يا أحفاد الحُطيئة: ما هكذا تورَد الإبل
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
لا تجدُ أحدا ممّن يمارسُ دورَ الحُطيئة في الدّعوة إلى الله تعالى بجلافةٍ وغلظة إلّا وهو يحفظ ويتلو ويستشهد بقول الله تعالى في سورة آل عمران: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"، لكنّه لا يفتأ يؤوّل فعله بوجوب الغلظة مع المنافقين وأعداء الدّين؛ ويُدخُل عموم من يخالفه تحت مسمّى أعداء الدّين ليسوّغ لنفسه غلظته.
ولو رأينا بقليل من الجهد السياق الذي نزلت فيه الآية الكريمة فإنّنا سنجد أنّها نزلت في معركة أحد، حيث اضطربت صفوف المسلمين ورجع ثلث الجيش إلى المدينة، وعصا الرّماة الأوامر واستعجلوا الغنائم وفارقوا أماكنهم، وانهزم فريق من المسلمين وفرّوا من أرض المعركة تاركين النبيّ صلى الله عليه وسلّم، معركةٍ ذاق فيها النبيّ صلى الله عليه وسلّم آلاما بالغة وفقدَ سبعين من خيرة الصّحابة، ومع ذلك يأتي الأمر من الله تعالى لنبيّه بأن يكون ليّنا رحيما، مؤكّدا صفة الرّقّة فيه والبعد عن الفظاظة وهو في أشدّ السّاعات التي تبعث على الغضب.
يقول سيّد قطب في "الظّلال" معلّقا على الآية: "فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم؛ فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيما بهم، لينا معهم. ولو كان فظّا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب، ولا تجمّعت حوله المشاعر؛ فالنّاس في حاجةٍ إلى كنفٍ رحيم، وإلى رعايةٍ فائقة، وإلى بشاشةٍ سمحة، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلمٍ لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم؛ في حاجةٍ إلى قلبٍ كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والودّ والرضاء، وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع النّاس".
وهذا اللّين والرّفق ينبغي أن يكون مع الخلق جميعا بما فيهم غير المسلمين، يقول الإمام الطّاهر بن عاشور في "التحرير والتّنوير" معلّقا على الآية: "واللِّينُ هنا مجاز في سعة الخلق مع أمّة الدّعوة والمسلمين، وفي الصّفح عن جَفاء المشركين، وإقالة العثرات".
إنّ محاولة تسويغ الجلافة في معارك وسائل التّواصل الاجتماعيّ بأنّها دفاعٌ عن الدّين يردّ عليها موقفُ بديع من مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهو أوّل سفير للإسلام أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة ليمهّد البيئة الاجتماعيّة قبل الهجرة؛ وكان يجلس في بستان أسعد بن زرارة فسمع به كلّ من أُسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكانا على الشّرك، فجاء إليه أولا أسيد بن حضير، وينقل لنا ابن إسحق المشهد فيقول: "قال: فوقف عليهما متشتِّما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أوَ تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلتَه، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره، قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهّله".
وبعد ذلك جاء سعد بن معاذ يحملُ حربته غاضبا يريد الفتك بمصعب بن عمير؛ فكان المشهد قريبا من هذا فيقول ابن إسحق: "فوقف عليهما متشتّما، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمت هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره؟ فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا ورغبتَ فيه قبلتَه، وإن كرهتَه عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم؛ لإشراقه وتسهّله".
كلا الرّجلين وقف متشتّما أي يمارس الشتم والإساءة اللّفظيّة بحقّ مصعب بن عمير رضي الله عنه، فكيف واجه مصعب ذلك؟ بالاستيعاب والخطاب العاقل المنطقي وتبيين أنّه سيعرض عليهم كلاما فإن كرهوه سيكفّ عنهم ولن يلحّ عليهم أو يفرضه عليهم؛ هذا الذّوق الرّفيع في التخاطب والتّعامل كانت نتيجته دخول أسيد بن حضير ودخول سعد بن معاذ ودخول قبيلة سعد بن معاذ كاملةً في الإسلام يومها.
