قالت دار الإفتاء المصرية إنَّ المقصود من صلاة الجمعة هو اجتماع المسلمين في مكان واحد خاشعين متذلّلين لرب العاملين، شاعرين بالعبودية له وحده، متأثرة نفوسهم بعظمة الخالق الذي اجتمعوا لعبادته، متجهين جميعًا في خضوع إلى وجهه الكريم، فلا سلطان ولا عظمة لا كبرياء ولا جاه إلا لله وحده.

وأوضحت الإفتاء أنه اختلفت آراء المذاهب الأربعة في صحَّة الجمعة وعدم صحتها عند تعدد الأماكن أو المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة، وفيما هو واجب على المسلمين إذا لم تصحّ الجمعة.

مذهب الحنفية في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة

قال الحنفية إن الرأي الصحيح والراجح عندهم أن تعدّد المساجد والأماكن التي تصحّ فيها الجمعة لا يؤثر في صحة الجمعة ولو سبق بعضها الآخر، وذلك بشرط أن لا يحصل عند المُصَلّي اليقين بأنّ غيره من المصلين في المساجد أو الأماكن الأخرى قد سبقه في صلاة الجمعة؛ فإذا حصل له هذا اليقين وجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية أخرى ظهرًا بتسليمة واحدة، والأولى أن يُصَلّي هذه الركعات بعد أن يصلي أربع ركعات سنة الجمعة، والأفضل كذلك أن يصلّيها في بيته حتى لا يعتقد العامة أنَّها فرض.

مذهب الشافعية في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة

وقال الشافعية: إذا تعدَّدت الأمكنة التي تصلح فيها  الجمعة لا يخلو إما أن يكون تعدّد هذه الأماكن لحاجة أو ضرورة كأن يضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة، وإما أن يكون تعدّد هذه الأماكن لغير حاجة أو ضرورة؛ ففي الحالة الأولى: وهي ما إذا كان التعدّد للحاجة أو الضرورة؛ فإنَّ الجمعة تصلّى في جميعها ويُندَب أن يصلي الناس الظهر بعد الجمعة.

أما في الحالة الثانية: وهي ما إذا كان التعدّد لغير حاجة أو ضرورة فإنَّ الجمعة لمَن سبق بالصلاة بشرط أن يثبت يقينًا أنَّ الجماعة التي صلت في هذا المكان سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، أمَّا إذا لم يثبت ذلك بأن ثبت بأنهم صلّوا في جميع المساجد في وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام معًا في لحظة واحدة أو وقع الشك في أنهم كبروا معًا أو في سبق أحدهم بالتكبير؛ فإنّ الصلاة تبطل في جميع المساجد ويجب عليهم جميعًا أن يجتمعوا في مكان واحد ويعيدوها جمعة إن أمكن ذلك وإن لم يمكن صلوها ظهرًا. تراجع "حاشية العلامة البيجرمي على شرح المنهاج" (2/ 194، ط. دار الفكر).

مذهب المالكية في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة

ذهب المالكية إلى أنَّ الجمعة إنما تصحّ في المسجد العتيق، وهو ما أقيمت فيه الجمعة أولًا ولو تأخر أداؤها فيه عن أدائها في غيره ولو كان بناؤه متأخرًا، وتصحّ في الجديد الأحوال الآتية:

-  أن يُهجر العتيق وينقلها الناس إلى الجديد.

-  أن يحكم حاكم بصحتها في الجديد.

-  أن يكون القديم ضيقًا ولا يمكن توسعته؛ فيحتاج الناس إلى الجديد.

-  أن تكون هناك عداوة بين طائفتين بالبلد الواحد ويخشى من اجتماعهما في مسجد واحد حدوث ضرر لإحداهما من الأخرى؛ فإنه يجوز لأيّهما اتخاذ مسجد في ناحية يصلون فيه الجمعة ما دامت العداوة قائمة، وذهب بعض المالكية إلى جواز تعدّد الجمعة إذا كان البلد كبيرًا؛ قال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 374، ط. دار الفكر) بعد أن ذكر ما سبق: [وقد جرى العمل به] اهـ.

