دفء الإنسانية
في خضم الكم الهائل من الأخبار حول التحديات الصعبة في عدد من مناطق العالم، فإن مبادرات الإمارات التي لم توفر جهداً كفيلة بنشر الأمل وتعزيز فرص تحقيق الأفضل على كافة المستويات في حياة جميع المحتاجين، وذلك بفضل مساعيها ومواقفها وما تقوم به بتوجيهات القيادة الرشيدة، وخاصة ما يتعلق بالشأن الإنساني لكونه يمثل مساراً ثابتاً وأصيلاً في نهجها، وفي الوقت الذي تبدو فيه أوضاع قطاع غزة من الأصعب والأعقد في العالم وخاصة من حيث الجانب الإنساني، فإن الإمارات تثبت قوة إرادة الخير المتأصلة فيها، وقدرتها على تنويع مسارات الدعم الإغاثي لتخفيف حدة التداعيات التي يعاني منها سكان القطاع جراء الأحداث، وتضاعف جهودها تنفيذاً لأوامر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، عبر عملية “الفارس الشهم3″، التي أوصلت عشرات آلاف الأطنان من المساعدات الضرورية “براً وبحراً وجوا”، وتتواصل بالمزيد من المسارات ومنها توزع الأغطية الشتوية على النازحين في شمال غزة، وافتتاح مركز لتقديم الرعاية للمصابين الفلسطينيين من أصحاب الهمم الذين تم نقلهم إلى دولة الإمارات “1000 من المصابين ومثلهم من مرضى السرطان”، وذلك لتلقي العلاج والرعاية والدعم النفسي والاجتماعي بالتعاون والتنسيق مع مدينة الإمارات الإنسانية، وأيضاً تقديم مشروع “عطايا” عدداً من سيارات الإسعاف لدعم الخدمات الصحية في غزة ضمن محتويات الباخرة الخامسة التي وصلت مؤخراً إلى ميناء العريش بجمهورية مصر العربية، ودخول عدد من القوافل المحملة بمواد الدعم الإغاثي في الأيام الأخيرة وقوامها 47 شاحنة تحمل أكثر من 605 أطنان من المساعدات تتضمن مواد غذائية وطبية ومكملات غذائية للأطفال إلى جانب الملابس المتنوعة ومواد الإيواء والاحتياجات الضرورية الأخرى، وغير ذلك الكثير.
نموذج الإمارات في العطاء الإنساني، نهج اعتاده العالم مع كل تحد تتأثر به حياة الأبرياء والمدنيين، سواء في غزة أو لبنان أو السودان، أو أي مكان آخر فيه منكوبين ومحتاجين، وذلك انطلاقاً من قيمة التضامن الإنساني النبيلة التي تبديها الإمارات، وهو كما يعكس مدى التزامها المشرف، فإنه يمثل دافعاً للمجتمع الدولي ليقوم بدوره ويعزز استجابته ويعمل على وقف النزعات والمعارك ودعم وصول الاحتياجات الأساسية لحياة المستهدفين، وتسهيل عمل فرق الإغاثة، كما أن مسارعة الإمارات إلى المبادرة تبين قوة إرادتها ومعرفتها التامة بأهمية عامل الزمن في عمليات الإغاثة لتحقيق النتائج التي يتم العمل عليها، وهو ما تبينه إنجازاتها في ميادين العطاء وأعداد الذين يتم إنقاذهم وتخفيف معاناتهم مؤكدة لهم بأن هناك يداً إنسانية تمتد بالخير وتعمل على مدار الساعة لتقديم كل ما يلزم، وهي جهود يشيد العالم والأمم المتحدة بأهميتها ودورها الرئيسي في تحقيق أفضل النتائج لخير وصالح المحتاجين.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية
كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة
في زمن يتداخل فيه الدخان الأسود برائحة البارود، وتصدح فيه أنين الأطفال وسط خرائب المستشفيات والمدارس و محطات الكهرباء و المياه ، يبدو السودان كلوحة مأساوية رسمها الجشع البشري. لكن، يا ترى، من يمسك بالفرشاة؟ ومن يرسم خطوط التدمير الممنهج الذي يستهدف بنية تحتية سودانية كانت يومًا ما عصب الحياة: محطات الكهرباء التي كانت تضيء الدروب، والطرق التي ربطت المدن، ومحطات مياه كانت تنبض بالأمل؟ الإجابة، كما يبدو، تكمن في أجنحة الطائرات المسيرة التي تحمل في طياتها أكثر من مجرد قنابل؛ إنها تحمل مشروعًا سياسيًا وجيوسياسيًا ينفذه الجنجويد، تلك المليشيا التي فقدت زمام المبادرة في الميدان، وانكسرت أمام مقاومة الشعب السوداني و جيشه اليازخ و مقاومته الشعبية الصادقة، فاختارت أن تُدمر بدلاً من أن تبني، وتُرهب بدلاً من أن تقاتل.
