الجامعة المصرية الصينية تتقدم بـ7 مشروعات بحثية لأكاديمية البحث العلمي
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
أعلنت الجامعة المصرية الصينية، تقدمها بسبع مشروعات بحثية لعام 2024 لأكاديمية البحث العلمي، في إطار إهتمام الجامعة بالبحث العلمي، وإنتاج مشروعات بحثية تخدم المجتمع، وتربط الطلاب وأعضاء هيذة التدريس بمجتمع الصناعة.
وقالت الدكتورة رشا الخولي رئيسة الجامعة المصرية الصينية - في تصريح لها اليوم، إن فلسفة الجامعة تقوم على مواكبة البحث العلمي للتطورات العالمية والاقتصادية مع مراعاة التنمية المستدامة للجامعة المنتجة، وإعداد باحث متميز يتمتع بروح تنافسية، لافتة إلى أن الجامعة تعمل على الشراكة مع المؤسسات المحلية والدولية لخدمة مشاكل المجتمع وتنمية البيئة.
وأضافت أن الجامعة تقدمت بسبع مشروعات بحثية هذا العام 2024 لأكاديمية البحث العلمي، مؤكدة أن جميع هذه المشروعات تطبيقية وتربط الصناعة بالتنمية وتخدم المجتمع.الجامعة المصرية الصينية تحرص على خدمة المجتمع
وأشارت الخولي إلى أن الجامعة المصرية الصينية تحرص دائماً على خدمة المجتمع وبناء زخم ريادي وتعزيز الابتكار والتحول إلى مفهوم الجامعة الريادية التى تبنى مناهجها وتخصصاتها لتخريج طلاب قادرين على خلق فرص العمل في السوق، وتوجيه الشباب للعمل الحر ومساعدتهم في تأسيس شركات ناشئة قائمة على أفكار مبتكرة تسهم في تنمية الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج القومي الإجمالي وتنوع مصادره وخلق المزيد من فرص العمل للشباب.
ونوهت رئيس الجامعة المصرية الصينية بأنه من أهم هذه المشروعات المقدمة لاكاديمية البحث العلمي، هو مشروع المكتب المصري للابتكار التكنولوجي والتجاري" تايكو " والذي يهدف إلى دعم الابتكار ودفع قاطرة التنمية التكنولوجية في المجتمع لتفعيل دور البحث العلمى، وربطه بالصناعة، ودعم الثقة بينهما، حيث يعمل التايكو على نقل وتسويق التكنولوجيا، ومتابعة المشروعات البحثية، والتعريف بفرص التمويل والتعاون الدولي، ونشر ثقافة الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.
وتابعت قائلة، إن الجامعة المصرية الصينية تقدمت أيضا بمشروع نادي ريادة الأعمال، والذي أفتتح بالجامعة منذ سنوات ونجح في نشر ثقافه ريادة الاعمال وخلق فرص عمل مبنية على الابتكار والإبداع، وتشجيع الطلاب على التفكير الإيجابي وغرس الثقة، وتشجيع المشاركة والتفاعل بين المجتمع الطلابي وأعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين بالجامعة، إلى جانب مشروع جامعة الطفل، حيث شاركت الجامعة بجميع كلياتها في برامج وورش عمل في مجالات الصحة، الطاقة المتجددة، العلوم، المصريات، البيئة، فنون، إدارة الأعمال، وميكاترونكس، تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية والرياضية.
وذكرت الخولى أن المشروع عمل علي مساعدة الأطفال المصريين في اكتشاف نقاط القوة في شخصياتهم لإعدادهم لمواجهة التحديات المختلفة وبناء عقولهم، بتعزيز اهتمامهم بالعلوم من خلال التأكيد على أهمية البحث العلمي وتطوير مهاراتهم الإبداعية، وإعطائهم الفرصة لإجراء التجارب والأبحاث، والإطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم في مجالات متعددة بأسلوب علمي بعيدًا عن التلقين والصورة النمطية.
