كيف تبخرت الوعود المصرية بالتحول إلى مركز لتصدير الغاز في المتوسط؟
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
بعد حديث النظام المصري في السنوات الماضية عن اكتشافات كبيرة في حقول الغاز في شرق البحر المتوسط٬ ستؤدي بدورها إلى تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي٬ بالإضافة إلى تأكيد النظام أن القاهرة ستصبح أكبر مركز لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا في حوض المتوسط.
تبخرت كل هذه الوعود والأماني مع حديث الحكومة عن إجراء محادثات مع شركات أمريكية وأجنبية لشراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، بهدف تجنب الشراء من السوق الفورية الأكثر تكلفة، وفقًا لما نقلته رويترز عن ثلاثة مصادر.
وبذلك تعود القاهرة إلى المربع الأول٬ وهو وضعها كمستورد صافي للغاز الطبيعي، حيث اشترت أكثر من 30 شحنة من الغاز الطبيعي لتغطية الطلب في فصل الصيف الماضي نتيجة للأزمة الكبيرة التي كانت تواجهها والتي أدت إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء يوميا.
كما طرحت الحكومة مناقصة لشراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتلبية الطلب على الكهرباء خلال فصل الشتاء. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تُقدم فيها القاهرة على طرح مناقصة لتلبية الطلب في الشتاء منذ عام 2018.
وذلك بعد أن وصلت إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي والمسال إلى ذروتها في عام 2022، حيث بلغت 8.8 مليار دولار، وذلك بفضل قفزة الأسعار التي أعقبت اندلاع الحرب الأوكرانية.
ومع ذلك، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري إلى تراجع قيمة صادرات الغاز الطبيعي والمسال بنسبة 70% في آيار/مايو على أساس سنوي، وبنسبة 76% في نيسان/أبريل، وذلك نتيجة لتراجع أسعار التصدير والكميات المصدرة على حد سواء.
ماذا عن "هدف" السيسي؟
ويذكر أنه في 21 شباط/فبراير 2018 ٬علق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاقية استيراد القاهرة للغاز من الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 15 مليار دولار قائلاً: "احنا جبنا جون (هدف) جبنا جون يا مصريين في الموضوع ده".
#السيسي : "إحنا جبنا جول في صفقة #استيراد_الغاز_من_إسرائيل "#مصر pic.twitter.com/WuVkHcxR6h — الجزيرة مباشر (@ajmubasher) February 21, 2018
ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاقية بأنها "يوم عيد" لبلاده.
أرحب باتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر. هذه هي اتفاقية تاريخية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة. هذه الأموال ستصرف لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين.
مخطط الغاز يعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية ومواطنينا. هذا هو يوم عيد! pic.twitter.com/CRq5rQFv5B — رئيس وزراء دولة إسرائيل (@Israelipm_ar) February 19, 2018
وانخفضت حصيلة مصر من الغاز الطبيعي خلال حزيران/يونيو الماضي٬ بسبب إغلاق حقل الغاز الإسرائيلي "تمار" مؤقتًا لأغراض الصيانة، وفقًا لمصادر مطلعة في قطاع البترول.
وأُغلق الحقل لمدة عشرة أيام٬ مما أثر سلبا على خدمة الكهرباء الصيف الماضي٬ وهو ما أكد عليه أيضا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي سابق اعتذر فيه للشعب المصري عن انقطاع الكهرباء.
وتقتصر ارتباطات مصر بشبكات تداول الغاز الإقليمية على الاحتلال الإسرائيلي، عبر خطين رئيسيين: "غاز شرق المتوسط" الذي يربط بين عسقلان ومدينة العريش في أقصى الشمال الشرقي لسيناء، و"أنبوب الغاز العربي".
أين الاكتشافات؟
وبحسب شركة إنرجي أسبيكتس الاستشارية، فإن إنتاج مصر المحلي للغاز انخفض في أيار/ مايو الماضي إلى أدنى مستوى له منذ ستة أعوام، حيث تراجع بنحو 25% مقارنة بأعلى مستوى له في عام 2021.
