في عيدها التسعين.. فيروز صوت الأمل في زمن الحرب
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
في ظل الحرب والأزمات التي تعصف بلبنان، يحيي اللبنانيون، الخميس، الذكرى التسعين لميلاد فيروز، الصوت الذي تخطى حدود الزمان والمكان ليصبح رمزا فنيا خالدا يربط بين الأجيال.
صوت فيروز، الذي شكل جزءا لا يتجزأ من الذاكرة اللبنانية، ما زال حاضرا بقوة في وجدان الشعب، وعلى الرغم من الظروف الصعبة، لم يتوان اللبنانيون عن التعبير عن محبتهم وتقديرهم لهذه القامة الفنية الاستثنائية، عبر الاحتفاء بميلادها من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
جمعت فيروز بأغنياتها اللبنانيين، رغم الانقسامات السياسية والطائفية التي مزقتهم. واليوم، في ظل دوي المدافع وصخب الصواريخ، يكتسب صوتها بعدا معنويا أقوى من أي وقت مضى، مستحضرا ذكريات لبنان الحلم الذي يتوق إليه أبناؤه.
وتسببت الغارات وعمليات القصف الإسرائيلية على مختلف أنحاء لبنان والمواجهات بمقتل أكثر من 3540 شخصا منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم منذ بدأت حملة القصف الإسرائيلية العنيفة في 23 سبتمبر.
سردية وطنية تتحدى الزمن
يصف نقيب الفنانين المحترفين السابق، جهاد الأطرش، فيروز، واسمها الحقيقي “نهاد وديع حداد” بأنها “الأرزة الأكبر في هذا الوطن، والصوت الأعظم فيه”، مؤكدا أنها زرعت في نفوس اللبنانيين حب الوطن والانتماء إليه، ويقول “لم نسمع أغنية بصوتها إلا وخشعت قلوبنا لهذا الصوت الذي وهبها الله إياه”.
ويضيف الأطرش في حديث لموقع “الحرة” أن “صوت فيروز يحمل معاني الحياة والسلام، ويجمع في محبته جميع أبناء الوطن. عندما نستمع إلى أغانيها، نستحضر القمر، والليل، والسهر، والشرفات المزينة بالفل والياسمين، وكل تفاصيل لبنان الجميل”.
وفي ظل الظروف الراهنة، حيث تشتد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، يشدد الأطرش “كم نحن بحاجة إلى أن يعيدنا صوت فيروز إلى بعلبك وصور والنبطية وكل المدن والمناطق اللبنانية”.
من جانبه يؤكد الناقد الفني محمد حجازي أن عيد ميلاد فيروز يتجاوز كونه احتفالا شخصيا ليصبح عيدا للبنان بأكمله، ويوضح قائلا في حديث لموقع “الحرة” أنه “على مدى 49 عاما، منذ عام 1975 وحتى اليوم، كانت فيروز بصوتها رمزا لوحدة اللبنانيين. لقد استطاعت أن تؤكد للجميع أنها تنتمي إلى كل لبنان، دون الانحياز لأي طرف، كما أثبتت وطنيتها الحقيقية عندما رفضت الهجرة وبقيت في بيروت رغم الظروف الصعبة.”
ومنذ انطلاقتها في خمسينيات القرن الماضي، حجزت فيروز أو كما يلقبها محبوها “جارة القمر”، مكانة استثنائية كأيقونة فنية في العالم العربي، وأصبحت صوت الصباح الذي يحمل الأمل لبدايات الجديدة.
فن خالد
يحمل صوت فيروز “الأمل الذي يشجع الإنسان على السير في طريق تحقيق الهدف رغم كل الصعوبات والمطبات”، كما يقول الأطرش، موضحا أن “الهدف الأسمى هو حب لبنان، والانتماء إليه، ودعم جيشه ومؤسساته”، مشيرا إلى أنه “كان قديما يقال، إن مصر تكتب، ولبنان يطبع، والعراق يقرأ. كنا في هذا العالم العربي مثلثا ثقافيا لا مثيل له في أي مكان في العالم، وهو ما نطوق إليه الآن”.
