هل تنجح دول الخليج في تحقيق التوازن في علاقاتها الاقتصادية بين الصين والغرب؟
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
تسعى دول الخليج لتحقيق توازن في علاقاتها مع كل من الصين والغرب؛ حيث تحاول تعزيز خططها الاقتصادية والتكنولوجية عبر شراكات مع الغرب، فيما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للخليج. ولكن هل تنجح دول الخليج بالفعل في الحفاظ على هذا التوازن؟
بحسب تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" وترجمته "عربي21"، فإن حكام دول الخليج الثرية أمضوا سنة 2024 في القيام بأمرين: أولا وضع بصمتهم على خريطة التكنولوجيا العالمية في محاولة للارتقاء في الترتيب الرقمي، وثانيا المضي قدما في خططهم الطموحة للتنويع الاقتصادي، وقد انطوى ذلك على شراكات مع الغرب والصين، لكن مع اقتراب 2025 تتعرض دول الخليج لضغوط متزايدة لاختيار أحدهما.
واعتبرت المجلة أن دول الخليج تميل نحو الغرب عندما يتعلق الأمر بتعزيز طموحاتها التكنولوجية، فقد استقطبت الإمارات العربية المتحدة، شركة مايكروسوفت كشريك لشركة "جي 42"، وهي شركة محلية رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما تنشئ مايكروسوفت حاليًا مركزًا هندسيًا في أبوظبي، وتستثمر في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إلى جانب شركة بلاك روك، أكبر شركة تدير الأصول في العالم، وصندوق "إم جي إكس"، وهو صندوق إماراتي للتكنولوجيا.
ويصف براد سميث، رئيس شركة مايكروسوفت، هذا الأمر بأنه "نموذج جديد للتعاون الجيوسياسي والاقتصادي" بين الشرق الأوسط والغرب، ويشير إلى أنها في المقام الأول "علاقة بين الحكومات، مدعومة من القطاع الخاص".
من جانبها، تعمل المملكة العربية السعودية على إنشاء صندوق للذكاء الاصطناعي بقيمة 40 مليار دولار بالشراكة مع مستثمرين أمريكيين، وتخطط جوجل لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في المملكة، حسب التقرير.
وأشارت المجلة إلى أن اعتماد الدول الخليجية على الغرب لم يمنع من أن تصبح الصين أكبر شريك تجاري للخليج؛ حيث تعمل بكين على زيادة استثماراتها في المنطقة بشكل سريع، وقد اتجهت هذه الدول شرقًا فيما يتعلق بالمخططات الوطنية الطموحة لإصلاح اقتصاداتها وقامت ببناء روابط تجارية ومالية أكثر إحكامًا مع الشركات والمستثمرين الصينيين، الذين يقومون بتعزيز البنية التحتية في دول الخليج وجلب التكنولوجيا الصناعية.
وتردّ الشركات الخليجية الغنية بضخ مليارات الدولارات في شركات التكنولوجيا ومشاريع الطاقة في الصين وأماكن أخرى في آسيا، وضمن هذه العملية تفتح الشركات الخليجية أسواقًا جديدة وتجد فرصًا للنمو.
ووفقا للتقرير، فإن المشكلة تكمن في معارضة أمريكا للروابط التكنولوجية مع الصين، وفي هذا الإطار أُجبرت شركة "جي 24" على قطع علاقاتها مع شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني، قبل إبرام الصفقة مع مايكروسوفت، كما كانت أمريكا مترددة في السماح بتصدير رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا إلى الشرق الأوسط، خوفًا من أن ينتهي الأمر بإرسال بعضها إلى الصين.
وفي شباط/ فبراير الماضي، وقعت شركة "دو"، وهي شركة اتصالات إماراتية، اتفاقية مع شركة هواوي لبناء شبكات الجيل الخامس، وقد هددت أمريكا بوقف مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الأطراف التي تستخدم معدات هواوي خوفا من استخدامها في التجسس.
وأضافت المجلة أن دول الخليج ترى رغم ذلك في الصين شريكًا موثوقًا به وجذابًا لتحقيق أهدافها الحالية، فقد ساعدت الصين الإمارات على أن تصبح مركزًا تجاريًا عالميًا؛ حيث أنشأت مستودعات ضخمة وعمليات تجارية وبنى تحتية مفيدة.
كما أن الصين تدعم التحول نحو الطاقة المتجددة في دول الخليج من خلال توريد الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وقد لعبت الشركات الصينية أيضًا دورًا محوريًا في أنشطة البناء والنقل وغيرها من الأنشطة الصناعية في جميع أنحاء الخليج، كما تعمل الجامعات الصينية على تعزيز التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا مع نظيراتها في الخليج.
