جميعنا سيطوينا النسيان، لا أحد يفلت من سطوة الزمن، ستتلاشى الذكريات، الأحاديث الحميمة، خطواتنا المتكررة أمام عتبات البيوت والسعى اليومى بين الشوارع والأمكنة، جلساتنا المبهجة على المقاهى ووسط الأحباب، الناجى الوحيد من محرقة دقائق العمر وساعاته هو الكاتب والمصور والرسام، هؤلاء يقومون بتسجّيل مضمون اللحظة التى تفنى عبر الكتابة والصورة الفوتوغرافية واللوحة الفنية، فستبقى رواية «قصة مدينتين» لتشارلز ديكنيز عن الثورة الفرنسية، وآلاف الصور الفوتوغرافية عن المجازر الإسرائيلية فى المخيمات الفلسطينية، ولوحة «جرنيكا» للرسام الأشهر فى القرن العشرين «بيكاسو» عن الحرب الأهلية الأسبانية.
يدخل الروائى الكبير «جمال الغيطانى» فى المتاهة الزمنية مع هؤلاء السابق ذكرهم وغيرهم، كحكاء وصانع للسجاد وعاشق للمعمار وصوفى تغشاه التجليات، والغريب والعجيب من السرد فيسجلها بمداد القلم على الورق ممسكاً باللحظة حتى لا تتسرب منه.
لذلك كل الشكر والامتنان للقائمين على مؤتمر أدباء مصر فى دورته السادسة والثلاثين والتى ستنطلق يوم الأحد القادم فى محافظة المنيا، على تقديم الروائى الكبير الراحل «جمال الغيطانى» شخصية المؤتمر، بعد مرور تسع سنوات على غيابه جسدياً فى عام 2015.
كما أدعو إدارة المؤتمر أن تعيد تقديم ومناقشة ماقامت بنشره صحيفة «أخبار الأدب» فى الذكرى السابعة لرحيل مؤسسها الكاتب والروائى «جمال الغيطانى»، حيث قدمت فصلا من كتاب «المقريزى: وجدان التاريخ المصرى» الذى كان سيصدر فى ذلك الوقت للدكتور ناصر الربّاط أستاذ كرسى الآغا خان ل العمارة الإسلامية فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT». وفيه يرصد التأثيرات التى دخلت على كتابة الغيطانى جراء تعمقه فى استلهام وتحليل كتابات المؤرخ البارز تقى الدين المقريزى، وكيف قام بتوسيع وتعزيز وإعادة تخيل الواقع الاجتماعى للقاهرة عبر السرد الخيالى.
شكل تقى الدين المقريزى، مؤرخ مصر الأهم، مصدر إلهام بالنسبة لجيل أدباء وشعراء ما بعد هزيمة ١٩٦٧. وأصبح بفضل تحليله التاريخى العميق ونفسه الوطنى العارم والمبثوث فى تضاعيف كتبه، وبخاصة كتابه الأهم، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، نموذجًا للوطنية الحقة ودليلًا هادياً للبحث المؤلم عن الهوية ومثلًا عن مقاومة الفساد والقمع عن طريق الكلمة الجريئة والحس الأخلاقى الذى لا يساوم.
وقد امتد تأثيره إلى عدة أنواع أدبية تتراوح بين الرواية التاريخية والسيرة الذاتية الخيالية إلى السفر عبر الزمن والإرهاصات الشعرية الجريئة..
ولج المقريزى المجال القصصى والروائى على يد روائيين كبار على رأسهم المرحوم جمال الغيطانى الذى ولد فى قرية جهينة من صعيد مصر لكنه نشأ فى حى الجمالية القاهرى الذى خلدته ثلاثية معلمه نجيب محفوظ. لم يغادر الغيطانى فضاءات المدينة القديمة حتى عندما انتقل إلى الجزء الحديث من القاهرة. ظلت لديه أماكنه المفضلة فى قاهرة الفاطميين والمماليك- الأزقة والمنازل التاريخية والمقاهى، التى عاد إليها مرارًا وتكرارًا. أثرت هذه الأماكن، وعبق تاريخها، على كتابات الغيطانى الإبداعية بعمق، وتحول بعضها إلى إشارات مفعمة بالرسائل الانتمائية والحضرية والمعمارية الخالصة استخدمها الغيطانى لتأطير الكثير من رواياته فى المكان والزمان. علاوة على ذلك، لجأ الغيطانى، ربما كمظهر من رد فعل جيله على صدمة هزيمة ١٩٦٧ وتعثر مشروع النهضة والتحديث قبلها وبعدها، إلى التقاليد الأدبية العربية الكلاسيكية والتراث الصوفى. فهو، بجانب الإلهام التاريخى، كان يبحث بشغف عن نماذج من أساليب الكتابة الصوفية الإشراقية التى كان يمكن له أن يتبناها والتى سيزداد تأثيرها على أسلوبه فى التعبير والكتابة لاحقًا. كان الغيطانى، على حد تعبير المترجم الشهير همفرى ديفيز الذى ترجم نصوصًا لكل من محفوظ والغيطانى، رائدًا فى ابتكار «نوع من الواقعية السحرية ولكن من الطراز المصرى المكثف، له جذور فى تاريخ الأدب العربى ولكن أيضًا فى مجالات التصوف والغيبيات وما شابهها». كان نوع الخطط، بتركيزه الشديد على مصر، أحد الأشكال الأدبية التاريخية الرئيسية التى جذبت الغيطانى. وهى قد أثرت على مشروعه الروائى على مستويين: كدليل هادٍ لتاريخ وجغرافيا المدينة التى تؤطر بنية العديد من رواياته، وكأساليب نصية أصيلة تصلح للكلام عن الأماكن والمبانى التى احتلت حيزًا مهمًا فى سرد الغيطانى.
