هل فقد الفنانون الشباب الاتصال بجذورهم؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
في العقدين الأخيرين، شهدت الساحة الفنية العالمية تحولًا كبيرًا، حيث أصبح الفن أكثر تنوعًا وتعقيدًا من أي وقت مضى. هذه التحولات فرضت على العديد من الفنانين الشباب أن يتخذوا مسارات جديدة، مبتكرة في بعض الأحيان، وغير تقليدية في أحيان أخرى. ومع هذه التغيرات، يطرح السؤال: هل فقد الفنانون الشباب الاتصال بجذورهم الثقافية والفنية؟ وهل كان التقدم نحو الحداثة والإبداع على حساب الهوية الثقافية والفنية التقليدية؟
التأثيرات العالمية والرقميةأدى الانفتاح على الثقافات العالمية من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة تبادل الأفكار والأساليب الفنية بين الفنانين حول العالم.
أحد الأسباب التي قد تساهم في هذا الابتعاد هو تزايد الانصياع وراء المفاهيم التجارية والنجاح السريع في عالم الفن. في عصر السوشيال ميديا، أصبح التقدير الفني يعتمد بشكل كبير على القبول السريع لقطع الفن عبر منصات الإنترنت، وهذا يمكن أن يعزز من الاهتمام بالأعمال ذات الطابع العصري أو المتأثر بالتيارات العالمية، ما يجعل الفنانين يسعون إلى التفوق من خلال خلق أعمال تتماشى مع ذائقة الجمهور العابر للعالمية.
فقدان التواصل مع التراثعلى الرغم من التطور الكبير في الأساليب والأدوات التي يستخدمها الفنانون اليوم، هناك العديد من الأصوات التي تُنادي بضرورة الحفاظ على التواصل مع التراث الفني والثقافي المحلي. في العديد من الحالات، نجد أن الفن المعاصر قد تخلّى عن الرموز الثقافية التي كانت تمثل جزءًا من الهوية الوطنية، وبدأت بعض الأعمال الفنية تبتعد عن القيم والتقاليد التي كانت تمثل جوهر الفن في أوقات سابقة.
إذا نظرنا إلى الفن العربي، على سبيل المثال، سنجد أن العديد من الفنانين الشباب قد اختاروا مواضيع فنية تتعامل مع قضايا سياسية أو اجتماعية تتأثر مباشرة بالتغيرات العالمية، لكنها في كثير من الأحيان تفتقر إلى العلاقة مع الهوية الثقافية الحقيقية. أصبح الفن هنا أكثر توجهًا إلى التفسير الشخصي والتجريبي على حساب الانتماء الثقافي.
الفن كمرآة للهويةالفن في جوهره هو وسيلة للتعبير عن الذات والتفاعل مع المجتمع والثقافة. ومن هنا، يرى بعض النقاد أن فقدان الاتصال بالجذور قد يؤدي إلى تشويش المعنى الأعمق للفن. عندما يبتعد الفنانون عن ثقافاتهم الأصلية، يصبح الفن مجرد عملية تجارية أو وسيلة لتحقيق الشهرة، مما يفقده بعده الإنساني العميق.
يعتبر البعض أن الفنانين الشباب بحاجة إلى العودة إلى الجذور الفنية والاجتماعية التي تربطهم بجذورهم الثقافية. على سبيل المثال، في الثقافة العربية، كان الفن التقليدي يعكس الهوية العربية والإسلامية من خلال الزخارف الإسلامية والعمارة، وهو نوع من الفن الذي يسعى لتوحيد المجتمع ويعكس القيم الروحية. هل أصبح هذا النوع من الفن الآن قديمًا وغير ذي جدوى في عصر الانفتاح التكنولوجي؟
الفن المعاصر والهوية الثقافية
ومع ذلك، هناك العديد من الفنانين الشباب الذين يحاولون المزج بين الحداثة والهوية الثقافية. هؤلاء الفنانون يسعون إلى دمج الأساليب الحديثة مع الموروث الثقافي الغني في أعمالهم، مستخدمين الأدوات الجديدة مثل الوسائط المتعددة والفن الرقمي، لكنهم ما زالوا ملتزمين برواية قصص من واقعهم الثقافي. على سبيل المثال، نجد في أعمال بعض الفنانين العرب الشباب الذين يعبرون عن معاناة المجتمعات العربية عبر الفن المعاصر، يظهر تأثير التراث العربي في كل تفاصيل أعمالهم، سواء في الموضوعات أو الرموز أو الأدوات المستخدمة.
التحديات التي تواجه الفنانين الشبابالتحدي الأكبر الذي يواجهه الفنانون الشباب اليوم هو الحاجة إلى التوفيق بين الحفاظ على الهوية الثقافية وبين تلبية توقعات السوق الفني الحديث. المعارض الفنية اليوم تبحث عن الأعمال التي تتماشى مع الاتجاهات السائدة، ما يجعل الفنانين في كثير من الأحيان يشعرون بالضغط للتخلي عن أسلوبهم الفريد لمواكبة هذه المتطلبات التجارية.
من ناحية أخرى، هناك العديد من المؤسسات الثقافية والفنية التي تسعى لتوفير منصة للفنانين الشباب للعودة إلى جذورهم الثقافية. هذه المبادرات تسعى لتعزيز الفن المحلي من خلال دعم الفنانين الذين يعبرون عن الهوية الثقافية والفنية من خلال أعمالهم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الفجر الفني
إقرأ أيضاً:
بدور القاسمي تفتتح في “1971 – مركز للتصاميم” معرضاً لأعمال الفنانين المشاركين في “مهرجان تنوير”
افتتحت الشيخة بدور القاسمي، مؤسسة ورؤية مهرجان تنوير معرض، “نماذج أبدية” الذي ينظمه “1971 – مركز للتصاميم”، بالتزامن مع استعداد الشارقة لانطلاقة “مهرجان تنوير”، حيث يكشف المعرض خفايا العملية الإبداعية لأعمال فنية يعرضها المهرجان، استلهمت رؤيتها من طبيعة صحراء مليحة، مصطحباً الزوار في رحلة تفاعلية بدءاً من تصوّر وتطوير الأعمال الفنية وصولاً إلى تنفذيها.
