موقع النيلين:
2025-03-13@00:02:13 GMT

الأمام الصادق المهدي: فالعنقاء أكبر أن تصادا

تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT

أثارت ردود فعل في أوساط حزب الأمة على الخطاب الذي ألقاه السيد عبد الرحمن الصادق المهدي في مسجد الأنصار بود نوباوي في يوم الجمعة الماضي سقمي القديم من حزب الأمة. فقد ساءني منذ حين، بفطرة المؤرخ، أن معادلة الحزب-الجماعة الدينية (الأنصار) قد اختلت، وغلب الحزب على الجماعة الدينية التي خرج من رحمها في العبارة الشائعة.

فلست من حزب الأمة، ولكن جماعة الأنصار كيان انتمى له كسائر السودانيين بصورة أو أخرى. فاشتغالي بالتاريخ إلى يومنا بدأ بكتابة “الصراع بين المهدي والعلماء” (1968) التي استحسنها الناس وعلى رأسهم استاذي مكي شبيكة. وصرت مؤرخاً من يومها. لم احتج لحزب الأمة، بل وللمفارقة، كتبت كتابي نفسه عن حجة المهدي الثورية في وجه تنطع علماء النظام التركي من باب مقاومة الحزب الذي ضلع في حل حزبنا الشيوعي في 1956. وهذه كلمة قديمة علقت فيها على خطبة للأمام الصادق المهدي تجد فيها نازعي لإعلاء الانصارية على الحزب (بل حله) فيما سميته “المهدية الثالثة”.

كان خطاب السيد الصادق المهدي مساء السبت الماضي (ضاع مني التاريخ، ولكنه في نحو عام 2011)، كما أحسن وصفه فيصل محمد صالح، عودة إلى منصة التأسيس في المشروع المهدوي وهي الأنصار. كان عودة للإمام إل “قندهاره”. فكانت المناسبة أنصارية خاطبها إمامها واحتشدت لها الجماعة بسهر هيئة شؤون الأنصار وبآلية وكلاء الإمام. وكانت هداياها أنصارية مثل تذكيرها بشرعيتها الأولى في ثورة جده، وببشارتي البقعة والجزيرة أبا الجديدتين، ونجاحات مجلس حل الهيئة وعقدها ومكتبها التنفيذي. وكانت هذه العودة لمنصة التأسيس واجبة لأمرين. أولهما خروج بني عمومة الإمام من مثل نصر الدين الهادي ومبارك الفاضل مع الجبهة الثورية يبتغون سنداً من الأنصار في حقول المهدية التاريخية في جبال النوبة ودار البقارة. فزعم نصر الدين الهادي مثلاً أنه مهدي الجبهة الثورية بخروجه من جبل قدير الشهير في جبال النوبة. أما الأمر الثاني فقد كان اللقاء لماً لشعث حزب الأمة الذي طغت صورته على القندهار الأنصاري. فالحزب تفرق أيدي سبأ حتى أنه يعمل اليوم بدون أمانة عامة، أو بأمانة مشاكسة ناهيكم عن التيار العام والمادبوز والقيادة الجماعية وهلمجرا.

واضح خمول ذكر حزب الأمة في خطاب الأمام. فأقصى المطلوب منه، في قوله، أن يستعد لنظام جديد ويلتزم فيه برأي محدد. وبدا لي أن أعضاء مخالفين للإمام هتفوا حين عرض للحزب فألتمس منهم أن يستمعوا له لا أن يُسمِعوا. ونبه إلى أن الحزب لن تتخطفه الأجندة الطائشة. فظل الحزب “يشد ويلين” على مر الزمن انقلع الطغاة الذين أرادوا به شراً وظل كالطود بفضل قوة قيادته وحكمتها. واستهدى الإمام من لم يرغب بالعمل في إطار رشد القيادة أن يذهب “والباب يفوت جمل”.