بدء إنتاج الغاز من حقل «ظهر» ديسمبر المقبل..يحقق لمصر الاكفتاء ٢٠١٨ pic.twitter.com/0tIOMJc2ju — المصري اليوم (@AlMasryAlYoum) September 15, 2017
ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض ليصل إلى 22.5% بحلول نهاية عام 2028. في المقابل، من المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة في مصر بنسبة 39% خلال العقد المقبل.
ووفقًا لشركة BMI للأبحاث التابعة لـ"فيتش سلوشنز"٬ فقد انخفض إنتاج حقل ظهر بنحو 400 مليون قدم مكعبة يوميًا من ذروته التي بلغها في عام 2019، ليصل في آخر البيانات إلى 2.3 مليار قدم مكعبة يوميًا. ويُعزى هذا التراجع إلى مشكلات تسرب المياه في الحقل.
ووفقا للخبراء يواجه قطاع الغاز عدة تحديات، منها نقص الإنتاج المحلي حسب أحدث البيانات، وتراجع الاكتشافات الجديدة في الفترة الأخيرة بعد الزخم الذي أسهم فيه حقل ظهر. وفي المقابل، ارتفع الطلب والاستهلاك الداخلي خلال أحد أشد المواسم الصيفية حرارة، مما دفع الحكومة المصرية لوقف صادرات الغاز لتلبية الطلب المحلي.
تضاف إلى ذلك تقلبات الأسعار العالمية بعد شتاء دافئ نسبياً في أوروبا، حيث خرجت دول القارة بمخزونات ملائمة إلى حد ما.
متى يعود ظهر للعمل؟
وللإجابة على هذا السؤال٬ كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن أسباب تراجع الإنتاج وموعد إعادة العمل في حقل ظهر، مشيرًا إلى أن الحقل سيعود لمستويات الإنتاج السابقة خلال الأشهر القادمة.
قال الدكتور مصطفى مدبولي خلال المؤتمر الصحفي اليوم إنه من المقرر أنه بنهاية العام الجاري سيعود الحفار الرئيسي حتى يمكن استرجاع الإنتاجية الكبيرة لحقل ظُهر.
ونتوقع قبل منتصف عام 2025، أن يعود حجم إنتاج حقل ظُهر كما كان قبل الأزمة pic.twitter.com/F5f8XTjOBw — State Info. Service (@SISEGY) November 20, 2024
أوضح مدبولي في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء، أن المشكلة التي واجهت حقل ظهر تكمن في تأخر الحكومة عن سداد المستحقات للشركة الإيطالية المشغلة للحقل، مما أدى إلى تراجع الشركة عن ضخ مزيد من الاستثمارات للحفاظ على معدلات الإنتاج.
وأشار مدبولي إلى اللقاء الذي جمع رئيس الشركة والسيسي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث تم الاتفاق على عودة الحفار الرئيسي لزيادة إنتاجية الحقل واستعادة مستويات الإنتاج السابقة.
وتوقع عودة الحقل إلى كامل قوته الإنتاجية قبل منتصف عام 2025، مما سيساعد في تقليل فاتورة استيراد الغاز وتلبية الاستهلاك المحلي.
ظهر لم ينضب
في أيلول/سبتمبر الماضي، أكد مدبولي أن انخفاض إنتاجية الغاز في مصر سببه التأخر في سداد فاتورة الشريك الأجنبي، نافياً شائعات نضوب الحقل أو تسرب المياه إليه.
وفي الشهر الماضي، أعلن وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي أن حقل ظهر سيشهد أعمال حفر جديدة تنفذها شركة "إيني" الإيطالية بهدف تنمية احتياطيات الغاز وزيادة معدلات الإنتاج.
يدير الحقل شركة بتروبل، وهو مشروع مشترك بين إيني الإيطالية والمؤسسة المصرية العامة للبترول.