وأخيراً يقول عنه الناقد الأدبى الدكتور حسين حمودة: «لا يزال الغيطانى حاضرا معنا، فقد راهن دوما على أن يدفع سطوة النسيان، وهو درس الخلود الذى استقاه من أجداده الفراعنة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمال الغيطانى المجازر الإسرائيلية الثورة الفرنسية
إقرأ أيضاً:
من البلطجة لنصرة المظلوم.. «ناصر» فرد حراسة يصحح مساره ويثأر لصديقه في الغاوي
جرعة عالية من الحماس وسقف توقعات لا نهاية له يشعر به جمهور الفنان أحمد مكى قبل أيام من انطلاق موسم الدراما الرمضانية 2025، خصوصاً بعدما قرر «مكى» تغيير جلده الفنى بتجربة درامية هى الأولى من نوعها فى مسيرته المهنية، ليغرد من خلالها خارج سرب الكوميديا الذى تربع على عرشه لسنوات طويلة، ويدخل حيز الدراما الشعبية والأكشن على مدار 15 حلقة فى مسلسل «الغاوى»، الذى يحمل توقيع المخرج محمد جمال العدل فى أول تعاون له مع «مكى».
فى إحدى حوارى حى الجمالية العريق فى القاهرة خطا شمس ناصر العدوى خطواته الأولى، فى كنف عائلته المحبة واستسقى الأصول والمبادئ من أهل المنطقة، ولكن حين يفقد والديه ويجد نفسه بمفرده هو وشقيقته «حنان»، لا يجد إلا أن يترك تعليمه ويبدأ فى تعلم صنعة برفقة جاره رضوان العجوز، الذى تعهد بتربيته ورعايته بعد وفاة والده، بينما ذهبت شقيقته لتعيش مع زوجة الشيخ فتحى مؤذن المسجد فى المنطقة.
تمر سنوات، ويبدأ شمس فى اختيار مسار مختلف لحياته، حيث يعمل فرد حراسة «جارد» فى مجال تصوير الأفلام، حيث يصبح مسئولاً عن البحث عن أماكن تصوير الأفلام وتأمينها وتأمين فريق العمل، وينخرط بشكل أكبر فى مجال البلطجة، ولكن تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يموت أقرب أصدقائه كمداً فى السجن بعدما قضى العقوبة بدلاً من شقيق رجل الأعمال الفاسد الذى يعمل معه، بينما رفض الأخير أن يمنحه المقابل المادى الذى اتفقا عليه فى البداية، ليقرر ناصر التوبة وتصحيح مسار حياته، ولكن أولاً يثأر لصديقه ويتمكن من الإيقاع بالعصابة.
بجانب أحمد مكى يضم فريق عمل مسلسل الغاوى مجموعة متنوعة ومختلفة من الأبطال، الذين يثرون العمل الفنى بمواهبهم، ومن بينهم عمرو عبدالجليل، أحمد كمال، أحمد بدير، عائشة بن أحمد، ولاء الشريف، محمد لطفى، كرم جابر، تامر شلتوت، بالإضافة إلى مغنى الراب أبيوسف، وكزبرة، والعمل من تأليف محمود زهران وطارق الكاشف، اللذين انضما إلى العمل بعد اعتذار الكاتب هانى سرحان.