بالله لو فعل مصعب كما يفعل اليوم من يحسبون أنّهم سفراء الإسلام ووكلاؤه بالرّد الجلف الغليظ الجافي بحجة الانتصار للإسلام؛ كيف ستكون النّتيجة؟!
twitter.com/muhammadkhm
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المسلمين الاسلام المسلمين الدعوة الرفق مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة رياضة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه
إقرأ أيضاً:
دعاء دخول رمضان 2025 مكتوب بالكامل.. احرص عليه الآن
شهر رمضان المبارك هو أفضل شهور العام، حيث تنتظره الأمة الإسلامية بشوق كبير، لما يحمله من بركات ونفحات إيمانية عظيمة.
ومع اقتراب حلول هذا الشهر الكريم، يحرص المسلمون في كل مكان على الاستعداد له بالدعاء، سائلين الله عز وجل أن يبلغهم رمضان، ويعينهم فيه على الصيام والقيام والطاعات، وأن يتقبل منهم أعمالهم الصالحة، ويجعلهم من الفائزين برحمته ورضوانه.
ومن أعظم الأعمال التي يُوصى بها عند دخول رمضان هو الدعاء، حيث يعتبر هذا الشهر الفضيل فرصة عظيمة للتقرب إلى الله وطلب المغفرة والرحمة والبركة في العمر والعمل.
وقد وردت العديد من الأدعية التي يمكن للمسلم ترديدها عند استقبال هذا الشهر الكريم، تعبيرًا عن شكره لله على أن بلّغه رمضان، وطلبًا للتوفيق في أداء عباداته على الوجه الأكمل.
1- دعاء رؤية هلال رمضان:
"اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله."
وهو دعاء مأثور عن النبي ﷺ عند رؤية الهلال، وفيه يسأل المسلم الله أن يجعل هذا الشهر شهر خير وأمان وإيمان.
2- دعاء الشكر على بلوغ رمضان:
"اللهم لك الحمد أن بلغتنا رمضان، فاجعلنا فيه من المقبولين، وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا من عتقائك من النار."
فهذا الدعاء يُظهر امتنان العبد لله على نعمة إدراك رمضان، مع طلب العون على استغلاله في الطاعة والتقرب إليه.
3- دعاء التوبة والاستغفار
"اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وتقبل صيامنا وقيامنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واعتق رقابنا من النار، واغفر لنا ولأهلنا ولجميع المسلمين."
وهو دعاء يعبر عن رغبة المسلم في استغلال هذا الشهر للتوبة الصادقة وطلب المغفرة من الله.
4- دعاء التوفيق في العبادات
"اللهم اجعلنا في رمضان من أهل الطاعة، وأعنا على قيامه وصيامه، واجعل عباداتنا خالصة لوجهك الكريم، وأكرمنا فيه بليلة القدر، واجعلنا من المقبولين عندك."
وفي هذا الدعاء طلب العون من الله على العبادة، ليكون العمل في رمضان مقبولًا خالصًا لوجهه.
5- دعاء الصحة والعافية في رمضان
"اللهم اجعل لنا في رمضان الصحة والعافية، وأعنا فيه على الصيام والقيام دون تعب أو مشقة، وارزقنا فيه القوة على الطاعة والعمل الصالح."
حيث يسأل العبد الله أن يمنحه القوة والصحة ليتمكن من أداء العبادات بسهولة ويسر.
6- دعاء طلب البركة والرزق
"اللهم بارك لنا في أيام رمضان، وارزقنا فيه من الخير كله، واجعل لنا فيه نصيبًا من كل بركة، واغفر لنا ما مضى، وتقبل منا ما بقي."
فهذا الدعاء يطلب من الله البركة في الوقت والرزق والعمل خلال الشهر الفضيل.
الدعاء عند دخول رمضان يعكس استعداد المسلم روحيًا لهذا الشهر المبارك، ويعبّر عن رغبته الصادقة في استغلال أيامه ولياليه في الطاعات. فرمضان هو شهر التوبة والغفران، وهو فرصة عظيمة لمن أراد أن يبدأ صفحة جديدة مع الله، لذلك ينبغي الإكثار من الدعاء الصادق الذي يحمل معاني التوبة والرجاء والامتنان لله.
وفي الختام، فإن دعاء دخول رمضان من أجمل ما يمكن للمسلم أن يبدأ به هذا الشهر الكريم، وهو باب من أبواب القرب إلى الله، فلا تبخل على نفسك بالدعاء، فهو سلاح المؤمن وأعظم وسيلة لتحقيق الطمأنينة والقرب من الله في هذه الأيام المباركة.