خطبتنا الجمعة في الحرمين الشريفين
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
مكة المكرمة
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالحمن بن عبدالعزيز السديس، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته “إن الإسلام أرسى أسس وقواعد الأخوة والمحبة، والتواصل والمودة، وفي غِمار الحياة ونوائبها، ومَشاقِّ الدُّنيا ومَبَاهِضها، وفي عالم مُصْطَخبٍ بالمشكلات والخُصُومات، والمُتَغيرات والنزاعات، وفي عصر غلبت فيه الماديات وفَشَت فيه المصالح والأنانيات، حيثُ إن الإنسان مَدَنِيٌّ بِطَبْعِه، واجتماعِيٌ بفطرته، تَبْرُزُ قَضِيَّةٌ سَنِيَّةٌ، مِنْ لوازم وضرُورَاتِ الحياة الإنسانية، تلكم -يا رعاكم الله- العلاقات الاجتماعية ومَا تقتضِيه مِن الركائز والروابط البشرية، والتفاعل البنَّاء لِتَرْقِية الخُلُق والسلوك، وتزكية النفس والروح؛ كي تسْمو بها إلى لُبَاب المشاعر الرَّقيقة، وصفوة التفاهم الهَتَّان، وقُنَّة الاحترام الفَيْنان، الذي يُحَقِّقُ أسمى معاني العلاقات الإيجابية، المُتكافلة المتراحِمة، وأنبل وشائجها المُتعَاطِفة المُتَلاحِمة، التي تَتَرَاءى في الكُرَب بِلَحْظ الفؤاد، وتَتَنَاجَى في النُّوَبِ بِلَفْظِ السُلُوِّ والوِدَاد “.
وأضاف أن الأيام لا تزال تتقلب ببني الإنسان حتى ساقته إلى عَصْرٍ سَحقته المَادّة، وأفنته الكَزَازة الهَادَّة. ونَدر في العالم التراحم والإشفاق، والتَّبَارُرَ والإرفاق، وفَقَدَ تَبَعًا لِذَلك أَمْنَه واسْتِقْرَاره، ومَعْنَى الحياة فيه، وفَحْوى الإحسان الذي يُنْجِيه، ولا يخفى على شريف علمكم أَنَّ مُخالَطة النَّاس تُعَرِّض المَرْء لا مَحَالة لخطأ سَوْرَتِهم، وخَطل جهالتهم، لذا كان ولا بد من وقفة جادَّة ؛ لتَعْزيز الروابط الاجتماعية، فالشعارات البرَّاقة، لا تكشف كُرَبًا، ولا تبدِّدُ صَعْبًا، ولا تُغيثُ أمَّة مَرْزُوءة ولا شعْبًا، ما لم تُتَوَّج بالمواقف والأفعال، يَتَسَنَّمُ ذِرْوَةَ سَنَام ذلك: الاحترام المتبادل؛ فهو أساس العلاقات الاجتماعية الناجحة، ويشمل ذلك؛ التقدير الشخصي، وتقدير واحترام المشاعر والآراء، والتفهم لمواقف الآخرين، فإن ذلك يؤصِّل ويسهم في تقوية الروابط، وتعزيز الأواصر.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أنه إذا ساغ عقلاً قبول القناعات، واستمراء الآراء والحريات، فغير سائغٍ على الإطلاق أن تتحول القناعات إلى صراعات، والحريات إلى فتنٍ وأزمات، لاسيما والأمة تعيش منعطفًا تاريخيًا خطيرًا، ومرحلة حرجة من أشد مراحل تاريخها، فمن أهم موجبات الوحدة، ومقتضيات التضامن والاعتصام، التغاضي والتغافل، والصبر والتسامح، وحُسْنُ الظن والتماس الأعذار، قال تعالى : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾، ويتبع ذلك من جميل الوُدِّ والتعامل الحسن عدم الإكثار من اللَّوْمِ والعِتَاب، والتَّشَكِّي في الحديثِ والخِطَاب، فإنها تَقْطَع الأواصر بغير حِجَاب. وليست تدوم مودة وعتاب ، فقلوب أهل الإيمان دمَّاحة، ونفوسهم لِلْوُدِّ لَمَّاحة.
