من مرويات الصحابة التي تدعو للتأمل والتدبر والاعتبار حكاية وقوف سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه (أبو تراب) على تراب المقابر وحياها قائلا:

السلام عليكم يا أهل المقابر أما أموالكم فقد قسمت، وأما بيوتكم فقد سكنت، وأما أزواجكم فقد تزوجن غيركم هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم ؟
ثم سكت قليلاً وقال:
أما والله لو شاء الله لهم أن يتكلموا لقالوا:
إن خير الزّاد التقوى.

لقد ذكرتني هذه الحكاية الموحية حالنا في الجزيرة المنكوبة الجريحة المستباحة شمالا وجنوبا شرقا وغربا حواضرا وقرى. وفي ظني أن حال القرى المنهوبة المهجرة المغتصبة تماثل حال المقابر إن لم تكن المقابر أشد سلامة منها وطمأنينة.

فلعمري لو مر ود تكتوك هذا العصر بمخيمات النازحين واللاجئين من هذه القرى التي كانت حتى بالأمس تضج بالحياة والأمل والإشراق، وقد أمسى ساكنوها الآن في عراء الله يتامى وأرامل، وفي أطراف المدن حفاة وعراة وحزانى يتكففون الزاد والأمن والخيمة والأسبرين لمداواة جراح الجسد وجراح الروح.

ولكأني بصوت الرجل يرتفع عالياً حتى يتردد صداه في الأعالي والبطاح: (يا أهل الجزيرة إن الأموال قد نُهبت وإن الأعراض قد أُهينت وإن العزة والشرف القديم قد مرغ بالتراب)
وإن بقي في الرسالة بقية فهي للجيش وللشعب وللمقاومة وللمستنفرين والفدائيين، ختام ما قاله الشيخ فرح:

يا هؤلاء “ابحثوا عن مهمة أخرى” غير استعادة مدن وقرى الجزيرة، فماذا يفعل الناس ببقايا الأشياء وأطلال المساكن؟ ابحثوا عن مهمة أخرى فإن دخول القرى والمدن بعد أن أخليت تماماً من كل شيٍ حتى مواقد الطعام وسرائر الأطفال وباقي الدين والعجين، هي ضرب من العبث واللامعقول.

“ابحثوا عن مهمة أخرى” لن يصفق الشعب لانتصارات وهمية في أمكنةٍ خلاء، وقرى مهجورة، وملايين من الحيارى فقدوا كل شئ، نعم كل شئ حتى بقية الدموع في قاع الأعين، وبقية النشيج في قاع الصدور.

نعم “ابحثوا عن مهمة أخرى” فإن الشئ الوحيد الذي بقي هو ذاك (الهوى) المهشم على قارعة الطريق، والهواء الآسن والمعفر برائحة الجثث والإثم وقهقهات القتلة واللصوص.
كل شئٍ هناك ساكن، صامت إلا نحيب العاصفة الممزوج بأسى الأطلال ونزيف الغناء القديم.
كل شئٍ مضى نازحاً إلا زامر الحي الدرويش فقد ظل وحيداً يردد معزوفته في أسىً بصوته الذبيح ونفسه المتلاشية:
يا فؤادي رحم الله الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على (أطلاله)
واروِ عني طالما (الدمع روى)
كيف ذاك الحب أمسى خبراً
وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطا من ندامى حلم
هم تواروا أبداً وهو انطوى

حسين خوجلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

???? مصنع سكر الجنيد.. وضع كئيب ومستقبل مجهول

⭕قام مشروع سكر الجنيد في العام 1959 حيث تم تأسيس المصنع وبناءه وبدأ الإنتاج الفعلي في العام 1962وتدرج في الإنتاج وبلغ قمة الإنتاج ما بعد 1990ووصل الي حوالي 94 الف طن سكر وطاقته التصميمية 60 الف طن سكر وذلك بفضل انتاج المزارع البسيط المنتج والعبقرى الذي تفوق علي العالم كله في إنتاج الفدان من قصب السكر وكان فلتة انتاج القصب علي مستوى العالم لأكثر من عقدين.

⭕ بعد دخول الجنجويد للمصنع، قام جنود المليشيا بطرد اهل المنطقة، واستولوا على المصنع، حيث نهبوا كل الياته وعرباته، وقاموا بعملية تخريب واسعة لمزرعة سكر الجنيد، والان حتى يعود المصنع للزراعة عليه جلب قصب سكر الزراعة من مصنع سكر حلفا الجديدة أو عسلاية أو كنانة وهذه تكلفة خرافية وممكن رغم ذلك تزرع ما بين 500- 1000 الف فدان علي احسن حال وهذه قد تزرع الفين الي خمسة الف فدان والسنة الثالثة يمكن زراعة 6 الف فدان ولذلك يحتاج المصنع في احسن الفروض الي 3 سنوات لتأسيس مزرعة، وهذا يؤكد ان عودة المصنع الي وضعه الطبيعي يحتاج إلى أربعة سنوات، وذلك يحدث اذا شرعت الإدارة او شركة السكر السودانية في هذا الأمر من الان.

