سودانايل:
2025-03-10@18:55:06 GMT

مناقشة حول جملة تغبيش الوعي

تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبدالحميد

لا تكاد تُعبّر جملةٌ في أي جدل سياسي عن مستوى مُغالي في التطرف، والذاتية، والإعتداد بالرأي أكثر من إطلاق جملة (تغبيش الوعي). فهذه الجملة عند استخدامها بشكل واعي أو غير واعي تؤكد على أن قائلها يقوم بعملية(إطلاق نار تحذيري) للآخر من التوغل في مناطق وعيه.
إن مُطلِق هذه الجملة يحاول تأكيد أن ما عدا رأيه ما هو إلا محاولة "لتغبيش الوعي" .

.. وهو في نهاية المطاف شكل من أشكال الإرهاب الفكري يستخدمه عادة المتطرفون في آرائهم الذين لا ينظرون لغير فكرهم إلا على أنه توجه نحو "تغبيش الوعي".. وهذا إتجاه يجب مناقشته قبل إطلاق حكم الفساد عليه.
إن الوعي بشكل عام هو حالة عقلية تنتج عن الذات بحقيقة أن كون الفرد يعيش في واقع يأخذ عنه تصورات يأمل ويطمح في أن تكون متمثلة له وللجميع.. وتختلف درجات هذه الحالة العقلية وكيفية التعبير عنها من شخص لآخر، غير أنه من الصعب القول جملة واحدة أن شخصا معينا مغيب عن الوعي، طالما كان ذلك الشخص متفاعل في علاقات اجتماعية متفاوتة بين المادي والروحي والقيمي والنفسي والاخلاقي مع بيئته... وما يفرق حقيقة في أمر الوعي هو المشرب الذي إستُمِدت منه المعرفة (وهذا مبحث آخر يبحث في مضمار علم المعرفة - الإبستمولوجي) ... لذلك فإن كل فرد في المجتمع عاقل وقادر على التفاعل هو واعٍ بدرجة ما لأنه ممتلك لدرجة ما من المعرفة، غير أنه لابد من التأكيد على حقيقة أن هذا الوعي في حد ذاته دينامي متحرك وليس ثابتا، فقد يمكن أن يتلقى الشخص مستويات أرفع أو أكثر تعقيدا من المعرفة بالظواهر التي تحيط به.. إن كانت نظماً سياسية، أو علاقات إنتاج مادي، أو تعلقاً بقيم دينية أو أخلاقية أو روحية.. وقد يحتاج لتبني أي منها هضم مرجعياتها الفكرية وما قد تقود له انحيازاتها الايدولوجية بإستعدادت نفسية خاصة. وربما تخضع تلك القناعات في لحظة ما للتغير أو التبدل في سياقات إجتماعية وتاريخية وبيئية وحتى عُمرية مختلفة.
مهما يكن من أمر، فالمدافع عن وجهة نظر النظم السياسية الفاشية على سبيل المثال، لا يمكن أن يُقال أنه غير واعي، فالواقع إنه إنسان مختلف مع شخص آخر يُعلي من قيمة النظم الديمقراطية.. فإذا ما عمد الفاشستي لبث دعاية لفكره لا يمكن أن يقال أنه "يغبش الوعي"، لأنه يبث قناعاته المتعارضة مع غيره المختلف معه، وكذلك الأمر بالنسبة للمعتقد في الأفكار الدينية وهو يبث فكره، لا يمكن أن يقال إنه "يغبش الوعي" مِن قِبل مَن يقول بأن الوعي تحدده علاقات الفرد ضمن حالة وجوده المادي... فالحقيقة التي لامراء فيها أن الفضاء العام يستحمل كل الأطروحات القائمة على كل حالة وعي بما يمكنها من أن يُبشَّر بها بكل حرية وديمقراطية.