وأوضحت رئيس الجامعة المصرية الصينية أنه من ضمن المشروعات التى تقدمت بها الجامعة لأكاديمية البحث العلمي، مشروع تعديل البنية ونظام توصيل مستهدف للمكونات النشطة الطبيعية التي تستهدف مجمع إشارات PD-1/PDL1 ضد سرطان الثدي الثلاثي السلبي، ومشروع التطبيقات الأساسية والسريرية في التدخل المستهدف للمجمع الثلاثي "سيترال-بايكالين/أبتامر/هيدروجيل/" ضد مقاومة المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA) للأدوية المتعددة، بالإضافة إلى مشروع تطوير بحث مشترك لإنتاج منتجات عالية القيمة من عملية تحلل الإطارات المستعملة باستخدام الطاقة الشمسية المتصلبة مع إعادة تدوير الفحم الأسود، وأخيرا مشروع حلول مبتكرة لاستخدام مياه البحر في تطبيقات الخرسانة الجيوبوليمرية المستدامة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجامعة المصرية الصينية الجامعة المصرية البحث العلمي أكاديمية البحث العلمي مشروعات بحثية المجتمع الجامعة المصریة الصینیة مشروعات بحثیة
إقرأ أيضاً:
نهاية المثقف.. من حلم التغيير إلى مجرد البحث عن دور
منذ ثلاثة عقود، تكثف اهتمام المفكرين بتحديد مفهوم المثقف وصوره، وأدواره، وعلاقته بالسلطة، وأزمته، وكتبت كتب كثيرة، ألفها مفكرون كبار، وتدرج التفكير في هذا الموضوع، بشكل تنازلي، وذلك من تأصيل دور المثقف باعتباره طليعة النهضة والتقدم، إلى تأصيل دوره الإيديولوجي التغييري الثوري، ومن تأصيل دوره الاحتجاجي المعارض ضد السلطة السياسية، إلى الانعطاف لدوره في الوساطة بين ثقافتين، لتبدأ موجة أخرى من الكتابة التي تطرح أزمة المثقف"، أو نهاية بعض أنواعه (نهاية الداعية) أو أزمة النخب، أو "نقد أوهام النخب"، لتنتهي هذه الموجة بالكامل، وتحل محلها موجة أخرى، تبشر بنخب جديدة تعوض المثقف، وتبرر وجودها ودورها بتأثيرها في وسائل التواصل الاجتماعي (المؤثرون) لينتهي بذلك الحديث عن ثقافة الالتزام، والثقافة العضوية كما أصل لمفرداتها غرامشي، وتحل محلها ثقافة التفاهة (ألان دونو) أو ثقافة الغباوة(دينيس كروندانوفيتش، و بليندا كانون).
هذه التحولات التي عرفها دور المثقف، أو التغيرات التي مست وضعه في المجتمع، باتت تطرح سؤالا مهما، يتعلق بتجديد دوره في المجتمع، وما الذي يبرر وجوده، قبل أن يبرر وظيفته، وهل انتهى دوره بالنظر إلى نهاية ما يسمى بالمثقف العام، أو انتهى دوره باعتبار أن أنواعا أخرى حلت محله؟ أم انتهى دوره، لأنه اختار مكانا آخر، غير المكان الذي يبرر استمرار دوره في المجتمع؟ أم انتهى دوره، لأنه اختار أن يمارس وظيفة الوساطة الفاقدة للمعنى، في محيط لم يعد فيه ضفتان، تحتاجان لجسر يصل بينهما، إذ العالم مشحون بالمراكز الحضارية، ولم يعد سجين ذات وآخر؟
نهاية مثقف الإيديولوجيا
بين أيدينا كتابان مهمان، الأول، كتبه عبد الله العروي عن "أزمة المثقفين العرب: تقليدية أم تاريخانية"، يعود نشره لفترة مبكرة (1978)، والثاني كتبه عبد الإله بلقزيز عن "نهاية الداعية: الممكن والممتنع في أدور المثقفين" صدر عام (2000)، وهما معا، يشتركان في الحد الأدنى، في الإقرار بأن المثقف الإيديولوجي، يعيش أزمة، أو انتهت مهمته.
