زهير عثمان

تبرير سلوك إباحة إقامة المليشيات هو أمر منكر في ذهنية المثقف، مهما كان رصيده الأخلاقي أو خلفيته الفكرية، سواء كان يسارياً عتيقاً أو أكاديمياً مرموقاً لا يُشق له غبار. فالكِبْر الفكري قد يخل بالطرح، ويتقزم أمام معطيات الحاضر، حيث تصبح المواكبة ضرورة، لكنها عصية على من يستسلم لتصوراته القديمة أو نزعاته الذاتية.

وأقول هذا لك أيها الشيخ الحكيم، لأننا نعيش في عالم متغير، يفرض علينا تحليلاً عميقاً يتجاوز التأريخ المكرر إلى فهم واقعي وحاضر لما نعيشه اليوم.
رد على طرح "حق الجيوش في توظيف المليشيات": تفكيك وتحليل
التوظيف التاريخي للمليشيات من قبل الدول، بما فيها السودان، يتطلب فهماً عميقاً لسياقات الدولة الحديثة ووظائفها. هذا الفهم يُبرز الإشكالية في طرح فكرة "حق الجيوش في توظيف مليشيات"، حيث أنها تفتقر إلى التعليل القانوني والمؤسسي، وتدفع بتبريرات قد تبدو مقبولة تاريخيًا ولكنها تتعارض مع طبيعة الدولة الحديثة. فيما يلي تحليل للمحاور الرئيسية

الدولة الحديثة واحتكار العنف المشروع
وفقاً لماكس فيبر، الدولة الحديثة تحتكر استخدام العنف المشروع كأحد أسس وجودها. وهذا يعني أن أي تفويض باستخدام العنف لجهة غير رسمية (المليشيات) يقوض هذا الاحتكار ويضعف بنية الدولة. السودان، منذ الاستقلال، أظهر عجزًا عن بناء مؤسسات قوية للحفاظ على هذا الاحتكار، مما أتاح للمليشيات فرصة النمو والازدهار، وهو ما تجلى في أزمات متكررة.
التاريخ السوداني مثال واضح
عهد الإنقاذ والدعم السريع لقد كان تمكين مليشيا الدعم السريع لتصبح قوة مستقلة تحولاً خطيراً، حيث أضحت "شريكاً" في السلطة العسكرية، لا مجرد أداة مؤقتة.
حقبة ما بعد الاستقلال و حتى في عهود عبود أو نميري، كانت الدولة توظف القبائل كأدوات ضد خصومها في الجنوب أو الغرب. هذا النمط استمر مع تحولات أكثر خطورة في العقود اللاحقة.
المليشيات وأزمة الشرعية
الدولة التي تعتمد على المليشيات تفقد شرعيتها بين مواطنيها. هذا الاعتماد ينقل السلطة من مؤسسات الدولة إلى قوى قبلية أو فئوية ذات أجندات خاصة.
السودان نموذجاً كما أوضح بلين هاردن، حرب الدولة السودانية "الرخيصة" من خلال المليشيات القبلية خلقت صراعات ممتدة، وتركت أعباء طويلة الأمد على النسيج الاجتماعي.
المليشيات غالباً ما تشتغل خارج القانون، بما يعزز الفوضى ويُضعف إمكانية بناء سلام مستدام.
التوظيف التاريخي للمليشيات في السودان
التاريخ السوداني مليء بأمثلة لتوظيف الدولة لمليشيات قبلية، مما أدى إلى دوامات عنف وصراعات ممتدة
المهدية استخدمت القبائل المتحالفة لكسر ثورة الكبابيش.
الاستعمار الإنجليزي تحالف مع قبائل مثل الكبابيش لمواجهة السلطان علي دينار، مستغلاً عداءها التاريخي مع دارفور.
نظام عبود استخدم قبائل المورلي في الجنوب كأداة ضد الحركة المسلحة.
هذه الأنماط تؤكد أن توظيف المليشيات ليس جديداً، ولكنه ظل يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يُطيل أمد الصراعات ويؤسس لانقسامات أعمق.
أخطاء نظام الإنقاذ كنموذج الدعم السريع
نظام الإنقاذ انحرف بشكل غير مسبوق في استخدام المليشيات عبر تحويل الدعم السريع إلى قوة موازية للجيش.
هذا الوضع يُعتبر خرقاً للنظام العسكري للدولة الحديثة، حيث لا يجوز وجود جيشين متوازيين.
النتيجة كانت تآكل المؤسسات العسكرية التقليدية، مما أدى إلى هشاشة الدولة وأفضى إلى حرب 2023 الكارثية.
تفنيد الادعاء بأن الجيوش يحق لها توظيف المليشيات
أ. مخالفة القانون الدولي
الدولة الحديثة ملتزمة بالقوانين الدولية التي ترفض عسكرة المجموعات القبلية أو إنشاء مليشيات خارج سيطرة الدولة.
ب. تهديد السلم الاجتماعي
توظيف المليشيات يعزز الانقسامات الاجتماعية، ويزيد من احتمالات الحرب الأهلية.
ج. تقويض الجيش نفسه
مثلما حدث في السودان، يؤدي الاعتماد على المليشيات إلى إضعاف الجيش النظامي، حيث تتحول السلطة العسكرية إلى أدوات خاصة.
وعلينا أن نسعي نحو دولة قانونية مستقرة , السودان بحاجة إلى إعادة بناء جيشه الوطني كقوة موحدة تحت قيادة مدنية ديمقراطية. استخدام المليشيات، تاريخياً أو حالياً، ليس مبرراً، بل هو انحراف عن مسار بناء الدولة الحديثة.
تاريخ السودان مليء بالدروس التي تؤكد أن توظيف المليشيات يُفضي إلى صراعات طويلة الأمد ويُضعف الدولة، وهي تجربة يجب أن تكون عبرة لمن يريد سلاماً واستقراراً دائماً.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة الحدیثة