يرى الكاتب طارق الكاشف العمل على إخراج مسلسل الغاوى إلى النور بالشكل الذى يرضى الجمهور فى ظل المنافسة الرمضانية مهمة صعبة، قائلاً: «كان لدينا مهمة فى تقديم مشروع مهم نكون راضين عنه، وهناك توافق عليه منا ككتاب ومن المخرج والبطل أيضاً، وفى نفس الوقت يكون مناسباً للجهة الإنتاجية فيما يتعلق بالتنفيذ على أرض الواقع، والآن لديهم مهمة صعبة فى التصوير خلال الفترة الحالية».
وأضاف «الكاشف» لـ«الوطن»، أنه يعود أحياناً إلى إعادة كتابة بعض المشاهد حتى يكون راضياً عنها بشكل كبير، ويصل مع شريكه فى الكتابة محمود زهران إلى أفضل نسخة من العمل، مشيداً بالحرية المطلقة التى منحها له المخرج محمد العدل، على حد تعبيره.
المؤلف: المسلسل يقدم «تيمة شعبي» تختلف عن الآخرين وبطل العمل مؤسسة فنية متكاملةولا يمكن إغفال خبرة «مكى» السابقة فى الكتابة والإخراج، التى صعبت من مهمة كاتبى المسلسل، بحسب تصريحات «الكاشف»، قائلاً: «نتعامل مع شخص أشبه بمؤسسة فنية متكاملة، فهو كاتب ومخرج وممثل ومغنٍ وشاعر غنائى وملحن أيضاً فى بعض الأوقات، وحدوث توافق بيننا فى تلك الفترة القصيرة وضع علينا ضغطاً فى تقديم نص يناسب رجلاً بتلك التركيبة، وهدفنا فى النهاية تقديم عمل نكون راضين عنه بشكل كبير».
ورد «الكاشف» على فكرة دخول «مكى» فى المنافسة فى مساحة المسلسلات الشعبية، ومدى التشابه بين العمل وغيره من الأعمال المعروضة فى نفس الوقت، موضحاً: «المسلسل مختلف عن سائر الأعمال على الساحة الدرامية، و(مكى) نفسه يظهر فى صورة مختلفة لا تشبه أى شىء تم تقديمه من قبل، كأن الجمهور يتعرف عليه للمرة الأولى، فالتحدى هنا أننا نقدم عملاً ضمن تيمة قد تكون موجودة على الساحة ولكن بشكل مختلف، مكى قادم من الكوميديا حتى يغير جلده ويقدم شيئاً جديداً». وأكد أن وجود «كزبرة» و«أبيوسف» ضمن فريق التمثيل جرى توظيفه بشكل يخدم الدراما، وهو ما سيلمسه المشاهدون بعد عرض المسلسل.
ولا يعد «كزبرة وأبيوسف» الضيفين الجديدين فى المسلسل، حيث يشارك البطل الأولمبى كرم جابر فى طاقم العمل، حيث يؤدى دور صديق أحمد مكى فى الأحداث، وكشف «جابر» عن اشتراكه فى 4 ورش تمثيل حتى يطور من أدائه بشكل يناسب الأعمال التمثيلية التى يشارك فى بطولتها، وليكون ممثلاً على قدر عال من التمكن وليس مجرد شخص قادم من خلفية رياضية.
ورغم اعتذار «جابر» عن عدد من الأعمال الفنية منذ مشاركته فى مسلسل لمس أكتاف فى رمضان عام 2019، فإنه لم يستطع رفض المشاركة فى «الغاوى» على حد تعبيره، موضحاً لـ«الوطن»: «سعيد جداً بالعمل مع أحمد مكى فهو بالنسبة لى أعلى من رقم واحد، لأنه دائماً ما يقدم موضوعات تمس المجتمع وهادفة بشكل كبير، وهو ما يتوافق مع الرسالة التى تقدمها الرياضة، وهو من الناس الذين لا يمكن أن تغيرهم الظروف أو الشهرة، وفى الوقت نفسه شخصية رياضية وكان يلعب ملاكمة، وعلى الجانب الشخصى هو إنسان لأبعد درجة، فأى شخص يتعامل مع الحيوانات والطيور يكون مرهفاً وحساساً للغاية».
15 حلقة تجمع بين الطابع الشعبي والدرامي والأكشن لجميع أفراد الأسرة من مختلف الأعماروأكد «جابر»، أن (مكى) سيقدم فى موسم الدراما الرمضانية عملاً مناسباً للعائلة والشارع المصرى على وجه العموم، وبطريقة محترمة تجمع ما بين الطابع الشعبى والدرامى والأكشن، دون أى ألفاظ خارجة ويستطيع أن يشاهدها جميع أفراد الأسرة من مختلف الأعمار، «فريق العمل يقدم من خلال (الغاوى) عملاً هادفاً فى المقام الأول وممتعاً».