بقلم:
معالي مريم المهيري، رئيس مكتب الشؤون الدولية في ديوان الرئاسة
وروجر فورهيس، رئيس النمو العالمي والفرص في مؤسسة بيل ومليندا غيتس


قبل عام، عملت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال رئاستها لمؤتمر الأطراف COP28 على وضع النظم الغذائية في قلب الأجندة الدولية للعمل المناخي. ومن خلال تحالف يضم العديد من الشركاء الدوليين، نجحت دولة الإمارات في حشد دعم سياسي غير مسبوق من 160 رئيس دولة وحكومة، بهدف إعادة تشكيل نظمها الغذائية وتعزيز كفاءة هذه الأنظمة للتكيف مع التحديات المرتبطة بتغير المناخ.


ومع تنامي الاهتمام العالمي بتمويل العمل المناخي خلال مؤتمر الأطراف COP29 في أذربيجان، تتجلى أهمية الاستثمار في تحوّل النظم الزراعية والغذائية، وخاصة لصغار المزارعين الذين يؤمّنُون غذاء المليارات من البشر، كأحد الاستثمارات الأكثر إلحاحاً وفعاليةً.
وتواصل الكوارث المناخية، من فيضانات وجفاف وموجات حرارية، تدمير المحاصيل في العديد من البلدان الأكثر هشاشة وتعرضاً للخطر، والتي شهد العديد منها شهراً واحداً على الأقل من الجفاف الشديد خلال عام 2023.
وباتت هذه الزيادة في الظواهر المناخية والظروف الجوية القاسية واقعاً مستمراً وعميق التأثير، تشكل ما يُعرف بـ «الوضع الطبيعي الجديد» المرير، الذي يهدد بدفع 40 مليون أفريقي إضافي نحو هاوية الفقر المدقع بحلول عام 2030.
ولا تتوقف التداعيات عند حدود الفقر فقط، فالآثار السلبية المترتبة على الصحة والتغذية قد تكون شديدة وخطيرة. إذ تُظهر الأبحاث أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 قد يؤدي إلى انخفاض محتوى الزنك في المحاصيل الأساسية بنسبة تصل إلى 10%، والحديد بنسبة 5%، والبروتين بنسبة 8%- وهي عناصر غذائية أساسية لنمو الأطفال، وصحة الأمهات، وتعزيز مناعة الجسم ضد الأمراض.
وفي ظل هذه الظروف، تسهم استراتيجيات التكيف الزراعي الفعّالة بدور محوري في تعزيز قدرة الأفراد الأكثر عرضة لتغير المناخ على تحسين حياتهم وسبل معيشتهم، مما يُمكنهم من مواجهة الآثار السلبية المتزايدة الناتجة عن تغير المناخ.
وبينما يتخذ التكيف الزراعي أشكالاً متنوعة وفعالة لمواجهة التحديات المناخية في جميع أنحاء العالم، إلا أن جميعها تقريباً يعتمد بشكل من الأشكال على تسخير إمكانات الابتكار.
وتتنوع أشكال التكيف الزراعي بين استخدام الخرائط الرقمية للتربة التي تسهم في إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وزراعة محاصيل محلية تتمتع بقدرة استثنائية على تحمل الظروف المناخية القاسية، وتطوير محاصيل معدة خصيصاً لمقاومة الجفاف والفيضانات مع تحقيق قيم غذائية مرتفعة، بالإضافة إلى تربية سلالات ماشية محلية متكيفة مع درجات الحرارة الشديدة. وقد نجحت المراكز الوطنية للأبحاث الزراعية، بالتعاون مع شبكة CGIAR العالمية، في تطوير عشرات الحلول المناخية الذكية.
وتُشير التوقعات إلى أن هذه الابتكارات قد تصل إلى 500 مليون مزارع بحلول عام 2030، مما قد يسهم في تقليل الانبعاثات الزراعية بمعدل جيجا طن سنوياً، ويعزز بذلك جهود التكيف مع تغير المناخ على نطاق واسع ومستدام.