وأكد المدير المالي لشركة إيني الإيطالية فرانشيسكو جاتي أن الشركة تعتزم تنفيذ أعمال في حقل ظهر مع بداية عام 2025 لاستعادة مستوى إنتاج الغاز الطبيعي السابق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصري الغاز الكهرباء السيسي حقل ظهر مصر السيسي الغاز الكهرباء حقل ظهر المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الغاز الطبیعی pic twitter com حقل ظهر
إقرأ أيضاً:
عام على صفقة رأس الحكمة.. أين ذهبت الوعود للمصريين بالسمن والعسل؟
مع مرور عام على توقيع مصر عقد صفقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي للبلد العربي الأفريقي، مع الإمارات، بقيمة 35 مليار دولار، استعاد مصريون بعض الأحاديث الحكومية عن أهمية تلك الصفقة في إنعاش الاقتصاد الوطني باستثمارات تصل إلى 150 مليار دولار بما يعود على 107 ملايين مصري بالرخاء والتنمية وزيادة الدخل وتراجع التضخم وزيادة فرص العمل.
الصفقة المعلنة في 23 شباط/ فبراير 2024، ورغم ما شابها من غموض وطالها من انتقادات وأثارت مخاوف المصريين من التفريط في أراض جديدة على طريقة التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" بالبحر الأحمر، للسعودية عام 2016، وببقعة سحرية على ساحل البحر المتوسط، اندفع الإعلام الحكومي في تبيان فوائد الصفقة مع وعود للمصريين بالسمن والعسل، وفق قول البعض.
حين توقيع الصفقة، مع شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ)، قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إنها "أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد"، وأنها "ستدر على مصر 150 مليار دولار استثمارات"، وأنها "تسقطب 8 ملايين سائح إضافي".
المشروع يقام على مساحة 40 ألفا و600 فدان (170 مليون متر مربع) لإنشاء أحياء سكنية، وفنادق عالمية، ومنتجعات سياحية، ومشروعات ترفيهية، وخدمات عمرانية، وحي مركزي للمال والأعمال ومرافئ دولية لليخوت والسفن السياحية.
"دعاية الصفقة"
وصفه نواب البرلمان حينها بأنه "صفقة تاريخية"، و"انطلاقة غير مسبوقة للاستثمار الأجنبي"، وقالوا: "حان وقت جني الثمار، بعد أن تغلبنا على الصعاب وقهرنا التحديات بحكمة الرئيس"، فيما وعدوا بأن "يكون الشعب صاحب النجاح وجني الثمار".
واعتبروه "خطوة نحو مستقبل مستدام للأجيال"، و"يضمن تدفق دولاري يحل أزمة شح العملة الصعبة، ويسد الفجوة الدولارية"، و"يوفر ملايين من فرص العمل"، و"يساهم في استيعاب حاجة المجتمع"، ويمثل "تهدئة لعواصف ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار".
وفي 28 شباط/ فبراير 2024، وبعد 5 أيام من الإعلان عن الصفقة أطلق رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لفظ "هبرة" على الصفقة، مطالبا رئيس الوزراء باقتطاع 10 مليارات جنيه منها لصندوق خاص، ما دفع للتشكيك في فائدة الصفقة.
"مصر قبل وبعد الصفقة"
وسبق اتفاق رأس الحكمة وضع اقتصادي ومالي مصري متدهور، وتراجع رصيد البلاد من النقد الأجنبي، وانخفاض هو الأكبر بقيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، حيث وصل سعره بالسوق السوداء إلى 72 جنيها مقابل الدولار، في رقم تاريخي وغير مسبوق.
كما سبق الصفقة بـ4 شهور اندلاع العدوان على غزة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما تبعه تأزم بحركة التجارة بالبحر الأحمر، وخسارة البلاد حوالي 6 مليارات دولار من دخل قناة السويس، فيما لم يكن لصفقة رأس الحكمة دور في إنعاش الموازنة العامة للبلاد إثر تلك الخسائر، بحسب تأكيد خبراء.
ولذا يرى مراقبون وخبراء أن الوعود لم تتحقق، وما زال المصريون يعانون من الفقر، والغلاء، وزيادة معدلات التضخم، وتأزم وضع الجنيه، وتعاظم خدمة الدين الخارجي، والاستمرار في الاقتراض من المؤسسات الدولية، وإعلان الحكومة بيع المزيد من الأصول العامة والشركات الحكومية والأراضي المصرية.
