أصدر "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" في العاصمة اللبنانية بيروت ورقة علمية بعنوان: "البيئة الاجتماعية الإسرائيلية لحرب الإبادة على قطاع غزة"، وهي من إعداد د. إبراهيم عبد الكريم، الباحث الفلسطيني المتخصص بالشؤون الإسرائيلية وقضية فلسطين.

وتحاول الدراسة تكوين مقاربة توثيقية تحليلية، لمجمل ما يتعلق بخصائص المجتمع الإسرائيلي وتوجهاته وحراكاته الاجتماعية والدينية والدعائية، وسواها، حيث توفّر تلك البيئة العوامل والظروف اللازمة للقدرات الذاتية التي توظَّف في هذه الحرب، بالتكامل مع القدرات التحالفية الخارجية، الأمريكية خصوصاً والغربية بوجه عام.



الورقة ترى أنَّ الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تندرج في عداد الإفرازات المتتالية للمجتمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. وتوقفت الورقة عند مكوّنات تلك البيئة، البشرية والمؤسساتية والتفاعلية، وأنشطتها السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية وسواها، باعتبارها المحدّدات الرئيسية لعلاقات القوى في المحيط الإسرائيلي، الذي يُعدّ الدفيئة المناسبة لحرب الإبادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين وموطنهم، تحت إجماع ما يسمى "الدفاع عن النفس".

وتوقّفت الدراسة عند دور التنشئة العنفية للصهاينة في تشكيل هذه البيئة، حيث شكَّلت منطلقات العنف الصهيوني تراكمات جرى فيها تجريد اليهودي من إنسانيته، بعزله عن سائر البشر الأسوياء، ورأى الباحث أنه كان من البديهي نشوء آلية وخطاب كي تستقيم التنشئة العنفية الإسرائيلية مع متطلبات المشروع الصهيوني، حيث اعتمدت تلك الآليّة منهجية محددة تقوم على شيطنة الفلسطينيين، وعلى النفي الصهيوني لوجود هوية وكيانية عربية موحدة للفلسطينيين، وعلى التعاطي معهم كأفراد باستعلاء وتمييز عنصري وضغينة، ووصمهم بأقذع النعوت، حيث حفل الخطاب الصهيوني عنهم بكمّ ضخم من الأضاليل والصور النمطية السلبية، التي انطوت على أكاذيب ودعاوى وتشويهات متعمَّدة للحقائق، لعل من أبرزها: الغـائبون، والمتخـلفـون، والأغيار (الجــوييم)، والأعداء الأزليون لليهود، وغــزاة الأرض، والهـامشيون، والطــامعون.

كما اعتبر الباحث العهد القديم "التناخ" أحد الروافد الرئيسية للتنشئة العنفية الإسرائيلية، إذ يتصدر قائمة المراجع الرئيسية في تنشئة اليهود وإدارة حياتهم، على اختلاف اتجاهاتهم الدينية والتقليدية والإصلاحية، حتى التيارات العلمانية تجد نفسها قسراً في "الدائرة التناخية"، عبر طرق شتى، في المدارس والإعلام والأنشطة الاجتماعية، وسواها. ورأى الباحث أنه لا يمكن القفز فوق ما ورد بشأن موضوعات الإبادة والقتل، إذ تعج الأسفار، اعتباراً من السفر الثاني، بالنصوص التي تتضمن أوامر وأخباراً خاصة بهذا الشأن، وفق دوافع شتى؛ تلبية لدعوات "الرب"، أو سرديات لروايات عن الحروب.

متابعة القتل المنهجي الإسرائيلي في قطاع غزة خصوصاً، وللفلسطينيين عموماً، ينبغي أن ترفد طبقات الذاكرة الفلسطينية بمحفزات إضافية، لمواصلة الصمود والمقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني، وأن تسهم في تزويد العدالة الدولية والرأي العام العالمي بالحقائق التي تُسقط الذرائع الواهية والادّعاءات والافتراءات الإسرائيلية.كما لفتت الدراسة الانتباه إلى فتاوى الحاخامات كإحدى مكونات البيئة الاجتماعية الإسرائيلية الحالية، باعتبارها تحظى بمكانة بارزة في التعبير عن حدّين متلازمين ضمن معادلة الإبادة الجماعية، أحدهما مجيء هذه الفتاوى كنتيجة مصاحبة لمُخرجات التنشئة العنفية في المجتمع الإسرائيلي، والآخر إسهام تلك الفتاوى في تأجيج لهيب العنصرية والفاشية والقتل الموجهة ضد الفلسطينيين.