غنت فيروز للحب والحياة، وللوطن لبنان، تغنت بسهوله ووديانه وجباله وتلاله وكرومه، مقدمة في أغانيها حكايات تسرد فصولا من تاريخه. في أغنيتها “بحبك يا لبنان”، خاطبت وطنها الجريح معبرة عن مشاعر كل لبناني ينتمي لهذه الأرض، فيما أصبحت “لبيروت” نشيدا يحمل أوجاع الشعب اللبناني وأحلامه.
ومن بين أغانيها الوطنية التي تركت أثرا عميقا في الذاكرة، “وطني يا جبل الغيم الأزرق”، و”خطت قدمكن”، “ع اسمك غنيت”، و”لبنان يا أخضر لونك حلو”.
أحيت فيروز العديد من الحفلات والمهرجانات في لبنان ومدن عربية وعالمية، وقد ارتبط اسمها ارتباطا عميقا بقلعة بعلبك، إحدى أبرز المعالم الأثرية في لبنان. فقد كانت هذه القلعة التاريخية شاهدة على العديد من حفلاتها التي تركت أثرا لا ينسى في ذاكرة جمهورها، حيث أضافت الأبنية الرومانية الضخمة وجمال الموقع العريق بعدا خاصا لصوتها.
كما تميزت مسيرتها بتقديم المسرحيات الغنائية، التي أصبحت جزءا أساسيا من تاريخ الفن اللبناني، وقد جمعت هذه المسرحيات بين جمال الكلمة، وسحر اللحن، وقوة الأداء التمثيلي، ومن أبرزها “ميس الريم”، “هالة والملك” و”المحطة”.
كما تألقت فيروز في عالم السينما، فقدمت مجموعة من الأفلام التي حققت نجاحا باهرا، أبرزها ” فيلم بياع الخواتم”، و” سفر برلك” و”بنت الحرس”.
استطاعت فيروز وفق ما يقوله حجازي أن تكسب جمهورا واسعا في العالم العربي واحترام العالم بأسره، ويشدد “يكفيها فخرا أنها رفضت الذهاب للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين زار لبنان، فزارها هو شخصيا في منزلها، هذا حدث استثنائي يعكس مكانتها العظيمة، ويؤكد أن الفنان عندما يكون كبيرا في بلده، يصبح كبيرا في العالم”.
كما استطاعت أن تبقى حاضرة في قلوب الناس طوال هذه العقود، لأنها كما يقول حجازي “تعاونت مع اثنين من أعظم العباقرة في تاريخ الموسيقى العربية، الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، فأعمالها تتحدث عن قضايا نعيشها الآن، وكأن الرحابنة تنبآ بالمستقبل. على سبيل المثال، أغنيتها “هون رح نبقى”، وكأنها كتبت لتواكب الأزمات الحالية، رغم أنها صدرت قبل أكثر من خمسين سنة”.
كذلك يستحضر الأطرش، الأخوين الرحباني، اللذين صاغا موهبتهما الفنية في صوت فيروز، ويقول “قدما لهذا الوطن أجمل الأعمال، وأعادا لنا صورة لبنان الذي لا نزال نحلم به، خاصة في هذه الأيام الصعبة”، ويؤكد “أنا وكل اللبنانيين، نقول إن لبنان الحلم هو لبنان الرحابنة ولبنان فيروز. نرجو أن ينهض الوطن من هذا الدمار، كما نهضنا دائما مع كلمات الرحابنة وألحانهما التي عمقت حبنا وانتماءنا للبنان”.
اليوم، في زمن الحرب والنزوح، يجد اللبنانيون عزاءهم في صوت فيروز وأغانيها التي تحاكي بيوتا غادرها أصحابها قسرا، وأطفالا حرموا من طفولتهم، وأشجارا تفتقد من كانوا يحيطون بها.
فيروز، التي يرافق صوتها اللبنانيين في كل لحظاتهم، سواء في الفرح أو الحزن، هي أكثر من مجرد فنانة، فكما وصفها الشاعر محمود درويش “هي الأُغنية التي تنسى دائما أن تكبر، هي التي تجعل الصحراء أصغر، وتجعل القمر أكبر”.
