مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
وأخيرا فعلتها المحكمة الجنائية الدولية وقبلت طلب المدعي العام كريم خان، منذ مايو/أيار الماضي، بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المقال يوآف غالانت.
وفي السياق نفسه، أصدرت مذكرة اعتقال أيضا بحق من يُوصف بأنه رئيس أركان الذراع العسكري لكتائب القسام محمد ضيف، الذي سبق وأعلنت إسرائيل اغتياله في استهداف قاد إلى استشهاد وإصابة المئات قبل شهور في مواصي خان يونس.
وكان التركيز في المذكرات على اتهام بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى الإبادة الجماعية، بينها تجويع شعب بكامله ومنعه من حقه في الوصول إلى مقومات حياته، وعلى الفور توجهت الأنظار أساسا نحو إسرائيل وكيف ستتعامل مع هذا القرار الذي يُعد في الحلبة الدولية أشبه بهزة أرضية، مثلما يعتبر في إسرائيل صفعة يصعب تخيل عواقبها.
وطبيعي أن نتنياهو الشهير بقوته الخطابية، لم يجد أفضل من وصف القرار بأنه "محاكمة درايفوس" الجديدة، مشبها نفسه بالضابط اليهودي الفرنسي الذي جرت محاكمته عام 1859 لأنه يهودي، وكان هذا التوصيف مقدمة لاعتبار القرار لا ساميا ومعاديا لليهود وللحضارة الإنسانية ويوما أسود في تاريخ الشعوب المتحضرة.
وقبل بضعة أشهر، وصف نتنياهو طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بأنه "سخيف وكاذب.. وتشويه للواقع"، وتبع نتنياهو في مثل هذه التوصيفات كل أقطاب الحلبة السياسية في إسرائيل، الذين هبوا للدفاع عن ما اعتبروه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ضد البربرية والظلامية، وضد من يسعون لإزالتها عن وجه الأرض.
وصادف أن صدور مذكرات الاعتقال جاءت بعد وقت قصير من استخدام أميركا حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن ضد قرار، أجمع كل أعضاء المجلس على أنه يستجيب لمتطلبات القانون الدولي لوقف إطلاق النار ولمنع المجاعة والإبادة.
ولم تكتفِ إدارة بايدن بخذلان القانون الدولي في مجلس الأمن، بل إنها أيضا عمدت إلى انتهاك وخذلان القانون الأميركي عندما صوّت الكونغرس ضد مشروع قانون يحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل، جراء انتهاكها القانون الأميركي، الذي يمنع تقديم العون والسلاح إلى مَن يخالف القانون الدولي وينتهك حقوق الإنسان.
كما صادف أيضا شن أوسع حملة تحريض ضد المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية في ظل تقديم المزيد من العاملين في ديوان رئاسة الحكومة للمحاكمة، أو التحقيق الجنائي بتهم التزوير، ومحاولة التلاعب بالرأي العام الإسرائيلي.
ومعروف أن حكومة نتنياهو تخوض منذ عامين تقريبا صراعا واسعا ضد المؤسسة القضائية الإسرائيلية لتسييسها من جهة ولتقييد استقلاليتها من جهة أخرى ضمن ما يُعرَف بـ"الإصلاح القضائي". وفقط في الأيام الأخيرة اشتدت الحملة ضد المستشارة القضائية، ووصلت إلى حد توزيع شعارات تفيد بأن "دم نتنياهو على يديك"، لمنعها من مواصلة التحقيقات وترهيبها.
ونظرا لأن نتنياهو يواجه منذ وقت طويل اتهامات بالفساد في أكثر من قضية، فإنه يعمل عبر آخرين لتشريع قوانين تسمح له بالتهرب من المحاكمة، وكثيرا ما يقال في إسرائيل إن إطالة أمد الحرب، وتهرب نتنياهو من التوصل إلى اتفاقيات تبادل أو تسوية يعود إلى رغبته في التهرب من المحاكمة.