وبالرغم من الأمل الذي تنطوي عليه هذه الحلول، إلا أنها لم تصل بعد إلى غالبية صغار المزارعين الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، ولا تزال الفجوة بين التمويل المناخي المتاح والاحتياجات الحقيقية شاسعة ومقلقة. إذ تُظهر الإحصاءات أن 4% فقط من التمويل المناخي العالمي يُوجّه إلى المشاريع المرتبطة بالأمن الغذائي، فيما لا تتجاوز حصة مواجهة المخاطر المناخية التي يتعرض لها صغار المزارعين نسبة 1%.
ويُقدّر أن دعم التكيف الزراعي في الدول النامية يتطلب ما يصل إلى 850 مليار دولار بحلول عام 2030.
ومع ذلك، فإن العائد المتحقق من هذا الاستثمار يبدو جلياً؛ إذ يمكن أن يسهم استثمار سنوي قدره 16 مليار دولار في إنقاذ 78 مليون شخص من براثن الجوع المزمن.
وخلال أقل من عام على إطلاق شراكة واعدة بين دولة الإمارات ومؤسسة «بيل ومليندا غيتس»، تم تدشين مبادرتين رئيسيتين تهدفان إلى تحسين حياة الملايين في المجتمعات الزراعية حول العالم.
تتمثل الأولى في مبادرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى تطوير نماذج لغوية ضخمة متاحة للجميع، لدعم المزارعين ووكلاء الإرشاد الزراعي في اتخاذ قرارات مدروسة.
أما الثانية فتتمثل في تطوير نظام «النموذج اللغوي الكبير للأغراض الزراعية» (AgriLLM) في دولة الإمارات العربية المتحدة بالاستفادة من التقنيات مفتوحة المصدر لمجموعة «فالكون» وبالتعاون الوثيق مع مؤسسات دولية رائدة في قطاعي الأغذية والزراعة، بما فيها شبكة CGIAR ومنظمة الأغذية والزراعة والبنك الدولي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وستمثل المبادرة أولى الجهود الرائدة لضمان أن تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتلبية احتياجات صغار المنتجين في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بطرق تراعي القيم الأخلاقية وتحقق العدالة.
بالتزامن مع ذلك، ستسهم شراكتنا الجديدة مع مبادرة «آلية التوسع في الابتكار الزراعي» (AIM for Scale) إضافةً إلى شراكاتنا مع أبرز بنوك التنمية والشركاء الفنيين ومهندسي الذكاء الاصطناعي في تمكين المزارعين في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط من الوصول إلى توقعات طقس محسنة ودقيقة. كما أن الاستثمار في تقنيات توفر توقعات طقس موثوقة للمزارعين سيثمر عن فوائد كبيرة تتجاوز تكاليف هذه التقنيات بشكل كبير، وفي بعض الحالات تصل إلى 100 ضعف.
واعترافاً بأهمية هذه العوامل المترابطة، تضافرت جهود تحالف من الشركاء خلال مؤتمر الأطراف COP28، لتقديم تعهد جماعي بقيمة 777 مليون دولار لأمراض المناطق المدارية المهملة على مستوى العالم.
وشمل ذلك توسيع صندوق «بلوغ الميل الأخير»، وهو صندوق تعاوني متعدد الجهات المانحة أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، بالشراكة مع مؤسسة بيل ومليندا غيتس، من 100 مليون دولار أميركي إلى 500 مليون دولار أميركي.
ويعمل الصندوق بالتعاون مع الدول على القضاء على اثنين من أمراض المناطق المدارية المهملة في قارة أفريقيا، وهما داء الفيل وداء العمى النهري، ويستهدف بذلك تخليص عشرات الملايين من خطر هذه الأمراض المدمرة التي يمكن الوقاية منها.
الابتكارات متوفرة بالفعل، والجدوى الاقتصادية لا لبس فيها. ولكن حان الوقت ليبادر العالم بالتحرك الآن، مسخراً الموارد وبروح الاستعجال التي تفرضها هذه الأزمة.

