قديما قالوا: الملافظ سعد.. واليوم نقول: الكلمة أمانة وعهد
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
"علموا أبناءكم أنّ الباطل باطل ولو كثر أتباعه، وأنّ الحق حقٌّ ولو قلّ أتباعه، وأنّ راية الحقِّ قائمة وإن لم يرفعها أحد، وراية الباطل ساقطة ولو رفعها كلّ أحد".
صاغ الدكتور مصطفى محمود هذه الكلمات المكتنزة بالعبر قبل أن نصل لزمن تُرك فيه الحبل على الغارب وانقلبت المفاهيم، وتجتاح سيول التطبيع والخنوع الفضاء والهواء، ويتسيد أهل الباطل زمام الأمور ويشهروا سيوفهم في وجه كل من يصدح بالحق والحقيقة جاهرا بالقول "اللهم إن هذا منكر".
عبارات المفكر المصري العبقري هذه استبدت بمخيلتي ونحن في مرحلة مفصلية أضحت فيها الكلمة أمانة وعهدا يجب أن يصان ويُحفظ، لا سيما أننا أمام جحافل مجهزة بأعتى الأسلحة الالكترونية منها والإعلامية، وصولا حتى لمناهج التربية والتعليم التي يتم التلاعب بها نهارا جهارا خدمة لأهداف معلومة معروفة للعيان.
لست من هواة نظرية المؤامرة ولكن المعطيات والدلائل أمامنا في هذه الحالة ماثلة شاخصة، ويمكن استنتاجها بمنتهى السهولة عبر متابعة نشرة أخبار واحدة في القنوات الرسمية العربية؛ التي ورغم حالة الشتات والتشرذم الواضحة الظاهرة في الواجهة حين يتعلق الأمر بقضايا الأمة الرئيسية، إلا أن حبل التواصل وحالة التطابق الغريب المريب وحتى العجيب يظهر لديها عندما يتعلق الأمر بنفث السموم وشيطنة المقاومة؛ طالما أن مصدر التعليمات واحد والغاية أيضا هي ذاتها لوأد كل أصوات الحق ومن يدور في فلكها، وبالتالي ترسيخ خطاب انهزامي استسلامي يصب في واد التطبيع الشامل المنشود.
اللافت وأنا منشغل بهذا التوجه استوقفتني مداخلة النائب العماني الحر "حميد العصري" في ما يسمى بجلسة "البرلمان العربي" حين سار على نفس النهج وخاطب الحضور بكلمات مميزة واضحة وضوح الشمس، رافضا تداول كلمة "إسرائيل" في الخطابات الرسمية وفي كل وسائل الإعلام العربية، وموضحا أن "إسرائيل هو يعقوب عبد الله ونبي الله عليه السلام، وهو بريء منهم ومن أفعالهم"، قبل أن يضع النقط على الحروف ويحتج على تجاهل التطرق لفصائل المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي وأيضا ذِكْر كلمة المقاومة على استحياء في البيان الختامي.
الرائع في خطاب النائب العماني هو دحر كل العبارات المعلبة التي لطالما رُددت في المحافل الرسمية العربية بشكل فج ومثير للاشمئزاز، حيث وصف "حل الدولتين" بأكذوبة العصر، واستهزأ بمفردات مثل "مبادرة السلام وخريطة الطريق" وغيرها من العناوين المضللة لثني أهلنا في فلسطين على المضي في طريق الحرية؛ وذلك ما أشار إليه بالقول إن المقاومة والجهاد هما الحل للنصر القادم.
طبعا هذه العبارات لن تنزل بردا وسلاما على الحاضرين، ولكنها الحقيقة التي يجب أن تقال وتردد في كل المحافل حتى التي تعودنا أنها مجرد مسرحيات رديئة الإخراج والتأليف.
أيضا جاءت مداخلة وزير الخارجية الإندونيسي فيما عرف بـ"القمة العربية الإسلامية غير العادية" (شر البلية ما يضحك حقا)، فالأخير خاطب الحضور بلغة عربية فصحى متقنة تفوقت على الحاضرين جميعا، مبديا رفضه الخروج بتوصيات روتينية مملة على غرار الشجب والاستنكار، والتنديد بذلك "السلاح الفتاك" الذي تستحضره الأنظمة العربية في هكذا مناسبات.