إن حجر الزاوية في هذه المناقشة يرتكز على المجهودات المبذولة لخلق بيئة تتوافر على إشتراطات خلق الوعي الكلي من تعليم ومعارف وابتكارات وثقافة وآداب وفنون وتكنولوجيات تجعل من الفرد قادر على تطوير وعيه بالإختيار الحر، أما إن لم تكن البيئة تتوافر على قواعد الوعي تلك، فستبقى قدرة الإنسان على الوعي في أضعف حدودها كما تجعله نهباً لإبتزاز القوى المدعية للوعي كما هو الحال تماماً في السودان، لذلك تتكرر بين مختلف القوى السياسية تهمة (تغبيش الوعي) كأنهم قد انجزوا تلك البيئة المواتية للوعي وأن الآخرين لا يلعبون إلا دور المخرب لذلك المنجز. وقد يلاحظ المتابع أن الأمر في جوهره مستند على درجة كبيرة على حالة من الكسل الذهني وعدم الفاعلية والركون لإطلاق مثل هذه الجملة (تغبيش الوعي) إذ يمكن النظر للواقع في وسطٍ ما منحاز كبيئة لواحدة من مستويات الوعي الخاص، كالوعي الديني مثلاً وهو الأكثر سيادة في واقع المجتمعات ما قبل الصناعية أو التي لم تدخل في علاقات إنتاج معقدة.. هذا الواقع يفرض على مَن يتبنى قيم غير المستدنة للمرجعيات الدينية (العَلمانيّة) أن يبذل جهداً مضاعفاً ليقنع الآخرين بأن واقعهم لا تحدده النصوص أو المسلمات الدينية فحسب، وهذا في حد ذاته عملية صراعية عميقة تتطلب قدراً عالٍ من الشجاعة الفكرية وتملك أدوات خطاب تتناسب ومستوى وعي الناس في ذلك المجتمع.. أما أن يشيح صاحب هذا التوجه بوجهه عن المجتمع ويدغمه بصفة التخلف وأن الآخرين يمارسون (تغبيش الوعي) ، فذلك ضرب من الهروب وتعبير عن القنوط وتمسك بحالة تطرف لا تسمن ولا تغني من جوع.. والأمر نفسه في المقابل ينطبق على حامل الفكر الديني في مجتمعات لا تحفل بالدين أو تدير ظهرها للمرجعيات الدينية.. فلا يمكن أن يتم دمغها بالكفر والإلحاد ومخاصمتها وشن الحرب عليها بعمليات إنتحارية أو إرهابية أو إنقلابية لمجرد أن وعيهم لا يتسق مع وعيه.
في خاتمة هذه المناقشة يجدر إعادة التأكيد على إن إطلاق جملة (تغبيش الوعي) في المساجلات والحوارات السياسية المستخدمة بإفراط في المسرح السياسي السوداني تُعبر عن موقف ذاتي يعتقد مطلقها أنه مركز حركة الوعي. ويفترض أن وعيه وحده الصحيح وأن ما دونه أو غيره ما هو إلا محاولة لتغبيش وعي الجماهير، مما يمكن أن يتسبب في تسميم الفضاء العام بهذا التوجه الفاسد، فالعمل في الفضاء العام مفترض أنه متاح للجميع ليبث مَنْ يشاء ما يشاء مِن أشكال الوعي التي يريد ليكون الإختيار والخيار حراً.
د.محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

حزب العدل: نسير بخطى ثابتة لنشر الوعي السياسي بين الشباب

قال أحمد بدرة، مساعد رئيس حزب “العدل” لشؤون تنمية الصعيد، إن حزب “العدل” حقق إنجازات ملموسة خلال العام المنصرم 2024؛ منها تنظيم فعاليات سياسية وتنموية ومبادرات للتوعية الشباب بأهمية المشاركة السياسية والعمل في المحليات مثل مبادرة “ألف قائد محلي”.

