منال الشرقاوي تكتب: هل النص السينمائي لبنة أولى أم كيان مكتمل؟
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
تُعَدُّ الكتابة السينمائية نقطة الانطلاق لأي فيلم، فهي بمكانة البنية التحتية التي ينبني عليها العمل الفني. غير أنّ هذا النص الأولي، مهما بلغ من الإحكام والإبداع، يظلّ قابلاً للتحولات الجذرية التي قد تعيد تشكيل معناه ورسائله خلال عملية الإنتاج.
إن النص السينمائي في جوهره ليس منتجاً نهائياً، بل هو أشبه بمخطط معماري مفتوح على التأويل والتطوير.
هنا يكمن السؤال المحوري: هل تُصان رسالة الفيلم كما رُسمت في النص، أم أن النص ذاته يصبح نقطة انطلاق لتحولات إبداعية مشتركة، تُعيد صياغة الرسالة بما يخدم الرؤية الجماعية للفريق السينمائي؟
في البداية دعنا نتفق؛ لا شك أن المخرج هو القائد المحوري في عملية تحويل النص المكتوب إلى عمل بصري. فالرؤية الإخراجية قد تضيف مستويات جديدة من العمق أو تُعيد صياغة رمزية العمل بأكمله. على سبيل المثال، قد يُضفي المخرج عبر اختياراته في زوايا التصوير، والإضاءة، والمونتاج، أبعاداً رمزية أو فلسفية لم تكن واضحة في النص الأصلي.
فيلم "Blade Runner" (1982)، للمخرج "ريدلي سكوت"، مثالٌ بارز على ذلك. حيث بدأ الفيلم كقصة خيال علمي مستوحاة من رواية " Do Androids Dream "of Electric Sheep? "هل تحلم الروبوتات بخرفان كهربائية؟" للكاتب "فيليب ك. ديك"، إلا أنّ سكوت أعاد تشكيله ليصبح عملاً فلسفياً يستكشف قضايا عميقة مثل الإنسانية، والهوية، والوجود. وقد تطورت رسالته بشكل ملحوظ عبر النسخ المختلفة، مثل النسخة المسرحية، ونسخة المخرج (Director's Cut)، ونسخة الإصدار النهائي (Final Cut). إلى جانب ذلك، أُدرج الفيلم في السجل الوطني للأفلام بالولايات المتحدة عام 1993، اعترافاً بأهميته الثقافية والجمالية والتاريخية. لم يقتصر تأثيره على تلك الحقبة فقط، بل أصبح بمكانة حجر أساس لأفلام الخيال العلمي التي جاءت بعده، حيث أسهم في ترسيخ توجه بصري ومعنوي جديد يتسم بالديستوبيا والتأملات الفلسفية. فمن أبرز الأعمال التي تأثرت به أفلام مثل "The Matrix" و"Ghost in the Shell".
من العناصر الأخرى، التي تسهم في تحوّل النص المكتوب إلى تجربة سينمائية حية أداء الممثلين، حيث يصبح النص أداة مرنة تتشكل بتفاعلهم معه. فالأداء العاطفي للممثل يمكن أن يعيد صياغة فهم الجمهور للشخصيات، وقد يحمل الفيلم نحو سياقات دلالية لم تكن واردة في النص الأصلي. خذ مثلاً أداء "هيث ليدجر" في دور الجوكر بفيلم "The Dark Knight"، حيث تجاوز النص ليُقدّم شخصية تحمل رؤى فلسفية واجتماعية أعمق، مما عزز الرسائل النقدية للفيلم.
وبالمثل، يبرز أداء أحمد زكي في فيلم "ناصر 56" ، الذي أخرجه محمد فاضل وكتبه محفوظ عبد الرحمن، وصدر عام 1996، كأحد الأمثلة البارزة التي توضح كيف يمكن للممثل أن يعيد صياغة النص المكتوب إلى تجربة درامية مؤثرة. في تجسيده لشخصية الرئيس "جمال عبد الناصر"، حيث تجاوز زكي حدود النص ليضفي على الشخصية بُعداً إنسانياً آخر، مكّن الجمهور من معايشة الصراعات النفسية والسياسية للقائد التاريخي في لحظة فارقة من التاريخ العربي. أداء زكي أضاف لمسات من المشاعر جعلت الفيلم يتجاوز كونه مجرد تأريخ لحدث سياسي، ليصبح تأملاً درامياً في شخصية تحمل أعباء أمة بأكملها.
بهذا، يتضح أن أداء الممثل ليس مجرد تنفيذ للنص، بل هو إعادة خلق للفيلم بما يفتح أبعادا ورؤى جديدة أمام الرسائل التي يمكن أن يحملها العمل السينمائي.