كتاب عبد الله العروي، القديم نسبيا، كان الأكثر تعمقا في نقد الطابع الإيديولوجي للمثقف، إذ انصرف همه بشكل أساسي إلى نقد التقليد، فوسع منظوره له، ورأى أنه لا يقتصر على السلفي الذي يفكر بمنطق الفقيه، ولكنه أيضا يشمل القومي والماركسي الأردوثودوكسي والليبرالي، لأنهم جميعا، وإن كانوا يحلمون بالتقدم، إلا أن منهجهم في التفكير تقليدي، وما كان منهجه تقليدا، لا يمكن في نهاية المطاف سوى أن ينتج التقليد. فرأى ألا مخرج من أزمة المثقف، سوى بانتظامه في التاريخانية، أي الاقتناع بأنه لا تقدم من غير سلك نفس الطريق الذي سلمه التقدم الأوربي، أي الانطلاق أولا من الليبرالية، واعتبار هذه المرحلة الانتقالية، وسيطة، يتم من خلالها القطع مع التقليد، وتأهيل المجتمع والسلطة للانتقال إلى الماركسية. أما كتاب عبد الإله بلقزيز، فقد اتجه في مسار آخر، حاول أن يناقش أزمة المثقف من خلال محدداته الثلاثة، أو من خلال العلائق التي تربطه بهذه المحددات الثلاثة: (المعرفة، والجمهور، والسلطة). ويرى أن الصور التي أخذها المثقف (شعبوي، نخبوي، معارض، انتهازي) ترتبط بنوع العلاقة التي ينسجها مع هذا الثالوث، فيكون شعبويا، حين يستعلي على المعرفة بالجمهور. ويكون نخبويا حين يستعلي على الجمهور باسم المعرفة. ويكون معارضا حين ينحاز للمجتمع ضد استبداد السلطة وتغلوها، ويتحول إلى عقل السلطة، حينما يكون سلاحها وشرعيتها في تبرير السياسات التي تضر بالمجتمع.
إن محنة ابن حنبل تعكس في نظر الجابري التحدي الإيديولوجي الذي كان يشكله هذا المحدث للسلطة السياسية، وأن قضية خلق القرآن، لم تكن في الجوهر سوى الشعار الديني الذي يخفي الخلاف السياسي بين السلطة السياسية وبين المعارضة. ولأن محنة ابن رشد كانت محيرة، بحكم العلاقة القوية التي كانت بين الفقيه الفيلسوف وبين الخليفة الموحدي، فإن فك لغزها، حسب الجابري، تم حقل السياسة، لا في حقل العقيدة أو الفلسفة.بهذا الاعتبار، طرح عبد الإله بلقزيز سؤال موقع المثقف، وهل لا يزال للمثقف الداعية (أي المثقف الإيديولوجي) دور في المجتمع، وهل لا يزال المجتمع يتحمل ثرثراته الكلامية، في الوقت الذي عرف فيه المجتمع تحولات عميقة، مست حتى وظيفة المثقف نفسها، وهل يعتقد المثقف اليوم أن الصورة التاريخية التي يحملها عن نفسه، توفر له الحجة لتبري رقدرته على الإنجاز والفعل في المجتمع، أم أنه يفعل ذلك لمجرد التعويض النفسي عن فقدان دوره ونهاية مهمته كداعية إيديولوجي قياسا إلى ما كان يقوم به في المراحل السابقة.