مذهب الحنابلة في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة في البلدة الواحدة

ذهبوا الحنابلة إلى أنّ تعدّد الأماكن التي تُقَام فيها الجمعة في البلدة الواحدة إما أن يكون لحاجة أو لغير حاجة: فإن كان لحاجة كضيق مساجد البلدة عمَّن تصح منهم الجمعة، وإن لم تجب عليهم وإن لم يصلوا فعلًا؛ فإنه يجوز وتصحّ الجمعة في جميع المساجد سواء كانت صلاة الجمعة في هذه المساجد بإذن ولي الأمر أم بدون إذنه، وفي هذه الحالة الأَوْلَى أن يصلى الظهر بعدها.

أمَّا إذا كان تعدّد المساجد لغير حاجة؛ فإنَّ الجمعة لا تصحّ إلا في المكان الذي أذن ولي الأمر بإقامة الجمعة فيه، ولا تصحّ الجمعة في غيره حتى ولو سبقت، وإذا أذن ولي الأمر بإقامتها في مساجد متعددة لغير حاجة أو لم يأذن أصلًا؛ فالصحيحة فيها ما سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، فإن وقعت الصلاة في وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام معًا بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، فإن أمكن إعادتها جمعة أعادوها وإن لم يمكن صلوها ظهرًا.
وإذا لم تعلم الجمعة السابقة؛ فإنّ الجمعة تصحّ في مسجد غير معين فلا تعاد جمعة، ولكن على الجميع أن يصلوها ظهرًا. يراجع "تصحيح الفروع" للعلامة المقدسي الحنبلي (3/ 158، ط. مؤسسة الرسالة)، وقال في "الإقناع" (2/ 39، ط. دار الكتب العلمية): [إنَّ الجمعةَ تصح في مواضع من غير نكير فكان إجماعًا، قال الطحاوي: وهو الصحيح من مذهبنا، وأما كونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقمها ولا أحد من الصحابة في أكثر من موضع؛ فلعدم الحاجة إليه] اهـ.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: دار الافتاء المصرية دار الإفتاء صلاة الجمعة الصلاة الجمعة حاجة أو فی جمیع أن یکون إذا کان وإن لم جمیع ا

إقرأ أيضاً:

كيف ولماذا طرح الفلسطينيون حل الدولة الواحدة؟ قراءة في كتاب

الكتاب: حوارات في مسألة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين
المؤلف: محمد الحلاج
تحرير وتقديم: جابر سليمان
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية


مع تراجع فرص تحقيق حل الدولتين في العقدين الأخيرين برزت الكثير من المبادرات، والمؤتمرات والدراسات، داخل فلسطين وخارجها، تناقش موضوع حل الدولة الواحدة الديمقراطية، سيما مع تقويض إسرائيل لأي احتمالية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بتوسيع المستوطنات بشكل كبير، وفرضها نظام فصل عنصري على الفلسطينيين.

غير أن الكتاب موضوع العرض هنا لا يناقش حل الدولة الديمقراطية في السياقات الحالية، إنما استنادا إلى أفكار ورؤى سياسية من ثمانينيات القرن الماضي، سجلها الباحث والأكاديمي وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، محمد الحلاج، في العام 1982 في حوارات مع نخبة من المفكرين والسياسيين الفلسطينيين، لكنه لم ينشرها، حتى وجدها ابنه إبراهيم الحلاج في أرشيفه الشخصي بعد وفاته في العام 2017، فأرسلها لمؤسسة الدراسات الفلسطينية التي قامت مؤخرا بجمعها وتحريرها وإصدارها في هذا الكتاب. يقول الباحث الفلسطيني جابر سليمان في مقدمة الكتاب أن مقاربات الشخصيات الوطنية للدولة الديمقراطية "قد تبدو، من منظور راهن، منفصلة عن الواقع ومفرطة في التفاؤل، لكنها تعبر عن مستوى الفكر السياسي الفلسطيني في مرحلة صعود منظمة التحرير الفلسطينية وتبوئها مكانة متميزة بين حركات التحرر الوطني العالمية، خصوصا بعد قبولها عضوا مراقبا في الأمم المتحدة عام 1974، وفي أعقاب صدور قرار الأمم المتحدة الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية عام 1975". ويرى سليمان أن الأهم من ذلك أن هذه الآراء عكست مضمونا تقدميا لمشروع الحركة الوطنية الفلسطينية، الذي يميز بشكل صريح بين اليهودية كدين والصهيونية كأيديولوجيا عنصرية.

