل العرب في صراعات مع بعضهم البعض لأسباب مختلفة، البعض منها لأسباب أيديولوجية، وأخرى بسبب صراعات على الحدود، والأخطر من كل هذا هو ما ألمّ بالعرب منذ عام ٢٠١١ من صراعات أهلية وجهوية أسماها البعض ثورات، إلا أن جميعها قد آل مصيره إلى الفشل، وانقسمت بعض أوطاننا إلى دولتين وربما ثلاث، كل يقاتل الآخر وبأسلحة أجنبية، بينما جامعتنا العربية لم تجتمع ولو لمرة واحدة لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة.
بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة تواجه أوطاننا قضية وجود، هي الأخطر على الإطلاق في ظل تفاقم نفوذ إسرائيل، وبدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق، بل تجاوزت الأطماع الأمريكية-الإسرائيلية قضية فلسطين التي أسقطوها من حساباتهم والسعي نحو الاستيلاء على غزة والضفة الغربية، وربما بلدان عربية أخرى وهو ما صرّح به الرئيس دونالد ترامب، الذي اعتزم تفريغ غزة من سكانها وتوزيع أهلها على بلدان مجاورة بحجة إعمارها كمشروع اقتصادي، ربما يعتزم أن يستقدم إليه اليهود من كل دول العالم، بينما يعيش الفلسطينيون في المنافي لكي يمضوا ما بقي من حياتهم بعيدًا عن أرضهم ومقدساتهم وذكريات آبائهم، وهو المشروع الذي تبناه الرئيس الأمريكي وراح يمارس ضغوطا من أجله، وخصوصًا على مصر والأردن، حيث يعتزم تهجير الفلسطينيين إليهما، ورغم رفض معظم دول العالم هذا المشروع المجنون، إلا أن الرجل عازم على أن يضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط، والغريب ما صرّح به ترامب من أنه سيحصل على غزة بلا مقابل! وعندما سألته إحدى الصحفيات في مؤتمر صحفي: وماذا عن الضفة الغربية؟ أجاب قائلًا: ليست لدينا مشكلة في هذا الموضوع.
أيها العرب نحن مهددون في وجودنا، وإسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية يعتزمان إحالتنا في أوطاننا وعلى أرضنا ووسط تاريخنا إلى ما يشبه الهنود الحمر، الذين تم القضاء عليهم وانتهوا من الوجود، وقامت على أنقاضهم الولايات المتحدة الأمريكية. إن ما تتعرض له أوطاننا من خلال ما أسموه بالشرق الأوسط الجديد الذي ابتكره أوباما وروج له بايدن وسعى إليه ترامب بدعم من حلفائه بادئا بفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وسيناء، ولا بأس أن تكون هناك دول عربية أخرى قادمة أسماها بعضهم (الهلال الخصيب) الذي تسعى أمريكا لإقامته بتفريغ المنطقة من سكانها، وإبعاد سكانها إلى بلدان الشتات لكي يحيلوا المنطقة إلى ما يمكن تسميته بالمنطقة الترانزيت، وخصوصًا غزة التي يسعى الرئيس ترامب إلى إقامة مجتمعات ترفيهية عليها بما يشبه الريڤيرا الفرنسية، ولم يفهم الرجل بأن سكان فلسطين هم أصحاب الأرض تاريخيا، وعندما أُجبروا على ترك بيوتهم حملوا معهم مفاتيح منازلهم، التي راحوا يتوارثونها جيلًا بعد جيل، ولم يقبلوا عنها بديلًا، والغريب في الأمر أنه لا حديث عن القدس التي تعد القضية المحورية في قلب الصراع العربي-الإسرائيلي.
لفت نظري الأسبوع الماضي حديث تلفزيوني مطول أُجري مع الدبلوماسي المخضرم الأستاذ عمرو موسى، وهو يعدّ واحدا من المتابعين للقضية منذ ستين عاما، وقد امتد هذا الحديث لأكثر من ساعة، وكان الرجل صريحًا حينما حذّر من المخاطر التي تحاك لفلسطين والعرب، وقد قال بصراحته المعهودة: إن منطقتنا العربية سوف يُعاد تشكيلها بشكل واضح وقد بدأ ذلك منذ عام ٢٠١١، وظهر جليًّا هذه الأيام وأن المفاوضات مع إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية مضيعة للوقت، فالحكومة الإسرائيلية في مجملها لا ترغب في السلام، وهي تحظى بدعم أمريكي غير مسبوق، ويتساءل عمرو موسى: لماذا يرغبون في السلام وهم ليسوا في حاجة إليه؟ ولا يوجد في إسرائيل من يمكن التحدث معهم، حتى من بين أعضاء مجلسيهم.
على الجانب العربي وحتى الفلسطيني لا يوجد من يمكن التحدث معهم، الفلسطينيون في الضفة وغزة مختلفون بقدر اختلافهم مع إسرائيل، وهي الأزمة الأكثر تعقيدًا، وطالما بقي هذا الانشقاق بين أصحاب القضية الواحدة فلا أمل في أي مفاوضات ولا أمل في حلول، حتى ولو تضامن معهم كل داعمي قضيتهم من العرب والأجانب، وخصوصًا فلم يعد لدينا من القوة ما يمكن أن نتفاوض عليه في ظل الصراع الفلسطيني-الفلسطيني (إنه الجنون بعينه) الذي أضاع فلسطين.
عندما سأل مقدم البرنامج ضيفه عمرو موسى سؤالا يردده البعض كثيرا في كل وسائل الإعلام: يلقي البعض باللائمة على جماعة حماس التي باغتت إسرائيل بالهجوم في السابع من أكتوبر، وقد ترتب على ذلك ما نجم من أهوال الحرب؟ أجاب عمرو موسى باستفاضة كبيرة: هذه شماعة يعلقها البعض تبريرًا للعدوان الهمجي الذي أقدمت عليه إسرائيل، المشكلة هي الاحتلال والظلم وسوء إدارة المحتل وسياسة الاستعمار والقتل كل يوم ومشقة الحياة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، ويتساءل عمرو موسى: ألا يدعو كل ذلك إلى المقاومة ثم إن ما قام به الفلسطينيون في ٧ أكتوبر لا يتناسب أبدًا مع القوة الغاشمة التي قتلت عشرات الألوف، وهدمت ٨٠٪، من المباني والمؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية وتجريف الشوارع وتدمير كل الخدمات بما فيها المياه والكهرباء والغاز؟
السؤال الذي أوجهه بدوري إلى حكامنا وقادتنا في اجتماعهم القادم سواء في القاهرة أو الرياض، ماذا أنتم فاعلون ونحن مهددون في وجودنا وفي أوطاننا وعلى أرضنا.. أفيدونا يرحمكم الله.