وفي الوقت الذي قيل فيه إن الصفقة تسهم في تعزيز السيولة الدولارية بالبلاد وتخفف من أزمتها الاقتصادية، شهدت البلاد أزمة تخفيف أحمال الكهرباء وقطع التيار جميع أنحاء البلاد. وذلك في أزمة أغضبت المصريين، وتفجرت إثر تراجع إمدادات الغاز "الإسرائيلي" لمصر، وتراجع الإنتاج المحلي منه، وعجز البلاد عن توفير العملة الصعبة لاستيراد شحنات الغاز المطلوبة لمحطات الكهرباء.
ولفت البعض إلى أن الصفقة لم تغن حكومة القاهرة عن اتخاذ عدة قرارات اقتصادية مثيرة للجدل بينها رفع سعر الفائدة، وتحرير سعر صرف الجنيه للمرة الرابعة منذ العام 2016، والثالثة خلال 3 سنوات.
ولم يتمكن الجنيه المصري من التعافي أو استعادة بعض قيمه المفقودة بل انخفضت قيمته من نحو 31 جنيه أثناء الإعلان عن الصفقة ليسجل بعد شهر واحد وفي 6 آذار/ مارس 2024، انخفاضا قياسيا وصل بقيمته إلى نحو 51 جنيها.
ومع الإعلان عن الصفقة وحصول مصر على 24 مليار منها خلال شهرين فقط، والحديث عن استثمارات تصل إلى150 مليار دولار، واصلت القاهرة الاقتراض الخارجي.
وبعد شهر واحد من الإعلان عن الصفقة رفع صندوق النقد الدولي تمويله المقرر للقاهرة من 3 إلى 8 مليارات دولار يجري صرفها على 6 شرائح تنتهي في خريف 2026، لتصبح القاهرة ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين.
واعترف وزير المالية المصري أحمد كوجك، في كانون الثاني/ يناير الماضي، باستخدام جزء من صفقة "رأس الحكمة" لسداد الدين الخارجي وتراجع قيمته 3 مليارات دولار إلى 155.3 مليار دولار بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.
"رفع أسعار وتضخم وبيع أصول"
ورغم الحديث الحكومي عن فوائد الصفقة للمصريين، إلى أنها قامت برفع أسعار أغلب السلع الأساسية والاستراتيجية كالوقود والكهرباء وتعريفة المياه والنقل والاتصالات والأدوية مرات عدة، ورفع سعر الخبز المدعم من 5 إلى 20 قرشا.
وبعد توقيع الصفقة، رفعت مصر أسعار الوقود 3 مرات: في آذار/ مارس، وتموز/ يوليو، وتشرين الأول/ أكتوبر، بإجمالي زيادة بأسعار البنزين بين 33-38 بالمئة، والسولار بنسبة 63 بالمئة.
ورفعت هيئة الدواء المصرية سعر 400 دواء من آيار/ مايو وحتى تموز/ يوليو، و600 مستحضر من أيلول/ سبتمبر حتى نهاية العام الماضي، مع احتمال زيادة نحو 1000 صنف العام الجاري بحسب رئيس شعبة الأدوية علي عوف.
صفقة رأس الحكمة، لم تمنع القاهرة أيضا، من اللجوء إلى خيار بيع الأصول العامة، كما يؤكد مراقبون.
والأسبوع الماضي، أعلن وزير الاستثمار حسن الخطيب، دراسة نقل إدارة جميع شركات الدولة لصندوق مصر السيادي لإعادة هيكلتها، وجذب القطاع الخاص، وطرحها للاكتتاب العام بالبورصة المصرية.
"لم تكن من أجل المواطن"
وفي إجابته على السؤال: ماذا تحقق للمصريين من صفقة رأس الحكمة؟ وأين الوعود الحكومية؟ قال الباحث الاقتصادي المصري محمد نصر الحويطي لـ"عربي21": "يجب في البداية التأكيد على أن صفقة رأس الحكمة لم تكن لأجل المواطن في المقام الأول".
وأضاف: "صفقة رأس الحكمة كانت لأجل وقف نزيف سعر الجنيه أمام الدولار وتوفير حصيلة دولارية لسداد أقساط الديون الخارجية، ومبادلة ودائع إماراتية بالدولار تآكلت منذ أعوام".
