فيما كان الشعب السوداني يحتفل مع منتخبه الوطني بالتأهل إلى نهائيات الأمم الأفريقية 2025، كان مجلس الأمن يناقش أخطر مشروع قرار تقدّمت به بريطانيا بشأن السودان، والذي اصطدم بالفيتو الروسي، لتنشب إثر ذلك معركة أخرى بين الدول الكبرى، تعيد إلى الأذهان مؤامرة سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916، التي تعاملت مع الدول العربية والأفريقية، ولاتزال، كأملاك خاضعة لها بلا سيادة.
بالرغم من أن السودان استقلّ رسميًا عن بريطانيا في عام 1956، فإنها لا تريد أن تُسلِّم بتلك الحقيقة تمامًا. وأكثر ما حزَّ في نفسها أنها فقدت واحدة من أهم مستعمراتها القديمة. ليس ذلك فحسب، وإنما وقعت الخرطوم في غرام الدب الروسي، لأن الغرب عمومًا لا يؤمن بالمصالح المشتركة، ويريد فرض أفكاره وتصوراته الليبرالية وعملائه بالقوة.
مشروع القرار البريطاني دعا الأطراف المتقاتلة هكذا سماها إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط، بحسن نيّة، في حوار للاتفاق على خطوات لتهدئة الصراع؛ بهدف التوصل بشكل عاجل إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني. كما شدد أيضًا على ضرورة حماية المدنيين.
شكليًا، فقد أدان القرار الهجمات التي تقوم بها قوات الدعم السريع على المدنيين في الجزيرة والفاشر، إلا أنه تجاهل أن مجلس الأمن سبق أن طالب "الدعم السريع" بالكفّ عن محاصرة مدينة الفاشر، لكنها لم تنصع إليه.
كما أنَّ نفس الدول التي حثّها على احترام الحظر المفروض على نقل الأسلحة إلى دارفور لازالت تُرسل الأسلحة إلى قوات حميدتي، كما لو أن الأمر لا يعنيها، وتستخدم منظمات الأمم المتحدة و"معبر أدري" تحديدًا في تزويد الدعم السريع بالطائرات المسيّرة والصواريخ، والدعم اللوجيستي. ولم تعبأ بتقرير فريق الخبراء الذي سمّى الدول المتورطة إلى جانب الدعم السريع.
وجاءت الفقرة 15 من المشروع بصياغة تشرعن العمل خارج إطار مجلس الأمن، بما يُعرف بتحالفات الراغبين، وتم إضافة سيراليون شكليًا إلى مشروع القرار كنوع من التمويه. وبذلك فإن القرار البريطاني، حتى وإن تمَّ التصويت عليه دون أي اعتراض، فلن يخدم قضية السلام، ولن يوفر الحماية المطلوبة للمدنيين الذين يتعرضون لأبشع الانتهاكات من نهب وقتل واغتصاب وإفقار، بأسلحة غربية، وقد أحال الجنجويد حياتهم إلى جحيم لا يُطاق.
إعادة إنتاج الصراعليس ثمة شك في أن بريطانيا لا تريد الخير للسودانيين، وهي متورطة في هذا الصراع، وتعمل بصورة خبيثة على إطالة أمد الحرب، وتهيئة الأجواء لفرض قوات أجنبية في مرحلة لاحقة.
كما أنها بهذا التوصيف المعوج تنزع الشرعية عن الحكومة السودانية، وتضعها في ذات الكفة مع قوة تمرّدت عليها، وأرادت انتزاع السلطة عنوة، وسفحت في سبيل ذلك أنهارًا من الدماء. فيا له من تطفيف في ميزان العدالة الدولية!
وربما لا يفوت على الضمير العالمي، بل تلك بَدَهِية في كل الحروب التي حدثت في المنطقة، أن المركز الاستعماري يستثمر في مثل هذه الصراعات من داخل المؤسسات الدولية، على طريقة ليوناردو دي كابريو في فيلم "الألماس الدموي"، عندما قال في لحظة اعتراف تحاكي الواقع: "نحنُ لا نُموِّل الحروب، ولكن نخلق الظروف التي تجعلها تستمر".
فضلًا عن أن أي اتفاق مُتعجل لوقف إطلاق النار، يكمن الشيطان في تفاصيله. وهو شيطان من صنع اللاعبين الكبار، وكل ما سيفضي إليه، بشكلٍ أو بآخر، هو إعادة إنتاج الصراع الدموي.