أسرار شبارو – الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: صوت فیروز فی العالم
إقرأ أيضاً:
من الذي انتصر في حرب غزة؟
التوصل الى اتفاق لإطلاق النار بين اسرائيل وحماس يعني أن نتنياهو فشل في تحقيق أي من أهداف الحرب التي أعلن عنها يوم الثامن من أكتوبر 2023، عندما قرر اجتياح قطاع غزة وخوض حربٍ برية وجوية وبحرية وإعلامية ونفسية ضد الفلسطينيين، محاولاً سحقهم بشكل تام.
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" إنه سيبدأ حرباً شاملة ضد قطاع غزة، وإنَّ لهذه الحرب أهدافٌ ثلاثة: استعادة الأسرى الاسرائيليين، القضاء التام على حركة حماس، وتأمين المستوطنات في محيط القطاع أو ما يُسمى "غلاف غزة".
وواقع الحال أنَّ اسرائيل خاضت أطول حربٍ في تاريخها على الإطلاق واستمرت 15 شهراً ضد القطاع لكنها فشلت في تحقيق أي من هذه الأهداف الثلاثة، واضطرت في نهاية المطاف الى البحث عن أسراها عبر "صفقة" وليس بالقوة، كما اعترفت ضمناً بأن القضاء على حركة حماس غير ممكن، وأن هزيمة شعبٍ يتمسك بأرضه هو ضربٌ من الخيال والمستحيل.
لمن يسألون من انتصر في هذه الحرب الدموية المدمرة فإننا نقول بأنَّ الحروب تُقاس بالمآلات وليس المسارات، أي إن الحروبَ تُقاس بنتائجها لا بتفاصيلها اليومية، وهذا ما انطبق وينطبق على كل الصراعات الكبرى في تاريخ البشر، ففي الحرب العالمية الأولى تكبدت قوات الحلفاء التي انتصرت خسائر أكبر بكثير من تلك التي تكبدتها دول المركز، وفقد المنتصرون ما مجموعه 22 مليون إنسان، بينما فقد الطرفُ الخاسر أقل بكثير: 16 مليوناً فقط.
في الحرب العالمية الثانية كان المشهدُ أكثر وضوحاً، فقد تكبد معسكر "الحلفاء" خسائر تزيد عن 61 مليون قتيل، بينما اقتصرت خسائر دول "المحور" على 12 مليون قتيل فقط، ورغم ذلك فان نتيجة الحرب كانت لصالح من تكبدوا خسائر أكبر.
المشهد ذاته كان في حرب فيتنام، وثورة الجزائر، وثورة جنوب أفريقيا، والأمثلة على ذلك كثيرة.. وهذا يعني بالضرورة أن الحروب تُقاس بنتائجها وليس بتفاصيلها اليومية، كما إنها ليست معادلة رياضيات نحسبُ فيها كل طرف ماذا خسر لنستنتج بأن صاحب الخسارة الأكبر هو المهزوم، إذ إن هذه الطريقة تصلح لمباريات كرة القدم وليس للحروب والصراعات الكبرى.
المهم أيضاً في هذا السياق أن وقف إطلاق النار يأتي وليس لدى اسرائيل أي سيناريو لليوم التالي، حيث لم ينجح الاسرائيليون في الاطاحة بحكم حركة حماس، ولم ينجحوا كذلك في خلق وضع جديد يخدم مصالحهم، وعلى مدار الشهور الـ15 للحرب فشلوا في إقناع أية دولة عربية بأن تتدخل عسكرياً في القطاع، كما فشلوا في إقناع السلطة الفلسطينية بأن تحل بديلاً لإدارة القطاع، وفشلوا أيضاً في خلق أي سيناريو بديل.
المؤكد اليوم أن هذه الحرب التي استمرت 15 شهراً، والتي هي أطول مواجهة عسكرية في تاريخ الطرفين، إنما هي انتهت الى تغيير المنطقة بأكملها، إذ إن اليوم التالي لهذه الحرب ليس كاليوم السابق لها، كما أنَّ الحسابات القادمة لأية مغامرة عسكرية اسرائيلية مستقبلية ستكون بكل تأكيد مختلفة تماماً عن الحسابات التي كانت لدى الاسرائليين سابقاً.