وأكد أنه "في الحقيقة منذ صفقة رأس الحكمة ومعدلات التضخم معتدلة، لا توجد زيادات أو طفرات في قياسات حجم التضخم تتابعا، كذلك هناك أريحية نسبية في التعامل مع أقساط الديون".
والأهم من وجهة نظر الحويطي، هو "القضاء على السوق الموازي للدولار (السوق السوداء)، فبعيد صفقة رأس الحكمة تلاشت السوق الموازية للدولار تدريجيا، وأصبح سعر الدولار واحد".
وحول عودة الدولة للاقتراض مجددا ولبيع الأصول، وأنه رغم مليارات الصفقة تفجرت أزمة نقص الغاز وتخفيف الأحمال وتم رفع سعر الوقود 3 مرات، عاد ليؤكد أن "صفقة رأس الحكمة في المقام الأول ليست لخدمة المواطن".
وأشار إلى أن "الاقتراض الخارجي موجود وسيظل موجودا، وفي حد ذاته يؤكد على الجدارة الائتمانية، ما يعني إن لم تكن لديك القدرة على السداد فلن يقبل أحد إقراضك".
وبين أن "صفقة رأس الحكمة أوقفت نزيف الجنيه أمام الدولار وعطلت التضخم (بالأرقام)، وخفضت قليلا من الديون الخارجية (بالأرقام)، وأوجدت جدارة ائتمانية".
"لإنقاذ النظام لا دعم الشعب"
وقال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مصطفى يوسف، لـ"عربي21": "رأس الحكمة كانت صفقة إنقاذ لنظام دوره معروف كنظام وظيفي نشأ بتخطيط مسبق من ولي عهد الإمارات وحاكمها الحالي محمد بن زايد".
الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، أوضح أن "هذا النظام أُتي به لتحطيم الربيع العربي، وإلغاء فكرة سيادة الشعوب، وتحقيق أمن إسرائيل، وكان وجود نظام ديمقراطي وبنكهة إسلامية مشكلة مضاعفة لهم خاصة مع فكرة الديمقراطية التشاركية وأن يكون للشعوب قرار، ما يهدد ليس فقط حكام الإمارات والممالك والأسر الخليجية، بل أعضاء المجلس العسكري في مصر والجنرالات".
وأشار إلى أنه في المقابل "جاء نظام من إنتاج بن زايد والإمارات ورئيس الديوان الملكي السعودي السابق خالد التويجري، يحمي إسرائيل وحكامها يرضوا عنه، ويتحرك بشكل جيد أمام اللوبيات وأروقة صناعة القرار في أمريكا".
وتابع: "لكنه سقط في فشل اقتصادي مريع نتيجة فساد غير مسبوق، يفوق فساد عهد حسني مبارك، وكل ما قيل عن رجال أعمال جمال مبارك، وحتى يفوق اعتراف زكريا عزمي الشهير أمام مجلس الشعب بأن (الفساد في المحليات للركب)، فالفساد الآن وصل للأعناق، وعما قريب سيغطي الأعناق ويُغرقها".
ومضى يؤكد أن "لحظة الحقيقة جاءت، بعدما وصل سعر الدولار في السوق الموازي حوالي 72 جنيها، وبدأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبعض المنظمات التنموية يقولون إن هذا الوضع آخر هذا النظام ولابد أن ينتهي الفساد وتتوقف المشروعات غير ذات الجدوى".
واستدرك بالقول: "لكن بعد الدور الرهيب الذي قام به النظام المصري مع الإماراتي في دعم الكيان المحتل في إمداده بالخضار والفاكهة والجسور والمراكب والإمدادات اللوجستية، وفي المقابل غلق كل الطرق أمام قطاع غزة فلا طعام ولا دواء ولا سلاح، كانت النتيجة محاولة إنقاذ".
ولفت إلى أنه هنا "جاء قرار بيع رأس الحكمة، ولأن الإعلام المصري غير محترف وغير منضبط وأقرب إلى عمل المرتزقة كانت دعاياتهم عن وضع جديد للبلاد مع دخول 35 مليار دولار، للدولة؛ ولكن لم يحدث لا تطوير ولا غير ذلك، والنتيجة بيع أراض مميزة جدا، كما بيعت (تيران وصنافير) للسعودية، فأبوظبي والرياض يشترون مصر قطعة قطعة في مزاد علني مثل وضع روسيا أثناء حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسن (1991- 1999)".