صدمة واسعةتوقعت إسرائيل من خلال حملات قضائية وسياسية وإعلامية منع صدور مذكرات التوقيف عبر ترهيب لقضاة المحكمة وعبر استخدام نفوذ أميركا، ولم تكتفِ بذلك، بل إنها وفق جهات مختلفة سعت إلى ترهيب وابتزاز المدعي العام حتى عبر ما بات يُعرَف بـ"القضية الجنسية" التي تم اتهام كريم خان بارتكابها. وهذه القضية كانت بين مبررات نتنياهو لرفض المذكرات باعتبارها صادرة عن جهة "فاسدة".
غير أن جرأة المحكمة تمثلت في السابق بتوجيهها إنذارا حتى لأعضاء كونغرس أميركي اتهمتهم بالتطاول على العدالة الدولية، كما أن خان نفسه وفي أول تعليق له بعد صدور مذكرات الاعتقال، أعلن أن المحكمة تواصل التحقيق في جرائم حرب تُرتكب في أراضي "دولة فلسطين" بالضفة الغربية والقدس الشرقية، إضافة إلى قطاع غزة.
وبذلك لوّح كريم خان بالوشاح الأحمر أمام الثور الإسرائيلي في ذروة هيجانه، وهذا يفسر جانبا من الحدة في ردود الفعل الرسمية الإسرائيلية تجاه القرار والميل إلى الاعتماد على ما سوف توفره أميركا، التي بدت هائجة ليس أقل من إسرائيل في هذا الموضوع، وتشهد على ذلك التصريحات الرسمية الأميركية.
لكن صدمة إسرائيل الكبرى كانت من مواقف دول العالم، فمن بين أكثر من 120 دولة موقّعة ومصادقة على ميثاق روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية دولتان فقط، هنغاريا والأرجنتين، أعلنتا أنهما لن تلتزما بالقرار، وسارعت أغلب دول العالم، خصوصا في أوروبا إلى إعلان التزامها بالقانون الدولي وقرار المحكمة.
وكانت أول نتيجة لذلك إبطال زيارة مقررة لوزير الخارجية الهولندي إلى إسرائيل، والذي كان أول شخصية أوروبية ترحّب بقرار المحكمة وتعلن التزامها بتنفيذه، وبعد ذلك توالت المواقف الأوروبية من منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل إلى وزراء خارجية أيرلندا وإسبانيا وسواها.
معاني الفشلشكّل إصدار مذكرات التوقيف إقرارا بفشل إسرائيل في منع الملاحقة القضائية لقادتها، ما يفتح الباب واسعا أمام ملاحقة قضائية لكل المشاركين من رعاياها في جرائم الحرب الموصوفة، فالقرار من الناحية الإعلامية والسياسية يضع راية سوداء فوق إسرائيل وقادتها وسياساتها، ويعلن بداية مرحلة نهاية إفلات إسرائيل من العقاب، وواضح أن هذا القرار كذلك يضع إسرائيل على السكة ذاتها التي قادت في النهاية إلى تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وبصرف النظر عن قناعة القيادة الإسرائيلية بأن العالم كله لا يهمها طالما أن أميركا تقف إلى جانبها، فإن إسرائيل لا تعيش داخل أميركا وهي مضطرة لأن تأخذ مواقف دول العالم بعين الاعتبار. لكن القرار يعني أيضا فشل أميركا في ترهيب وابتزاز المحكمة وإجبارها على إبقاء إسرائيل بعيدا عن سطوة القانون الدولي، وبهذا المعنى فإن أميركا لم تعد الدرع الواقي لإسرائيل أمام الجهاز القضائي الدولي، وربما أيضا في الحلبة السياسية الدولية.
كما أن قرار المحكمة عمليا ينزع عن إسرائيل صفة الدولة الديمقراطية الملتزمة بالقانون الدولي، إذ إن القرار في جوهره يعني عدم ثقة الجهاز القضائي الدولي باستقلالية وعدالة الجهاز القضائي الإسرائيلي، لأن صلاحية المحكمة الجنائية الدولية تبدأ في ظل الافتقار للعدالة المحلية، وهذا بحد ذاته يفقد إسرائيل ادعاءها الخالد بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، ويعيد تصنيفها ضمن الدكتاتوريات والأنظمة العنصرية والرجعية.
وبحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن المعنى المباشر لمذكرتي الاعتقال هو أن نتنياهو وغالانت باتا مسجونين في إسرائيل، ولن يكون بوسعهما السفر إلى الخارج، وبالتأكيد ليس إلى أي من الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 124 دولة، وبينها معظم الدول الأوروبية، ومعظم الدول الإفريقية، ومعظم دول أميركا الجنوبية.
ويمكن لنتنياهو وغالانت زيارة إحدى هذه الدول، لكن فقط إذا تمكّنا من إقناعها بعدم تنفيذ الأمر القضائي الدولي، و"عمليا، فإن إصدار الأوامر يعني أن نتنياهو غدا زعيما منبوذا" في العالم. ووفق تصورات إسرائيلية يمكن لنتنياهو مثلا أن يزور الولايات المتحدة، لكن عليه قبل ذلك أن يتأكد من أن الدول التي سيمر في أجوائها لن تنزل طائرته وتعتقله، كما ليس بوسعه في الغالب أن يلقي خطابا في الأمم المتحدة التي تلتزم قبل غيرها بالقرارات الدولية.
ماذا بعد؟تتخبط إسرائيل حاليا في كيفية مواجهة مذكرتي الاعتقال، وتخشى أكثر من ذلك أن تشكّل مقدمة لمذكرات اعتقال سرية تطال شخصيات سياسية وعسكرية لعبت أدوارا في ارتكاب الجرائم الموصوفة أو في التحريض على ارتكابها. ومعلوم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية التي نشرت تصريحات ومواقف عنصرية، وتعاملت مع الفلسطينيين في غزة وكأنهم "حيوانات"، شكّلت أساسا قويا لتوجيه الاتهامات ولتوجيهها لاحقا بحق ساسة آخرين، كما أن الأفعال الإجرامية المتواصلة طوال أكثر من عام في غزة وفرت الكثير من القرائن ضد الكثير من العسكريين.
وثمة في إسرائيل مَن يطالب بالتعامل بحذر مع قرارات المحكمة خشية أن يقود تجاهلها إلى عواقب، بينها توسيع نطاق حظر تصدير أو استيراد الأسلحة منها وإليها، والأمر لا يتعلق فقط بصادرات الأسلحة إذ ربما يمتد لأنماط من المقاطعة الاقتصادية، وعدا ذلك من المؤكد أن القرار يشكّل إحراجا كبيرا، خصوصا للدول العربية التي أقامت سلاما مع إسرائيل أو دخلت في اتفاقيات أبراهام للتطبيع معها.
ومع ذلك، فإن اليمين الإسرائيلي الحاكم يتصرف بعنجهية متزايدة، خصوصا بعد انتخاب ترامب، الذي أبدى احتقاره للمؤسسات الدولية. لكن ميل أميركا لإبقاء على زعامتها الدولية يقتضي منها أخذ العالم بنظر الاعتبار، خصوصا بعد عجزها عن الفصل بين أوروبا الغربية وكل من الصين وروسيا في مسألة جرائم الحرب الإسرائيلية.
وأوضح أن المواقف التي أبدتها أغلب دول أوروبا الغربية تشهد على أن نزالا ليس ضعيفا سيبدأ من الآن فصاعدا في كل ما يتعلق بإسرائيل، وبمعنى من المعاني إذا كان طوفان الأقصى قد أظهر أن إسرائيل باتت بحاجة إلى حماية أميركية وغربية، فإن قرار المحكمة بيّن أن إسرائيل غدت عبئا معنويا وليس ذخرا إستراتيجيا.
وفي الجهة المقابلة يثبت إصدار مذكرتي الاعتقال أن أميركا التي اندفعت بكل قوة لحماية إسرائيل من هذه المحكمة أخفقت في هذه المهمة، وهذا يدفع بعض العقلانيين في إسرائيل للتشكيك بمنهج الاعتماد الكلي فقط على أميركا في كل المجالات.
وحتى في نظر من يؤمنون أن بوسع إسرائيل فعل كل ما تريد يزداد الشك في ذلك، خصوصا بعد هذا العجز الأميركي، والكل سينتظر ليس ما ستفعله إسرائيل وإنما ما ستفعله أميركا التي تهدد المحكمة بالويل والثبور، وهذا ما يستجلب مواقف من الدول التي أعلنت تأييدها للمحكمة وللقضاء المستقل ولمنهج المحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب.