هذا النموذجان (العروي وبلقزيز) في نقد المثقف، اللذان ربطا بين أزمة المثقف ودوره الإيديولوجي، انطلقا في الواقع من نفس المقدمات، لكنهما وصلا إلى نتائج مختلفة. فبينما اتجه العروي إلى نقد البعد المنهجي في عمل المثقف الإيديولوجي، بحجة أنه ينتج التقليد، وأنه لا يمكن للمثقف حتى ولو كان يتطلع بإيديولوجيته إلى التقدم أن ينجح في هذا المسعى، ومنهجه يفضي إلى دعم منظومة التقليد، بينما كانت نتيجة بلقزيز مغايرة تماما، إذ على الرغم من تفكيكه لأزمات المثقف والانهيارات التي مست بطوبى المثقف الملتزم، فإنه فتح بابا مختلفا لتبرير الحاجة لدور آخر للمثقف، أسماه بتأسيس تعريف جديد لالتزام المثقف. وفي شرحه مقتضيات هذا التعريف الجديد حرص بلقزيز على أن يوجه دور المثقف في ثلاثة اتجاهات: الجانب المعرفي (قضية التنوير، أي أن يكون المثقف في طليعة القوة الاجتماعية المعنية بمقاومة الجهل والأمية والخرافة وتوزيع المعرفة والفكر في أوساط الناس.) وذلك بعيدا عن قضايا التجييش السياسي والتحريض الطبقي، والجانب الثقافي (دعم استقلالية الثقافة وحرية التفكير)، والجانب الوطني (حماية السيادة).
ولأن علاقة المثقف بالسلطة، تحتاج لتأطير، فقد كانت نظرة بلقزيز مغايرة للنظرة العقائدية (الإيديولوجية) التي تنتصر للمثقف المعارض للسلطة، دون أن تضع في دائرة المساءلة أن هذا المثقف المعارض يقوم في الآن ذاته، بخدمة سلطة أخرى، هي سلطة حزبه أو حركته السياسية، ولذلك، اقترح بلقزيز مخرجا يبقي على دور للمثقف ضمن دائرة الالتزام "الجديد"، سماه المثقف الذي يجنح إلى تأسيس سلطة للمعرفة تقوم بدور تفسير العالم بدل أن تحمل الطوبى الماركسية، بدوره في تغيير العالم.
نهايةالمثقف المعارض للسلطة
في الواقع، لا يمكن أن نحصي حجم الكتب التي كتبت عن العلاقة بين المثقف والسلطة، فقد صدر إدوارد سعيد كتابه: "تمثلات المثقف"، في طبعته الأولى بالانجليزية سنة 1994، وتمحور سؤاله الأساسي حول تعريف المثقف، وعلاقته بالسلطة، وهل هو صاحب مهنة محترف، أم مفكر هاوي مستقل. واستعار تعريفين للمثقف، الأول لأنطونيو غرامشي، يرى فيه أن جميع الناس مفكرين، لكن وظيفة المثقف أو المفكر في المجتمع لا يقوم بها كل الناس. والثاني، لجوليان بندا، الذي اعتبر أن المثقفين هم عصبة من الملوك الفلاسفة الذين يمتلكون المواهب الفائقة، ويتشربون الأخلاق الرفيعة، ويشكلون ـ على قلتهم-ضمير البشرية.
ينتقد إدوارد سعيد التعريف الثاني، ويرى أنه أقرب إلى الخيال، وأنه يحمل صورة عن المثقف لا يتحملها الواقع، ولا تعكسه حقيقته، ويميل إلى تعريف غرامشي، ويرى أن المثقف هو الذي يقوم في المجتمع بجملة من الوظائف.
الجديد في مقاربة إدوارد سعيد ذلك التصنيف الذي وضعه للمثقف، أي المثقف المحترف الذي يرى في الثقافة حرفة يسترزق منها وينفر من السياسة، والمثقف الهاوي الذي ينحاز إلى الفئات الفقيرة والمستضعفة ويناصر الحرية والمظلومين.
يناقش إدوارد دور المثقف من خلال اشتباك المعرفة بالسلطة، وأن خيانة المثقف تبدأ حين تصير المعرفة التي يكتسبها أداة لخدمة السلطة، في حين يتمثل الالتزام، في تجسيد استقلالية المثقف عن السلطة، والتموقع فيعمق وطليعة الحركات الاجتماعية، وامتلاك للحس الأخلاقي والنقدي، والتحرر من أوهام الإيديولوجية المزيفة، وخوض معارك الحرية والعدالة والكرامة للمجتمع.