أخبار ذات صلة نهيان بن مبارك: الإمارات ستظل النموذج والقدوة في رعاية وتمكين أصحاب الهمم هزاع بن طحنون يعزي محمد حمد العامري في وفاة والدته

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: كوب 28 العمل المناخي كوب 29 بيل غيتس مؤسسة بيل وميليندا غيتس مريم المهيري الإمارات دولة الإمارات بحلول عام

إقرأ أيضاً:

"آيدكس" و"نافدكس".. 32 عاماً من الابتكار في الصناعات الدفاعية والأمنية

يشهد معرضا "آيدكس" و"نافدكس" 2025، نمواً استثنائياً وغير مسبوق في المشاركة الدولية والمحلية سواء من حيث عدد الشركات العالمية أو الإماراتية؛ إذ تُعد الفعاليتان من أبرز الفعاليات العالمية في قطاعي الدفاع والأمن ما يجسد مكانة الإمارات الرائدة عالمياً في صياغة مستقبل الصناعات الدفاعية القائمة على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

ونجح المعرضان على مدار أكثر من ثلاثة عقود في تعزيز مكانة دولة الإمارات مركزاً عالمياً رائداً في الصناعات الدفاعية والأمنية ودعم الاستقرار الإقليمي والأمن والسلم العالمي، فمنذ انطلاق الدورة الأولى لـ "آيدكس" عام 1993 حقق المعرض تطورًا نوعيًا في الحجم والمشاركة الدولية ليتحول إلى منصة رئيسية لعرض أحدث الابتكارات التكنولوجية وتعزيز الشراكات الإستراتيجية.
وحقق المعرضان من انطلاقهما نمواً مستمراً؛ إذ ارتفع عدد العارضين من 350 شركة في عام 1993 إلى 1350 شركة في 2023 بنسبة نمو 385%، فيما زاد عداد الدول المشاركة من 24 دولة في عام 1993 إلى 65 دولة في 2023 بنسبة نمو 270%، كما قفز عدد الزوار من 20 ألف زائر في عام 1993 إلى 132 ألف زائر في 2023 بنسبة نمو 660%.
وانطلقت النسخة الأولى من معرض آيدكس في العام 1993 بمساحة 1200 متر مربع وبمشاركة 350 شركة عارضة من 30 دولة منها 20 شركة إماراتية، واستقبلت أكثر من 20 ألف زائر، بينما توسعت مساحة المعرض بحلول عام 2003 إلى 18 ألف متر مربع، وارتفع عدد الشركات العارضة إلى 732 شركة من 46 دولة بينها 73 شركة إماراتية واستقبل المعرض نحو 45 ألف زائر.
وفي العام 2013 قفز عدد الشركات العارضة إلى 1112 شركة من 59 دولة مع مشاركة 143 شركة إماراتية، فيما بلغت المساحة الإجمالية للمعرض 133 ألف متر مربع، واستقطب الحدث أكثر من 80 ألف زائر من مختلف أنحاء العالم و140 وفدًا دوليًا مع توقيع صفقات بقيمة 14 مليار درهم مما يعكس الثقة المتزايدة في مكانة المعرض كواحد من أبرز الفعاليات الدفاعية عالميًا.

