تعيينات ترامب: أنت لا تجني من الشوك العنب!
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وفوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، عمت الفرحة الشارع الإسرائيلي، وبالأكثر جمهور ونخب اليمين الصهيوني المتطرف، واستبشر المستوطنون خيرا، وبدأ الحديث بجدية عن مرحلة جديدة في تحقيق مشروع أرض إسرائيل الكاملة.
وزادت النشوة الإسرائيلية، بعد إعلان الرئيس المنتخب عن هوية الأشخاص، الذين عيّنهم لتولي المناصب الحكومية الرفيعة، خصوصا مسؤولي حقائب الأمن القومي المؤثّرة على إسرائيل وعلى الشرق الأوسط عموما، فجلّهم يتبنّون المواقف الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة، بما فيها سياسات الحرب والاحتلال والاستيطان والعدوان والتوسّع، ولديهم توجهات صدامية ضد إيران وضد كل من «يعادي إسرائيل» ويقف ضدها وضد سياساتها وممارساتها الإجرامية.
لقد كثرت التكهّنات وزخرت وسائل الإعلام بالتحليلات حول سياسات ترامب المتوقّعة: هل ستكون استمرارا لما كان في ولايته السابقة مع بعض التأقلم للمتغيرات التي حصلت منذ انتهائها؟ هل ستشكّل انقلابا وثورة على سياسات إدارة بايدن، أم ستحمل فقط بعض التعديلات والتنقيحات عليها؟ أم أنها ستغدو متقلّبة وغير متوقّعة تبعا لأهواء الرئيس ولآخر من استمع إليه من مستشارين؟ ثم كيف ستنعكس التحوّلات في واشنطن على الأحوال في فلسطين والشرق الأوسط؟
تكمن صعوبة التكهّن في أن ترامب يعود ثانية إلى البيت الأبيض وهو أقوى بكثير، ويملك سلطات واسعة غير مسبوقة، حتى بالمعايير الأمريكية، التي تعطي الرئيس صلاحيات كبرى في شتّى المجالات. فقد جرى انتخابه بأغلبية مطلقة، وهو يسيطر بشكل شبه كامل على الحزب الجمهوري، الذي يتمتع بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنوّاب، إضافة إلى ضمانه لأغلبية محافظة في المحكمة العليا خلال ولايته السابقة.
الصلاحيات الواسعة والقوة الكبيرة وغياب الضوابط والتوازنات المعهودة، تمنح ترامب حرية اتخاذ القرار ورسم السياسات، أكثر من أي رئيس سبقه في العقود الأخيرة. ويبدو أن ترامب سيستغل ما يسمح له به وضعه المريح، ولربما أكثر، فمن بين ثلاثة، الأول لديه قوّة ويستعمل بعضها، وآخر يحرص على العمل بمقدارها، وثالث يندفع لتجاوز حدودها، فإن ترامب هو من الصنف الأخير.
ولا يعني عسر التنبّؤ بسياسات ترامب أن ليس عنده سياسة، أو أنه لم يحسم أمره بعد، فقد بدأت الغيوم الفعلية والوهمية تنقشع، لتظهر توجهات الرئيس الجديد بتجلياتها الكارثية في تعيين المسؤولين في إدارته المقبلة.
معاني التعيينات
إذا كان البعض يعتقد أن ترامب متقلب، فقد تبيّن أنّه «تقلّب» باتجاه محدد وبقي عليه. ويظهر ذلك جليا بكل ما يخص فلسطين والشرق الأوسط من خلال تعيين دعاة الحرب وداعمي الاستيطان والاحتلال في مناصب «الأمن القومي»، التي لها تأثير مباشر على المنطقة.
كل المؤشرات تدل على أن ترامب الثاني سيكون أسوأ من ترامب الأول
وإذا كان البعض يرى أن ترامب «غامض»، فلا غموض عند هؤلاء، الذين يزيل تعيينهم وهم إمكانية أن يسير ترامب باتجاه أكثر اعتدالا عن نهجه المعادي لتحقيق العدل للشعب الفلسطيني في ولايته الأولى. العكس هو الصحيح، وكل المؤشرات تدل على أن ترامب الثاني سيكون أسوأ من ترامب الأول، ولربما أسوأ حتى من الرئيس الصهيوني وعراب الإبادة الجماعية في غزّة جو بايدن.
لقد صدف أن استمعت بالراديو إلى شخص يستميت في الدفاع عن المستوطنات والاحتلال ومشروع الضم، فظننته أحد غلاة المستوطنين، لكنه قال بأنه ليس صاحب قرار، وهو ينفّذ سياسة الرئيس، وتبين أنّه السفير الأمريكي الجديد إلى إسرائيل مايك هاكبي، الذي لا يختلف عن الوزير الفاشي الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في شيء، فهما يستعملان التعابير والصياغات نفسها ولهما المواقف نفسها.