وليس مستبعدا أن تشكّل قرارات هذه المحكمة بداية لاستقطاب عالمي جديد يضعف مكانة أميركا في العالم إذا لم تسارع لتدارك الوضع والتقرب من حلفائها ومن دول لعالم.
وفي كل حال ليس للمحكمة الجنائية الدولية قوات يمكنها جلب واعتقال نتنياهو وغالانت وأي من مجرمي الحرب الإسرائيليين الآخرين، لكن هناك التزام أخلاقي من الدول الموقعة على ميثاق روما بتنفيذ قرارات المحكمة، وهذا يقود إما إلى تقليص حركة نتنياهو والإسرائيليين الدولية، وإما إلى تماديهم في العدوان واقتراف الجرائم إلى حين ظهور موازين قوى مختلفة. ومع ذلك بات واضحا أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل تتجه بسرعة نحو مصير شبه محتوم، وهو مصير نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا.. فعلا على نفسها وأهلها جنت براقش.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجنائیة الدولیة نتنیاهو وغالانت القانون الدولی صدور مذکرات فی إسرائیل أن نتنیاهو کریم خان أکثر من
إقرأ أيضاً:
للمرة الـ18: نتنياهو يمثل أمام المحكمة بشأن تهم الفساد الموجهة إليه
مثّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، اليوم الاثنين 17 مارس 2025، أمام المحكمة المركزية في تل أبيب للرد على تهم الفساد الموجهة ضده.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن هذه هي المرة الـ 18 التي يمثل فيها نتنياهو أمام المحكمة (منذ 10 ديسمبر/كانون الأول 2024).
وكانت المحكمة حددت قبل أسبوعين عدد الجلسات التي ستعقدها لنتنياهو بـ24 جلسة ما يعني تبقي 6 جلسات.
وتتعلق الاتهامات في "الملف 4000" بتقديم تسهيلات للمالك السابق لموقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي شاؤول إلوفيتش الذي كان أيضا مسؤولا في شركة "بيزك" للاتصالات، مقابل تغطية إعلامية إيجابية.
وتم استئناف محاكمة نتنياهو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ مثل أمام المحكمة مرتين يومي 11 و12 من كانون الأول/ ديسمبر، بينما كان مثوله الثالث في 16 من الشهر ذاته، والرابع في 18، والخامس في 23.
ويواجه نتنياهو اتهامات بالفساد والرشوة وإساءة الأمانة في 3 ملفات فساد معروفة بالملفات "1000" و"2000" و"4000" الأكثر خطورة، وقد قدم المستشار القضائي السابق للحكومة أفيخاي مندلبليت لائحة الاتهام المتعلقة بها نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
ويتعلق "الملف 1000" بحصول نتنياهو وأفراد من عائلته على هدايا ثمينة من رجال أعمال أثرياء، مقابل تقديم تسهيلات ومساعدات لهذه الشخصيات في مجالات مختلفة.
فيما يُتهم في "الملف 2000" بالتفاوض مع أرنون موزيس، ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الخاصة، للحصول على تغطية إعلامية إيجابية.
وبدأت محاكمة نتنياهو في هذه القضايا عام 2020، وما زالت مستمرة حتى الآن، وهو يُنكرها مدعيا أنها "حملة سياسية تهدف إلى الإطاحة به".
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية حظر نشر - الشاباك يحقق بقضية كبيرة داخل مكتب نتنياهو ضد مسؤول كبير استطلاع: 70 بالمئة من الإسرائيليين يرون إعادة الأسرى الهدف الأهم المستشارة القضائية الإسرائيلية لنتنياهو: لا يمكنك إقالة رئيس الشاباك الأكثر قراءة صحة غزة: 9 شهداء و16 إصابة خلال الساعات الـ24 الماضية سلطة الطاقة: الحكومة ستتحمل 58% من زيادة أسعار التعرفة الجديدة للكهرباء السعودية تُسجّل أعلى عدد معتمرين في يوم واحد إسرائيل تواصل إغلاق معبري كرم أبو سالم و"إيرز" لليوم التاسع عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025