وبالتالي، فإن قوات حماية المدنيين، التي تتحدث عنها بريطانيا، ومن قبل سعى للتمهيد إليها تحالفُ جبال الألب تحت لافتة إنقاذ أرواح السودانيين، سوف تصبح عبئًا على الدولة، كما حدث لقوات اليوناميد في دارفور، التي ظلت تستنجد بالقوات النظامية لحمايتها من هجمات الجماعات المسلحة.
والأخطر من ذلك أن وقف التصعيد أو منع التسليح بصورة جماعية يضر بموقف الجيش السوداني أكثر من قوات التمرّد التي تتدفق إليها الأسلحة من كل مكان، بينما القوات المسلحة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك الحق في الدفاع عن الشعب السوداني.
والأهم من ذلك، ولم يخضع لطاولة النقاش، هو أن وقف إطلاق النار دون شروط، ودون استصحاب وجهة نظر الحكومة السودانية، هو بمثابة مُسكن للآلام فقط، ويحرم المواطنين من حقوقهم المسلوبة، ويسعى بالضرورة، كما تريد بريطانيا، إلى إعادة تأهيل "الدعم السريع" عسكريًا واقتصاديًا، وتمكينها من رقاب السودانيين مجددًا، والإفلات من العقاب، وكذلك مكافأتها على الجرائم التي ولغت فيها، بالمشاركة في العملية السياسية، بموجب التسوية التي يسعون إليها!
ملعب الصراعات الدوليةالغريب في جلسة مجلس الأمن التي طُرح فيها القرار المغلوط هو أن استخدام الفيتو الروسي أغضب ممثل بريطانيا بشدة، فكال الاتهامات والسباب للرئيس الروسي مباشرة، بصورة تفتقر للياقة الدبلوماسية، حيث وصف الفيتو الروسي بالعار.
واستدعى ذلك ردًا من نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي الذي انتقد المسؤول البريطاني بما وصفه بـ"مشروع الاستعمار البريطاني الجديد"، منبهًا إلى أن ما سمعه منهم يجيب عن سؤال: "لماذا تخسر المملكة المتحدة نفوذها وقوتها؟".
وطفق يُذكّر الغرب بمعاييره المزدوجة في حالة غزة، حيث تعطي هذه البلدان ذاتها "تفويضًا مطلقًا" لإسرائيل حتى تواصل التصعيد، متجاهلة الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي من قبل الجيش الإسرائيلي، وتمنحها أيضًا الأولوية في الدفاع عن النفس وحماية مواطنيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسودان، فإنها "تنكر بطريقة أو بأخرى نفس الحق لحكومته وتتهم الجيش السوداني بكل الشرور".
ورغم أن الفيتو الروسي جاء بالتنسيق مع الحكومة السودانية؛ لتجنب فرض وصاية أجنبية على الشعب السوداني، فإنه يؤكد بالمقابل على حقيقة ماثلة، وهي أن السودان تحوّل بالفعل إلى ملعب للصراعات الدولية.
لا جدال في أن بريطانيا – حاملة القلم في مجلس الأمن – حاليًا تحاول بكل السبل استعادة السودان إلى طوعها، بوصفه أحد المستعمرات القديمة التي تمردت عليها، وتدرك جيدًا أن الجيش والقوى الوطنية على قطيعة مع المشروع الذي تحاول لندن فرضه عبر "تنسيقية تقدم"، وترى في رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك وجهًا ملائمًا لإنفاذ ذلك المشروع الاستعماري، الذي يسعى لنهب موارد السودان، وهو ما ثبت يقينًا بعد بضعة أشهر من الصراع، الذي أسفر عن حقائق مهمة، وهي أن الدعم السريع عبارة عن بندقية للإيجار، وأن "تنسيقية تقدم" بمثابة ذراع سياسية لهذا المشروع، والمستفيد الأول بالطبع هو إسرائيل.