ما يحدث اليوم في غزة هو "انكشاف لجوهر المشروع الصهيوني أمام قطاعات أوسع من الرأي العام العربي والعالمي". المشروع الذي "ينكر مجرد وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، وينزع عنهم إنسانيتهم"، ويلتزم به مجتمع استيطاني عنصري.تركز الحوارات على مسائل أساسية مثل ماهية الحل الاستراتيجي الأمثل للقضية الفلسطينية، وإمكانية التوفيق بين مبدأ الدولة الديمقراطية وعروبة فلسطين، وما إذا كان هناك تناقض بين هذه الدولة وبنود الميثاق الوطني الفلسطيني، وعدم تجاوب القوى الديمقراطية اليهودية والعالمية مع فكرة الدولة الديمقراطية، وضرورة المرور بمرحلة حل الدولتين قبل الوصول إلى حل الدولة الديمقراطية.

طبيعة الدولة وعروبة فلسطين

عن بدايات ظهور فكرة حل الدولة الواحدة يقول محمد أبو ميزر، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة "فتح" آنذاك، أن الحركة هي أول من طرح هذه الفكرة في العام 1968، حين بدأت تواجه الثورة على مستوى اليسار العالمي تساؤلات حول البرنامج السياسي لها، وماذا سيكون مصير اليهود، في الوقت الذي لم يكن لدى الثورة، حتى تلك الفترة، برنامجا واضحا.

ويضيف إنه بعد لقائه بعدد من مفكري اليسار الفرنسي في باريس مثل مكسيم رودنسون، وجاك بيرك، وبمساعدة من بعض رموز الثورة الجزائرية، تمت صياغة برنامج على شكل بيان، وصار يعرف ببرنامج الدولة الديمقراطية. بينما يؤكد بلال الحسن (1939 ـ 2024)، السياسي والصحافي، أن أول من طرح الفكرة كان الدكتور عبد الوهاب الكيالي في نشرة "فتح" التي كان يصدرها من لندن. لكن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هي من قدمت إلى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السادسة في العام 1969 ورقة عمل بهذا الخصوص، إلا أن أعضاء المجلس رفضوا إدراج هذا الموضوع في قرارات المجلس وتوصياته، حيث انتهى الأمر بإحالته إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لدراسته بصورة أعمق، مع أنه ظل يطرح بشكل أو بآخر في الأدبيات الفلسطينية وأدبيات المجلس الوطني.

يشير سليمان إلى وجود شبه توافق في الإجابات حول نفي أي تناقض بين نصوص الميثاق الوطني وحل الدولة الديمقراطية. ويشرح الباحث داود تلحمي كيف أن الميثاق "يعرّف الشخصية الفلسطينية، ولا يتناول الجنسية، ولا يحدد من له حق العيش في فلسطين.. وكل طروحات المقاومة ترى حق اليهود الموجودين في البلد جميعهم إذا أرادوا أن يكونوا مواطنين متساوين في الدولة الديمقراطية".

