فلسطين تعرّي المفاهيم الأخلاقية للمجتمع الدولي
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
إذا أرادت واشنطن تطبيق القواعد التي تتحدّث عنها في إصرارها على بقاء النظام الدولي كما هو، فعليها أولا أن تفعل ذلك مع حلفائها الذين يتمتّعون بحصانة غير عادية تحُول دون مساءلتهم أو محاسبتهم على ما يأتون من فظائع. وأبرزهم إسرائيل التي ترتكب المجازر وحروب الإبادة والتهجير دون رادع قانوني.
إسرائيل تدرك جيدا حجم الخسائر البشرية في جنودها وتأثيرها المعنوي والميداني، المقاومة في لبنان وفي غزة تكبّد الاحتلال خسائر يومية في عتاده وجنوده.
وكما اعتقدوا أنّهم أنجزوه في غزة، فإنّ غاية إسرائيل الاستراتيجية من مواجهة المقاومة اللبنانية هي «تقليص الخطر الذي يشكله حزب الله على أمن إسرائيل وعلى استقرار المنطقة»، من خلال إضعاف قوّته وتحويله إلى لاعب هامشي غير ذي صلة تجاه المعادلات الإقليمية.
وبناء على هذه الرؤية الإسرائيلية المبتورة، يجب أن تتركز المعركة الفعالة لإضعاف حزب الله، في فصله عن مصادر قوته، وهنا تأتي عمليات القصف والترهيب وتهجير السكان في محاولة لتأليب العمق الشعبي ضد المقاومة، ناهيك من محاولات أمريكية إسرائيلية مشتركة لخلق جبهة سياسية داخلية قادرة على تهميش حزب الله وعزله سياسيا.
إسرائيل لا تتردّد في استغلال أي فرصة لتوسيع حدودها حتى تحول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية، وهو ما تقوم به عمليا في سياق حرب الإبادة والإجرام والمجازر اليومية في غزة، ولربما تكون قد نجحت فعلاً في تحقيق تلك الغاية التوسعية في ظل صمت عربي، ودعم غربي يجعلها تتصرف بناء على منطق لا يعرف الشفقة. سياسة الأرض المحروقة التي لا تترك الشجر ولا البشر، ولا يهمّ تتالي المجازر في حق المدنيين بشكل يومي أمام عالم يتابع إجراما لا مثيل له في عصر «التقدم والحضارة الإنسانية»، التي قالوا إنها تطوّرت.
يحدث كل ذلك رغم أن هذه ليست هي سياسة الولايات المتحدة، على الأقل فيما يتعلق بدعم حل الدولتين، الذي تكرّره الإدارة الأمريكية، وكذلك قضية المستوطنات، إلا أن التوسع مستمر أسبوعا بعد آخر، وتحت أنظار أمريكا والعالم بمجالسه الأمنية وهيئاته التحكيمية، ولا يوجد في واشنطن من يجرؤ على عمل شيء لوقفه. لم يحصل ذلك في عهد جو بايدن، ولن يحصل مع دونالد ترامب أيضا هذا مؤكد. الرجل الذي يتصرف بالديمقراطية في وطنه لن يساهم أبدا في الحقوق والحريات السياسية للفلسطينيين، أو لأي شخص آخر بتأكيد صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية نفسها.
أغلق ترامب البعثة الفلسطينية في واشنطن، وأنهى التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا، وأعلن وزير خارجيته مايك بومبيو أن المستوطنات مجرد أمر عادي، ولا تشكل انتهاكا للقانون الدولي على الإطلاق. كما اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وهي ليست خطوة معادية للفلسطينيين بشكل مباشر، ولكنها نذير لما يخطط للقيام به في ما يتعلق بالأراضي المحتلة في الضفة الغربية. لقد نقلت إدارته السفارة الأمريكية إلى القدس، معترفة فعليا بسيادة إسرائيل على المكان بأكمله دون أن تعلن ذلك. وقد أدت هذه الخطوة إلى تدمير الفلسطينيين وتدمير دعمهم لحل الدولتين.
لقد صُمّمت «اتفاقيات أبراهام» لتجعل من إسرائيل المفوض الإقليمي المعلن للولايات المتحدة
لقد صُمّمت «اتفاقيات أبراهام» لتجعل من إسرائيل المفوض الإقليمي المعلن للولايات المتحدة. وها هو دونالد ترامب يتمكن من ضمان فترة رئاسية أخرى، وبالتالي سيكون لتلك السياسة عواقب كارثية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إسرائيل تعتقد فعليا بأن لديها الحق في الاعتراض على القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة داخل المنطقة. إذن، في ما لو قيض لسياسة ترامب أن تتكرس من جديد، ستصبح إسرائيل بالفعل هي المفوضة بها والمسؤولة عنها، بما يعني استمرار الصراع الذي تشعل نيرانه قوة عسكرية لطالما كانت هي المبادرة بالعدوان.
ظهرت اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، وهي شكل خيالي من أشكال السلام كان المقصود منه، على الأقل بالنسبة لبنيامين نتنياهو وترامب، الالتفاف على الفلسطينيين وتركهم بلا دولة. وكانت التداعيات شعورا فلسطينيا عاما بالتخلي. وبالنسبة لحماس، غضبا من احتمالية صفقات التطبيع المستقبلية. دفعت إسرائيل ثمن هذا الغضب في السابع من أكتوبر. ويدفع الفلسطينيون ثمن رد فعل إسرائيل.
