بالصدفة.. اكتشاف عالم بيئي متكامل عمره 280 مليون عام في جبال الألب
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
إيطاليا – أكد علماء أن امرأة كانت تتجول في جبال الألب الإيطالية اكتشفت جزءا من نظام بيئي عمره 280 مليون عام، يحتوي على آثار أقدام وأحافير نباتية وحتى بصمات قطرات المطر.
وذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن كلوديا ستيفنسن كانت تسير خلف زوجها في منتزه جبال فالتيلينا أوروب في لومباردي في عام 2023 عندما خطت على صخرة تشبه لوحا من الأسمنت.
وقالت ستيفنسن للصحيفة: “لاحظت بعد ذلك هذه التصاميم الدائرية الغريبة ذات الخطوط المتموجة. ألقيت نظرة فاحصة وأدركت أنها آثار أقدام”.
وحلل العلماء الصخرة ووجدوا أن آثار الأقدام تنتمي إلى زواحف ما قبل التاريخ، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هناك أدلة أخرى بخلاف “الصخرة صفر” (بمعنى صخرة البداية أو الصخرة التي تم اكتشاف الآثار عليها لأول مرة) التي تحدثت عنها ستيفنسن، مختبئة في هذه المرتفعات الألبية.
وزار الخبراء الموقع بعد ذلك عدة مرات ووجدوا أدلة على وجود نظام بيئي كامل يعود تاريخه إلى فترة العصر البرمي (منذ 299 مليون إلى 252 مليون سنة مضت).
وتميز العصر البرمي بمناخ سريع الاحترار وبلغ ذروته في حدث انقراض يُعرف باسم “الموت العظيم”، والذي قضى على 90% من أنواع الحياة الأرض.
وتتكون آثار هذا النظام البيئي من آثار أقدام متحجرة للزواحف والبرمائيات والحشرات والمفصليات التي غالبا ما تتجمع لتشكل “مسارات” (بمعنى الآثار المتتالية)، وفقا لورقة بحثية.
وإلى جانب هذه “المسارات”، وجد العلماء آثارا قديمة لبذور وأوراق وسيقان النباتات، بالإضافة إلى بصمات قطرات المطر وأمواج المياه التي لامست شواطئ بحيرة ما قبل التاريخ.
وعثر على دليل على هذا النظام البيئي القديم على ارتفاع يصل إلى 3 آلاف متر (9850 قدما) في الجبال، وأسفل في قاع الأودية، حيث أدت الانهيارات الأرضية إلى ترسب صخور تحمل حفريات على مر العصور.
يعود الفضل في الحفاظ المدهش لهذا النظام البيئي إلى قربه السابق من المياه.
ويوضح أوسونيو رونشي، عالم الحفريات بجامعة بافيا في إيطاليا، الذي فحص الحفريات، في البيان: “لقد تم صنع آثار الأقدام عندما كانت هذه الأحجار الرملية والطينية ما تزال رملا وطينا مشبعة بالمياه على حواف الأنهار والبحيرات، والتي كانت تجف بشكل دوري، وفقا للمواسم. وقد أدت شمس الصيف إلى تجفيف تلك الأسطح، ما أدى إلى تصلبها لدرجة أن عودة المياه الجديدة لم تمحو آثار الأقدام، بل على العكس من ذلك، غطتها بطين جديد، ما شكل طبقة واقية”.
ووفقا للبيان، حافظت الحبيبات الدقيقة لهذا الرمل والطين على أدق التفاصيل، بما في ذلك علامات المخالب والأنماط التي خلفتها بطون الحيوانات أثناء حركتها.
وقال العلماء إن الآثار تأتي من خمسة أنواع مختلفة من الحيوانات على الأقل، بعضها ربما وصل إلى حجم تنانين كومودو الحديثة (Varanus komodoensis)، حيث بلغ طولها ما بين 2 إلى 3 أمتار (6.5 و10 أقدام).
وقال كريستيانو دال ساسو، عالم الحفريات الفقارية في متحف التاريخ الطبيعي في ميلانو، والذي كان أول خبير يتم الاتصال به بشأن الاكتشاف، في بيان: “في ذلك الوقت، لم تكن الديناصورات موجودة بعد، ولكن الحيوانات المسؤولة عن أكبر آثار الأقدام التي وجدت هنا لا بد أنها كانت ذات حجم كبير”.
المصدر: لايف ساينس
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: آثار الأقدام
إقرأ أيضاً:
“الأطوم” رمز بيئي تحتضنه المملكة بحماية صارمة ومبادرات وطنية
يواصل الأطوم المعروف علميًا باسم Dugong dugon، حضوره كأحد رموز التنوع البيولوجي في المملكة، ومؤشر بيئي حساس يعكس صحة النظم البحرية واستقرارها, حيث يسبح في أعماق المياه الساحلية الدافئة للمملكة وارتبط وجوده في المخيلة الشعبية بالأساطير البحرية، والحقيقة البيئية، فجمع بين دهشة الحكاية وأهمية العلم.