صفعة مؤلمةلا شك أن القرار البريطاني أُعد على نار هادئة في (تشاتم هاوس) المعهد الملكي للشؤون الدولية، الذي يمثل أهم مطابخ صناعة السياسة الخارجية البريطانية، وتقوده سيدة إنجليزية عُرفت بمواقفها المتطرفة ضد الحكومات السودانية الوطنية، وهي روزاليند مارسدن، لكنها ربما فوجئت بمظاهرات الجالية السودانية في بريطانيا، التي حاصرتها مع مجموعة "تنسيقية تقدم" داخل مبنى (تشاتم هاوس)، نهاية الشهر الماضي، ووجهت صفعة قوية على خد الإمبراطورية التي غربت شمسها، لتجتر مشهد البواخر الإنجليزية التي جاءت تحمل المدافع للسودانيين لا الخير، وتُذكرنا بمرافعة مصطفى سعيد، بطل الروائي الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال"، أمام المحكمة التي نصبوها له: "إنني جئتكم غازيًا في عقر داركم، قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ".
عمومًا، فإن الفيتو الروسي ليس كافيًا، ثمة أزمة تحتاج إلى مواجهة قوية وصادقة، وهي الأزمة الإنسانية الأكثر فداحة في العالم، عنوانها دموع ودماء السودانيين المسفوحة على الأرض. إذ إن هناك مجموعة متوحشة، تملك قوة مسلحة، تنتزع يوميًا حق الحياة من السودانيين، وتجبرهم على النزوح والفرار بأطفالهم من الموت، لا ترقب فيهم إلًّا ولا ذمة، ما يضع الحكومة أمام مسؤولياتها في حماية المدنيين، وضرورة تفعيل الخطط الوطنية، والقيام بكل ما هو ممكن ومتاح من أجل إنقاذ الأرواح والحياة في بلاد النيلَين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حمایة المدنیین الفیتو الروسی الدعم السریع مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
بريطانيا … العرجاء لي مراحا
كتبت عدة مواضيع عن خروج بريطانيا الخطأ من المجموعة البريطانيا تحت عنوان .. بريطانيا الحنين والناستالجيا. قلت ان بريطانيا العظمى ستجبر على العودة صاغرة الى اوربا .
اقتباس
شوقي بدري
25 May, 2019
قبل استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوربي كتبت وقلت ان خروج بريطانيا سيكون كارثة لان اليونان بعد ان اسكرها الاشتراكيون بخمر الوطنية والتاريخ التليد صوتوا للخروج وكان ما عرف بقركسي ولكنهم رجعوا صاغرين ، قبلوا بشروط اسوأ من البداية . واضطرت الحكومة لبيع ممتلكات الدولة لتدفع بعض الديون . وبريطانيا كانت تحسب نفسها مختلفة عن اليونان ،،السجمانة ،، ويمكن ان تفرض ارادتها على اوربا والعالم ويمكنها ان تزدهر بمساعدة ال 54 دولة من اعضاء منظمة الكومون ويلز وبعيدا عن اوربا .
بعد الاستفناء كتبت موضوعا تحت عنوان بتاريخ 2يوليو 2016 ..... بريطانيا ... الحنين والناستالجيا . يمكن قوقلته . وكنت اقول ان الحنين والناستالجيا للامبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس قد جعل كمرون يدعوا للاستفتاء للخروج من الاتحاد الاوربي بالرغم من تحذير البقية ، ولكن بريطانيا ستعود للاتحاد الاوربي .
اقتباس .
نهاية اقتباس
سخر مني بعض السودانيين الذين يعانون من مركب النقص ويبخسون بضاعتهم ويمدحون بضاعة الآخرين . تداخل احدهم وقال ... رباطابي يريد ان ينصح بريطانيا !!! وكتبت موضوعا تحت عنوان ......بريطاني ينصح بريطانيا .
