جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
صراع قيمي
الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير منها في الإنترنت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجَم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح، بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لأنها لا تتماشى مع ما وصل إليه البشر من علوم وابتكارات.
هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان، فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراعا مستمرا ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة. في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلام ومهامه بشكل مجحف.. "تُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ"، هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان، والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن أُخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.
صراع نفسي:
مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسان مشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما مع الإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن يمكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.
تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق، وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012، ونبوءة المايا وضرب "ليون مستنغر" أمثال متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح، وأن مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية 1994 فقالوا إنه سيعود "فالمسيح يستيقظ من بين الأموات"، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027.. والأمثلة كثيرة.
عندما يريد الإنسان أن تكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فإنه يحاول تسفيهه بافتراض أنه مزايد أو دجال، على قاعدة العنب الذي لا يُطال حامض، بدل السعي للتكامل معه. غالبا الشخص الجيد ليس هو الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما يفكرون هم به ليقودهم إلى حيث يريد وهو ليس ما يريدون، كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.
معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:
توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.
في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه، وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيقا أو عشيقة دون أن يكون أمرا شاذا، وكل أمر يتطور يُرفض بداية ثم يُتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا، وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة صدرت بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الإله عمليا.
عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها، والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها. ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين أنه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذين متنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار.. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.
معالجة هذا:
إن مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف، في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا، فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.
بدل أن نتصالح مع أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل أن نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتُختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات. الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ، وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.
كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة، وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهاري.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات قيمي الأفكار التخلف المسلمين مسلمين أفكار قيم التخلف مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
سعود بن صقر : العلوم قادرة على إحداث تغييرات جذرية في المجتمعات
استقبل صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، في قصر سموه بمدينة صقر بن محمد، الأربعاء، نخبة من العلماء والباحثين المشاركين في الدورة الـ 16 من ورشة العمل الدولية للمواد المتقدمة، التي اختُتمت فعالياتها اليوم بمشاركة أكثر من 200 عالم وطالب ومختص من مؤسسات أكاديمية وبحثية مرموقة حول العالم.
وثمّن صاحب السمو حاكم رأس الخيمة، خلال اللقاء، جهود العلماء والباحثين في إثراء أعمال الورشة من خلال الجلسات النقاشية التي شاركوا فيها، والأوراق البحثية المتخصصة المقدمة من قبلهم، والتي تشكل ركيزة أساسية في الجهود الدولية لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف دول العالم.
وأكد صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي أن للعلوم قدرة على إحداث تغييرات جذرية في المجتمعات، وبناء مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة للبشرية جمعاء. ومن خلال الاكتشافات العلمية، تُفتح آفاق جديدة لاكتساب المعرفة والتطور التكنولوجي، ما يمكّن من مواجهة التحديات العالمية، بدءاً من تغير المناخ، ووصولاً إلى الرعاية الصحية.
وتبادل سموه والحضور الأحاديث حول عددٍ من توصيات ومخرجات الورشة لهذا العام في قطاعات الطاقة والنقل والتصنيع، مما يسهم في تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية في رأس الخيمة ونظيراتها من المعاهد البحثية الدولية لتطوير مجالات بحثية تدعم مسيرة الإمارة نحو مزيد من التقدم والازدهار المستدام.
من جانبهم، أعرب العلماء المشاركون عن بالغ شكرهم وتقديرهم لصاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، وعلى دعمه الكبير وتقديره للعلماء والباحثين.
وأكدوا أن رعاية سموه لورشة العمل الدولية للمواد المتقدمة، على مدار 16 عاماً، أسهمت في نجاحها واستمراريتها كمنصة علمية دولية، وأتاحت للعلماء والباحثين من مختلف أنحاء العالم فرصة التشاور وتبادل الخبرات والاطلاع على أحدث البحوث العلمية.
وأقام صاحب السمو حاكم رأس الخيمة، بهذه المناسبة مأدبة عشاء تكريماً للمشاركين.
حضر اللقاء والمأدبة عدد من المسؤولين.
(وام)