كتاب آخر، جعل من قضية العلاقة بين السلطة والمثقف موضوعه الأساسي، لكنه فضل أن ينحو منحى تأصيليا، بالعودة لمحنتين عاشهما مثقفين مختلفين في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، هما الإمام أحمد بن حنبل والفقيه الفيلسوف ابن رشد.
يتعلق الأمر بكتاب المفكر العربي محمد عابد الجابري: "المثقفون في الحضارة العربية محنة ابن حنبل وابن رشد" الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1995، وقد حاول فيه أن يقدم تفسيرا لمحنتين لعلمين من أعلام الثقافة العربية الإسلامية، وذلك في سياقين زمنين وجغرافيين مختلفين، بعيدا عن السردية العقدية والمذهبية، وأن يؤطرها ضمن قراءة سياسية، استمدها من بعض الروايات التاريخية، وحاول تفسيرها من زاوية اشتباك السلطة المعرفية (سلطة المثقف) والسلطة السياسية (سلطة الحاكم الخليفة).
ما يهمنا في هذه القراءة، أن الجابري اختار تعريفا مختلفا للمثقفين، أي الذين يحملون أفكارا خاصة بهم عن الإنسان وعن المجتمع، ويقفون موقف الاحتجاج والتنديد إزاء ما يتعرض له الأفراد والمجتمعات من ظلم وتعسف من السلطات، أيا كانت سياسية أو دينية. وبناء على هذا التعريف اختار الجابري أن يتجنب الفروق بين بعض التصنيفات (مثل الفرق بين الفقيه والفيلسوف أو المحدث) فهذه التصنيفات التخصصية، لا تتقابل مع المثقف، بل قد تتطابق معه، فيكون المحدث مثقفا، ويكون الفقيه مثقفا، ويكون الفيلسوف مثقفا، متى ما جعل من مهمته النقد الاجتماعي، والتحول إلى ضمير للمجتمع الحي.
وهكذا، فإن محنة ابن حنبل تعكس في نظر الجابري التحدي الإيديولوجي الذي كان يشكله هذا المحدث للسلطة السياسية، وأن قضية خلق القرآن، لم تكن في الجوهر سوى الشعار الديني الذي يخفي الخلاف السياسي بين السلطة السياسية وبين المعارضة. ولأن محنة ابن رشد كانت محيرة، بحكم العلاقة القوية التي كانت بين الفقيه الفيلسوف وبين الخليفة الموحدي، فإن فك لغزها، حسب الجابري، تم حقل السياسة، لا في حقل العقيدة أو الفلسفة. ولذلك يرجح في قراءته أن سببه محنة ابن رشد سياسي، يعود إلى آرائه التي عبر عنها في "جوامع سياسة أفلاطون"، لاسيما احتفائه بالحكم الجماعي بدل الفردي، وقوله بجواز ولاية المرأة، ونقده لتصرفات الحاكم المستبد، هذا فضلا عن علاقته "المشبوهة" مع أخ الخليفة والي قرطبة.
لا يختلف إدوارد سعيد في نظرته للمثقف في علاقته بالسلطة عن الجابري، فالفرق الوحيد بينهما، هو أن الأول، اتجه منحى التنظير(المفاهيم) في حين أن الثاني اتجه في منحى التأصيل بإعادة قراءة السردية التاريخية، وترجيح القراءة السياسية عوض القراءة العقدية، وذلك كله للتأصيل لمفهوم المثقف الناقد للسلطة.