إقرأ أيضاً:

ما الثقافة ومن المثقف؟ رحلة في تجلية المفهوم بين العربية والفلسفة

في جلسة ماتعة مع بعض الصديقات، طرح اسم أحد المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي. فقالت إحداهن: إنه مثقف، بينما اعترضت أخرى، وتساءلت ثالثة: أي واحدة منكن تمتلك ثقافة أعلى من ثقافته؟.

تلا هذا الأمر نقاشٌ طويل وحوار ذو شجون في معنى الثقافة والمثقف. ولكن أهم ما تفتق عنه الحوار، هو أن هذا المفهوم الشائع شيوعا مفرطا لا يزال هلاميا وضبابيا لدى كثيرين، لا سيما في زمن السيولة الثقافية التي أنتجتها هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي.

ولعلك، عزيزي القارئ، أيضا ممن يدور في ذهنه السؤال ذاته عن نفسه أو غيره: هل تعتقد أنك من المثقفين؟ ما مفهوم الثقافة لديك؟ ما أسسها وما معاييرها؟ وكيف يمكن أن نصنف الأفراد والمجتمعات بين المثقفين وغير المثقفين؟ هل ترتبط الثقافة بالشهادات الأكاديمية؟ وهل تكفي سعة الاطلاع وقطف زهرة من كل بستان من بساتين العلم والمعرفة ليصبح الشخص مثقفا؟.

وما دمت تقرأ هذا المقال في صفحة الجزيرة نت، التي تعنى بالثقافة وأهلها، فأغلب الظن أنك من المثقفين حقا.

صارت الثقافة مصطلحاً يدل على كثرة الاطلاع والرقي الفكري الذي ينتج عنه بالضرورة رقي نفسي، أدبي، واجتماعي (شترستوك) ما الثقافة؟… في تجلية المفهوم

استخدم فعل التثقيف في الماضي بالمعنى الحسي، وقصدوا به تثقيف الرماح والأسنّة والنبل بالثقاف؛ وهي أداة مخصصة لتسويتها وتقويم اعوجاجها لتصبح صالحةً شديدةً وجاهزةً للاستعمال في القتال. وبالنظر في معاجم اللغة العربية نجد أن معنى الثقافة انتقل من الحسي المادي إلى المعنوي، فقيل: (ثَقِف فلان) و(ثَقُف)، بكسر القاف وضمّها؛ أي صار حاذقاً فطناً، و(ثقف الحديث) أي فهِمه بسرعة واستوعبه جيداً.