لو كنت بين حشد البقعة والإمام خطيباً لتمثلت بالحلفاوي في الطرفة الشائعة. فقد منح الأزهري حلفاويين إجازة لغد زيارته لهم لحسن استقباله فطلب منه الحلفاوي أن لو ألغى رمضان . . . كمان. وكنت هتفت: “وحزب الأمة كمان يا ريس”. فقد ظللت لسنوات أدعوه لتنشئة الأنصارية الثالثة العاقبة لأنصارية جده الأكبر الأولى وجده المباشر الثانية. فالأنصارية عندي كيان أعظم خطراً من حزب الأمة. فهي استثمار تاريخي وتربوي سوداني جامع لغمار الناس من كل فج. وضمت أهل البادية بشكل خاص ممن لا وجيع لهم حتى تورطوا في “الجنجويدية” والمراحيل في الملابسات المعروفة. واستحق الأنصار من إمامهم عناية مستديرة بحيواتهم أفضل مما سمحت به أنصارية الإمام عبد الرحمن التي أحصتهم، سياساً عدداً، كمجرد أصوات لحزب الأمة. ولذا تساءلت يوماً، وأنا أعرض كتاباً قيما للإمام الصادق، إن كانت هناك جامعة للأنصار تسرب بالموالاة معانيه الحسان عن مسائل المسلمين إلى أفئدة غمار الأنصار مع الراتب العذب.

أما حزب الأمة فقد دخله الذي لا يتداوى. فقد ظل يستقوي به من لا قاعدة له بين الشعب منذ طلائع المتعلمين في مؤتمر الخريجين حتى صغار البرجوازيين المستفحلين على أيامنا هذه. وحوّل هؤلاء المتعلمون زعيم الأنصار إلى “مقاول أنفار”، في وصف دقيق للترابي، يجيش لهم الأصوات والساحات. وصغار البرجوازيين هذه طبقة وصفتها بأنها “كديسة أم خيط” سياسياً. وتقال العبارة في الذي يتغشى الأبواب. فهي جماعة مودراليها حزب. وتغشى أحزاب الجمهرة الدينية عن يأس من أحزابها الصغيرة الفاشلة حاملة مطلب “المؤسسية” كجرثومة لا منهجاً في العمل. ولم نر منها مع ذلك المؤسسية حيث أتفق له إنشاء حزب من أحزابها الصغيرة.
ومرحباً بالأنصارية الثالثة بعد خطاب الإمام.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الصادق المهدی حزب الأمة

إقرأ أيضاً:

سوريا بوابة وَحدة الأمة أو تمزقها

شهد العالم الإسلامي، والمنطقة العربية خاصة، نقاشا موسَّعا عن العلاقة بين السنة والشيعة عقب حرب تموز/ يوليو عام 2006، وكان الود يغلب على هذه النقاشات، واندفعت تظاهرات مؤيدة لحزب الله في مصر حاضنة الأزهر؛ أكبر مؤسسة سُنية في العالم، كما أخرج الإخوان المسلمون -أكبر تيار سني سياسي- أنصارهم في الشوارع يرفعون أعلام حزب الله وصور الراحل السيد حسن نصر الله.

بعد نهاية الحرب استمر علماء المذهبين في نقاشات التقريب، وروى لنا الدكتور محمد عمارة رحمه الله عام 2008 تقريبا، أن هناك لجنة تجمع الأحاديث المتفق عليها بين المذهبين، وصنفوا خمسة مجلدات حتى باب الصلاة فقط، وكان الدكتور محمد سليم العوا يذكر ذلك المصنَّف في محاضراته في جمعية مصر للثقافة والحوار، وقال إن 90 في المئة من المتون الفقهية مشتركة بين المذهبين، ولا يوجد خلاف بينهما في الأحاديث القدسية، إلا اختلاف روايات. وقال شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب بعيد توليه المشيخة ما معناه: إنه شيخ للمسلمين كلهم، سنة كانوا أم شيعة، وكان هذا وقت سار فيه مسلك التقريب إلى مدى جيد، وإن شابته مناظرة الدكتور القرضاوي مع آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني عام 2009، لكن جاءت الكارثة في سوريا بعد ثورة الشعب ضد نظام بشار الأسد.