علي حرب، "في أوهام السلطة"، كان بين هذا (إدوارد سعيد) وذاك (الجابري)، أو قل للدقة كان قريبا من بلقزيز، أو كان بلقزيز قريبا منه. فقد اختار أن ينتقد الوظيفة الاجتماعية للمثقف، معتبرا أن حمل شعار الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة، يصير المثقف نخبويا، لأن وظيفة المثقف، ينبغي أن تتجه إلى فعل التنوير، أي النزول إلى المجتمع، وتغيير أفكاره ومنهج تفكيره، بدل تعبئته بشعارات لخوض معارك إيديولوجية وسياسية. ولذلك لا يتردد علي حرب، مثله في ذلك، مثل عبد الإله بلقزيز، في الحديث عن نهاية المثقف العقائدي، الذي ينصرف همه عن فعل التنوير، ويعبر فقط عن طموحات جماعة سياسية، ويكتفي بتعبئة المجتمع، وتحويله إلى مجرد نصير، من غير تغيير فكره، وثقافته، ومنهج تفكيره.
يتفق علي حرب مع بلقزيز في دور المثقف إزاء السلطة السياسية، ويختلف طرحهما تماما عن طرح إدوارد سعيد، إذ الفرق عندهما كبير بين تثوير الجمهور ضد السلطة، وتعبئته بشعارات كبيرة، وتحميل المثقف مسؤولية تغيير المجتمع (مهمة طوباوية مستحيلة) وبين ممارسة دوره في التنوير والمعرفة وإشاعة الفكر النقدي، وتأسيس وعي مجتمعي قاعدي ثقيل، يصير مع الزمن عصيا على التطويع من طرف أي سلطة. في حين، لا يتردد إدوارد سعيد في استرجاع مقولة غرامشي، ومقولة الالتزام، التي تعني حمل هموم المستضعفين والمظلومين والدفاع عن قضايا الحرية، ومناهضة واستبداد السلطة.
في المحصلة، تؤشر هذه التحولات في كتابات المثقفين عن أدوارهم، بأن سقف طموحهم، قد نزل بشكل كبير، وانتهى ببعضهم إلى الإعلان عن نهاية المثقف، في حين بقي الأقل تفاؤلا منهم، يحمل أملا صغيرا، حاول تجسيده في تجديد مفهوم الالتزام، وأخذ مسافة عن مفهوم الالتزام بالمعنى العضوي الغرامشي، ذلك المعنى الذي كانوا يؤصلون له في بداية التأسيس لصورة المثقف ودوره الريادي في التغيير.
نهاية المثقف الوسيط
تقدم أدبيات فكر النهضة فكرة واضحة عن مفهوم الوساطة. فسواء تعلق الأمر، بمستقبل لثقافة في مصر (طه حسن)، أو بتخليص الإبريز (الطهطاوي) أو " بـ"الإسلام بين العلم والمدنية"، أو " ما هي النهضة" لسلامى موسى، فإن الدور الذي رسمه هؤلاء للمثقفون، على اختلافهم الفكري، هو الوساطة بين الفكر الغربي والفكر العربي الإسلامي، وذلك بغض النظر عن هذه الوساطة، وهل هي ترجمة للفكر الغربي، ومحاولة لتوطينه في العالم العربي، أو محاولة لتأويل النص الديني وإعادة قراءته بالشكل الذي لا يتعارض مع الحداثة. فالثابت، حتى والخلاف قد اشتد بين الاتجاهين السلفي والليبرالي، كما يرى ألبير حوراني في "الفكر العرب في عصر النهضة" فإن دور الاتجاه السلفي، لم يكن يقل في شيء عن دور الاتجاه الليبرالي في تقريب النهضة الأوربية من المجال التداولي العربي.
علي شريعتي في كتابه: "مسوؤلية المثقف" لم يخرج عن هذه المعادلة، حتى وهو يفرق في المثقف بين المثقف الأصلي والمثقف المقلد، منطلقا في ذلك من مفهوم المثقف في السياق الأوربي.
فمهما كانت المسافة بين هذين الصنفين من المثقف عنده، فإن الإضافة التي قدمها شريعتي لفكرة الوساطة بين ثقافة الغرب وثقافة الأمة، هو أن يستوعب المثقف الأصلي في سياق تأصيله للنهضة في وطنه، أهمية تثبيت الهوية في مجتمعه ومراعاة الفروقات الثقافية بي ين التجربة الأوربية وبين سياقه المخصوص سواء في قراءته للأحداث، أو استلهامه للأفكار، أو محاولته التأصيل لها للنهضة الحضارية.