هذان النموذجان يمثلان صرخة رسمية ضد التوجه المقصود للتلاعب بالمصطلحات بغية خلق خطاب جديد لضرب القيم والمبادئ الأصلية في مقتل. انظروا كيف يتم استخدام عبارات الكيان الصهيوني لدى العديد من المنابر العربية على غرار "الرهائن الاسرائيليين" و"الحرب في غزة ولبنان" و"مقتل فلسطينيين"، وشاهدنا قبل أيام بعد أحداث أمستردام وصفها بـ"اعتداءات على اسرائيليين".
بإمكاننا استحضار المئات من المصطلحات الدخيلة والمنتقاة بعناية فائقة قصد اللعب على الوتر الحساس ومحو وتزييف الحقائق، لهذا أشرنا إلى أننا أمام حرب ممنهجة ودقيقة تستخدم فيها جيوش إعلامية ومناهج دراسية ولجان الكترونية تغزو مواقع التواصل الاجتماعي؛ لترسيخ معطيات مغلوطة وحذف السردية الأصلية استنادا للنفوذ الهائل الذي يحاط به هؤلاء، وملاحقة الصادحين بالحقيقة بتهم جاهزة سلفا على غرار "معاداة السامية" وغيرها.
لكننا رغم كل هذه المخططات محكومون بالأمل، والارتباط الوثيق للأجيال الجديدة بالقضية المركزية للعرب والمسلمين يبدو مبشرا للغاية، والدليل الأصوات الحرة التي تضحي في أوروبا وأمريكا بمستقبلها وتناضل لإيصال صوتها هناك. وكل هذا مدعاة للفخر ويحيلنا مجددا على الكلمات التي بدأنا بها المقال للدكتور مصطفى محمود حول التربية السليمة للأبناء وغرس القيم والمبادئ لديهم. ومن هذا المنطلق يجب أن نوجه التحية للأسر العربية والمسلمة المقيمة في الغرب؛ والتي لم يثنها الحفر في الصخر ومقارعة الغربة عن ربط فلذات أكبادها بالأوطان الأصلية وقضايا الأمة على رأسها فلسطين طبعا..
قديما كانوا يرددون "الملافظ سعد" باللهجة العامية؛ ولكننا اليوم نقول ونشدد بأن الكلمة أمانة وعهد.. فكونوا على قدر المسؤولية..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الكلمة المقاومة خطاب مقاومة خطاب كلمة مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
فريق بريطاني يخترع سطح طريق يصلح نفسه ذاتيا.. هل نقول وداعا للحفر؟
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرا، لمحرّر العلوم إيان سامبل، قال فيه إنه: "سيكون خبرا سارا لجميع سائقي السيارات، ولكن ربما خاصة لسائق سيارات فيراري المغني رود ستيوارت الذي صرّح في وقت سابق أنه يفكر ببيع سياراته الثمينة، لأن شوارع منطقته مليئة بالحفر: إذ طور الباحثون سطح طريق يصلح نفسه ذاتيا عندما يتشقق، مما يمنع تطور الحفر دون الحاجة إلى تدخل بشري".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإن "الفريق الدولي ابتكر بيتومين يشفى ذاتيا ويصلح الشقوق أثناء تشكلها عن طريق دمج الأسفلت معا مرة أخرى. وفي الاختبارات المعملية، قامت قطع من المادة بإصلاح الصدوع الصغيرة في غضون ساعة من ظهورها لأول مرة".
وقال الباحث في المشروع بجامعة سوانزي، خوسيه نورامبوينا كونتريراس: "عندما تغلق الشقوق، فإنك تمنع تشكل الحفر في المستقبل وتطيل عمر الطريق. يمكننا تمديد عمر السطح بنسبة 30 بالمئة".