صحيح أن الحرب لم تبدأ في عهد ترامب. لقد أشعل النار فقط حتى «اشتعل المبنى بالكامل» تحت إشراف شخص آخر ليس بريئا. حان الوقت لكي يحدد المستوى السياسي خطة إنهاء الحرب في غزة وفي الشمال «قبل أن نغرق في الوحل» كما جاء في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أيضا. رئيس الموساد ديدي برنيع يصرّ على ضرورة ربط الساحات. وفي كلا الساحتين صُوّر انتصار جزئي لاسترضاء قاعدة كل طرف، من القضاء على السنوار، إلى أوهام رفع العلم الإسرائيلي على أنقاض عيتا الشعب. الآن بعد كل هذا، كل شيء في أيدي المستوى السياسي.
أمريكا التي تدعم إسرائيل في أعمالها العدوانية وإجرامها المطلق، تشير إخفاقاتها في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا والعديد من البلدان الأخرى، إلى أنها ستلقى مع كيانها الصهيوني المصير نفسه في غزة وفي لبنان.
وهي دلائل تاريخية على إخفاقات الولايات المتحدة المخزية، وتكاليف التدخل الخارجي وعقدة التوسع الامبراطوري. وسيكون لهذه الحروب في الشرق الأوسط انعكاسات كبرى على النظام الدولي المترنح، هذا «النظام الدولي القائم على قواعد» الذي انتهى في نظر بكين وموسكو تحديدا، بعد أن أصبح مكشوفا حجم الانتهازية والمعايير المزدوجة المتبعة من قبل القائمين عليه.
وكيف أنّ المصالح والرغبة في تواصل النفوذ هو ما ينطبق على استراتيجية واشنطن في المنطقة، وفي غيرها من مناطق العالم. لعبة القواعد وتغيير الأنظمة التي مارستها واشنطن مع حفنة من البلدان الأوروبية لن تقودهم إلى أي مكان بعد الآن. وهو ما يعني تمسك الدول العظمى الصاعدة بإعادة توزيع القوة الاستراتيجية، وهي دول تدعو في كل مرة واشنطن وحلف الناتو إلى الاستماع جيدا إلى الصوت العادل للمجتمع الدولي. والتوقف عن التحريض على المواجهة والتنافس، وأن يساهموا بشكل حقيقي في السلام والاستقرار في العالم. وبالتالي تدارك سقوط الضمائر وتهاوي المفاهيم الحقوقية لعالم تعرّى إنسانيا وأخلاقيا أمام اختبار الحق الفلسطيني وحجم الجرائم ضد الإنسانية.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال نتنياهو ترامب غزة نتنياهو الاحتلال المجتمع الدولي ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا
أكد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن واشنطن ستقوم بتزويد إسرائيل بذخائر لم يتم منحها لها سابقًا، في إطار الدعم العسكري الأمريكي المستمر لتل أبيب خلال الحرب الجارية في غزة.
وخلال الاجتماع، قال نتنياهو إن إسرائيل قريبة جدًا من تحقيق أهداف الحرب، مؤكدًا أن العمليات العسكرية مستمرة لتحقيق ما وصفه بـ"الحسم النهائي" في القطاع.
وأضاف نتنياهو: "من الجنون أن نكرر الأمر نفسه في غزة مرارًا وتكرارًا"، في إشارة إلى الحاجة لتغيير النهج المتبع في التعامل مع الأوضاع في القطاع، دون أن يوضح طبيعة التغييرات المحتملة.
وفيما يتعلق بخطط ما بعد الحرب، أقرّ نتنياهو بأنه لم يتم بعد الوصول إلى مرحلة التفاصيل بشأن ما يمكن القيام به في غزة، مما يشير إلى استمرار الغموض حول مستقبل القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وتأتي هذه التصريحات وسط تصاعد الجدل حول السياسات الأمريكية والإسرائيلية في غزة، خاصة مع استمرار الضغوط الدولية للدفع باتجاه حلول سياسية وإنهاء العمليات العسكرية التي تسببت في أزمة إنسانية حادة في القطاع.
إيران: مقترح ترامب يتماشى مع خطة إسرائيل لإبادة فلسطين وندعو لإدانته دوليًا
انتقدت وزارة الخارجية الإيرانية بشدة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن مستقبل غزة، مؤكدة أنه يتوافق مع خطة النظام الصهيوني الهادفة إلى إبادة فلسطين بالكامل.
وقالت الخارجية الإيرانية، في بيان رسمي، إن خطة الترحيل القسري التي تحدث عنها ترامب تمثل استمرارًا لخطة مدروسة من قبل الكيان الصهيوني لمحو الشعب الفلسطيني وطمس هويته الوطنية.
ودعت إيران المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى إدانة هذا المقترح بشدة، معتبرة أنه يتعارض مع كل القوانين الدولية والإنسانية، ويشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة.
وأضاف البيان أن أي محاولات لفرض حلول تتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني لن تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد، مجددة موقفها الداعم لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.
وتأتي هذه التصريحات وسط ردود فعل متباينة على مقترح ترامب، حيث لاقى دعمًا من بعض الأوساط الإسرائيلية، بينما قوبل برفض واسع في العواصم العربية والإسلامية.