هاتفني أحد المعارف النازحين من الجزيرة المكلومة بحلفا الجديدة لائذا بها من شرور الاستباحة والقتل والنهب والاغتصاب وبعد أن حكى لي عن رحلتهم المضنية وأسرته، التي كان أغلبها سيراً على الأقدام، وفيها الكثير من تفاصيل الأهوال والمصاعب التي لا يحتملها بشر، وفي تأثر بالغ ومحزن قال لي: إن قريتهم المسالمة التي تأسست من قبل مائة عام لم يدخلها شرطياً قط في جناية، ولم يذهب مواطن واحد من ساكنيها إلى المحكمة مقاضياً.

وأن السلاح الوحيد الذي يمتلكه أهل القرية هي المدية والفاس، الأولي لذبح خراف القِرى والضيوف، والثانية للاحتطاب. وهنالك بندقية صيد وحيدة مرخصة عند العمدة تستعمل غالباً في مناسبات الزواج حيث تطلق بعض الرصاصات بغرض الإشهار.

وبرغم الشجاعة والنخوة والمناصرة للضعيف إلا أن الإلتزام الصارم لهذه القرية والأخريات منعتهم من اقتناء الأسلحة والقنابل والقاذفات. وحين دعا داعي الوطن لمنازلة الاستعمار منذ المهدية عبوراً بكل مراحل التمرد، وحراسة الثغور قدمت هذه القرية المنكوبة، بل قدمت الجزيرة الآف الشهداء وما زالت قادرة على ممارسة هذه الموهبة المهيبة.

الأمر الذي لا يعلمه هؤلاء البغاء المرتزقة والخونة والقتلة واللصوص، بأن كل قرية من هذه القرى الوادعة التي اقتحموها أسست على تقوى ووطنية، بئر وشيخ وخلوة، وقد نسي هؤلاء وتناسوا أن هذه القرى آوتهم قديماً، ومنحتهم الأرض والماء والأخوة الصادقة، وفتحت أمامهم القلوب، مثلما فتحت الخلاوي والمساجد والمدارس، تلك المعاهد التي تخرج منها قادة هذه العصابات الباغية، ولكن متى أفرغت الذئاب من دمها حيل الخيانة والتهام الذين أرضعوها حليب النماء والحياة.

إن الدم المسفوح والمال الحرام والجرائم المنكرة، التي هزت نفوس السودانيين، بل هزت الضمير العالمي لن تضيع سدًى، وسيطارد قصاص وثأر الأحرار هذه العصابة المجرمة أينما حلت وأقامت وارتحلت، وسوف تتوالى أخبار وسير مصارع قادتهم وجنودهم تباعاً، ولن يفلت منهم احداً هلكى بيد الشعب الضاربة وقواته المسلحة الباسلة أو بشر النهاية أو سوء الخاتمة. وهو لعمري مصير لوضوحه يراه الشعب ماثلا مثل الشمس في رابعة النهار، فبالرغم من تشتت قتلة الخليفة الشهيد عثمان بن عفان صاحب جيش العسرة، وبئر روما، وذي النوريين الرجل الذي تستحى منه الملائكة.

فبالرغم من تبعثرهم في كل الأمصار والأصقاع زرافات ووحدانا إلا أن يد الثأثر والمشيئة وسوء الخاتمة قد طالتهم واحدا تلو الآخر.

وقد وثق رواة الأخبار أن آخرهم كان عمير بن ضابئ الذي اعترض سبيل الحجاج بن يوسف بعد خطبته الشهيرة بمسجد الكوفة، حيث أمر أهلها بمنازلة الخوارج تحت قيادة المهلب. قال عمير للحجاج مستأذنا: إني شيخٌ كبيرٌ كما ترى، ولا همة لي على القتال فهل أرسل إبني لينوب عني؟ فوافق الحجاج حينما رأى أنه طاعن في السن، لكن قدم رجلٌ على الحجاج اسمه عنبسة بن أبي سعيد فقال للحجاج: أتعلم من هذا أيها الأمير؟ فقال: لا، قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي دخل على عثمان يوم الدار ووطئ على صدره وكسر ضلعين من أضلاعه. فقال الحجاج ردوه فلما ردوه قال الحجاج لعمير: إن في قتلك لصلاح للمسلمين، فأمر بضرب عنقه وكان أول قتلى الحجاج في العراق.

ولن تكون نهاية هؤلاء الأوغاد وقادتهم الذين صعدوا على صدور هذه القرى المباركة وحطموا أضلاعها وأوضاعها، إلا من نهاية عمير بن ضابئ الذي صعد بأرجله الآثمة فوق صدر الخليفة الشهيد وما أشبه الليلة بالبارحة.

حسين خوجلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

غرف السياحة: إتاحة مهلة 48 ساعة للشركات لاستكمال بيانات الحجاج| فيديو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الدكتور وائل زعير، عضو الاتحاد المصري لغرف السياحة، أن شركات السياحة أمامها مهلة 48 ساعة لاستكمال البيانات المطلوبة وإصدار التأشيرات، وذلك ضمن جدول زمني منظم وضعته وزارة الحج السعودية بالتنسيق مع وزارة السياحة المصرية.

وقال الدكتور وائل زعير خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية نهاد سمير، والإعلامي أحمد دياب، في برنامج «صباح البلد» المذاع على قناة «صدى البلد»، إن وزارة السياحة تمنح هذه المهلة لبعض الشركات التي تعاني من تأخيرات، بهدف ضمان الالتزام بالمواعيد المقررة والحد من التراكمات الإدارية.

وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تعمل باستمرار على تطوير منظومة الحج، بالتعاون مع وزارة السياحة المصرية، ما أدى إلى تسريع الجدول الزمني وبدء الإجراءات في وقت مبكر مقارنة بالسنوات الماضية.

وذكر أن النظام المشترك الذي تم وضعه بين وزارة السياحة المصرية ووزارة الحج السعودية يتميز بمستوى عالي من التنظيم، مشددًا على أن هذا التعاون سيمنع تكرار حالات الفوضى التي شهدتها بعض المواسم السابقة نتيجة دخول حجاج غير نظاميين.

مقالات مشابهة

  • بعد أزمة موسم حج 2024.. شروط المصريين المقيمين لدخول مكة خلال الموسم المقبل
  • مهلة 48 ساعة لشركات السياحة لاستكمال بيانات الحجاج المصريين| فيديو
  • غرف السياحة: إتاحة مهلة 48 ساعة للشركات لاستكمال بيانات الحجاج| فيديو
  • حسين خوجلي يكتب: أيام الله السبعة
  • أهالي شطورة يستغيثون بعد تشهير مجهولين بفتيات القرية عبر فيسبوك
  • من الرجل الذي كافأه المأمون؟ وما قصة المثل: ربّ مملول لا يستطاع فراقه؟
  • غرامة وسجن.. السعودية تحذر الحجاج والمعتمرين المتأخرين عن المغادرة
  • عثمان حسين يصدر قراراً بإقالة والي الولاية الشمالية عابدين عوض الله من منصبه وتعيين “اللواء معاش” عبد الرحمن عبد الحميد
  • حبس المتهمين بإدارة شركات سياحة غير مرخصة تخصصت بالنصب على الحجاج
  • السياحة: مهلة أخيرة 48 ساعة لإنهاء إجراءات الحج