وأكد الدكتور السديس أنَّ النّسيج الاجتماعي المُتراص الفريد يحتاج إلى صَقْل العلاقات الاجتماعية ، والتحلي بمحاسن الآداب المرعية، ومعالي القيم الخُلقية، والمُدارة الإنسانية، وجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر، وعِفَّة اللسان، وسلامة الصدور، ولقد تميز الإسلام بنظـام اجتماعي وإنساني فريد ، وسبـق بذلك نُظُم البَشَر كلها؛ ذلك لأن العلاقات الاجتماعية في هذا الدين، مُنبثقـة من جوهر العقيدة الصافية، مبينًا أن مما تتميز به المجتمعات المسلمة أن للدين أهمية مركزية في توجيه السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، وهو مصدر قِيَمِهَا الإنسانية والاجتماعية ومقياس مُثلها العُليا. والإسلام ليس قاصرًا على الشؤون الاعتقادية والتعبدية، بل هو نظام شامل للحياة، يمدها بمبادئه وأصوله التشريعية في مختلف المجالات.
وأشار فضيلته إلى أن ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي العجب العُجَاب، مِمَّا يُفسد العلاقات، ويقطع حِبَال الوُدِّ في المجتمعات، من الطَّعْنِ في دين الناس وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، فيتلقفها الدَّهْمَاءُ، وتَلُوكُهَا الرُّوَيْبِضَةُ، في نَشْر للشائعات وترويجٍ للأراجيف والافتراءات، مما يجب معه الحذر في التعامل مع هذه المنصات المنتحلة، والمواقع المزيفة، التي تكثر فيها الغثائية، ومحتوى الغوغائية.
وأوضح فضيلته أن الإسلام جاء رائدًا للتَّراحم والتعاطف بل هو الذي أنْمى ذيَّاك الخُلُق في الخافِقَين وأصَّله، وحضّ عليه وفَصَّلَه، قال تعالى:﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وتلكم الخلال الرَّحيمة، والشِّيَم النبيلة الكريمة، التي عَنَّت العالم إدْراكَها، لَهِيَ الأمل الذي تَرْمُقه الأمم الجهيدة والشُّعوب، وتَهْفُوا لها أبَرُّ القلوب، لذا يجب تَعْزيز قِيَمنَا الرَّبانية الومَّاضة؛ كالرحمة والعَدْل والصِّدق والوفاء، والبِر والرِّفق والصَّفاء، والأمَانة والإحسان والإخاء، وسِوَاها مِن كرائم الشِّيم الغرَّاء والشمائل الفيحاء، التي تُعد مصابيح للإنسان تضيء دربه، وهي صِمَام أمن وأمان لصاحبها من الانحلال الأخلاقي، وحياة الفوضى والعبث والسقوط في مهاوي الضلال وجلب التعاسة والشقاء لنفسه وأهله، خاصة بين الرُّعاة والرعية، والعلماء والعامة، وفي حلائب العلم وساحات المعرفة في مراعاة لأدبِ الخِلافِ والبُّعد عن التراشق بالكلمات والتلاسن بالعبارات، وتضخيم الهِنَات، فضلًا عن اتهام النِّيَّات وكَيْلِ الاتهامات، والتصنيفات. ومع الوالدين والأقارب والجيران، وكذا الزملاء في بيئة العمل ، وفي مجال العلاقات الزوجية، أعلى الإسلام قيم الاحترام والاهتمام، ومتى علم الزوجان الحقوق والواجبات زانت العلاقات، ونعما سويًا بالسعادة الزوجية، والهناءة القلبية، لذا أوصى الله جل وعلا الأزواج بقوله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾،. حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجات بقوله:” فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ” ، فكيف تُقَام حياة أو يؤسس بيت وسط الخلافات الحادة، والمناقشات والمُحَادَّة؟، وأنَّى يهنأ أبناء الأسرة بالمحبة وينعمون بالوُدِّ في جو يغلب عليه التنازع والشِّقَاق والتناحر وعدم الوِفَاق. وهل تستقيم حياة بغير المَوَدَّة والرَّحمة ؟، وكلها معارك الخاسر فيها الإنسان، والرابح فيها الشيطان ، ألا ما أحوج الأمة الإسلامية إلى تفعيل فن التعاملات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، ليتحقق لها الخير في الدنيا والآخرة. والله عز وجل يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾.
