حسين خوجلي يكتب: حكاية من دفتر الأزهري
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
تظل المواقف الصغيرة والكلمات للزعماء واصحاب الرئاسات هي المفاتيح الأساسية للتوثيق لحياتهم وتجاربهم وللاستفادة من أيامهم في الحكم والسيادة، بما فيها من انجازات وأخطاء ومواقف بين بين.
وللأسف أن الذاكرة الصحفية في التأليف والنشر فشلت فشلا ذريعا في توثيق هذه المفاتيح المعرفية عن شخصياتنا العامة، فاختلطت الحقائق بالأكاذيب، وهوى النفس وشحها في تعريف القيادات وتسويقها.
فمن في كل الاجيال التي تعاقبت يعرف السيرة الحقيقية للامام المهدي وللخليفة عبدالله ود تورشين، من منا يعرف السيرة الحقيقية للامام عبد الرحمن والسيد علي الميرغني والزعيم اسماعيل الأزهري والفريق عبود والمحجوب وعبدالله خليل وسر الختم الخليفة وجعفر نميري وسوار الدهب والصادق المهدي والفريق البشير وعبد الخالق محجوب وحسن الترابي وبابكر كرار والشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي ومحمود محمد طه والرشيد الطاهر ومحمد ابراهيم نقد وكبيدة وبابكر النور وحسن حسين وبقية الأسماء التي حكمت أو حاولت أن تحكم السودان، عن سيرتهم الحقيقية أو الوجة الآخر.
إن كل الذي ورثناه عن هؤلاء مجرد تصريحات باردة كانت تردُ في الصحف اليومية والإذاعات ومجالس المديح الحزبي، تلك المجالس التي كان كل همها أن تكذب بصدق.
خطرت لي هذه الخاطرة وقد تركت ورائي كراسة قديمة سجلت فيها الكثير من الاقوال والاحداث الصغيرة والكبيرة للزعماء السودانيين من أفواه من عاصروا هؤلاء الكبار وجالسوهم، ونحن جيل محظوظ فقد شاهدنا أغلب هؤلاء واستمعنا لاصدقائهم واحبابهم ومنتقديهم وأعدائهم، نعم التقيناهم عيانا وكفاحا.
هذه الكراسة الثمينة ما زالت بعيدة، ولكن ما زال في الذاكرة شي من الحضور والالتماع النسبي الذي يضيئ كل ما ذكرنا عن تلك الشخصيات وتلك المواقف ويشحذ الذاكرة ببريقه.
ومن مئات الحكايات تذكرت هذه عن الزعيم الوطني الراحل اسماعيل الأزهري الذي جاء من زنزانته في كوبر إلى مقابر البكري وكانت مساحة الزمن ما بين السجن والمقابر عدة ساعات. وقد كرمني الله وأنا صبي أن اكون في قلب المظاهرة التي ودعت الشهيد الأزهري رافع علم الاستقلال وقد قادتها بجرأة وشجاعة الراحلة الدكتورة سعاد الفاتح متحدية مع الالاف سلطة مايو الماركسية انذاك، والتي فجعتنا في الرجل الكبير مرتين، الأولى بسجنه واغتياله والثانية ببيان محجوب عثمان وزير الاعلام يومها وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، فقد اذاعت ابواقه الخبر بالعبارة الوضيعة الشهيرة (توفي صباح اليوم اسماعيل سيد احمد الأزهري المعلم بالمعارف السودانية)
قال الشاهد إن مجموعة من الاتحاديين المساهمين في الحزب بأموالهم ودعمهم في الدوائر جاءوا يوما للزعيم الأزهري وكان يومها رئيسا لمجلس السيادة ملتمسين منه الغاء أمر عسكري بارسال ابنهم الضابط إلى جنوب السودان ليخوض مع رفاقه معارك الشرف ضد المتمردين. استمع لهم الأزهري في صبرٍ وجلد رغم ما كان يعتصر قلبه من حزن وغضب من الطلب الغريب.