إلا أن العمل مع أمريكا، وفقا للمجلة، يساعد على تأمين الطموحات التكنولوجية للخليج، والتي تعتبر أساسية في خطط التنويع الاقتصادي والنمو المستقبلي، كما يتطلع حكام الخليج إلى الاستثمار في الفضاء والدفاع والأمن السيبراني كمجالات واعدة في منطقة تزداد توترا.
وأكدت المجلة أن الولايات المتحدة أظهرت في بعض الأحيان أنها شريك يخدم مصالحه فقط؛ حيث خنقت طموحات دول الخليج وشركاتها، وتعاملت مع المنطقة كأداة في جهودها لبناء نفوذ في جنوب العالم، وسيستمر ذلك في عهد دونالد ترامب.
وختمت بأن دول الخليج قد تتطلع إلى دول آسيوية أخرى كبديل للصين إذا زادت الضغوط الغربية، وقد تحوّطت السعودية في رهاناتها حيث تعاونت مع شركات بناء من الهند وكوريا الجنوبية في بعض المشاريع، لكن هذه الشركات تكافح لمنافسة سرعة وكفاءة وقوة التصنيع التي تتمتع بها شركات البناء والهندسة الصينية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الخليج الصين الاقتصادية السعودية الولايات المتحدة اقتصاد الخليج السعودية الولايات المتحدة الصين صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دول الخلیج
إقرأ أيضاً:
سوريا بين الشرق والغرب
كُسرت سوريا خلال العقد الماضي، وكُسر دورها الإقليمي مع تحول أرضها إلى ساحة يتصارع فيها الخصوم الإقليميين والدوليين.. هرب الأسد وطويت معه تحالفات ظلت راسخة لعقود خلت.. لم تعد رياح الشرق تهب وحدها اليوم على سوريا، بل رياح دافئة آتية من الخليج العربي وأخرى أقل دفئا تأتي من الضفة المتوسطية الأخرى.
وإذا كانت القطيعة من الشرق القريب (إيران) تمثل هدفا استراتيجيا لسوريا الجديدة، فإن القطيعة مع الشرق البعيد (روسيا، الصين) ليست كذلك.
روسيا، الصين
ليست العلاقة السورية ـ الروسية مجرد علاقة محصورة ببعد اقتصادي فقط أو سياسي ـ دبلوماسي فقط، بل هي علاقة استراتيجية عميقة منذ الاتحاد السوفيتي وحتى الآن، باستثناء تسعينيات القرن الماضي، حين كانت موسكو مشغولة بترتيب بيتها الداخلي.
علاقة سوريا مع الغرب لا يمكن عزلها عن إسرائيل، وهنا تبدو الصعوبة على المستوى البعيد وليس القريب، إذ كما يبدو يتجاهل الشرع وإدارته أي حديث عن التوغل الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية وقصفها لقواعد الجيش السوري، ضمن براغماتية سياسية لا تريد خلق مخاوف مع الولايات المتحدة، وفي ظل أوضاع لا تسمح لسوريا بفعل أي شيء حيال التوغلات الإسرائيلية.وبهذا المعنى، لم يكن التدخل العسكري الروسي عام 1016 في سوريا، نابعا من منافع اقتصادية قد تحصل عليها روسيا، بقدر ما كانت نابعة من مصلحة استراتيجية كبيرة في الحفاظ على بلد ما يزال جزءا من الفلك الروسي بمعايير الحاضر، وليس بمعايير الحرب الباردة السابقة.
مع هروب الأسد وسقوط النظام، تغير وجه سوريا وتغير معها خطابها وتوجهها السياسي، بطريقة تشكل قطعا تاريخيا مع المراحل السابقة.
غير أن علاقة سوريا الجديدة مع روسيا ليست محكومة بصراع طائفي مغلفُ بغطاء أيديولوجي حدي كما هول الحال مع إيران، فما يربط دمشق بموسكو محصور بالبعد الجغرافي السياسي ليس إلا، لا توجد فيه خلفيات أيديولوجية أو طائفية، ولا توجد فيه أثقال شخصية، على الرغم من دعم بوتين القوي لنظام الأسد.
في ممارسة البراغماتية السياسية تحضر الجغرافية السياسية دائما إذا ما كانت معزولة أو خالية من أية ممارسات إثنية أو طائفية تهدد المصال المباشرة بين الطرفين.
في ضوء هذه الخلفية، يمكن قراءة زيارة الوفد الروسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق، كانعكاس لمصالح استراتيجية محضة تُعبر عن رغبة صناع القرار في الكرملين في عدم خسارة سوريا نهائيا.