وخلال أسبوع البيئة 2025، تصدرت جهود حماية الأطوم مشهد الفعاليات الوطنية، بوصفه كائنًا مهددًا بالانقراض تتقاطع حوله مسؤوليات الباحثين والمهتمين وصنّاع القرار البيئي وتقوم المملكة ممثلة بالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على تنفيذ برامج نوعية لحماية هذا الكائن من خطر التلاشي، من خلال مشاريع تتبع بالأقمار الصناعية ودراسات علمية ترصد توزيعه في المياه الإقليمية السعودية، إلى جانب خطط وطنية لإدارة موائله الطبيعية وتأهيلها بما يضمن استدامة بيئته البحرية وتوفير الظروف الملائمة لتكاثره واستمراره ضمن المنظومة البيئية.
ويمتلك الأطوم جسمًا أسطوانيًا يصل طوله إلى ثلاثة أمتار ويزن ما بين 300 إلى 500 كيلوجرام، ويتميز بجلده السميك وذيله المشابه لذيل الحوت، ويعيش هذا الكائن في مجموعات صغيرة، متنقلًا بين مناطق الأعشاب البحرية التي تشكل مصدره الغذائي الرئيسي، ويستهلك يوميًا ما يصل إلى أربعين كيلوجرامًا منها مما يجعله لاعبًا أساسيًا في الحفاظ على صحة المراعي البحرية التي تعتمد عليها أنواع بحرية أخرى مثل السلاحف البحرية والقشريات.
“الأطوم” بطبيعته شديد الحساسية للتغيرات البيئية، وأدى تدهور موائله الطبيعية والتلوث البحري واصطدامه بالقوارب والصيد العرضي إلى تناقص أعداده في العديد من مناطق العالم حتى انقرض وظيفيًا في بعض البيئات، الأمر الذي يُحتم مضاعفة الجهود الوطنية والدولية لصون هذا الكائن وضمان استمراريته كجزء أصيل من التنوع البيئي البحري.
وتمثل مياه المملكة بيئة حاضنة لهذا الكائن، وتحتضن مياه الخليج العربي ثاني أكبر قطيع في العالم من الأطوم التي تتراوح أعدادها من ٦٠٠٠ إلى ٧٠٠٠ كائن، وتتوفّر لها مراعٍ بحرية غنية، وتوفر شروط الاستقرار النسبي الذي يحتاجه في تنقله الموسمي.
ورغم كل هذه المقومات، تبقى معدلات تكاثر الأطوم منخفضة للغاية، إذ لا تنجب الأنثى سوى عجل واحد بعد فترة حمل تتجاوز ثلاثة عشر شهرًا ويحتاج الصغير إلى رعاية تمتد حتى ثمانية عشر شهرًا، بينما لا يتم التزاوج إلا مرة واحدة كل ثلاث إلى سبع سنوات ما يجعل نمو أعداده بطيئًا ولا يتجاوز خمسة بالمئة سنويًا حتى في أفضل الظروف.
ويعود اهتمام المملكة بحماية الأطوم إلى عقود من العمل المؤسسي المتواصل، انطلق من الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، واستمر اليوم عبر المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، الذي يتولى قيادة جهود متكاملة في هذا الإطار، شملت برامج التوعية المجتمعية والرصد البيئي، وسن التشريعات الصارمة ومنها تغليظ عقوبة صيد الأطوم لتصل إلى مليون ريال.
وحرصت المملكة على تعزيز تعاونها الدولي في هذا المجال، إذ وقّعت في عام 2013 اتفاقية لحماية هذا النوع وموائله الطبيعية وشاركت بفاعلية في المبادرات البيئية العالمية، من بينها مبادرة “عام أطوم المحيط الهادئ” التي أطلقها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة عام 2011.
وخلال أسبوع البيئة، استعرض المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية أحدث دراساته حول الأطوم، وقدم برامج توعية تثقيفية للزوار والطلاب والمهتمين ركزت على أهمية هذا الكائن في التوازن البيئي وضرورة الحفاظ على موائله، وعرضت تقنيات التتبع الحديثة التي تُستخدم في رصده وفهم تحركاته.
ويأتي ذلك في إطار التزام المركز بتفعيل دوره الوطني في نشر الوعي البيئي وتعزيز ثقافة الحفاظ على الحياة الفطرية، من خلال فعاليات تسلط الضوء على الكائنات النادرة والتنوع الحيوي الذي تزخر به المملكة.
والأطوم ليس مجرد مخلوق بحري نادر، بل هو مرآة تعكس وعينا البيئي وشاهد حي على التوازن الذي نحتاجه جميعًا في علاقتنا مع الطبيعة، واستمرار بقائه لا يُعد إنجازًا علميًا فحسب، بل قصة التزام طويل الأمد تُثبت فيها المملكة يومًا بعد آخر أن حماية الحياة الفطرية ليست خيارًا بل واجب وطني، ورسالة بيئية سامية تتجدد في كل موجة وكل نسمة بحر وكل نبضة حياة.