يتحدث الرئيس السوري أحمد الشرع عن وجود دولة خارجية تدعم الاضطراب الأمني في مدن الساحل التي ينشط فيها أتباع ومجرمو نظام الأسد الزائل، وإذا كانت إيران متورطة في ذلك فستبدأ إعادة الوضع إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وتثير توترات لن يستفيد منها سوى العدو المشترك للمنطقة كلها
وقف النظام الإيراني وحزب الله داعمين لنظام بشار الأسد، وكانت الذريعة الحفاظ على خط إمداد المقاومة اللبنانية بالأسلحة، وكانت هذه النقطة ممكنة التفهُّم إن وقفت عند هذا الحد، لكن انخراط الحزب والإيرانيين في القتال إلى جانب بشار، وتداوُل شهادات عن ممارسات طائفية في قتل وتعذيب وإذلال السنة أو الثائرين على نظام بشار، أحدث ذلك شرخا واسعا وإذكاء غير مسبوق للصراع الطائفي والتباغض والتعادي على أساس المذهب، ولم يربح من هذه المعركة أحد سوى الصهاينة والأنظمة الاستبدادية. ولم يكن ينبغي لقادة الحزب أن يتصوروا أن نظاما أتى بإرادة شعبية سيقف حائلا أمام شيء قد يُسهم في تحرير الجولان السوري، أو يؤثر في المشروع الصهيوني.

كان درْس العراق عام 2003 قريبا للأذهان، فقد اندلع قتال وتفجيرات بين السنة والشيعة عقب الاحتلال الأمريكي، وقبلها حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، ورغم ذلك فإن هذه الدماء لم تكن عائقا عند قتال حزب الله لإسرائيل عام 2006، واصطفَّ الجميع خلف الحزب واحتفل معه، وبعدها لم يستطع الساسة من الحركات الشيعية الحفاظ على هذا الرصيد بانخراطهم في سوريا.

جاء طوفان الأقصى عام 2023، وانخرط حزب الله والمقاومتان العراقية واليمنية وإيران في دعم فلسطين، وهذا التدخل كان ولا يزال محل تقدير عظيم، وكان شيخ الأزهر -مرة أخرى- واقفا موقفا صلبا في دعم لبنان، ما يتضمن دعم مقاومته التي يقف حزب الله على رأسها.

هذا الود بدأ يتعكر منذ الإطاحة ببشار الأسد، فقد كانت هناك تعليقات سلبية تصدر عن حزب الله وإيران، نظرا لأن الحكام الجدد كانوا في موضع قتالهم، واليوم يتحدث الرئيس السوري أحمد الشرع عن وجود دولة خارجية تدعم الاضطراب الأمني في مدن الساحل التي ينشط فيها أتباع ومجرمو نظام الأسد الزائل، وإذا كانت إيران متورطة في ذلك فستبدأ إعادة الوضع إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وتثير توترات لن يستفيد منها سوى العدو المشترك للمنطقة كلها.

إن الجراح السورية لن تندمل بين الأطراف المتقاتلة، بل ستحتاج إلى عامل الزمن لنسيان الجراح أو على الأقل هدوئها، وهذا مفهوم بعد سنوات من التخريب والقتل المتبادل، لكن الوعي العام لباقي الأمة استطاع تجاوز هذه الأزمة لوجود عدو مشترك، وفهموا أنه لا ينبغي للسنة والشيعة أن يكونوا أعداء، وذلك بالقدر الذي لا يستسيغ لأحد أن يطالب بإذابة الفوارق بين الطائفتين، فهذا لن يحدث على الإطلاق، فالخلافات مميِّزة للطرفين ولن تذوب، والمطلوب التعايش بينهما لا إذابة الفوارق، خاصة أن المشترك أكبر بكثير من دواعي الافتراق، إذ السياسة بوابة الافتراق، والدين بوابة الائتلاف، وغريب أن علماء الدين ينجرون وراء سلوكيات الساسة في طلب الدنيا والجاه والسيطرة، فهؤلاء إما مخادعون لجمهورهم المطمئن لمظهرهم الديني، أو أنهم مخدوعون من الساسة وسذَّج، والمخادع والمخدوع لا ينبغي أن يكون مسموع الكلمة.

نجد مسار إفشال التجربة السورية يتفق عليه الأعداء، فحزب الله وإيران ليسا محل ترحيب من النظام الصهيوني ولا من أنظمة الإقليم، والعكس بالعكس، لكن الجميع اتفق على إفشال سوريا. وسيتبع ذلك إضعاف للشعب السوري، وأيضا إضعاف للمحور الإيراني وحلفائه، فتغيير النظام السوري كان بغرض إضعاف هذا المحور، وفشله لن يعيد نظاما مواليا لإيران وحلفائها، فالأوْلى فتح صفحة جديدة مع شعوب المنطقة لا حكامها، ووقف نزيف الصراعات المفيدة للصهاينة
إن مفهوم المواطنة الذي يقبله علماء الطرفين يضع جميع الفرقاء في إطار الدولة الواحدة موضع المساواة وإلزام التعايش، وكذا يقبل علماء الطرفين مفهوم الأمة الواحدة، ويجتمعون في صعيد واحد في مكة المكرمة، يتجهون إلى قبلة واحدة ويتبعون نبيّا واحدا ومصحفا واحدا، فإذا قبلوا المواطنة، وهي مفهوم سياسي، فكيف يصدرون عن مفهوم الأمة الواحدة وهو مفهوم دين؟!