مصالح بدت مفهومة عن حكام سوريا الجديدة الذين أكدوا لـ بوغدانوف على ضرورة احترام روسيا سيادة سوريا وسلامة أراضيها، ودور روسيا في إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري، من خلال تدابير ملموسة، مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي.
يخطئ البعض حين يتصور أن سوريا يمكن أن تدير ظهرها بالكامل إلى روسيا كما هو الحال مع إيران، فطبيعة موقع سوريا المحاذي لإسرائيل، وطبيعة الشعب السوري المفعم بالقومية والمسكون بهاجس القضية الفلسطينية، لا يسمح لها أن تكون جزءا من الفلك الأميركي على الطريقة السعودية والمصرية والأردنية، وهذا ما تدركه المؤسسة السياسية الأميركية.
لسوريا مصلحة في إعادة ترتيب علاقتها بروسيا والصين للاستفادة منهما في موازنة علاقاتها الدولية أولا، وللاستفادة منهما في الدعم الاقتصادي، خصوصا إعادة الإعمار، ناهيك أن المؤسسة العسكرية السورية تاريخيا وإلى الآن ذات عقيدة روسية، ومعداتها روسية، وتدريب ضباطها على الخبرة الروسية، وبالتالي، فإن عملية التوجه العسكري نحو الغرب ستكون مكلفة جدا، وذات أمد طويل حتى تُقطف ثمارها.
الولايات المتحدة وأوروبا
إذا كان إعادة ترتيب العلاقة بين سوريا وروسيا مسألة غير ملحة بالنسبة لدمشق، فإن إعادة ترتيب العلاقة مع الغرب الأميركي والأوروبي تبدو مسألة ملحة جدا، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة، وبسبب الحصول على الشرعية الدولية لحكام سوريا الجدد، وبسبب الاستفادة من الغرب في بناء سوريا جديدة اقتصاديا وسياسيا.
لكن علاقة سوريا مع الغرب لا يمكن عزلها عن إسرائيل، وهنا تبدو الصعوبة على المستوى البعيد وليس القريب، إذ كما يبدو يتجاهل الشرع وإدارته أي حديث عن التوغل الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية وقصفها لقواعد الجيش السوري، ضمن براغماتية سياسية لا تريد خلق مخاوف مع الولايات المتحدة، وفي ظل أوضاع لا تسمح لسوريا بفعل أي شيء حيال التوغلات الإسرائيلية.
ما يهم الحكم الجديد في سوريا، هو تقديم خطاب مطمئن للغرب على ثلاثة مستويات:
الأول، سوريا لن تكون منصة عداء لكل الدول الإقليمية بما فيها إسرائيل (على الأقل نظريا في هذه المرحلة)، باستثناء إيران التي ستكون خارج المشهد السوري.
إذا كانت لسوريا الجديدة مصلحة استراتيجية في الانفتاح على الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة، فإن من مصلحتها أيضا أن تواظب على علاقات قوية مع روسيا والصين، كتوازن بين الشرق والغرب، تفرضه طبيعة الصراع العربي ـ الإسرائيلي من جهة، ومقتضيات المصالح السورية من جهة أخرى.ثانيا، حكم داخلي رشيد، يسمح لجميع المكونات بالمشاركة السياسية دون إقصاء لأحد، مع حريات سياسية واقتصادية، وتحقيق مستوى معيشي معقول.
ثالثا، لا مكان في سوريا الجديدة للتيارات الإسلامية الراديكالية، وإنما تقديم خطاب إسلامي معتدل متصالح مع قيم الديمقراطية والليبرالية السياسية والاقتصادية، مع ضوابط لليبرالية اجتماعية لا تؤدي إلى استياء مجتمعي لدى الأقليات.
وإذا كانت لسوريا الجديدة مصلحة استراتيجية في الانفتاح على الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة، فإن من مصلحتها أيضا أن تواظب على علاقات قوية مع روسيا والصين، كتوازن بين الشرق والغرب، تفرضه طبيعة الصراع العربي ـ الإسرائيلي من جهة، ومقتضيات المصالح السورية من جهة أخرى.
وضمن هذه المعادلة بين الشرق والغرب، تجد دمشق أولويتها وامتداها الطبيعي ضمن محيطها العربي، ليس في البحث عن شرعية عربية فحسب، بل أيضا من أجل الحصول على دعم مالي واقتصادي وسياسي عربي يسمح لها بإعادة بناء نفسها داخليا.
وليس صدفة أن يكون الحضور السعودي والقطري والتركي هو الأكثر قوة في المشهد السوري الجديد.