 نشر الوعي السياسي في مصر

وأضاف “بدرة”، خلال حفل السحور السنوي الذي نظمه حزب “العدل” بحضور المسؤولين والشخصيات العامة، أن الحزب يسير بخطى ثابتة لتحقيق أهدافه في نشر الوعي السياسي في مصر بين الشباب ليتبوأ المكانة التي يستحقها بين الأحزاب في مصر باعتباره صوت الطبقة الوسطي ومنبر العدالة والتنمية المستدامة.

بحضور مسؤولين وشخصيات عامة| حزب العدل ينظم حفل السحور السنوي.. صورتكريم سميرة عبد العزيز في حفل السحور السنوي لـ حزب العدل .. صورحزب العدل: تحرير المختطفين بالسودان رسالة بأن حياة المصريين خط أحمرحزب العدل: القمة العربية تؤكد إلتزام القيادة السياسية بدعم القضية الفلسطينيةتزايد الأصوات الدولية الرافضة لعمليات التهجير القسري

وأوضح مساعد رئيس حزب “العدل” لشؤون تنمية الصعيد، أنه فخور بموقف القيادة السياسية الرافض وبشكل قاطع ونهائي لقضية التهجير القسري للفلسطينيين، وموقف الرئيس السيسي الواضح منذ اليوم الأول من الأزمة الذي يُعبر عن رؤية مسئولة وداعمة للسلام، في وقت تتزايد فيه الأصوات الدولية الرافضة لعمليات التهجير القسري، ما يُعزز من أهمية الدور المصري في توحيد الجهود الدبلوماسية نحو حل عادل ومستدام، مؤكدًا أن مصر تلعب دورًا حيويًا في دعم جهود التهدئة الإقليمية؛ حيث تواصل بذل مساعٍ مكثفة لاستكمال الهدنة وإتمام عملية تبادل الأسرى، وهو ما يعكس ثقلها السياسي ومسؤوليتها التاريخية في الحفاظ على استقرار المنطقة وحقن دماء الأبرياء.

ونظم حزب “العدل” برئاسة النائب عبد المنعم إمام، حفل السحور السنوي بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، وكرم الدكتور مصطفى الفقي، والوزير هشام الشريف وزير التنمية المحلية الأسبق، والدكتور حسام بدراوي؛ كما تم تكريم الفنانة القديرة سميرة عيد العزيز، صاحبة المسيرة الفنية الطويلة.

وحضر الحفل وزير الشؤون النيابية المستشار محمود فوزي، والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، ونائب رئيس حزب “مستقبل وطن” والأمين العام أحمد عبد الجواد، ورؤساء أحزاب الشعب "الجمهوري" و"المصري الديمقراطي" و"الحركة الوطنية" أسامة الشاهد، ورئيس حزب "التجمع"، وأحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، والدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد الأسبق، ولفيف من النواب وقيادات الأحزاب السياسية.

مقالات مشابهة

  • أهم مظاهر الوعي السياسي والاستراتيجي لحركة طالبان
  • النواب يعيد مناقشة المادة 8 من مُعدّل قانون العمل اليوم
  • أول تعليق من الزمالك على حذف مصطفى شلبي جملة لاعب بالزمالك من إنستجرام
  • مؤسسة محمد بن راشد تنظم سحوراً لموظفيها وشركائها
  • حزب العدل: نسير بخطى ثابتة لنشر الوعي السياسي بين الشباب
  • مناقشة مشروع قانون «تحصيل مستحقات الدولة»
  • تبادل المعرفة والخبرات بين جامعتي بنها الأهلية وأريزونا الأمريكية
  • "وول ستريت": حماس تصر على فتح محادثات حول إنهاء الحرب وترفض مناقشة نزع السلاح
  • تعاون بحثي بين «تريندز» والمجلس الديني الدرزي الأعلى
  • السعودية.. تفاعل مع جملة قالها رونالدو إلى شبيهه المتواجد في المدرجات