لا نريد تأليب الماضي ولا صنع خطاب يمزق، بل نذكِّر في إطار المحبة والنصح وقد قال شيخ الأزهر في شباط/ فبراير الماضي في الحوار الإسلامي- الإسلامي في البحرين: "إن فكرة دار التقريب نبتت في الأزهر مع الشيخ شلتوت -شيخ الأزهر الأسبق- ومع المرجع الديني الكبير محمد تقي القمي منذ عام 1949، واستمرت هذه الدار حتى 1957، وأصدرت تسعة مجلدات، تضم أكثر من 4 آلاف صفحة". وقد أراد بذلك أن يلقي الضوء على مساحة الاتفاق بين السنة والشيعة في وقت يعود فيه تهديدهم بصراع طائفي جديد، وعلى أرض سوريا مرة أخرى.

لذا ينبغي على العلماء أن ينتبهوا إلى دورهم هو الدعوة إلى الائتلاف لا الاختلاف، وحسنا سيفعلون إنْ أعلنوا لجمهور الأمة أنَّ عليهم الامتثال إلى إرادة الشعوب والوقوف بقوة خلف الديمقراطية حتى لو أتت بالمخالف، وهي مشروطة بأن تكون هناك حريات سياسية وفكرية وإعلامية، وذلك سيضمن لأي طرف تمثيلا لائقا بالقبول الشعبي له، أما رفض الاختيار الشعبي فإنه لا يعني سوى الفساد والرغبة في فرض الإرادة على غير ما ينادي الشرع الحنيف والأئمة الفقهاء من المذهبين.

تقف سوريا اليوم على مفترق طرق شديد الخطورة، فمن جهة هناك الصهاينة الذي يعربدون في سوريا، ومن جهة أخرى هناك شبح الطائفية الذي يطل برأسه، ومن جهة ثالثة هناك الدول التي ترفض نجاح مسار التغيير السياسي وتلاغب في بقاء الأنظمة المستبدة أو فشل الأنظمة التي تفتح باب المشاركة الشعبية. والنظام السوري الجديد شديد الضعف أمام هذه الاختبارات القاسية من أطراف قوية ولها أدوات ضغط هائل، وبدلا من توجيه الضغط نحو الديمقراطية وصناعتها ثم ترسيخها، نجد مسار إفشال التجربة السورية يتفق عليه الأعداء، فحزب الله وإيران ليسا محل ترحيب من النظام الصهيوني ولا من أنظمة الإقليم، والعكس بالعكس، لكن الجميع اتفق على إفشال سوريا. وسيتبع ذلك إضعاف للشعب السوري، وأيضا إضعاف للمحور الإيراني وحلفائه، فتغيير النظام السوري كان بغرض إضعاف هذا المحور، وفشله لن يعيد نظاما مواليا لإيران وحلفائها، فالأوْلى فتح صفحة جديدة مع شعوب المنطقة لا حكامها، ووقف نزيف الصراعات المفيدة للصهاينة لا للأطراف المتخاصمة.

مقالات مشابهة

  • سوريا بوابة وَحدة الأمة أو تمزقها
  • الإمام جابر بن زيد
  • توبة الإمام راشد بن علي
  • الميز القداسي بين رئيسي حزب الأمة اللواء والإمام (3)
  • الأفلان يثمّن الظروف التي جرت فيها انتخابات التجديد النصفي لـ “السينا “
  • الأفلان يثمن الظروف التي جرت فيها انتخابات التجديد النصفي لـ “السينا “
  • الأفلان يثمن الظروف الرائعة التي جرت فيها انتخابات التجديد النصفي لـ “السينا “
  • بإطلالة رمضانية.. رشا المهدي تتألق في أحدث ظهور
  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • المهدي الإبن والمهدي الأب.. مسألة الشرعية والحنكة السياسية