بريطانيا مثل امريكا يعانون من قوانين سخيفة. تعتمد كثيرا على السوابق والمحاكمات السابقة . القانون الانقلو ساكسن ليس بواضح . القانون اللاتيني المستخدم في اغلب دول اوربا عبارة عن قائمة اسعار لا تلاعب فيها . الحيز الضيق للحكم لا يعطي القضاة اكثر من هامش ضيق ق لمدة السجن اعتمادا على ظروف المتهم شخصيته سوابقه . ليس هنالك محلفين يمكن التلاعب بهم او قاضي مرتشي وقد تحدث التبرئة بسبب خطأ فني او أن الشرطي قد نسى ان يقرأ للمعتقل حقوقه عند الاعتقال مثلا . كل القانون السويدي مضمن في كتاب واحد يمكن لطفل حمله باصبعين . لا يطلق سراح المتهم بالضمان ابدا قبل المحاكمة حتى لا يؤثرعلى سير العدالة اوالهروب كما حدث مع الطبيب الكوز السوداني بعد اغتصاب طفل معاق . وهرب الى السودان بعد مساعدة السفارة السودانية ومارس عمله كطبيب في السودان وظهر في التلفزيون. الامير النرويجي الشاب الصغير معرض اليوم للاعتقال بسبب بلاغ من صديقته بممارسة الجنس بدون رضاها. القانون السويدي على عكس القوانين الاخرى ، يفرق بين من يجبر صديقته او بنت تواجدت في سريره . ويعتبر الامر عنف جنسي . الاغتصاب هو ان يتربص رجل وليس امرأة بفتاة بدون اتصال معرفة سابقة ويجبرها على ممارسة الجنس عن طريق العنف او التهديد بالعنف .
نظام الانتخاب في امريكا وبريطانيا معطوب ، وهذا ما ورثناه . العضو البرلماني يمتلك الدائرة التي انتخب فيها. ويمكن أن ينضم الى المعارضة ويسقط الحكومة في اي لحظة حسب مزاجه . في السودان كان يمكن شراء العضو البرلماني والناخب . ولهذا حكومة الصادق الاولى لم تستمر لاكثر من شهور . وحكومة الازهري الانتقالية قامت المخابرات المصري بشراءها بفلوس صلاح سالم التي تاتى في حقائب كبيرة . وعندما تأكد للميرغني أن عبد الرحمن المهدي امامه مدة قصيرة للعيش ولن يكون ملكا على السودان كما خطط له . نفض يده من الازهري وسقطت حكومة الازهري !!
كتبت لاكثر من نصف قرن وقلت النظام الانتخابي الانجليزي لا يناسبنا . ما يناسبنا هو نظام التمثيل النسبي . العضو البرلماني لا يمتلك الدائرة . الحزب يعين اعضاء البرلمان من حزبه على قدر نسبة الاصوات التي تحصل عليها . الحزب الذي يتحصل على 4 او 6 % من الاصوات لا يدخل البرلمان ، حتى لا تكون هنالك فوضي وتخمة برلمانية . الحكومة في اغلب اوربا تنتخب لمدة 4 او 6 سنوات. لا تتغير بعد الانتخابات مما يضمن الاستقرار الاستمرارية والبعد عن الفساد . الحكومة الاشتراكية التي انتزعت السلطة من المحافظين السويديين ب 19 صوتا فقط .
في فترةالانقاذ تسجل في السودان اكثر من 80 حزب سياسي. نائب دائرة ،، توريت ،، جنوب السودان فاز في الديمقراطية الثانية 1965ب12 صوتا ، لان عدد الناخبين في دائرته كان 20 ناخبا فقط !! هذا الناخب كانت له نفس حقوق النائب من امدرمان حيث يصوت مئات الآلاف!!!
بعد انفصال بريطانيا من اوربا عمت بريطانيا الفوضى . حكم المحافظون 14 سنة . ليزا تراس حكمت لمدة 50 يومافقط . ديفيد كامرون كان القوة التي نادت وناصرت بالخروج من اوربا . وقف معه السياسي نايجل فراج المتشنج ابنالاسرة الغنية . اليوم يعض الجميع بنان الندم . توني بلير تبع الغبي الاكبرالرئيس الامريكي ،، بوش،،الابن في حرب العراق التي رفضتها اوربا وكل العالم . بوش الابن هو ،،البصيرة ام حمد ،، في السياسة العالمية ، لايتفوق عليه سوى المأفون ترامب اليوم .سألوا ترامب في فترة حكمه السابق ..... من يستشير من مستشاريه ؟؟ رده كان انه يستشير فقط نفسه .توني بلير ومن كان يسبح بعظة بريطانيا صار اكبر النادمين .
نايجل فاراج ابن الاسرة الغنية هو مؤسس حزب الاستقلال البريطاني . وجد كراهية من الشباب لدرجة أن احد الشباب سكب على وجهه كوبا من الملك شيك .