ليس السفير في إسرائيل هو التعيين الأهم في إدارة ترامب المقبلة، لكن إشغال هذا المنصب هو، تقليديا وتاريخيا، أدق تعبير عن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل. فقد عكست هوية السفير وتوجهاته سياسة الإدارة في واشنطن، فحين كانت تتبنّى حل الدولتين عينت سفيرا يؤيّد هذا الحل، وحين سعت إلى «عملية سلمية»، سعى السفير إلى تسييرها باقتناع وبحماسة.
وإذ كان السفير السابق في عهد ترامب ديفيد فريدمان، العامل المركزي في صياغة صفقة القرن، فإن تراجع عنها ونشر كتابا يدعو فيه إلى «دولة يهودية من النهر إلى البحر».
ويحمل السفير الجديد الموقف ذاته، ولا يبدو أنّه يقبل حتى بصفقة القرن. ويبدو أنّ على المتوجّسين من عودة «صفقة القرن» أن يتوقّعوا ما هو أسوأ. لقد خشيت إسرائيل من إقدام ترامب على تعيين «انعزاليين»، يسعون إلى تقليص التدخل الأمريكي في شؤون العالم، والانكباب على الاهتمام بنفسها. لكنها طارت فرحا حين ظهر انه اختار «مؤيّدي إسرائيل وداعمي حروبها» في المناصب الحساسة.
وعن تعيين السفير الأمريكي الجديد، قال إيلي غرونر المدير العام السابق لديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي: «هذه بشرى رائعة، فهو شخص صاحب قيم ومحب لإسرائيل وداعم لها، وهو أول سفير أمريكي يجري تعيينه ما يدل على أهمية وأفضلية إسرائيل بالنسبة للإدارة الجديدة».
تعيينات ترامب هي باتجاه واحد، وليس فيها أي نوع من التوازنات: وزيرا الخارجية والدفاع، مستشار الأمن القومي، السفيرة لدى الأمم المتحدة، رؤساء الأجهزة الأمنية والمبعوث للشرق الأوسط، هم جميعا وبلا استثناء من داعمي إسرائيل وسياسات اليمين المتطرف، ومؤيدي الحرب والاستيطان والاحتلال ومعارضي السلام العادل والمتشددين ضد إيران. وعليه لا مجال لأوهام بصيص التفاؤل في ظل هذه الإدارة، وكما يقول المثل «أنت لا تجني من الشوك العنب!»، وأمامنا حقل أشواك ليس فيه دالية واحدة.
فلسطين الضحية
الإدارة الأمريكية الحالية شريكة كاملة في حرب الإبادة والدمار الشامل في غزّة، وسيكون من الصعب على ترامب أن يتفوّق عليها في دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا واقتصاديا. فقد زوّد بايدن إسرائيل بكميات هائلة من الأسلحة والذخائر والعتاد، ومنحها معونات تصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار، ونصب لها قبة حديدية دبلوماسية في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية كافة. بالمجمل، يبدو أن إدارة ترامب ستحافظ على مستوى دعم حرب إسرائيل، لكنّها ستقدم للدولة الصهيونية دعما أكبر في تحقيق أغراضها التوسّعية وفي مجال «جني ثمار الحرب»، وفي مجهود العودة إلى تهميش القضية الفلسطينية، التي تحظى اليوم باهتمام عالمي كبير.
حين سئل السفير الأمريكي المعيّن في إسرائيل عن موقف واشنطن بشأن ضم مناطق من الضفة الغربية إلى الدولة الصهيونية، أجاب بأن الضم هو «قرار إسرائيلي»، فسئل ثانية في ما إذا كان يدعم ذلك رد «بالتأكيد». وهناك مؤشّرات بأن الحديث يجري عن ضم مناطق أوسع من تلك التي خططت الحكومة الإسرائيلية لضمها خلال ولاية ترامب الأولى، فقد صرّح رئيس مجلس المستوطنات بعد لقائه نتنياهو: «هناك فرصة تاريخية.. والمسار المستقبلي للسيادة (الضم) لن يكون ذلك الذي طرح في إطار صفقة القرن، فقد تغيّر الواقع بعد السابع من أكتوبر».
يلوح أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تنوي وضع قيود على حكومة نتنياهو بكل ما يخص حرب الإبادة وتوسيع الاستيطان ومشاريع الضم. وإمعانا في دعم إسرائيل، صعّد الجمهوريون في الكونغرس والسينات هجومهم على محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين، وعلى منظمات الأمم المتحدة على خلفية منع محاسبة إسرائيل وقياداتها. وربما أيضا ستقبل الإدارة الجديدة فرض احتلال إسرائيلي على مناطق في غزة، ولا تقف حجر عثرة أمام الاستيطان فيها وضمها. باختصار، جرت الانتخابات في الولايات المتحدة وشعب فلسطين هو أوّل ضحاياها.