⭕بخصوص الري تشهد مناطق شرق الجزيرة ومنطقة الجنيد مشكلة عطش كبيرة، وذلك بسبب ان طلمبات ري مصنع سكر الجنيد نالها التخريب والسرقة، فالعمل جارى لإصلاح اعطال الطلمبات ولكنه يمضي ببطء، فالمزارع يحتاج الان الي ضخ المياه وانسيابها بالترع ومجارى الري ليزرع محاصيل نقدية كالسمسم والفول السوداني وفول الصويا والذرة والبامية وكل الخضروات والمحاصيل، فالوضع بعد العودة من النزوح كارثي جدا، ومعظم المنازل خالية من معينات الحياة، ويعاني العدم والفقر والفاقة، فالجنجويد والمرتزقة وعرب الشتات، لم يتركوا للمواطن شئ.

⭕على شركة السكر السودانية ان تستفيد من عمالة سكر الجنيد الماهرة عبر نقلها لمصانع الشركة الأخرى (حلفا وعسلاية وسنار) لأن مصنع الجنيد لن يعمل الا بعد تأسيس مزرعة القصب.

⭕مصنع سكر الجنيد يحتاج عمل علاقات انتاج تحفظ حق وأرباح المزارع مع تقليص التكلفة لأقل حد ممكن، كما أن تدني انتاج مصانع السكر في السنوات الأخيرة حيث وصل الإنتاج 355 الف طن سكر وسنويا يتراجع ولم تستطع الشركة ايقاف التدني وتراجع الإنتاج من السكر ووصل هذا العام صفر طن واعتقد ان المشكلة تحتاج الي قرار من الدولة أما بحل شركة السكر وتصفيتها، بحيث ينشئ كل مصنع شركة منفصلة حتى يتنافس الجميع في الإنتاج ويبعد شبح مركزية الإدارة القاتلة التي علقت الإنتاج فما ممكن قرار العمل يعتمد علي قرار شخص واحد وهو مدير عام شركة السكر السودانية.

⭕العمل الإدارى مترهل والقرار في يد مدير عام شركة السكر، فالقرار المركزى خلق مشكلة كبير، فمدير عام المصنع لن يستطيع إتخاذ اي قرار دون الرجوع لمدير الشركة ومجلس مدراء الشركة وموافقة مجلس إدارة الشركة.
⭕كما برزت هنالك مشاكل أخرى كمشكلة تمويل العمل بالمصنع ومشكلة طلمبات الرى منتهية الصلاحية حسب توصيات مهندسي الرى وتحتاج للتغيير والتجديد بطلمبات جديدة تصلح لرى القصب بصورة كافية والفصل يحتاج كميات رى مناسبة، فالفدان يحتاج ريه كل عشرة أيام وباستمرار ولكن المياه الموجودة لا تكفي حاجة القصب لذلك وجب جلب طلمبات جديدة لتعمل بكفاءة عالية، وهذا يتطلب تدخل عاجل من الدولة.

⭕مشكلة التمويل ومع هذا التخريب والسرقات تحتاج أموال ومبالغ طائلة وكبيرة لصيانة وإحلال وابدال الماكينات بالمصنع وجلب آلات زراعية كتيرة للعمل في العمليات الزراعية من كراكات الي بلكنات ولوادر وحاصدات وشيولات وكل الآلات،
⭕المصنع يحتاج إلى اسبيرات الماكينات من عصارات وطواحين وغلايات ونشافات وتصفية ومعظم الآلات والماكينات داخل المصنع تم نهبها..

⭕الأمر يحتاج إلى تدخل عاجل من مجلس السيادة عبر إقامة صندوق سيادي يتم تمويله دوليا لإعادة مصانع السكر للإنتاج.
⭕فيما ينتظر المزارع في اللحظة الراهنة معالجة مشاكل الري حتى يستطيع المزارع زراعة المحاصيل والخضروات التي تقيه مشكلة الفقر والجوع.
#ونواصل

✒️غاندي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مخاوف من تدويل قرى الجنوب الأمامية.. ومحاولات لتعديل مهمة اليونيفيل
  • ???? مصنع سكر الجنيد.. وضع كئيب ومستقبل مجهول
  • حسين خوجلي يكتب: أيام الله السبعة
  • شاهد.. الجزيرة نت ترافق امرأة غزية في مهمة إعداد وجبة طعام
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: خلق آخر
  • حزب الله يُدين جريمة اغتيال الشيخ ‏حسين عطوي واستمرار استباحة السيادة اللبنانية
  • أول تعليق من حزب الله على اغتيال حسين عطوي القيادي بالجماعة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: البحث عن البحث
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (شكرا خلفان)
  • مفتي الجمهورية يكتب: عَرَضٌ يَزُولُ وَيَبْقَى الإِمَام الطيب