رفض الزعيم الجديد لحزب "استقلال المملكة المتحدة" جيرارد باتن الانضمام إلى حزب بريكست ووصف فاراج بأنه "منافق ويخدم مصالحه الخاصة"، في حين اتهم فاراج حزبه القديم بأنه أصبح معقلاً لليمين المتطرف. والساقية لسا مدورة .
أوروبا هى من أسقطت تيريزا ماي كما أسقطت مارغريت ،،ثاتشر من قبلها .
تيري ماي اسقطت ديفد كامرون ولم تستطع أن تحتفظ بالسلطة واطيح بها ليأتي مهرج هو بوريس جنسون الذي قام بتصرفات غبية احدها الكذب ليغطي على بعضها منهاالخروج من قانون كوفيد 19وتواجد بشر اكبر من العدد المسموح به في حضوره . واثبت كذبه وطرد لتأتي بعده ليزا تراس التي تمت زفتها واهانتها وطردها بعد 50 يوم . اتو بريش سوناك لجذب الاجانب والاسيويين خاصة . فشل السيد سوناك لان الفتق الذي سببه الخروج من المجموعةالاوربية قد كبر على الراتق .
اخيرا خرج المحافظون من السلطة. ولن يعودوا قريبا. اليوم يحكم كير ستارمر وخلفه اغلبية مريحة. لقد شمتت اوربا على بريطانيا صلفها تكبرها .
ما يوضع على المائدة من مطائب يوثر على الناخب.البريطاني الذي اكتشف البطاطس المحمر ،، جيبس،، والسمك يعتبر من اهم الاكلات عند البريطانيين . رفع نايجل فاراج وحزب بريكست شعار سيطرة بريطاني على سمكها وعدم السماح للاوربيين من استغلال المياة البريطانية لصيد الاسماك . اذكر في السبعينات أن ايسلندة الصغيرة وقتها 300 الف نسمة اعلنت الحرب على اساطيل صيد السمك البريطانية وكانت مراكبها ،،الحربية ،، تمزق شباك الصيادين البريطانيي في مساحة مضاعفة من الحدود البحرية الآيسلندية . العالم تعاطف مع آيسلندة .
اليوم توقفت مراكب الكثير من الصيادين البريطانيين عن العمل وعددها 1700 مركب . ميناء صيد السمك البريطاني ،، هيستنقز ،، يشمل 40 مركب صيد تعمل منهم 5 مراكب فقط . احد الصيادين يظهر في التلفازوقد فشلوا في اصطياد سمك ال ،، كود ،، المفضل عند البريطانيين . اصطادوا بعض الاسماء مثل ال ،، ري ،، والاسماك الفطحاء الاخرى , ثمن ما اصادون لا يصل لاكثر من 50 جنيها . ولهم ثلاثة من الرجال .
الاضرابات لا تتوقف في بريطانيا . اضرب الممرضات ومن يعمل في الحقل الطبي . المرتبات لا تكفي للعيش بسب التضخم وحالة الركود في الاقتصاد البريطاني .
رفعوا شعار القضاء على الهجرة تماما . كان عدد المهاجرين هو 300 الف في كل السنة اليوم عدد المهاجرين هو 700 الف . وكما في امريكا يرحب رجال الاعمال بالايدي العاملة الرخيصة . لهذاى فشل ترامب قديما من ايقاف الهجرة . قبل فترة قرأت انه يوجد 170 الف متشرد في لندن اغلبهم بريطانيون . العطالة متفشية . المساكن لا توجد وليست في متناول العامل العادي .
وعدوا بتطوير العلاج توفيره ، بريطانيا صار فيها من يحتاج للعلاج الجيد الالتجاء للعيادت والمستشفيات الخاصة .
عول البريطانيون على تعويض التجارة مع اوربا الى التجارة مع ما يعتبروه المكمل لبريطانيا ... استراليا كندا ونيوزيلندة. هذه الدول اليوم تواجه مصائبها وعندها ما يكفيها . وقد ارتفعت الاصوات بالتخلص من تبعيتها لملكة او ملك بريطانيا .
اشتهرت لندن بكونها مركزا اقتصاديا وبنوك لها خبرة عريقة ، ومركزا للتأمين العالمي . ومنظمة بريتيش لويد مع اربعه موسسات فقط تسجل وتدير، تفحص وترخص السفن التجارية في كل العالم .وكماعرفت من عملي في المواني كعتال ثم دليل تجاري للسفن لفترة قصيرة على ما اذكر .... هم نورشكا فاريتاس النرويج ، فرانسكا فاريتاس ، فرنسا ، جيرمانشا لويد ، المانيا و اميركان بيرو اوف شيبينق . تقلص نفوذ بريطنيا كثيرا في البحار.