أما أحمد نجم، عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية فيقول إن "الميثاق ينص على تحرير فلسطين، وليس هناك في حركات التحرير ما يقول إن التحرير يعني طرد السكان من البلد، فتحرير ألمانيا، على سبيل المثال، من النازية لم يشترط طرد النازيين منها، بل تحريرها من سلطاتهم.. تهجير الناس لم يكن أبدا جزءا من فكر الحركة الوطنية العربية أو الفلسطينية، ولم تمارسه سوى الحركة الصهيونية". إلى ذلك يرى إبراهيم أبو لغد (1929-2001)، الباحث وعضو المجلس الوطني، أن "الميثاق، في الوضع الطبيعي، يجب أن يتم تعديله، لأنه يمثل مفاهيم وقيم ومبادىْ تلائم أواسط الستينيات، وليس فقط لجعله مناسبا للدولة الديمقراطية..".

بينما يقول يوسف صايغ (1916-2004) مفكر وباحث اقتصادي، إنه غير مقتنع بجدية التناقض بين الميثاق والدولة الديمقراطية، لسببين؛ الأول أن هناك مبالغة في دلالات النصوص، والثاني أنه يمكن تعديله إذا جاء وقت الحديث الجدي عن الدولة الديمقراطية وتوحيد فلسطين. وعن التوفيق بين فكرة الدولة الديمقراطية وعروبة فلسطين يقول المفكر منير شفيق إن "فلسطين تاريخيا بلد عربي وجزء من الوطن العربي، وقد انتزعت منه صفته العربية بالقوة بعد تأسيس الدولة الصهيونية. لذلك أمامنا ثلاثة خيارات، إما أن نقبل عملية الاغتصاب، وإما أن ندعو إلى قذف اليهود في البحر والعودة إلى ما كنا عليه، وإما أن نلجأ إلى الحل الديمقراطي، ونحن اخترنا الحل الديمقراطي، فكيف يلغي ذلك ارتباط فلسطين التاريخي والإقليمي، وكيف ينفي عنها هويتها العربية؟".

حول طبيعة الدولة الديمقراطية يقول شفيق أن شعار هذه الدولة أثار الكثير من الخلافات بين الفصائل الفلسطينية بشأن مضمونها الاجتماعي، فاليساريين نادوا بدولة ديمقراطية شعبية على أساس نظام اشتراكي، ونادى البعض بالعلمانية، بينما اعترض آخرون على علمانية الدولة. ويعبّر إلياس شوفاني (1933-2018)، الباحث والمؤرخ وعضو المجلس الثوري في حركة فتح، عن تطلعه إلى مجتمع اشتراكي، ولا يرى أهمية للتمايز الديني، إنما يعتبر أن ليهود فلسطين خصوصية، كأقلية لغوية دينية. ويقول إن "الخصوصيات لا يمكن إغفالها تماما، ولكن لا يجب تكريسها على حساب القاسم المشترك. فنحن لا نريد توازنا طائفيا، ولا نريد إقامة مجتمع معزول في المنطقة على أساس أن لفلسطين وضعا خاصا كلبنان". أما كميل منصور، باحث وأكاديمي، فيرى أن مشاركة العرب واليهود في القرار السياسي، وهو الأمر الذي يتطلب التخلص من الأيديولوجيا الصهيونية، "لا يعني عدم الاعتراف برابطة دينية روحية لكل يهود العالم في فلسطين، لكن يجب ألا يترجم ذلك إلى أطماع سياسية أو حق في الهجرة الجماعية".

الحل المرحلي

لكن لماذا لم تتحول فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة إلى برنامج سياسي؟ يقول الباحث فيصل حوراني (1939-2022)، إنه "حتى اليوم (وقت إجراء الحوار) لم يقدم أي طرف برنامجا للدولة الديمقراطية، وظل الوضع في مستوى الشعار. لا نعرف كيف سنصل إلى الدولة الديمقراطية، ولا نعرف شكلها، ولا القوى التي يفترض أن تناضل من أجلها. كل هذا يدل على أن الذين طرحوه في البداية فعلوا ذلك لأسباب إعلامية لأنه يعطي وجها مقبولا للعمل الفلسطيني، واليسار قبله على مضض ليواجه به برنامجا أكثر اعتدالا، وهو برنامج السلطة الوطنية". أما أبو ميزر فيفسر خفوت الحديث عن الدولة الديمقراطية بظهور برنامج، النقاط العشر-برنامج السلطة الوطنية، الذي جاء كتعبير عن "مرحلة تراجعية" نتيجة لحرب أكتوبر ومواقف الرئيس المصري أنور السادات.