هذا النهج، يا اهلي الكرام، ليس عبثًا ولا عشوائية. إنه خطة مدروسة، يقف خلفها من يدير خيوط اللعبة من الخارج. الجنجويد، التي تحولت من مجموعة مسلحة محلية إلى أداة في يد قوى إقليمية، لم تعد تعمل بمفردها. الطائرات المسيرة، التي تقصف المدارس والمستشفيات، ليست مجرد أدوات تكنولوجية؛ إنها رسول يحمل تهديدًا صامتًا: “إما أن تجلسوا معنا على طاولة المفاوضات لننال حظنا من الثروات، وإما أن نجعل من السودان صحراء لا تحتمل الحياة”. ومن وراء هذا التهديد؟ الإجابة تلوح في الأفق، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت، بحسب الشواهد، الراعي الأول لهذه المليشيا، مستخدمةً مرتزقة من كل أنحاء العالم، وسلاحًا أمريكيًا يمر عبر شبكات معقدة تشمل دولًا مثل تشاد و جنوب السودان وكينيا وأوغندا.
لكن لماذا السودان؟ الجواب يكمن في ثرواته المنهوبة، في أرضه الخصبة، ونفطه، وذهبه، ومياهه. الإمارات، التي ترى في السودان ساحة جديدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، لم تتردد في استغلال الخلافات الداخلية. استخدمت بعض المجموعات السودانية، التي أُغريت بوعود السلطة أو خدعت بذريعة “الخلاص من الإخوان المسلمين”، كأدوات لتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكن، هل هذه الذريعة الدينية أو السياسية كافية لتبرير تدمير أمة بأكملها؟ بالطبع لا. إنها مجرد ستار يخفي وراءه طمعًا لا حدود له.
الجنجويد، التي انهزمت في المعارك التقليدية، لجأت إلى استراتيجية الإرهاب المنظم. الطائرات المسيرة ليست مجرد أسلحة؛ إنها رمز لعجزها، ولكن أيضًا لدعمها الخارجي. فكل قصف يستهدف محطة كهرباء أو طريقًا أو مصدر مياه، هو رسالة موجهة إلى الحكومة السودانية: “لن نوقف حتى تجلسوا معنا”. لكن من يجلسون حقًا؟ هل هي الجنجويد وحدها، أم القوات المتعددة الجنسيات التي تجمع بين المرتزقة والمصالح الإماراتية؟ أم أن الجلسة ستكون مع الإمارات نفسها، التي باتت تتحكم في خيوط اللعبة؟ أم مع “التقدم”، ذلك الوهم الذي يبيعونه على أنه مخرج، بينما هو في الحقيقة استسلام للعدوان؟
هنا، يجب على الحكومة السودانية أن تتذكر أنها ليست مجرد ممثلة لنفسها، بل هي وكيلة عن شعب دفع ثمن أخطاء الحرية والتغيير، وأخطاء الإخوان المسلمين، وأخطاء السياسات الداخلية والخارجية. الشعب السوداني، الذي قاوم وصبر، يطالب اليوم بموقف واضح: موقف ينبع من روحه، لا من حسابات السلطة أو المصالح الضيقة. يجب على الحكومة أن تتحرى هذا الموقف، وأن تعيد بناء الثقة مع شعبها، بدلاً من الاستسلام لضغوط خارجية أو داخلية.
ورأيي الشخصي، أن الحل لا يبدأ بالجلوس مع الجنجويد أو راعيها، بل بفك حصار الفاشر، وتأمين الحدود مع تشاد، ورفع شكاوى إلى محكمة العدل الدولية. يجب أن تكون الشكوى شاملة، تضم الإمارات كراعٍ رئيسي، وتشاد كجار متورط، وأمريكا بسبب السلاح الذي وصل عبر شبكات دول مثل جنوب السودان وكينيا وأوغندا. كل هذه الدول، سواء من قريب أو بعيد، ساهمت في هذا العدوان الذي يهدد استقرار إفريقيا بأكملها.
في النهاية، السؤال المرير يبقى: مع من تجلس الحكومة إذا قررت الجلوس؟ هل مع الجنجويد التي أصبحت وجهًا للعنف، أم مع القوات المتعددة الجنسيات التي لا وجه لها، أم مع الإمارات التي تختبئ خلف ستار الدعم الاقتصادي، أم مع “صمود” التي يبدو وكأنها مجرد وهم؟ الإجابة، كما يبدو، ليست سهلة، لكنها ضرورية. فالسودان ليس مجرد ساحة للصراعات الإقليمية، بل هو تراب يستحقه اهله ليس طمع الطامعين و من عاونهم من بني جلدتنا .
quincysjones@hotmail.com