فامسك بمسرة الهاتف واتصل بالسيد وزير الدفاع وهم ينظرون وقال بلهجة ساخرة: ( يا سعادته ما عندكم ياخي ضابط هامل اهله ما حريصين على حياته ومارقنو للربا والتلاف يمشي الجنوب مقاتلا بديلا لضابط من اولاد المصارين البيض؟ واغلق السماعة.
وحدق فيهم في غضب مُلهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة. وطالت دقائق الصمت والتحديق بطيئة كأنها دهرٌ، وحينها أدرك الوفد الرسالة فانسحبوا في هدوءٍ ولم يعودوا.
اتمنى من كل قلبي عزيزي القارئ أن تكون هذه الحكاية محفزة لك ومحرضة لكي تجند نفسك من الآن لتجميع هذه الحكايات الصغيرة، فتلك الحكايات هي اللبنات الصلبة التي يمكن أن نبني بها ما تبقى من صرح دولة ٥٦.
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
سئمنا وجوهكم
الجديد برس- بقلم: وليد البكس|
متخمون بالفساد يتربّعون على مقاعد السلطة، ليس بمجدٍ حققوه، بل بما نهبوه، وألقوه في خزائنهم وأرصدتهم.
تصوّر أن ينهب مسؤول سلطة محلية 27 مليار ريال من خزينة الدولة، ويمضي الأمر بكل هدوء، وتجري الأخبار كأننا نتناول موضوعا يغطّي نزهة لتلاميذ مدرسة ابتدائية.
فور إعلان تقرير في وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” حول تحقيقات جارية بشأن عشرين قضية فساد، واختلاس أموال عامة، في العديد من الدوائر والمؤسسات الحكومية،
البعض كتب أنه تأثّر من فرط الصدمة لجُرأة هذا المسؤول الفاسد اللص، بينما آخر سخر من سيْر فكرة التحقيقات الجارية؛ معللا الفكرة بأنها لن تفضي إلى شيء، وبين هذا وذاك، مضى الأمر نحو المجهول.
منذ نحو أسبوعين حتى اللحظة، لا جديد في هذه التحقيقات الجارية، وإلى أين تمضي؟
الناس اعتادت أن لا ترى أي نتائج لتحقيقات، وأن هذه الطريقة مجرد تخدير موضعي لهم.
البلد يرزح تحت وطأة الفاقة والحرب، وتتناهشه الأزمات-في هذا الوقت بالتحديد- ولا أدري بأي قلبٍ يقدرون أن يفسدوا ويؤذوا اليمنيين البسطاء؛ من صاروا لا يملكون ثمن وجبة غذاء، وأغلبهم بلا لقمة تسدّ بطونهم.
تصوّر معي أن هؤلاء فاسدون من صغار رجال السلطة الشرعية والدولة، فكيف بالرؤوس الكبيرة؟!
واضح أنه ليس منهم من يكترث لصورته، أو سمعته، يكفي أن يلطش ملايين الدولارات، وبعدها يترك الوظيفة والبلد، ولا يهمه.
لا أحدَ من هؤلاء يعمل مراجعة لسيرته الوظيفية مثلا، أو شخصيَّته، أو يدرك أين يقف، وما الذي يقوم به.
إنهم يفسدون فقط، ويخطفون لقمة الجوعى من أفواههم، ويراكمون ثروة لأنفسهم.
هؤلاء طغمة من الفسدة والمفسدين معًا، لا يخجلون من الناس.
لو تساءل أحدكم: ما الذي حققوه للبلد، خلال عقد من الزمن؟ بكل تأكيد سترتد الإجابة صاعقة: “لا شيء”.
لقد سئِمنا وجوهكم، سئِمنا بقاءكم في الصف الأول والوسط والأخير.
وقبل النهاية؛ اتركوا لنا حياتنا، ارفعوا أيديَكم عنّا، بوجودكم نعاقب، وأخطر عقدة يمكن أن يعانيها الواحد منّا، وتبقى غصة في حلقه تعوقه وتمتصه، هي بقاء البلد طريدا وطعاما لأسماك القرش؛ هؤلاء الفاسدون، وأباطرة الفشل، وبارونات الصفقات المشبوهة والمدمِّرة.