ويرى منير شفيق أن سبب إهمال شعار الدولة الديمقراطية هو "التحول إلى الحل المرحلي، الذي جاء استجابة للعلاقات الدولية المتنامية لمنظمة التحرير مع المعسكر الاشتراكي ودول عدم الانحياز، إلى جانب محاولة مخاطبة الدول الغربية، التي لا تتجاوز في مساندتها الشعب الفلسطيني فكرة إعطائه حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة في جزء من فلسطين تتعايش مع دولة يهودية في الجزء الآخر". أما صخر حبش (1939-2009) أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" فيقول:" لم نتابع مسألة تفعيل شعار الدولة الديمقراطية وتوضيحه لأنه طرح في مرحلة انحسار النضال الفلسطيني، التي كانت فيها الأولوية للدفاع عن النفس" في مرحلة انتقال قواعد الثورة من الأردن إلى لبنان.

إن الكيانات الاستيطانية تلجأ إلى الدرجة القصوى من العنف عندما تستشعر خطرا وجوديا، وهذا ما يفعله نتنياهو في حرب الإبادة التي يشنها على غزة. لذلك فإن عملية "طوفان الأقصى" ربما تكون "قد فتحت الطريق أمام مسار تفكيك هذا النظام الاستيطاني..يشرح جميل هلال، باحث وقيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، تصور الجبهة لكيفية الانتقال من الحل المرحلي إلى الحل الاستراتيجي (الدولة الديمقراطية) بأنه بعد قيام الدولة الفلسطينية سيتحول الصراع إلى تصفية الصهيونية، فكريا ومؤسساتيا، بإلغاء كل أشكال التمييز ضد غير اليهود داخل إسرائيل. وعندها يطرح شعار الدولة الديمقراطية الواحدة التي تلغى فيها كل أشكال التمييز الديني والقومي. أما أبو لغد، ورغم أنه يرى أن الدولة الديمقراطية هي الحل الوحيد فإنه يقول: إذا أنشئت الدولة الفلسطينية المستقلة عن طريق التحرر الوطني، فهي محطة على الطريق (للحل الاستراتيجي)، أما إذا أنشئت في أوضاع اتفاق دولي نحن طرف فيه، فهي دولة مشروطة بشروط تمنعها من ذلك، وستكون نهاية الطريق، وستعني التخلي عن الهدف الاستراتيجي. وهذا لا يمنع قيام دولة ديمقراطية علمانية متطورة في جزء من فلسطين". ويرى عبد الجواد صالح، قيادي في منظمة التحرير، أن صعوبة التوصل إلى حل الدولة الديمقراطية هو الذي أدى إلى بروز فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. وبقيام هذه الأخيرة سيمكن وضع حد للطموحات الإسرائيلية التوسعية، وهذا سيؤدي إلى الاقتراب أكثر من الحل الديمقراطي.

من النهر إلى البحر

يلفت جابر سليمان إلى ثلاث مجموعات تتبنى حل الدولة الواحدة، وهي ناشطة حاليا، الأولى "حملة الدولة الديمقراطية الواحدة"، أطلقها ناشطون وأكاديميون فلسطينيون ويهود في أوائل العام 2018 في مدينة حيفا. وتسعى إلى التعاون والتنسيق بين الأفراد والجماعات، داخل فلسطين التاريخية وخارجها، وتعتبر أن حل الدولتين قد دفنته إسرائيل بسياساتها الكولونيالية في الأراضي التي كان يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقلة. والثانية "مبادرة الدولة الواحدة"، التي أطلقت في العام 2023 من قبل فلسطينيين مدعومين من حلفاء عرب ويهود، لطرح مشروع سياسي بديل لا يعترف بشرعية الدولة اليهودية من خلال حل الدولتين، ويقدم ما تعتبره النقيض الجوهري للمشروع الصهيوني، وهو الدولة الديمقراطية الواحدة من النهر إلى البحر.

ويلفت سليمان إلى أن "المبادرة" نظمت خلال الحرب الأخيرة على غزة مؤتمرا في بروكسل تحدث فيه المؤرخ إيلان بابيه، الذي أكد في مشاركته أن الفكرة الصهيونية، ومن خلال تجسيدها في دولة إسرائيل، تمر في المراحل المبكرة لزوالها وانهيارها. أما المجموعة الثالثة "مبادرة دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية على كامل التراب الوطني"، فأطلقتها مجموعة من الشخصيات وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية في العام 2008، وهي تدعو إلى تفكيك بنية الكيان الصهيوني الاستعمارية الإحلالية، وإلغاء وظيفتها الإمبريالية المتمثلة بالهيمنة على المحيط الإقليمي والقومي. وللمبادرة أمانة عامة على المستوى العالمي من شخصيات عربية وأجنبية، لخلق رأي عام عربي وعالمي داعم لهذه الرؤية.

ويقول في مقدمة الكتاب: إن العديد من التحولات الجوهرية حصلت في المشهد الجيوسياسي للقضية الفلسطينية منذ العام 1982 وحتى يومنا هذا. وما يحدث اليوم في غزة هو "انكشاف لجوهر المشروع الصهيوني أمام قطاعات أوسع من الرأي العام العربي والعالمي". المشروع الذي "ينكر مجرد وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، وينزع عنهم إنسانيتهم"، ويلتزم به مجتمع استيطاني عنصري.

ويضيف: إن الكيانات الاستيطانية تلجأ إلى الدرجة القصوى من العنف عندما تستشعر خطرا وجوديا، وهذا ما يفعله نتنياهو في حرب الإبادة التي يشنها على غزة. لذلك فإن عملية "طوفان الأقصى" ربما تكون "قد فتحت الطريق أمام مسار تفكيك هذا النظام الاستيطاني.. من دون المبالغة في قرب تفكيك هذا النظام.. فهو يتطلب تغييرا ملموسا في موازين القوى الدولية والإقليمية، وينطوي على عملية تاريخية معقدة ومتعددة الأبعاد ومؤلمة..". وينظر سليمان إلى شعار "فلسطين حرة من النهر إلى البحر" الذي يتردد في أنحاء مختلفة من العالم اليوم باعتباره المعادل الموضوعي لشعار" الدولة الديمقراطية الواحدة".

مقالات مشابهة

  • حكم الاعتماد على الساعات والهواتف فى تحديد موعد الصلاة والصيام؟
  • وما ذنب المساجد تحرقونها وتمنعوا الناس الصلاة فيها ؟!!
  • «أوقاف القليوبية» تطلق قافلة دعوية كبرى بغرب شبرا الخيمة
  • مواعيد الدراسة والامتحانات خلال شهر رمضان.. صحفي يوضح
  • لافروف يشدد على توجه العالم إلى تعدد الأقطاب.. عملية تاريخية
  • محافظ ريف دمشق يطلع على واقع بلدة عين الفيجة وحجم الأضرار فيها
  • كيف ولماذا طرح الفلسطينيون حل الدولة الواحدة؟ قراءة في كتاب
  • كواليس الـ48 ساعة التي انقلب فيها ترامب على زيلينسكي
  • القناة الموريتانية: الهلال الأعلى مشاهدة في الدوري
  • ماذا يمنع المسلمين؟ شيخ الأزهر: أوروبا تمكنت من الاتحاد رغم تعدد أجناسها وأعراقها ولغاتها