أربع دوائر
لقد زادت الحاجة للتصدي للسياسات الأمريكية المتأسرلة، التي غدت متأسرلة بالكامل بعد عودة ترامب. وهناك ضرورة للعمل في أربع دوائر: أولا، الدائرة الفلسطينية بإنجاز الوحدة الوطنية بأسرع وقت ممكن خاصة في ظل انهيار أي رهان على «الفرج الأمريكي»، ثانيا، الدائرة العربية وأضعف الإيمان فيها وقف مسار التطبيع ومنع توسيعه، وثالثا، الدائرة الإقليمية عبر الشروع ببناء تفاهم عربي – إيراني – تركي للوقوف في وجه السياسات الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى استغلال الخلافات بين دول المنطقة لجني الأرباح والمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية، ورابعا، الدائرة العالمية، حيث هناك دول وقوى كثيرة ووازنة في العالم ستصبح متضررة من سياسات إدارة ترامب، ويمكن الاستفادة من استعدادها لمواجهتها. لا مجال لقلة الحيلة، المسألة مسألة إرادة سياسية، ومن لا يريد أن يدفع ثمن موقفه يفقد إرادته الحرة.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب غزة غزة الاحتلال ترامب هاكابي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن ترامب
إقرأ أيضاً:
من هي مسؤولة اتحاد المصارعة السابقة التي اختارها ترامب وزيرة للتعليم؟
سرايا - اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ليندا ماكمان، الرئيسة السابقة لاتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي"، لتولّي حقيبة التعليم، الوزارة التي يعتزم إلغاءها والتي يدور حولها نزاع شرس بين "التقدميين" و"المحافظين".
وقال ترامب في بيان، إن ماكمان هي "مدافعة شرسة عن حقوق الوالدين"، مضيفا "سنعيد التعليم إلى الولايات المتحدة، وليندا ستقود هذا الجهد".
ومنذ فوزه في الانتخابات التي جرت في الخامس من نوفمبر، بدأ الرئيس السابق الذي سيتسلم السلطة مجددا في 20 يناير، بتعيين كوادر إدارته المقبلة، وقد اختار لملء بعض المراكز أسماء فاجأت كثيرين.
وفي بيانه، اعتبر ترامب أنه "بصفتها وزيرة للتعليم ستكافح ليندا بلا كلل" من أجل منح كل ولاية أميركية مزيدا من الحريات التعليمية، و"تمكين الآباء من اتخاذ أفضل القرارات التعليمية لعائلاتهم".
ليندا ماكمان
وتشهد الولايات المتحدة انقساما حادا حول موضوع التعليم، إذ ترفض الولايات التي يقودها جمهوريون نشر المبادئ التي يدافع عنها الديمقراطيون من مثل حقوق المرأة والأقليات وحقوق المثليين.
وماكمان، سيدة الأعمال البالغة من العمر 76 عاما، سبق لها أن شغلت منصب وزيرة شؤون الشركات الصغيرة وذلك في مستهل ولاية ترامب الأولى، وتحديدا بين العامين 2017 و2019.
وتعتبر هذه المرأة أحد أركان الحلقة الضيقة لترامب الذي اختارها أيضا لتكون أحد قادة فريقه الانتقالي الذي سيتولى السلطة من الديمقراطيين.
ولا تتردّد ماكمان في وصف ترامب بـ"الصديق"، وهي مانحة رئيسية للحزب الجمهوري، وقد ساهمت ماليا في دعم ترشيح ترامب للسباق الرئاسي منذ 2016، أولاً في الانتخابات التمهيدية الحزبية، ومن ثم في الانتخابات الوطنية.
وهذه السيدة متزوجة من فينس ماكمان، وريث اتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي".
وهذا الاتحاد هو شركة عملاقة تأسّست في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تصبح ماكمان في 1993 رئيستها ومن ثم مديرتها العامة في 1997.
واستقالت ماكمان من هذه المنظمة في 2009 لتجرب حظها في عالم السياسة.
أمام زوجها فقد بقي على رأس الاتحاد حتى يناير الماضي حين اضطر للاستقالة بعد أن تقدمت موظفة سابقة بشكوى ضده بتهمة الاعتداء جنسيا عليها.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #روسيا#ترامب#الأردن#بكين#التعليم#الاحتلال#الرئيس
طباعة المشاهدات: 90
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 20-11-2024 04:11 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...