استكمالاً لما سبق عن دور التحولات الإبداعية في إعادة تشكيل النص السينمائي، نجد أمثلة تُبرز هذه الجدلية بوضوح. فيلم "Joker"، على سبيل المثال، بدأ كنص يعكس قضايا الصحة النفسية والهامشية الاجتماعية، لكنه تحوّل إلى عمل فلسفي عميق يستكشف قضايا العنف والعدالة، بفضل البنية السردية المتطورة والجوانب البصرية المؤثرة. كذلك، سلسلة "Harry Potter" شهدت تحولات لافتة خلال انتقالها من النصوص الروائية إلى الشاشة، حيث أضافت الرؤية الجماعية للعمل السينمائي أبعاداً بصرية ودرامية عززت الرسائل الأخلاقية والسحرية. كذلك، فيلم "إسماعيلية رايح جاي" (1997)،الذي كتبه أحمد البيه وأخرجه كريم ضياء الدين. بدأ كنص بسيط عن شاب بسيط يحاول تحقيق حلمه في أن يصبح مغنياً. لكن مع انتقال النص إلى الشاشة، تحوّل الفيلم إلى تجربة تمزج بين الكوميديا، الدراما، والأداء الموسيقي، مما أعطى العمل أبعاداً اجتماعية وشبابية أكثر تفاعلاً مع الجمهور.الأداء العفوي لأبطال الفيلم، مثل محمد فؤاد ومحمد هنيدي، أضفى روحاً خفيفة وجاذبية على النص، مما جعله علامة فارقة في السينما الكوميدية المصرية. كذلك، أسهمت الموسيقى والأغاني في تعزيز أبعاد درامية لم تكن واضحة بالنص الأصلي، مما جعل الفيلم يخرج عن إطار قصته الأساسية ليعكس تطلعات جيل بأكمله.
إن تحولات الكتابة ليست مجرد تغييرات عرضية؛ بل هي عملية هامة تُعيد تشكيل العمل الفني وتجعله أكثر ديناميكية وثراءً. وبينما قد تُغيّر هذه التحولات الرسائل الأصلية، فإنها في الوقت ذاته تضيف قيمة جديدة تمنح الفيلم روح تتجاوز حدود النص المكتوب. هذه الجدلية بين النص والإنتاج تظلّ واحدة من أبرز تجليات الإبداع السينمائي، وهي التي تجعل كل فيلم عملاً فريداً يستحق التحليل والتأمل.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
السعودية: العرب سيرفضون أي نص في كوب29 يستهدف الوقود الأحفوري
حذرت السعودية، الخميس، من أن "المجموعة العربية سترفض أي اتفاق مناخي، يستهدف الوقود الأحفوري".
وقال مسؤول سعودي للموفدين في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب29) المنعقد في أذربيجان: "المجموعة العربية لن تقبل بأي نص يستهدف أي قطاعات محددة، بما يشمل الوقود الأحفوري"، حسب وكالة فرانس برس.
وكان مفاوض الاتحاد الأوروبي في القمة، فوبكه هوسكتر، قد طالب مع زملائه الأوربيين بمزيد من التعهدات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة في وجه الدول المنتجة للنفط التي تلجم الجهود، مثل السعودية.
لكن الوزير الإيرلندي إيمون راين قال لوكالة فرانس برس: "الأمور تتقدم ومن الواضح أن النص ليس نهائيا. سيكون مختلفا بشكل جذري وثمة مساحة للتوصل إلى اتفاق".
قد ينسحب منه ترامب بعد تنصيبه.. ما جدوى اتفاق دولي جديد حول المناخ؟ يخيم ظل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، على قمة مجموعة العشرين التي تنعقد اليوم الإثنين، في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.ويشكل الاتحاد الأوروبي لاعبا محوريا في كوب29 بصفته المساهم العالمي الأكبر في تمويل تحركات المناخ، وبفضل تواصله مع الصين والدول الضعيفة أمام التغير المناخي على حد سواء.
كذلك اعترضت الصين والولايات المتحدة، وهما أكبر مساهمين في انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، على النص المقترح لبيان القمة، وقالت بكين إنه "غير مقبول" فيما أعربت واشنطن عن "قلقها العميق" منه.
والنص المؤقت الذي عرضته رئاسة كوب29 يقع في 10 صفحات، ويحاول الموازنة بين خيارين متعارضين بالكامل حول الحجم الجديد للمساعدة المالية الذي ينبغي على المؤتمر تحديه.
وبعد مفاوضات متواصلة منذ سنوات، أصبح النص يبقي على فراغات مكان حجم المساعدة بالأرقام، مع أن الحديث يدور حول "آلاف مليارات" الدولارات.
المؤتمرات المناخية المتوالية.. ملامح النجاح والفشل تتصاعد حدة ظاهرة الاحتباس الحراري بوتيرة مقلقة، ما دفع الدول إلى عقد مؤتمرات المناخ الدولية لمواجهة التحديات البيئية. لكن مع استمرار تباطؤ تنفيذ القرارات، تثار تساؤلات حول جدوى هذه المؤتمرات، خصوصاً إذا لم يتم تحويل التوصيات إلى أفعال.ويتوقع أن تنشر الصيغة المقبلة "مساء الخميس". وأكدت الرئاسة أنها "ستكون أقصر وتحتوي على أرقام تسند إلى رؤيتنا لنقاط ارتكاز يبنى عليها توافق".
وتعليقا على ذلك، قال جو ثوايتس من منظمة "إن اردي سي" غير الحكومية: "النص يعطي صورة مشوهة عن مواقف الدول المتطورة والنامية. وعلى الرئاسة أن تعرض خيارا ثالثا للتوفيق بينها".