وتابع التقرير: "وفقا لمنظمة AA لسائقي السيارات، تم إنفاق مبلغ قياسي قدره 579 مليون جنيه إسترليني في المملكة المتحدة العام الماضي لإصلاح المركبات المتضررة من الحفر، ارتفاعا من 474 مليون جنيه إسترليني في عام 2023. بعد التعهد بمبلغ 1.6 مليار جنيه إسترليني لإصلاح الطرق وإصلاح أكثر من 7 ملايين حفرة في إنجلترا هذا العام".
كذلك، قالت وزيرة النقل، هايدي ألكسندر، إنّ: "المخاطر أزعجت سائقي السيارات لفترة طويلة جدا". فيما تبدأ الحفر عادة من شقوق سطحية صغيرة تتشكل تحت وطأة حركة المرور.
إثر ذلك، تسمح هذه الشقوق للمياه بالتسرب إلى سطح الطريق، حيث تتسبب في المزيد من الضرر من خلال دورات التجمد والذوبان. يصبح البيتومين، المادة السوداء اللزجة المستخدمة في الأسفلت، عرضة للتشقق عندما يتصلب من خلال الأكسدة.
يشار إلى أنه، لصنع البيتومين الذي يصلح نفسه ذاتيا، خلط الباحثون جراثيم نباتية مسامية صغيرة منقوعة في زيوت معاد تدويرها. عندما يتم ضغط سطح الطريق بواسطة حركة السيارات المارة، فإنه يضغط على الجراثيم، التي تطلق زيتها في أي شقوق قريبة. تعمل الزيوت على تليين البيتومين بدرجة كافية لتدفقه وسد الشقوق.
وبالتعاون مع باحثين في جامعة كينغز كوليدج، لندن وغوغل كلاود، استخدم العلماء التعلم الآلي، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، لنمذجة حركة الجزيئات العضوية في البيتومين ومحاكاة سلوك المادة ذاتية الإصلاح لمعرفة كيفية استجابتها للشقوق المتكونة حديثا. فيما يعتقدون أنه يمكن توسيع نطاق استخدام المادة على الطرق البريطانية في غضون عامين.
في سياق متصل، يقدّر النادي الملكي للسيارات RAC أنه في المتوسط، يواجه السائقون حوالي ستة حفر لكل ميل على الطرق التي تسيطر عليها المجالس المحلية في إنجلترا وويلز. يمكن أن تعرض الحفر الأرواح للخطر وتتسبب لسائقي السيارات بفواتير إصلاح تتراوح بين مئات وآلاف الجنيهات.
وفي عام 2022، كان رود ستيوارت قد شارك مقطع فيديو لنفسه وهو يملأ حفرا على طريق محلي بعد انفجار إطار سيارة إسعاف. اشتكى قائلا: "لا يمكن لسيارتي [من نوع] فيراري المرور من هنا على الإطلاق".
وقال المغني، الذي يريد السفر على طريق ممهّد، إنه يفكر في بيع مجموعته من السيارات الرياضية لأن الطرق المحيطة بمنزله في إسيكس مليئة بالحفر. وكتب ستيوارت على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" في ذلك الوقت: "لسوء الحظ، بسبب الحفر على طرقنا، قد أضطر إلى إيجاد ملاك جدد لها".
وقالت الطرق السريعة الوطنية، وهي الوكالة الحكومية المكلفة بتشغيل وصيانة وتحسين الطرق السريعة والطرق الرئيسية في إنجلترا، إنّ: "مواد الطرق الذكية التي تصلح نفسها كانت من بين التقنيات التي كانت تستثمر فيها".
وقال متحدث باسم الطرق السريعة الوطنية: "من أساليب التنبؤ بالمكان الذي تلزم فيه الصيانة على شبكة الطرق في الحياة الواقعية إلى أسطح الطرق التي تصلح نفسها، تلتزم الطرق السريعة الوطنية باستخدام التكنولوجيا لجعل طرقنا السريعة والطرق الرئيسية أكثر أمانا وخضرة للمستقبل".
وأردف: "هذا البحث يعني أن التحسينات والصيانة سيتم تسليمها بشكل أسرع مع أقل قدر من الاضطراب وسيحظى مستخدمو الطرق بتجربة رحلة أفضل بكثير من البداية إلى النهاية، مع توفير الوقت وتكلفة السفر".