إعلان

أما قولهم (ثَقَّف الشيء)، بتضعيف القاف؛ أي قوّم اعوجاجه، ومنه جاء قولنا: ثقّف الإنسان أي هذّبه وأدّبه وعلّمه، وتثقّف ثقافةً عالية؛ أي جمع من المعارف ونال من كل علم طرفاً. ومن هنا جاء وصف المرء المهذّب بالعلم والأدب بالثَّقِف والمثقف. ولأن الثقافة اكتسابٌ، يعمد الإنسان الراغب في تثقيف نفسه إلى صقل خبراته ومعارفه وزيادتها بكثرة المطالعة والاطلاع، فالثقافة تعني التهذيب، والتسوية، والصقل. ونقول: النخبة المثقفة، ونعني بهم أهل الفكر والعلم والمعارف المتعددة.

ورد الجذر اللغوي للثقافة في كتاب الله تعالى وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة؛ منها قوله تعالى في سورة البقرة: "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ"، ويقول البغوي في تفسيره للآية: "وأصل الثقافة الحذق والبصر بالأمور، ومعناه: واقتلوهم حيث أبصرتم مقاتلتهم وتمكنتم من قتلهم".

وقوله تعالى في سورة الأنفال: "فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"؛ ويقول العلامة الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" عن الآية: "والثَّقْف: الظفر بالمطلوب، أي: فإن وجدتهم وظفرت بهم في حرب، أي انتصرت عليهم". ومثل ذلك معناها في قوله تعالى في سورة الأحزاب: "مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا".

أما في الحديث النبوي، فقد جاء هذا اللفظ في حديث الهجرة الذي ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، وتصف فيه أخاها عبد الله يوم الهجرة فتقول: "ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لَقِن ثَقِف، فيرحل من عندهما سحراً، فيصبح مع قريش بمكة كأنّه بات فيها فلا يسمع أمراً يُكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام". ويقول بدر الدين العيني في شرح الحديث في "عمدة القاري": "قوله: "ثَقِف"، بكسر القاف وسكونها، أي: حاذق فطِن".

إعلان

وقد جمع الراغب الأصفهاني في "مفردات غريب القرآن" معاني الجذر "ثَقَفَ" التي وردت في نصوص الوحي، بقوله: "الثّقْفُ: الحذقُ في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير المثاقفة، ورمحٌ مثقّفٌ أي مقوّم، وما يُثَقَّفُ به الثقاف، ويقال: ثَقِفْتُ كذا إذا أدركته ببصري الحاذق في النظر، ثم يُتجوَّز به فيُستعمل في الإدراك، وإن لم تكن معه ثقافة".

ومع ابتعاد الأزمان صار وصف المثقف يطلق حقا على من يستحقه، وباطلا على من يدعيه لمحض تمكنه من أدوات الكلام وقدرته على إقناع المستمعين بسعة اطلاعه ومعارفه، أو لمحض حصوله على شهادات أكاديمية أو غير ذلك!

وصارت الثقافة مصطلحاً يدل على كثرة الاطلاع والرقي الفكري الذي ينتج عنه بالضرورة رقي نفسي، أدبي، واجتماعي. وقد جاء تعريفها حديثاً في القرن التاسع عشر الميلادي بأنها "مجموع العلوم والمعارف والفنون والعقائد والأخلاق والقوانين والعادات لدى أمة أو شعب ما".

وقد عرف روبرت تيلور (1871م) الثقافة: "هي ذلك المركب الكلي المعقّد الذي يشمل المعرفة، والاعتقاد، والفن، والقانون، والتعاليم الأخلاقية، والعادات، وأي عادات أو مقدرات مكتسبة بواسطة الإنسان، كعضو في المجتمع". وكل من جاء بعده دار في فلك هذا التعريف للثقافة.

الثقافة مكتسبة من الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، وليست مسألة وراثية بيولوجية، فانخراط الإنسان في المجتمع هو الذي يكسبه البصمة الثقافية (مواقع التواصل) ماذا قال الفلاسفة؟

يعتمد الفلاسفة في تعريفهم الثقافة على تبيان عنصر المعتقدات، فقد تكون دينية أو لا دينية، وبناء على ذلك تختلف أوجه الثقافة نفسها وتختلف توجهات المثقف بطبيعة الحال، والسبب في ذلك أن المعتقد برأي الفلاسفة هو المحرك الأساسي لاختيارات الإنسان.