وخلص للقول إن "هذا نظام يبيع كل شيء، ولن أندهش لو باع قناة السويس أو آثار مصر أو حق انتفاع الأهرامات، لأنه نظام لا يهمه أن تتقزم مصر وتصغر جغرافيا وسياسيا، في مقابل أن تحيا حفنة جنرالات ومجموعة من شيوخ بالخليج، والتعاون مع إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، وتدمير مستقبل وأعمار وحياة وآمال وطموحات مئات الملايين من شباب العرب".
وأكد أنه "لم يتم عمل أي شيء بمبلغ 35 مليار دولار، فقد دفعت بعض التزامات وفوائد وخدمة الدين، وجزء دخل الثقب الأسود الخاص بالفساد".
ويرى أنه "ليس هناك أي حل هيكلي، فالحل الهيكلي يتطلب إيقاف حنفية الفساد، ورفع يد الدولة عن الاقتصاد، لأن الدولة والجيش بعهد حسني مبارك كانا يمثلان فقط نحو 20 بالمئة، لكن الآن يؤكد الباحث في كارنيغي يزيد صايغ، أن المؤسسة العسكرية وما يتبعها يمثلون نحو 78 بالمئة من اقتصاد البلاد".
وختم بالقول: "وعليه فإن البلد تتدمر، والقطاع الخاص يتقلص ويتقزم بشدة، والبطالة تزيد، والتضخم يرتفع، والعملة تنهار، وتعتمد على الاستيراد، بل تستورد التضخم القادم لك من كل مكان في العالم، ولديك استدانة خارجية، ومشاريع بلا جدوى، وتشتري طائرات رئاسية وتبني قصورا لا فائدة منها".
"السؤال الحرام"
وقال أستاذ الإعلام السياسي الدكتور ناصر فرغل: "بعد مرور عام على صفقة بيع رأس الحكمة يصبح لزاما علينا طرح السؤال الحرام".
وتساءل: "ماذا تغير في حياة المصريين؟ وهل تحققت الوعود التي رددها على مسامعنا كثير من الأبواق السياسية والإعلامية واللجان العنكبوتية وغيرهم، ممن وجهوا اتهامات لأصحاب الرأي الآخر، أقلها الخيانة والعمالة والانضمام إلى جماعات محظورة".
وأضاف: "لقد وعدوا الناس بالمن والسلوى، وأدخلوا على القاموس كلمات جديدة مثل الهبرة، تعبيرا عن المال الوفير الذي سرعان ما تبخر وآلت الأحوال إلى الأسوأ، فالجنيه واصل انخفاضه أمام العملات الأجنبية رغم أن الثمن وصل إلى 35 مليار دولار".
وتابع: "واصل التضخم ارتفاعه وزاد عن 24 بالمئة، حسب التقارير الأجنبية، وتواصلت رحلة الاستدانة من البنوك ومؤسسات التمويل شرقا وغربا؛ وارتفعت معدلات البطالة واختفت الأدوية، وتراجع مستوى التعليم، وأصيبت الأسواق بشلل شبه تام، واختفت الطبقة الوسطى المعنية بالتقدم وحماية القيم الاجتماعية".
وخلص للقول: "تبخرت الدولارات، وضاعت قطعة غالية من تراب الوطن، وللأسف بدأت الأبواق الكريهة تردد ذات الاسطوانة المشروخة تمهيدا لبيع منطقة وسط القاهرة التاريخية التي تُماثل العمارة الباريسية، لتحل مكانها مبان قبيحة الشكل والمضمون لمصلحة النخاسين الجدد".
وختم: "بينما تسعى الدول المحورية التي تلعب أدوارا إقليمية ودولية مؤثرة وحتى بعض الدويلات على التوسع خارج حدودها؛ فإننا نسير عكس الاتجاه سواء بالبيع أو التنازل تحت عناوين زائفة كالاستثمار".