والحقيقة أن مهمة الوساطة في مرحلة النهضة، وحتى بعدها، كان لها ما يبررها. فمن جهة حصلت صدمة الحداثة في اللحظة الاستعمارية، أو قبلها مع الاحتكاك بالغرب (سواء من خلال البعثات العلمية، أو الرحلات السفارية، أو الرحلات بشكل عام). ومن جهة أخرى، كان المثقف هو الأداة الوحيدة لنقل صورة الغرب إلى الجمهور، فلم تكن هناك من طريقة لمعرفة الغرب، سوى كتابات المثقفين الذين درسوا هناك ضمن بعثات ثقافية وعلمية (طه جسين أو الطهطاوي وغيرهم) أو الذين عاشوا هناك لظروف معنية (محمد عبده)، أو زاروا الغرب في إطار مهام حكومية أو دبلوماسية (الرحلات السفارية).
مع التطور التكنولوجي، وثورة الاتصالات، والثورة الرقمية، لم يعد هذه الوساطة مبررة، فقد أصبح العالم قرية صغيرة، وصار بإمكان الواحد منا بنقرة على شاشة الهاتف الذكي، أو الحاسوب أن يلقي نظرة واسعة كل شيء عن أي مكان في العالم، بل صار من الممكن التواصل مع أي مواطن في العالم، ولم تعد حتى اللغة ضرورية في هذا التواصل. فقد صارت هناك اشكال غريبة من التواصل، بل أصبحت برمجيات الترجمة تقدم خيارات مهمة للاتصال، بالشكل الذي أصبح وظيفة المثقف في نقل ما في الغرب، منحصرة في مساحات جد ضيقة تتعلق بالإنتاج العلمي والفلسفي والتقني، وذلك عبر الترجمة.
في الواقع، طرحت على مفهوم الوساطة ثلاث مستويات مهمة، تتعلق كلها بسؤال الوساطة بين من ومن؟ وهل العالم لا يزال يختصر في الصورة التي رسمها مفكر النهضة حين كان يتحدث عن الأنا والآخر، أي العرب والغرب، أم أن العالم تعدد بشكل صار فيه العرب والغرب مجرد مركزين حضاريين إلى جانب مراكز حضارية متعددة، بل تجرب نهضوية كثيرة (المستوى الأول).
يقدم كتاب ألان دونو "نظام التفاهة" تفسيرا للتحولات التي تجري ليس فقط في المجال الثقافي، وإنما في جميع المجالات الاقتصادية والمالية والعلمية والسياسية والفنية والإعلامية، ويعتبر أن نظام التفاهة هو مشروع مكتمل تقوم عليه الامبريالية المتوحشة، وأنه ينسف كل القواعد المبنية في مختلف الأنظمة الحياتية.نهاية هذه الوساطة التي يعود عهدها إلى فكر النهضة، قلص دور المثقف إلى ابعد الحدود، بل قلص تصوره لمفهوم الوساطة نفسها، فصار بعض المثقفين، يطرحون الوساطة بين ثقافة النخبة وبين ثقافة الجمهور (المستوى الثاني)، أي كيف نحول أفكار المثقف النخبوية إلى أفكار قابلة للتداول، حتى تصير متملكة مجتمعيا، أي ان المثقف الذي كان يبرر وجوده بالتعقيد والتجريد والنخبوية، صار يبحث عن تبرير وجوده، بالتبسيط واستمالة الجمهور بتنزيل درجة الكثافة في لغته، وتقريبها من لغة العموم.
اتجاه ثان من المثقفين (المستوى الثالث)، قلص هذه الوساطة أكثر، وربما كانت صدمة جائحة كورونا شديدة، فحفزت بعض المثقفين إلى أن يقصروا مهمة المثقف في ردم الهوة بين ثقافة الجمهور التي تميل لنظرية المؤامرة (مقاومة التلقيح) وبين ما تقوله الثقافة العلمية (التلقيح) ولعلهم في ذلك كانوا يبحثون عن خيار للخروج من العزلة في بيوتهم أكثر مما يفكرون في تأصيل هذا النوع من الوساطة.