يأخذنا ذلك إلى سياق آخر يجعلنا نتساءل: هل أوجه الثقافة اختيارية؟ ما دامت الثقافة مرتبطة بمعتقد الإنسان الذي اختاره بملء إرادته أو بتأثير من أسرته ومحيطه فإن ثقافة المرء اختيارية! ولا نقصد بالاختيار هنا نوع الكتب التي يقرؤها أو المجالات الفكرية والفنية التي يقرأ فيها، بل نقصد الموجه وراء ذلك.

إعلان

ولكي تتضح الصورة أكثر لك، أن تنظر ببدايات دخول الإسلام إلى بلاد الشام وما جاورها وإلى الشمال الأفريقي، إذ انصهرت الثقافات المحلية بالثقافة الإسلامية ونتج عن ذلك ثقافة عربية إسلامية بحلل جديدة تنسجم مع البيئة من جهة ومع الفكر الإسلامي من جهة أخرى. وكذلك الحال في أوروبا بعد انحسار النفوذ الكنسي وسيطرة الفكر المادي العلماني.

وليس بدعا من القول، أن يقال إن مصطلح "الثقافة" من المصطلحات الإشكالية التي لمّا يفض الاشتباك فيها في الفكر العربي، فالمصطلح بهذا اللفظ وإن كانت له أصول عربية إلا أنه بوصفه مفهوما فلسفيا فكريا يعده كثيرون فرنسيا في أصل نشأته، وفي نهاية القرن الثامن عشر أصبح مصطلح "الثقافة" وحده له مدلول خاص قائم بذاته.

ويمكننا اعتبار تعريف عالم الأنثروبولوجيا البريطاني "إدوارد تايلور" للثقافة أول تعريف دقيق محيط بها، إذ يقول في تعريفها: "هي هذا الكل المركب الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بصفته عضوا في جماعة".

وهذا التعريف للثقافة يمكننا أن نستخلص منه ثلاثة محددات رئيسة للمفهوم:

المحدد الأول: الثقافة تعادل حياة الإنسان الاجتماعية كلها وتتماهى معها فحيثما يوجد الإنسان تكون الثقافة، فهي معادله الموضوعي، فالإنسان أيا كان معتقده، وعرقه، ولغته فإنه لا يعيش من دون ثقافة. المحدد الثاني: الثقافة مكتسبة من الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، وليست مسألة وراثية بيولوجية، فانخراط الإنسان في المجتمع هو الذي يكسبه البصمة الثقافية. المحدد الثالث: الثقافة ذات بعد جماعي، وليست حالة فردية، فكل مظاهر الثقافة من لغة، وأدب، ومعارف، وعادات، وتقاليد، وفن؛ هي نشاط اجتماعي يستلزم وجود جماعة بشرية. المثقف هو الشخص الملتزم والواعي اجتماعيا، يسعى إلى تصحيح مسارات مجتمعية خاطئة (مواقع التواصل)

يقول الفيلسوف طه عبد الرحمن المعروف بنزعته الفلسفية الأخلاقية في تعريفه لماهية الثقافة في كتابه "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري": "الثقافة هي جملة القيم التي تقوم الاعوجاجات الفكرية والسلوكية داخل الأمة على الوجه الذي يجدد اتصال الفكر والسلوك بأسباب هذه القيم في عالم الآيات، وبالقدر الذي يمكن الأمة من استرجاع قدرتها على الإصلاح والإبداع، طلبا لتنمية الإنسان والارتقاء به في مراتب الكمال العقلي والخلقي".

إعلان

ويعرفها في كتابه "حوارات من أجل المستقبل" بأنها: "ذلك الإنتاج الخطابي والسلوكي المستند إلى قيم قومية حية. أي قيم قومية مرغوب فيها ومطلوب العمل بها".

أما الفيلسوف المغربي علي أومليل فيعمل على تجلية مفهوم الثقافة في كتابه "سؤال الثقافة" فيقول إنها: "عادات وقيم تطبع الوجدان وينبني عليها سلوك، أو قل: هي محصلة المعارف والقيم الحافزة على السلوك". وعند مطالعة كتابه نجد أنه يصل إلى تعريف دقيق يستبعد منه كلمة المعارف لتكون الثقافة هي: "القيم الحافظة لأي عمل في مجالات التربية والاقتصاد والسياسة".

