تحدثنا في مقال سابق عن سعي دولة الاحتلال، وخلفها أمريكا الشريك والمخطط الرئيس لكافة المصائب التي تحدث في منطقتنا العربية، ومعهما ومن خلف الستار بعض حكومات المنطقة، إلى تعويض خسائرها وستر عوراتها وإخفاء فضائحها في المعارك التي خاضتها مع المقاومة في غزة ولبنان، والتي بلغت مبلغا كان بمثابة التكفير عن العار والخذلان الذي مارسته بعض الأنظمة العربية التي سارعت بالارتماء في أحضان العدو الصهيوني؛ رغبا في نيل رضا الأمريكي والفوز بوعده في تنفيذ صفقة القرن، ورهبا من غضبه ووعيده!.

.

وأخطر ما تنتظره المقاومة اللبنانية تحديدا بعد بلائها الحسن وتضحياتها الجسام بخيرة قادتها وصفوة شبابها؛ ليس المزيد من عمليات القصف والخسف -التي لا تهدأ وتيرتها- تطال الحاضنة الشعبية في لبنان وقلبها في العاصمة بيروت من منازل وأبنية ومؤسسات خدمية ومستشفيات وسيارات للإسعاف، تماما كالذي فعلته الآلة الحربية الإجرامية والمدعومة أمريكيا في غزة؛ من تدمير لم يحدث له مثيل في القرنين العشرين والحادي والعشرين..

لكنني أعني بالأخطر هنا هو اللعب على التباين الأيديولوجي في التركيبة السكانية المعقدة للشعب اللبناني بطوائفه متشعبة الاتجاهات والتحالفات؛ ما بين مسيحيين مارون وكاثوليك مرتبطين بأوروبا وفي قلبها فرنسا التي تكفي وحدها لتأجيج أي صراع وإفشال أي تفاهمات! أو بين سنّة مرتبطين بحكومات المكون السني العربي الممزق وخلفها تقف بعجزها الدائم "جامعة الدول العربية"! أو شيعة وعلويين لا يخفى على القاصي والداني ارتباطهم ولُحمتهم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ناهيك عن بقية الطوائف مثل الدروز والزرادشت والبهائيين.. الخ، وأمريكا وخلفها أوروبا تلعبان على تلك التباينات والتشابكات في المصالح وعلى مرجعية كل طائفة، وشبكة العلاقات التي تؤثر على القرارات حتى بين مكونات الوطن الواحد!..

ولقد اعتدنا كلما زادت ضربات المقاومة وأوجعت في جسد العدو الصهيوني أن يسارع الراعي الرسمي للاحتلال -البيت الأبيض- إلى إرسال مبعوثه وموفده إلى المنطقة العربية، كما صرح بذلك نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله، السيد "محمود قماطي"، في حديثه مع فضائية الجزيرة قائلا: لولا قوة المقاومة لما سعت أمريكا إلى الحل! وهو ما يحدث الآن في جولات المبعوث الأمريكي إلى بيروت "آموس هوكشتاين" لإجراء ما يسمى بمحادثات السلام، لممارسة الضغوط على الفرقاء اللبنانيين ومحاولات الابتزاز الحقيرة التي تجيدها الإدارة الأمريكية.. تماما كما حدث في ملف الوساطة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأخواتها من فصائل المقاومة الفلسطينية، والضغوط التي مارستها أمريكا على الوسطاء (قطر، مصر) من خلال وزير خارجيتها "أنتوني بلينكن"، ورئيس وكالة المخابرات المركزية "وليم بيرنز"، وهو ما ضجت من منه الدوحة وأعلنه المتحدث باسم الخارجية القطرية؛ أن دولة قطر لن تخضع لمزيد من محاولات الابتزاز!

لا حل إذا إلا كما قال الأمين العام لحزب الله، السيد "نعيم قاسم"، في بيانه الأخير والذي تناقلته الصحف والمحطات الفضائية: لدينا مساران لا ينفصلان، أولهما مسار المقاومة، وثانيهما المفاوضات، وأن المقاومة باقية في كل الحالات، نجحت المفاوضات أو فشلت، وأن على العدو أن يتوقع الرد على وسط تل أبيب إذا أقدم على استهداف بيروت، وأن المقاتلين مستعدون لخوض معركة طويلة.. الخ.

ولا حل كذلك إلا بتفاهمات الفرقاء اللبنانيين للحيولة دون أي محاولات رخيصة من طرف الإدارة الأمريكية، مثل الحديث عن ضرورة تطبيق القرار الأممي الصادر من مجلس الأمن رقم "1701" والذي يقضي بنزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان (حزب الله)! وأنه لن توجد أي قوات مسلحة غير قوات اليونيفيل والجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، إلى غيرها من شروط القرارات المعطلة التي لا تعاد الحياة إليها إلا لمناكفة المقاومة والنيل من المكاسب التي حققتها، وليس حبا في الحكومة اللبنانية ولا انتصارا لشرعيتها!..