وذكر الشيخ السديس أن وقوع الاختلاف بين الناس أمر لا بد منه؛ لتفاوت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم. ولكن المذموم بَغْيُ بعضهم على بعض، فالاختلاف أمر فطري، أما الخِلاف والشِّقاق، والتخاصم والفِراق، فهو المنهي عنه بنصوص الشريعة الغرَّاء. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: العلاقات الاجتماعیة
إقرأ أيضاً:
آل الشيخ: برنامج ضيوف خادم الحرمين يؤكد ريادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين
أكد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد د. عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ أن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يأتي تأكيدًا لريادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وحرصها على إتاحة الفرصة لمسلمين من مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك العمرة، وزيارة المسجد النبوي الشريف؛ تعزيزًا لوحدة المسلمين وتقوية أواصر الأخوة الإسلامية.
جاء ذلك خلال لقاء وزير الشؤون الإسلامية، المشرف العام على البرنامج مساء الأربعاء، كبار ضيوف برنامج الدفعة الثانية لهذا العام، وذلك في مقر الاستضافة بالقرب من المسجد الحرام، عقب جولة تفقدية لمتابعة سير أعمال الخدمات المقدمة لهم، وفقًا لتوجيهات القيادة الرشيدة ـ حفظها الله ـ التي تولي اهتمامًا بالغًا بضيوف الرحمن، ليؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة.
أخبار متعلقة طقس المملكة.. استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطةحتى 8 صباحًا.. ضباب خفيف إلى متوسط على أجزاء من 5 مناطقكما التقى أعضاء اللجان العاملة بالبرنامج، واطلع على الخدمات المقدمة لضيوف البرنامج، واستمع إلى شرح مفصل عن أعمال اللجان، والتأكد من تقديم الخدمات على أكمل وجه.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ضيوف برنامج خادم الحرمين لدى وصولهم مكة المكرمة - إكس الشؤون الإسلاميةتحيات القيادة للضيوففي مستهل اللقاء، رحب وزير الشؤون الإسلامية بضيوف البرنامج في بلدهم الثاني المملكة العربية السعودية، ناقلًا لهم تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـ حفظهما الله ـ داعيًا الله أن يتقبل منهم عمرتهم وصالح أعمالهم.
وأكد أن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يأتي تأكيدًا لريادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وحرصها على إتاحة الفرصة لمسلمين من مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك العمرة، وزيارة المسجد النبوي الشريف؛ تعزيزًا لوحدة المسلمين وتقوية أواصر الأخوة الإسلامية.
وأوضح أن البرنامج لا يقتصر على أداء المناسك، بل يعد منصة لتعميق الروابط الإسلامية، وتعزيز التواصل بين الشعوب المسلمة.
وأشار إلى أن وزارة الشؤون الإسلامية تنفذ البرنامج وتقدم جميع التسهيلات اللازمة وسط منظومة متكاملة لضيوف خادم الحرمين الشريفين، حتى يؤدوا مناسكهم بيسر وطمأنينة.
ودعا الله عز وجل أن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد خير الجزاء على ما يقدمانه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، وأن يبارك في جهودهما في خدمة ضيوف الرحمن، وأن يديم على المملكة وبلاد المسلمين الأمن والأمان والاستقرار.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ضيوف برنامج خادم الحرمين لدى وصولهم مكة المكرمة - إكس الشؤون الإسلاميةلحظات مميزة في المملكةأعرب عدد من ضيوف البرنامج عن شكرهم وامتنانهم لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - على استضافتهم لأداء مناسك العمرة وزيارة الحرمين الشريفين.
وأشاروا إلى أنهم يعيشون لحظات مميزة في ضيافة خادم الحرمين الشريفين، وهو ما يعكس اهتمام المملكة الكبير بضيوف الرحمن.
كما أشادوا بالمشروعات والتوسعات الضخمة في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، التي تأتي في إطار رؤية المملكة 2030.
وأكدوا أن جهود المملكة في تعزيز الوسطية والاعتدال، ونشر قيم التسامح والتعايش، تمثل نموذجًا يحتذى به.توفير أرقى الخدمات لضيوف الرحمنكما أشاد الضيوف بالخدمات النوعية التي تقدمها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.
وأشاروا إلى أن زيارة الوزير إلى مقار إقامتهم تعكس حرص قيادة المملكة على توفير أرقى الخدمات لضيوف الرحمن، داعين الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يوفقهما لما فيه خير الإسلام والمسلمين.