ويسلط المعرض، الذي يفتتح أبوابه رسمياً اليوم (20 نوفمبر) وحتى 3 أبريل 2025، الضوء على أعمال 10 فنانين مصممة من قبل 11 فناناً إماراتياً وعربياً وأجنبياً يتخذون من دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً. ويتضمن المعرض برنامجاً مكثفاً من الجولات، وحوارات مع الفنانين، وورش العمل، والفعاليات المجتمعية على مدار 5 أشهر، حيث يوسع المعرض آفاق الحوار حول الإبداع، والمرونة، والتواصل إلى ما وراء الأعمال الفنية ذاتها.
ويقام “مهرجان تنوير 2024” تحت شعار “أصداء خالدة من المحبة والنور” أيام 22 و23 و24 نوفمبر الجاري، في صحراء مليحة الغنية بالمشاهد الطبيعية الساحرة والمواقع التاريخية، وتستلهم دورة العام الجاري من المهرجان تعاليم الشاعر جلال الدين الرومي، وتستضيف نخبة من أعظم الفنانين والشعراء على مستوى العالم للاحتفال بالإبداع والترابط والعلاقة الوثيقة بين الفن والطبيعة والحياة الروحانية.
الحكمة والجمال وترابط الإنسان بالطبيعة
ويتجاوز معرض “نماذج أبدية” مفهوم الحدود التقليدية للمعرض الفني، حيث يشكّل سرداً شاملاً للتعبير الإبداعي، موثقاً العمليات الدقيقة لتنفيذ الأعمال الفنية، حيث يتيح الفرصة أمام الزوار لاستكشاف مراحل تكوين المنحوتات والأعمال التركيبية الفنية المشاركة في “مهرجان تنوير”، بدءاً من مسودات الرسومات والتصميمات وصولاً إلى تطوير النماذج الأولية. كما يكشف كافة مراحل العملية الإبداعية من خلال عرض منظم يشمل تفاصيل الرسومات والنماذج المصغرة وتجارب المواد المستخدمة، بالإضافة إلى مقابلات مصورة مع الفنانين، مقدماً رؤية عميقة وشاملة لرحلة التجسيد الإبداعي، بما ينسجم مع كلمات الشاعر الرومي من القرن الثاني عشر: “عندما تقرر أن تبدأ الرحلة، سيظهر الطريق.”
ويعد الإبداع الدقيق في محاكاة الكثبان الذهبية لصحراء مليحة من أبرز العناصر المتميزة للمعرض، حيث يعبر الزوار مساراً متعرجاً يستحضر رحلة حقيقية عبر المشهد الصحراوي، موفراً لهم تجربة تفاعلية غامرة، إذ يضع المسار النماذج الفنية في مساحة تعكس البيئة الواسعة لصحراء مليحة، ويدعو الزوار لتأمل الحكمة، والجماليات، وترابط الإنسان بالطبيعة، والانغماس فيها، حيث تتنوع التركيبات والأعمال الفنية بين تفسيرات بصرية لتعاليم جلال الدين الرومي، والأعمال المستوحاة من الامتداد الطبيعي والأثري للصحراء، موفرة تنوعاً في وجهات النظر الفنية، مع تأكيد العلاقة التفاعلية بين التعبير الإبداعي والجماليات الطبيعية والبيئية.
التميز الإبداعي لـ11 فنان عالمي
ويقدم كل فنان مساهمة فريدة إلى المهرجان، ونموذجاً للتميز الإبداعي، فانطلاقاً من عمل بعنوان “آثار صحراوية” للفنانين كريم وإلياس الذي يتأمل الأصداء التاريخية، إلى رحلة فكرية عبر “طريق الرومي” للفنانة عزة القبيسي، وصولاً إلى “واحة النخيل” التفاعلية للفنان خالد شعفار، يوفر كل عمل فني تفسيراً شخصياً لشعار المهرجان.
ويستكشف عملان فنيان، الأول بعنوان “دائرة النجوم” للفنانة باتريشيا ميلنز، والثاني بعنوان “حَلَقيّ” للفنانة زينب الهاشمي، العلاقة بين الظواهر السماوية والأشكال الأرضية، في حين يتيح عمل بعنوان “بوابة الحكمة” للفنانة نداء إلياس، للمشاهدين فرصة التفاعل في تأمل سرد بصري حول الذات والتنوير، أما “حُماة الأرض” للفنانة رباب طنطاوي، فيجسد مفهوم الحماية الثقافية ويكشف مبدأ المرونة في حوار الثقافات.
ويزداد ثراء المعرض بأعمال عديدة منها: “لامُتَنَاه” للفنان أحمد قطّان، والنجوم السوداء من العمل الفني “ليلة القدر” لرغد الأحمد، و”نَّو” للفنان عمر القرق، حيث يسهم كل عمل بتقديم طبقات من التعبير التأملي والثقافي المشترك.
وبعد اختتام “مهرجان تنوير” في 24 نوفمبر الجاري، ستبقى هذه التركيبات متاحة للجمهور، موفرة لهم فرصة مواصلة الاستمتاع بأعمال فنية، وتأملها، في المشهد الطبيعي الهادئ لصحراء مليحة.