ثقافة التفاهة.. حينما يعلن المؤثرون نهاية المثقف
يقدم كتاب ألان دونو "نظام التفاهة" تفسيرا للتحولات التي تجري ليس فقط في المجال الثقافي، وإنما في جميع المجالات الاقتصادية والمالية والعلمية والسياسية والفنية والإعلامية، ويعتبر أن نظام التفاهة هو مشروع مكتمل تقوم عليه الامبريالية المتوحشة، وأنه ينسف كل القواعد المبنية في مختلف الأنظمة الحياتية.
ومن ذلك النظام الثقافي، الذي كان المثقف يحتل فيه موقعا مركزيا، فجاء نظام التفاهة، ببينة جديدة، وفاعلين جدد، ومضمون جديد، وشبكات إنتاج وتوزيع مختلفة، جعلت المؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي بديلا عن المثقف، بل جعلت قوته تفوق قوة المثقف، بل لم يعد هناك ما يمنع الأمي والعامي، ورجل الشارع البسيط، من أن يخلق جمهوره الواسع، عبر المعجبين والمتابعين والمعلقين، بما يفوق جمهور المثقف، خاصة وأن المضمون، لم يعد يشترط معنى، أو قواعد، بل أكبر القواعد التي تؤطر هذا المضمون هو اللامعنى، أو الفراغ، وفي بعض الأحيان، يكون المضمون هو ما ضد القواعد والأطر الثقافية والأخلاقية والمعايير المعترف بها اجتماعيا.
والمشكلة، أن هؤلاء المؤثرين، لم يعد لهم مكانهم الرمزي في فضاء التواصل الافتراضي فقط، بل بسبب من قوتهم في هذا المجال، صاروا موضوع طلب أكثر من المثقف نفسه، فصاروا يعوضونه حتى في النقاشات الثافية، التي يطلب فيها رأي المثقف باعتباره مختصا، فيكون المؤثر هو الأولى بالحضور، في برامج الثقافة والرياضة والسياسة والفن والإعلام، فأضحى مطربا، بدل المطرب، ومبدعا بدل المبدع، ومتحدثا بدل المثقف، وممثلا سينمائيا بدل الفنان، فأعلن باختصار نهاية المثقف، ونهاية كل أصنافه الحديثة.
خاتمة
هذا المآل المأساوي للمثقف، جعل الكثير من المثقفين، يتطلعون إلى البحث عن تجديد دورهم، فمنهم من أصبح ينحو منحى التقنوقراطي، ويضع نفسه في خدمة السلطة. فبدل أن يكون أداة لتحديث المجتمعات، يصير آلية في يد السلطة لإعادة إنتاج التقليد. وبعضهم، تملكته الرغبة في تقليد المؤثر، ويريد أن يغادر كل القواعد التي تعلمها في مهمته الثقافية، ويتحول إلى مجرد مؤثر، يقدم وصلات أو تغريدات، ويبحث مثل غيره من البسطاء على إعجاب هنا وهناك في منصات التواصل الاجتماعي. والبعض الآخر، يحاول أن يقدم خدماته الثقافية للسلطة في معارضتها للخصوم السياسيين. وبعضهم الآخر، فضل أن يتعمق في نخبويته، وينحاز للتخصص الدقيق في الفلسفة أو الترجمة أو التاريخ، يخدم المعرفة الأكاديمية الصرفة بمعزل عن هموم المجتمع.
ومهما يكن مآل المثقف اليوم، فالتحولات التي مست دوره، تنبئ عن الهشاشة التي كان يتميز بها، حتى وقد كان يمني النفس بالقيام بأدوار طوباوية عظيمة تنطلق من تفسير العالم لتصل إلى تغييره.