وذلك تماما كما يتناول الراعي الأمريكي -عنوة!- المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، والحديث عن المصالحة الفلسطينية وإنهاء القطيعة بين فصائل المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية بتكوينها الحالي؛ من أعضاء حركة فتح ورجال السيد "أبي مازن" في السلطة الفلسطينية، صاحبة الصك الرسمي والحصري في الحديث باسم الشعب الفلسطيني، رضي الشعب أم لم يرض! أقيمت انتخابات أو لم تقم! فهؤلاء باقون بقوة الأمر الواقع، باقون بقوة الراعي الأمريكي، باقون بتزكية أصحاب المنح السخية في منطقتنا العربية، والتي يتم تحويلها عبر بنوك الاحتلال الإسرائيلي لتصل إلى السيد القابع في مقر إقامته بمدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة اللبنانية الفلسطينية الإسرائيلي لبنان إسرائيل امريكا فلسطين المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

د. مروان المعشر يكتب .. الخطة العربية مقابل المقترح الأمريكي

#سواليف

أقرت #القمة_العربية ومن بعدها منظمة التعاون الإسلامي خطة عربية مفصلة لليوم التالي بعد #الحرب على #غزة تتضمن إعادة إعمار غزة دون #تهجير_الفلسطينيين منها، وذلك ردا على #مقترح_الرئيس_الأمريكي إعادة الإعمار ولكن بعد تهجير الفلسطينيين من #غزة ثم عدم العودة إليها. من المفيد النظر إلى بعض التفاصيل حول الفوارق بين الخطة والمقترح وواقعية كل منهما.

بدءا، من المهم الإدراك أن ما قدمه الرئيس الأمريكي لا يتجاوز المقترح دون إرفاقه بأية خطة لتنفيذه، مفاده تهجير #سكان_غزة إلى #مصر و #الأردن وعدم العودة إليها، ثم إعادة تعمير غزة وجعلها «ريفييرا» المنطقة. بالطبع، لم يقدم ترامب أية آليات لتهجير مليوني فلسطيني دون إرادتهم، أو ما يعرف قانونيا بالتطهير العرقي، ولم يشرح كيف يتم التهجير إلى مصر التي رفضت ذلك بالمطلق، كما فعل الأردن الذي لا يرتبط جغرافيا بقطاع غزة أصلا. ولم يشرح ترامب أسباب رفض عودة الفلسطينيين إلى غزة بعد «إعمارها» وتناقضه مع «تعاطفه» مع أهل غزة و«رغبته» في توفير عيش كريم لهم دون السماح لهم بالعودة إلى أرضهم ووطنهم. كما لم يشرح المقترح كيف «ستتملك» الولايات المتحدة غزة كما قال ترامب ومن سيقوم بإعمار القطاع وإلى من ستؤول «ملكيته».

بالرغم من إبهامية المقترح، وخرقه الفاضح لكل القوانين الدولية، وتجاهله لحقيقة أن لا الفلسطينيين يرغبون بالهجرة ولا مصر والأردن مستعدتان لاستقبالهم، يخرج البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية لينعت الخطة العربية بمجرد صدورها «باللاواقعية» بينما ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلا.

مقالات ذات صلة التفاوض مع حماس.. لماذا أقدم ترامب عليه ولماذا قبلت الحركة؟ 2025/03/11

من المفيد استعراض الملامح الرئيسية للخطة العربية. فعدا عن تقديمها خطة فنية مفصلة تشرح كيفية #إعادة_الإعمار دون تهجير الفلسطينيين عبر مراحل عدة تتضمن إسكانهم في بيوت جاهزة أو خيم بينما تتم إعادة الإعمار على مراحل تمتد لخمس سنوات، وبينما يتم تزويد السكان بكل ما يحتاجونه من مستشفيات متنقلة ومدارس ودور عبادة وبنية تحتية. تتضمن الخطة أيضا الكلفة التقديرية لذلك والبالغة ثلاثة وخمسين مليار دولار، وتدعو إلى مؤتمر تمويلي في القاهرة الشهر القادم للبدء بجمع الأموال اللازمة.

عدا عن الخطة الفنية المفصلة، تشدد الخطة على أمور أساسية كي تصبح إعادة الإعمار خطوة أولى على طريق مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء #الاحتلال_الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. أهم هذه الأمور إعادة الالتزام بمبادرة السلام العربية التي تدعو إلى سلام شامل بعد انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تدعو إلى البدء بمسار سياسي فوري لتحقيق ذلك. بدون ذلك، من الصعب تخيل من من المجتمع الدولي سيكون راغبا في تقديم مساعدات لإعادة الإعمار ليرى إسرائيل تدمرها في المستقبل كما فعلت مرارا عديدة في الماضي.

المطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها

تؤكد الخطة أيضا على وحدة غزة مع الضفة الغربية، خاصة في ضوء محاولات إسرائيل المتكررة لفصل القطاع عن غزة تمهيدا لضم الضفة الغربية.
تقترح الخطة إدارة انتقالية للقطاع تتكون من أشخاص تكنوقراط مستقلين تحت إشراف السلطة الفلسطينية وذلك بعد الاتفاق الذي تم مع حماس لعدم الاشتراك في إدارة القطاع للرد على الحجة الإسرائيلية والأمريكية التي ترفض بالمطلق مثل هذا الإشراك.

كما تدرك الخطة، ولو بشكل غير مباشر، أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بتأييد كبير لدى الفلسطينيين، وتبعا لذلك، وفي خطوة غير مسبوقة، سلطت القمة الضوء على حاجة السلطة لإصلاحات داخلية تتضمن انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون سنة. وقد أوضحت الخطة، وذلك أيضا ردا على المطلب الأمريكي والإسرائيلي بنزع أسلحة حماس بأن ذلك يمكن أن يتحقق فقط إن تم الاتفاق على مسار واقعي لإنهاء الاحتلال.

إن أية مقارنة موضوعية لكل من المقترح الأمريكي والخطة العربية تظهر أن الأخيرة أكثر واقعية بمراحل من مقترح ترامب. وبالرغم من ذلك، فإن فرص تنفيذها تصطدم بعقبات عدة، أولها أن إسرائيل ليست معنية بإعادة إعمار غزة بغض النظر عن أية خطط تقدم لا تتضمن تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو الهدف الأساسي لإسرائيل. إضافة لذلك، فإن إسرائيل ليست معنية أيضا بالحديث عن أفق سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن عينها على ضم الضفة الغربية لإسرائيل. ومن الملفت للنظر أن كلتا إسرائيل والولايات المتحدة لم تعلقا على الشق المتعلق بالأفق السياسي في الخطة على الإطلاق ما يشير إلى عدم اهتمامهما به بتاتا.

وبينما أبدى الجانب الأمريكي بعض المرونة بالنسبة للخطة في تصريحات متناقضة، ليس من الواضح إن كان الجانب العربي سينجح في إقناع الولايات المتحدة بتبني الخطة وإن ببعض التعديلات. إن فرص تحقيق ذلك وخاصة مع التعنت الإسرائيلي تبدو ضعيفة.

من المهم الإدراك أن البديل عن الخطة العربية في حال رفضها ليس المقترح الأمريكي اللاواقعي والمفتقر إلى أية آليات جادة لتحقيقه. بديل الخطة العربية هو استمرار الحرب والدمار وقتل الأبرياء المدنيين. لذا، فالمطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها. أدرك مدى صعوبة ذلك، لكن يبدو أنه الخيار الوحيد على الساحة اليوم. أما خيار التهجير فالأغلب أنه لن يمر في ضوء الصمود الفلسطيني والرفض العربي.

المرحلة القادمة صعبة للغاية، وستتطلب تنسيقا عربيا عالي المستوى، بل موقفا عربيا موحدا يستطيع الصمود أمام نوايا إسرائيل التوسعية وأفكار الإدارة الأمريكية المغالية في تشددها وعدم واقعيتها والتي تعطي إسرائيل الضوء الأخضر للتوسع في عدوانها والاستمرار في فرض حقائق جديدة على الأرض.

مقالات مشابهة

  • الثقافة الفلسطينية تعلن الفنان التشكيلي باسل المقوسي شخصية العام 2025
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي
  • السيد القائد: الحقائق تفضح تواطؤ كبار الأنظمة العربية بتعاونها الفعلي مع العدو الإسرائيلي
  • قرقاش يسلم رسالة الرئيس الأمريكي لوزير الخارجية الإيراني
  • بين العجز الدبلوماسي ولغة القوة: السيد القائد يتجاوزُ القممَ العربية
  • د. مروان المعشر يكتب .. الخطة العربية مقابل المقترح الأمريكي
  • مع قرب المهلة التي منحها السيد القائد.. حماس: العدو يواصل إغلاق معابر غزة بشكل كامل
  • الخطة العربية مقابل المقترح الأمريكي
  • تنفيذ الأوامر الاستعمارية في القمم العربية !
  • محمد فراج: القمة العربية شهدت مخرجات مهمة لصالح القضية الفلسطينية