ولا يمكننا الحديث عن مفهوم الثقافة والمثقف بدون الوقوف عند ما يقوله إدوارد سعيد الذي يعد أحد أهم من تكلموا في المفهوم وأبعاده بطريقة جديدة وتجديدية نزعت إلى الخروج من التعريفات الكلاسيكية؛ فهو يختصر ماهية المثقف في كتابه "خيانة المثقفين" في أنه "الشخص الملتزم والواعي اجتماعيا بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه وما يتبع ذلك من دور اجتماعي فاعل من المفروض أن يقوم بتصحيح مسارات مجتمعية خاطئة.

وبناء على ذلك ينقسم المثقفون عند إدوارد سعيد إلى فئتين رئيستين؛ هما: المثقف المحترف والمثقف الهاوي، ففي كتابه "صور المثقف" يعقد سعيد فصلا بعنوان "محترفون وهواة" يقارن فيه المثقف المهني أو المحترف بآخر يندرج في حقل الهواة.

ولعل هناك تقاطعا بطريقة ما بين هذه الفكرة وما ذهب إليه الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي في تعريفه المثقف العضوي إذ يقول: "المثقف العضوي: ذلك العنصر المفكر والمنظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة.

ولا يتميز هؤلاء المثقفون بمهنهم التي قد تكون أي وظيفة تتميز بها الطبقة التي ينتمون إليها، بقدر ما يتميزون بوظيفتهم في توجيه أفكار وتطلعات الطبقة التي ينتمون إليها عضويا".

المثقف بعد أن يدرك الأمور كما هي يبصر ما وراءها ويرى عواقبها ويفهم مراميها ويعي نتائجها (مواقع التواصل) المحددات الجامعة

إن الصفة الجامعة بين مفهوم الثقافة في اللغة العربية وفي ما تواضع عليه الفلاسفة على اختلاف مشاربهم واشتباك عباراتهم تشمل مجموعة من المحددات:

إعلان أولا: الإدراك، أي إدراك حقائق الأشياء ومعرفتها كما هي والقدرة على تشخيص المشكلات في المجتمع وتحديدها وفهمها وهضم تفاعلاتها في البيئة والواقع. ثانيا: الإبصار؛ فالمثقف بعد أن يدرك الأمور كما هي يبصر ما وراءها ويرى عواقبها ويفهم مراميها ويعي نتائجها. ثالثا: القيم الجامعة؛ فلا ثقافة بغير قيم ولا يكون المرء مثقفا حقيقيا ما لم يكن مثقفا قيميا. رابعا التغيير؛ فالثقافة ليست انعزالا عن الواقع، والمثقف ليس العارف الساكن في برج عاجي، بل هو الذكي الفطن العارف المنخرط في الواقع والمواجه للتحديات بهدف التطوير والتغيير الإيجابي.

ولعل هذه المقاربة بين المفهوم اللغوي والفلسفي للثقافة تساعد في تجسير الهوة المفاهيمية وتضع معايير للثقافة والمثقف تسهم في تقليل ادعاء الثقافة في هذا الزمن المر الذي يحتاج إلى تغيير حقيقي لا محض هوس في وهم التأثير.

مقالات مشابهة

  • رادار صهيوني في بونتلاند.. الإمارات توسع خطوط دعمها العسكري لقوات الدعم السريع عبر مطارات الصومال
  • ما الثقافة ومن المثقف؟ رحلة في تجلية المفهوم بين العربية والفلسفة
  • تصاعد حدة معارك السودان.. قتلى بهجمات «الدعم السريع» على نهر النيل
  • الدعم السريع تقصف قاعدة وادي سيدنا الجوية ومقر الكلية الحربية بأم درمان
  • الدعم السريع تقصف قاعدة جوية والكلية الحربية بأم درمان
  • الأمم المتحدة: مخيم زمزم للنازحين في غرب السودان “شبه خال” بعدما سيطرت عليه قوات الدعم السريع
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • اتهامات للدعم السريع بقتل عشرات المدنيين بكردفان والبرهان يتوعدها
  • مقتل عشرات المدنيين في مجزرة للدعم السريع بغرب كردفان
  • مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع