الرشق: قرار "الجنائية الدولية" يُعيد الاعتبار لقيم العدالة وحماية الإنسانية
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
غزة - صفا قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق إن قرار المحكمة الجنائية يعيد الاعتبار لقيم العدالة وحماية الإنسانية، ومن يعارضه فهو من مُنْكِري الإبادة في غزة. وأوضح الرشق في تصريح وصل وكالة "صفا"، يوم الجمعة، أن الموقف الأمريكي معزول، ويقف وحيدًا في معارضة محكمة الجنايات، كما وقف وحيداً ضد قرار مجلس الأمن بوقف الحرب.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: حماس الرشق الجنائية الدولية
إقرأ أيضاً:
لماذا نحن؟ وعلى أيّ شيء نحافظ؟!
مع تجدد حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزّة، وبعدما فعل الفلسطينيون في هذا الشريط الضيق والمحاصر فوق ما يمكن لأيّ مجموعة بشرية أخرى أن تفعله، مجتمعا ومقاومة، من الصمود القهري أو الاختياري، بلا أيّ أفق واضح لكيفية إنهاء هذه الحرب؛ تعلو أصوات عربية، تتوخّى المبررات في الدفاع عن العجز العربي الظاهر، وهي مبررات لا ينتبه أصحابها إلى أنّهم يدينون أنفسهم ودولهم، دون قصد منهم، بل من حيث أرادوا العكس.
ويمكن ملاحظة ذلك في الجدل الذي انفتح مرّة واحدة، في الردّ على ما يُسمّى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي أصدر فتوى من عدد من النقاط، إلا أنّه جرى تجاهلها كلها، للردّ على النقطة الأولى التي أوجبوا فيها على كلّ مسلم مستطيع الجهاد لأجل فلسطين، وبقطع النظر عن كلّ ما يمكن قوله عن تصدّي المشايخ الموسومين بالعلم الشرعي في بلادنا لقضايا المسلمين العامّة، والرأي في الحالة العلمية والمشيخية في هذه البلاد، بما في ذلك الاتحاد المذكور، ودون دخول في سجالات تافهة، بين مختلف الأوساط المشيخية المتنافرة في البلاد العربية، فإنّ الردود كلّها، وسواها مما يتناول موقف البلاد العربية من حرب الإبادة، لا تفعل شيئا أكثر من إدانة هذه البلاد من حيث أرادت تبرأتها أو الدفاع عنها أو إعذارها.
يفترض أن يكون لأيّ وحدة سياسية يُعبَّر عنها بالدولة هدف من وجودها، ويكون النظام السياسي والحالة هذه ملتزما هذا الهادف، وساعيا إلى تحقيقه، وليس أقلّ، حينئذ، من ضمان القدر المعقول من الحياة الكريمة لمواطني هذه الوحدة السياسية. ومن المعلوم أنّ الوحدات السياسية في البلاد العربية أكثرها تفتقر للامتداد التاريخي، أيْ أنّها مصطنعة بالكامل، وهذا لا يعيبها في إطار النظام الدولي، والقيم السياسية الحاكمة له، التي تتيح لأيّ مجموعة بشرية تتلمس المشترك الجامع بينها؛ تقرير مصيرها في إطار وحدة سياسية خاصّة بها، لكن هذا لا ينفي في المقابل أحقية السؤال عن معناها وسبب وجودها، علاوة على ما في حكاية المشترك الجامع هذا من اصطناع، فلا هو القومية ولا هو الدين ولا هو الطائفة، فلا تدري بعد ذلك سبب تكاثر الدول في المجال العربي.
وفي المقابل، ثمّة استثناء لبلاد عربية تمتاز بالامتداد التاريخي على الجغرافيا المعاصرة ذاتها تقريبا، مما يُرجِع حقيقة الدولة فيها إلى ما قبل الدولة الحديثة في السياق العالمي وفي السياق العربي الخاص، ولكن هذه كذلك من حيث سياسات النظم الحاكمة لها ينبغي أن تكون خاضعة للتساؤل ذاته إن لم يكن لها وظيفة واضحة تمنح النظام الممثل لها الشرعية بالتزامه بها.
وبالنزول من هذا التجريد إلى الحادثة العينية محلّ الحديث، وهي حصار قطاع غزّة وتجويع أهله وتجديد الإبادة عليهم، يجري الدفاع مثلا عن مصر بأنّه لا يمكنها فعل أيّ شيء تحت سقف الحرب، وأنّ المقترحات كلّها المقدمة لمصر تفضي إلى حرب خاسرة، ما دامت إسرائيل منفلتة من أيّ قيد والولايات المتحدة في ظهرها، وإذن، ليس على مصر أكثر من محاولة منع التهجير، مع الرضا بالعجز وقلّة الحيلة إزاء الإبادة المتجددة على غزّة.
مصر من الدول القليلة المستثناة من الاصطناع المعاصر، للامتداد التاريخي الذي تمتاز به من حيث علاقة جغرافيتها بالسلطة والتاريخ، ويكاد يشاركها في ذلك المغرب واليمن إلى حدّ ما، وهي دولة كبيرة بهذه الجغرافيا، وبمواردها البشرية، وكما يفترض بمواردها الطبيعية، ولم تنجح أيّ دولة عربية أخرى في أخذ مكانها، من حيث الصلاحية لتكون قاعدة العرب، أو الجامع لهم. ومما لا ينبغي التردد في قوله، أنّ دفع دول عربية أخرى، لا سيما إن كانت صغيرة أو تفتقد المبرر التاريخي والجغرافي والاجتماعي لانفصالها في وحدة سياسية خاصة بها، لمصر عن وظيفتها العربية التاريخية؛ هو من معالم الزمن المنكوس الذي نعيشه. ودولة هذه حالها من حيث تاريخها ومواردها وموقعها من فلسطين، والتصاقها بحالة الإبادة على حدودها، يفترض بها ألا تكون عاجزة إزاء حالة الإبادة، وألا تكون خياراتها منحصرة في الحرب التي يرفضها المدافعون عن موقفها الراهن، الذي يكاد يقتصر على رفض التهجير، دون فعل شيء لوقف الإبادة.
حتى خيار الحرب، وبمنطق وطني صرف، وبقطع النظر عن فلسطين إن كان هناك واجب عربي نحوها لا يسقط بالتقادم أم لا، وبقطع النظر عن كلّ مقولات الأمن القومي العربي والمشتركات الثقافية التي تحتم أن تكون فلسطين مسؤولية عربية لحوحة لا تفتفر أبدا، وحتى لو سلمنا بكلّ الخطابات اليمينية الشعبوية التي قد تتصدر بدفع رسمي في بعض الدول العربية عن أولوية الوطن، وانعدام المسؤولية تجاه أيّ أحد آخر؛ أليس من المخزي أن تكون إسرائيل، بالرغم من كل العيوب الجوهرية في مبدأ وجودها، أو الظروف الموضوعية المعاندة لهذا الوجود، الدولة الوحيدة في الإقليم القادرة على الحرب؟! التي لا تخشى الحرب؟! وتسعى إليها؟!
لا يعني ذلك أنّه ينبغي أن تكون الحرب هدفا، ولكن الخشية منها، وعدم الاستعداد لها، والتذرع بالدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، أمر مثير للسخرية السوداء. فما معنى وجودنا نحن العرب، حتى متفرقين، في وطنيات غير قادرة على الاستعداد لحرب قد تفرض عليها؟! القضية ليست أن تقاتل دفاعا عن فلسطين، ولكن القضية لماذا تجد نفسك، بعد كلّ هذه السنوات من الاستقلال؛ عاجزا عن القتال لو فرض القتال عليك، أو عاجزا عن التحقق في نفوذ ومكانة تناسب تاريخك ومواردك البشرية والطبيعية، أو عاجزا عن فعل أيّ شيء تحت سقف الحرب؟!
ماذا يعني أن تصف دولة عربية أخرى نفسها بأنّها كبرى، في الخطاب الشعبوي الذي تُدفع إليه لجانها الإلكترونية وكتّابها منعدمو الموهبة، وهي غير قادرة على اتخاذ موقف عروبي، يطابق معنى وجودها، تجاه المذبحة الواقعة على الفلسطينيين في غزّة؟! وعلاوة على التطلع البادي للتطبيع مع هذه الدولة (أي إسرائيل) التي ينبغي أن تخجل أيّ دولة عربية من الاقتراب منها، لانعدام مبررات وجودها، ما الكبير في أن تكون عاجزا إلى هذه الدرجة، فتسخّر إعلامك للحطّ من الضعيف الذي سعى لاسترداد قضيته، سواء أصابت حساباته أم أخطأت؟! هل تتخلّى أمريكا عن إسرائيل إذا أخطأت الأخيرة حساباتها؟! وماذا يعني أن تمتد دولة عربية صغيرة لا يكاد يصل عدد سكانها الأصليين إلى مليون نسمة لفرض هيمنتها على الإقليم بما في ذلك على مصر، محاولة أن تكون إسرائيل الثانية وبالتحالف مع الأخيرة؟! ماذا تريد وماذا تستفيد؟! وما المعنى من بلد عربي يعيش احترابا داخليّا مكتوما طول وجوده بعد حرب أهلية فعلية وهو لا يستطيع أن يسميَ رئيسه ولا رئيس حكومته إلا في إطار التفاهمات الإقليمية والدولية؟! وأيّ شيء يفعله بلد عربي كبير بموارد هائلة بعد كفاح 132 سنة للاستقلال، وهو لا يكاد يرتقي بحياة مواطنيه إلى مستوى موارده، ولا بموقعه السياسي، سوى بالصراع المزمن مع بلد عربيّ جار يفترض أن المشتركات التي تجمعه به لا تجمعه مع أيّ أحد آخر؟!
وإذن، فالذين يدافعون عن المواقف الراهنة للدول العربية من المذبحة يدينون أنفسهم، وينقضون خطابهم من داخله، فلو سلمنا بأنّ العقل يقضي بالعجز العربي الراهن، والأمر ليس كذلك قطعا، فعلينا أن ندين أنفسنا، دولا وأنظمة حاكمة وفعاليات شعبية، لبلوغنا هذا الحال من العجز، دون أن يكون هناك ما ندافع عنه حقيقة، فالذي يخشى الحرب، سواء بدوافع وطنية ضيقة، أو لحسابات مادية صرفة، لا يجد شيئا آخر يدافع عنه حقيقة من حيث الوجود السياسي للنظام الذي في بلده، وهو ما يطرح السؤال عن معنى وجودنا نحن العرب، باستثناء وجودنا القهري الناجم عن تناسلنا في هذه الجغرافية الممتدة.
فالذي يزعم أنه كبير لا تزيد حقيقة ما يقول على كونه إنشاء مدرسيّا ساذجا، فلا جغرافيته ولا موارده تجعله كبيرا في إقليمه؛ ودولة صغيرة بلا مبرر تاريخي أو جغرافي تعربد عليه، والكثير من هذا الكبير يعيش مواطنوه في مستويات معيشة مذلة ولا تكاد تتجاوز الكفاف، وعلى ذلك، أي شيء يبقى في سياسات هذه الدول ما يقتضي الدفاع عنه بعد ذلك؟!
x.com/sariorabi