السفن لم تعد تبنى في بريطانيا كما كان قديما . الشركات مثل ،، هوايت استار ،، التي بنيت السفينةالاضخم تيتانيك التي اغرقهاجبل الجليد في1912 وشقيقتها التي اغرقتها الغواصات الالمانية في الحرب العالمية الثانية لا تستطيع منافسة الشرق الاقصى .
حسب دراساتي ومتبعاتي ففي ظرف عشرة سنوات لن تواجه اوربا امريكا الصين الهند فقط .؟ ستصبح الباكستان قوة صناعية لا يستهان بها خاصة في صهر الحديد . لباكستان اليوم ايادي عاملة ماهرة، على مقدرة خيالية من الاستنباط وصبر كبير على العمل الشاق .
فقدت بريطانيا الكثير من سيطرتها كمركز مالي عالمي لمصلحة مستعمرة بريطانيا القديمة سينغافورا ودول اخرى مثل الامارات الصغيرة .اول من هرب من بريطانيا هم البريطانيون .
العناد والناستالجيا الغير مبررة ، جعلت البريطانيين يستمرون في غيهم ويرفضون الرجوع الى حظيرة اوربا ، حتى لا يقال عنهم انهم دولة منهارة . كامرون طالب باصلاح الاتحاد الاوربي وكان يقصد تركيع اوربا واعطاء بريطانيا وضعا مميزا ، والا ستنفصل بريطانيا . بعد الانفصال رفعو شعار .... وي شال فيكس ايت . او سنصلح الامر . الشعار لا يزال مرفوعا ولم يتم الاصلاح او التصحيح !!
تريسا مي صرحت بعجز بريطانيا، وقالت لم تكن هنالك خطة كاملة لما بعد الخروج من اوربا . قضينا ثلاثة سنوات في المشاجرة والصراخ .
اجتماعات البرلمان البريطاني تثير ضحك الاوربيين خاصة في اسكندنافية حيث تشيد المعارضة السويدية بانجازات الحكومة مثل ما تنتقدها . قبل اكثر من سنة كان سعرلتر البنزين في السويد يساوي 32 كرون اليوم هو 16 كرونة .تضاعف سعر الكهرباء واشتكى المواطنون .عاد سعر الكهرباء الى السعر القديم تم دفع ما دفعه المستهلك باثر رجعي . استلم البعض آلاف الدولارات . هذا الشهر اكتوبر2024 تم تخفيض الاجارات في الشقق التي تمتلكها البلدية 10 % . ثلث الشقق المملوكة للبلدية تساوي 30 % من الشقق. وكل شركة خاصة تبني شققا مجبرة على تخصيص 20 % لتتصرف فيها البلدية . هذه الانجازات حدثت في زمن حكومة محافظين وليس اشتراكيين !!! تصور ..... عند بريطانيا الكثير لتتعلمه . ليس هنالك صراخ همهمة وتدخل اثناءالطرح او الاجابة كما في البرلمان البريطاني وكانهم في مبارة كره القدم . في اسكندنافية بعد الانتهاء من النقاش الذي لا ترتفع فيه الاصوات ابدا ينهي المتكلم حديثه في الزمن المحدد بدون تدخل من من يدير الجلسات . يجيب الوزير او المسؤول بكل ادب ، ثم يتصافحان وقد يجلسان ليس بعيد من بعضهم البعض .
الى الآن لم تستطع بريطانيا أن تصل الى اتفاق كامل بخصوص الخروج من اوربا . هنالك 600 اتفاقية بين بريطانيا واوربا تحتاج للحسم . هنالك مليون ونصف المليون من البريطانيين لا يزالوا يعملون في اوربا . وهم ليسوا بعمال . انهم موظفون في البنوك شركات التأمين السياحة التعليم المعيار الاستثمار الخ . العامل البريطاني لا يحظى بسمعة جيدة في المانيا هولندة واسكندنافية . سياسة الضرائب التي تلوح بها الحكومة الحالية تخيف الراسماليين !!
نواصل
شوقي
shawgibadri@hotmail.com