وأشارت الدراسة أيضاً إلى دور الوسائل الإعلامية والدعائية في الميادين الحكومية والعامة، حيث عملت "منظومة الهسبراه" (الدعاية) الإسرائيلية الرسمية كأداة حربية تضليلية مضادة للرواية الفلسطينية والعربية، لتسويق المزاعم الإسرائيلية.

وأشارت الورقة أيضاً إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين والناطقين الرسميين باسم الجيش والحكومة والأجهزة المختلفة والتي شكَّلت مادة دعائية مهمة وخطيرة وذات وقع خاص في الخطاب الدعائي، حيال الداخل والخارج، على نحو قامت فيه هذه التصريحات بدور رديف للعمليات العسكرية العدوانية، حيث اتّصف الخطاب بالتركيز على مفردات وصور موجَّهة للمستوى الغريزي العميق لدى المتلقي، باستخدام مصطلحات مثل: "الحرب على البيت"، "حرب من أجل ضمان وجودنا"، "التهديد الوجودي لإسرائيل"، "حرب اللاخيار"، "حرب لا مفر منها فرضتها حماس". وتضمن هذا الخطاب بهتاناً يهين الفلسطينيين: "قتلة"، "إرهابيين"، "مخربين"، "مجرمين"، "دواعش"، "متوحشين"، "حيوانات بشرية"، "عدو خسيس"،...إلخ.

وخلص الباحث، استناداً لقاعدة تراكمات دور المشروع الصهيوني ومفرزاته الاحتلالية في فلسطين بتوليد الصراع، كحتمية له، بأن الفلسطينيين موجودون وسط ممر إجباري في هذا الصراع. وأشار إلى أنه على الرغم من اختلال ميزان القوى المادي والعسكري لصالح "إسرائيل"، إلا أن الاستسلام الفلسطيني ليس مطروحاً كخيار، لأسباب ذاتية وموضوعية، تاريخية وجارية، وأن ما يمكن أن ينجم عن هذا الاختلال، في ظلّ تواطؤ أطراف عدة، هو نشوء حلّ تلفيقي يلتفّ على صراع الوجود، ويدفع القضية الفلسطينية إلى محطات لا تقل إيلاماً وتعقيداً عما هو قائم حالياً.

وأكدت الورقة على أن متابعة القتل المنهجي الإسرائيلي في قطاع غزة خصوصاً، وللفلسطينيين عموماً، ينبغي أن ترفد طبقات الذاكرة الفلسطينية بمحفزات إضافية، لمواصلة الصمود والمقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني، وأن تسهم في تزويد العدالة الدولية والرأي العام العالمي بالحقائق التي تُسقط الذرائع الواهية والادّعاءات والافتراءات الإسرائيلية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب غزة الفلسطيني الحرب الاحتلالية احتلال فلسطين غزة حرب قراءة كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشروع الصهیونی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

حكم قضائي بمراجعة قرار بريطانيا بيع مكونات طائرات إف35 للاحتلال الإسرائيلي

حكم قاض بريطاني بضرورة السماح بإجراء مراجعة قضائية بشأن قرار الحكومة البريطانية بيع أجزاء من طائرات إف-35 لدولة الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان الوحشي على قطاع غزة.

ويأتي هذا الحكم الصادر عن القاضي تشامبرلين في إطار طعن قانوني تقدمت به عدة منظمات حقوقية، بما في ذلك منظمة "الحق" الفلسطينية وشبكة العمل القانوني العالمية، ضد الحكومة البريطانية.

وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإنه من المقرر أن تعقد جلسة الاستماع للمراجعة القضائية في أيار /مايو القادم، وذلك بعد قرار الحكومة البريطانية استثناء أجزاء طائرات إف-35 من حظر تصدير الأسلحة المفروض على "إسرائيل"، الذي تم اتخاذه في أيلول /سبتمبر الماضي.


وأثار القرار البريطاني استثناء مكونات المقاتلة من الحظر موجة من الانتقادات والجدل بسبب إمكانية استخدامها في انتهاك للقانون الإنساني الدولي خلال العدوان الوحشي على قطاع غزة، والذي استمر 15 شهرا قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار في كانون الثاني /يناير الماضي.

ودافعت الحكومة البريطانية عن قرارها بالاستناد إلى اعتبارات تتعلق بالأمن القومي، حيث أشارت إلى أن بيع مكونات طائرات إف-35 جزء أساسي من البرنامج المشترك مع حلف الناتو، وأنه من غير الممكن سحب هذه المكونات دون التأثير الكبير على برنامج الطائرات، وبالتالي على الأمن الدولي.

 من ناحية أخرى، اعترفت الحكومة البريطانية بأن هناك خطرا قائما يتمثل في أن أجزاء طائرات إف-35 قد تُستخدم في انتهاك القانون الإنساني الدولي، لا سيما في سياق عمليات إسرائيل العسكرية في غزة.

لكن الوزراء البريطانيين أكدوا أيضا أن المكونات البريطانية تُعتبر جزءًا لا غنى عنه في برنامج طائرات إف-35، ولا يمكن استبعادها دون التأثير على القوة الجوية المشتركة للحلفاء في حالة نشوب صراع مع دولة مثل روسيا، بحسب "الغارديان".

وأشار القاضي تشامبرلين إلى أن القضية تتعلق بمصلحة عامة قوية تتطلب حسما سريعا ونهائيا، موضحًا أن قرار الحكومة البريطانية باستثناء أجزاء طائرات إف-35 من حظر تصدير الأسلحة له أهمية كبيرة على الصعيدين الوطني والدولي.


كما أنه أضاف أن وقف إطلاق النار في غزة لن يؤثر على القضايا الجوهرية والإجرائية المتعلقة بهذه القضية، حيث تستمر المنظمات الحقوقية في تقديم طعونها بشأن تورط الحكومة البريطانية في تصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في انتهاك حقوق الإنسان.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية كانت قد علقت في أيلول /سبتمبر الماضي نحو 30 ترخيصا لتصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال، إلا أن بعض التراخيص المتعلقة بمكونات طائرات إف-35 استمرت كما هي.

وأكدت منظمة "الحق" الفلسطينية في المحكمة أن اعتداءات الاحتلال في غزة أسفرت عن استشهاد عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين وتدمير واسع للبنية التحتية المدنية، موضحة أن هذه الأعمال كانت مدعومة جزئيًا من خلال الأسلحة والمكونات التي زودت الحكومة البريطانية الاحتلال بها.

مقالات مشابهة

  • حكم قضائي على بريطانيا بسبب تزويدها الاحتلال بأجزاء من «إف -35»
  • حكم قضائي بمراجعة قرار بريطانيا بيع مكونات طائرات إف35 للاحتلال الإسرائيلي
  • حكم قضائي بمراجعة قرار بريطانيا بيع مكونات طائرات إف-35 للاحتلال الإسرائيلي
  • ديفيد هيرست: تغلب الفلسطينيون على حرب الإبادة الإسرائيلية وعادوا إلى الديار
  • الأمم المتحدة: الاحتلال الصهيوني خلّف دمارًا بغزة لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية
  • ديفيد هيرست: تغلب الفلسطينيين على حرب الإبادة الإسرائيلية وعادوا إلى الديار
  • الأمم المتحدة : العدو الصهيوني خلف دمارًا بغزة لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية
  • الأمم المتحدة : العدو الصهيوني خلف دمارًا في غزة لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية
  • توضيح حكومي بشأن الحزمة الاجتماعية الجديدة
  • لبنان: العدو الصهيوني يواصل اعتداءاته في الجنوب