#آيدكس_ونافدكس 2025.. النسخة الأضخم بتاريخ الحدث #في_أبوظبي

— 24.ae | الإمارات (@24emirates24) February 14, 2025

وبعد 30 عاماً من الانطلاقة الأولى وصل عدد العارضين في نسخة 2023 إلى 1350 شركة من 65 دولة و331 وفداً رسمياً من حول العالم، فيما حظي الحدث بمشاركة قياسية للشركات الإماراتية بلغت 216 شركة و41 جناحاً وطنياً، وبلغ إجمالي قيمة الصفقات الموقعة خلال تلك الدورة 23.34 مليار درهم "أعلى قيمة في تاريخ المعرضين".
كما استقطبت فعاليات معرضا آيدكس ونافدكس 2023 أكثر من 1300 إعلامي، ما يعكس الاهتمام العالمي بهين الحدثين، واستقبلت أكثر من 132 ألف زائر وغطت مساحة آيدكس 165 ألف متر مربع في مركز "أدنيك" إضافة لمنطقة المارينا المخصصة لـ"نافدكس".
ونجح المعرضان في جذب مشاركة واسعة من دول القارات الخمس "أوروبا وآسيا وإفريقيا والأمريكيتين"، ما يعكس مكانتهما كمنصتين عالميتين رائدتين للابتكار التكنولوجي بمجالات الدفاع والأمن مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة المتطورة، كما لعبا دورًا محوريًا في تعزيز التعاون الدولي عبر توقيع مئات الاتفاقيات بين الحكومات والشركات، الأمر الذي يدعم الجهود المشتركة لتعزيز الأمن العالمي.
ومع استمرار مسيرة النمو والابتكار يتطلع "آيدكس" و"نافدكس" إلى ترسيخ مكانتهما كمنصتين عالميتين في قطاع الدفاع والأمن عبر استقطاب شركات ودول جديدة، والتركيز على التكنولوجيا الحديثة والاستدامة.
ويظل المعرضان، بعد ثلاثة عقود من الإنجازات، شاهدَين على التزام الإمارات بدعم الصناعة الدفاعية العالمية وبناء مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للعالم.
وتشهد دورة عام 2025 من معرضي أيدكس ونافدس زيادة في عدد الشركات العارضة، ليصل إلى 1565 شركة من 65 دولة بنمو قدره 16% مقارنة بالدورة الماضية، فيما زادت المساحة الإجمالية للمعرض بنسبة 10% مقارنة بالدورة السابقة لتصل إلى 181 ألفاً و501 متراً مربعاُ، كما تشهد الدورة الحالية مشاركة ما يزيد عن 731 شركة جديدة بزيادة نسبتها 82% مقارنة بالدورة الماضية، ومشاركة 41 جناحاً وطنياً، بينما بلغ عدد الشركات الوطنية المشاركة 213 شركة بنسبة 16% من إجمالي الشركات العارضة، في حين تبلغ نسبة الشركات الدولية 84%".

مقالات مشابهة

  • «آيدكس» و«نافدكس».. 32 عاماً من الابتكار في الصناعات الدفاعية والأمنية
  • "آيدكس" و"نافدكس".. 32 عاماً من الابتكار في الصناعات الدفاعية والأمنية
  • تنفيذاً لتوجيهات رئيس الدولة..الإمارات تخصص 220 مليون درهم لدعم تعليم المكفوفين في إثيوبيا
  • الاقتصاد الزراعي: ضخ المزيد من الاستثمارات الزراعية ليتواكب مع القطاعات الأخرى
  • تنفيذاً لتوجيهات رئيس الدولة.. الإمارات تخصص 220 مليون درهم لدعم تعليم المكفوفين في إثيوبيا
  • الإمارات تدعو المجتمع الدولي لتعزيز الجهود للتخفيف من معاناة الشعب السوري
  • سعود بن صقر يستقبل حاكمة «ميشيغان» ويشهد توقيع اتفاقية لتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي
  • سعود بن صقر وحاكمة ميشيغان الأمريكية يشهدان توقيع اتفاقية لتعزيز الابتكار
  • الإمارات تخصص 200 مليون دولار مساعدات للسودان وتدعو لوقف الحرب خلال رمضان
  • الإمارات تخصص 200 مليون دولار مساعدات للسودان وتدعو لهدنة إنسانية خلال رمضان