وصف الإعلامي أحمد موسى، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ «مجرم حرب»، ويجب محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة: الوضع الإنساني في غزة "كارثي وغير مقبول" إيهود باراك: نتنياهو يحتاج لاستمرار حرب غزة وائتلافه يمين متطرف

وقال أحمد موسى خلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي" عبر قناة صدى البلد، إن التصريحات التي يطلقها في هذا السياق تهدف إلى بناء صورة قوية في الرأي العام المصري والعربي ضد الممارسات الإسرائيلية، مؤكدًا على موقفه الثابت والمبدئي في دعم القضية الفلسطينية.

هجوم واسع من الإعلام الإسرائيلي ضدي

وتابع  أحمد موسى، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تركز بشكل كبير على تصريحاته المتعلقة بقوة الجيش المصري ورفضه للمخططات التي تستهدف تهجير أهالي قطاع غزة، موضحًا أن هذه التصريحات تتسبب في هجوم واسع من الإعلام الإسرائيلي ضد مواقفه.

وأشار إلى أن مواقفه تجاه الاحتلال الإسرائيلي واضحة تمامًا، قائلاً: «أنا ضد الاحتلال وضد الصهاينة، وموقفي واضح ضد الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أحمد موسى غزة إسرائيل نتنياهو بوابة الوفد الإعلام الإسرائیلی أحمد موسى

إقرأ أيضاً:

تجويع المدنيين وتدمير مصادر الغذاء في قطاع غزة .. الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الغذاء كسلاح حرب في تنفيذ جريمة إبادة جماعية

 

إعداد:
د. إسماعيل إبراهيم الثوابتة
مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي
قطاع غزة – فلسطين
مايو 2025

المرجعية القانونية لهذه الورقة:

• القانون الدولي الإنساني: يشمل القوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية، وتحديداً البروتوكول الإضافي الأول.

• اتفاقيات جنيف: وتحديداً اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي تلزم القوى المحتلة بحماية المدنيين والممتلكات في الأراضي المحتلة، ومنع تجويعهم أو تدمير مصادر الغذاء.

• نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: الذي يُعرّف جريمة الإبادة الجماعية ويحدد العقوبات المتعلقة بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بما فيها استخدام الغذاء كسلاح حرب.

محتويات الورقة:

• أولاً: مقدمة تمهيدية: خلفية النزاع وتجريم تجويع المدنيين:
• ثانياً: الحق في الغذاء كحق إنساني وأساس قانوني دولي:
• ثالثاً: الوقائع الموثّقة لتجويع المدنيين وتدمير مصادر الغذاء في قطاع غزة:
• رابعاً: النية الإجرامية لدى سلطات الاحتلال: تحليل قانوني:
• خامساً: التكييف القانوني للجرائم: الإبادة الجماعية واستخدام الغذاء كسلاح حرب:
• سادساً: المسؤولية القانونية للدولة المحتلة والأفراد أمام القانون الدولي:
• سابعاً: التوصيات القانونية: الإجراءات المطلوبة من المجتمع الدولي والمؤسسات القضائية:
• ثامناً: الخاتمة: تجويع غزة جريمة ممنهجة تستوجب المحاسبة:

 

أولاً: مقدمة تمهيدية: خلفية النزاع وتجريم تجويع المدنيين:

منذ عقود، يعيش الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، في واقع استثنائي يُعد الأطول في التاريخ الحديث، تميّز بجملة من السياسات القمعية والممارسات العدوانية، بلغت ذروتها خلال الحرب الجارية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي تُصنّف من حيث شدّتها واتساع نطاقها ونتائجها كحرب إبادة جماعية ممنهجة. من بين أكثر الجرائم بشاعة التي ارتُكبت في هذا السياق، برز استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وذلك عبر تدمير متعمّد لمصادر الغذاء، ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، واستهداف مرافق إنتاج وتخزين وتوزيع الطعام، وفرض حصار خانق أفضى إلى حالة كارثية من انعدام الأمن الغذائي بلغت حدود المجاعة في بعض المناطق.
تجويع السكان المدنيين، وخاصة عندما يتم بشكل مقصود وممنهج، لا يُعد فقط انتهاكاً صارخاً للأخلاق الإنسانية، بل يُصنّف أيضاً ضمن أخطر الجرائم المحظورة في القانون الدولي. فقد حظرت اتفاقيات جنيف، والبروتوكولات الملحقة بها، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كافة الممارسات التي ترقى إلى حرمان المدنيين من الغذاء كوسيلة من وسائل الحرب، أو إخضاعهم لظروف معيشية لا تُحتمل. ويندرج هذا الفعل ضمن الأفعال المحرّمة دولياً سواء في سياق جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جريمة الإبادة الجماعية، إذا توافرت النية الإجرامية والعناصر الموضوعية لذلك.
وقد تطوّر تجريم تجويع المدنيين في إطار القانون الدولي تدريجياً، إذ نصّ البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، في المادة 54، على حظر تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب، وعلى حظر تدمير المواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية، والمناطق الزراعية، والمحاصيل، والمواشي، ومرافق مياه الشرب، ومخازن المؤن. كما اعتبر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 أن “تجويع المدنيين عمداً، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات الإنسانية” يُعد جريمة حرب.
ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في غزة، من قطعٍ متعمّد للإمدادات الغذائية، وتدمير للحقول والمزارع والمطابخ والمخازن، ومنع دخول قوافل الإغاثة الإنسانية، يقع ضمن هذا الإطار المحظور، ويُشكّل خرقاً جسيماً يرقى إلى جريمة حرب مكتملة الأركان. وتزداد خطورة الجريمة بالنظر إلى طابعها الجماعي والمستمر، وكونها جزءاً من سياسة متعمدة تستهدف إهلاك جماعة سكانية معينة، الأمر الذي يفتح الباب أمام التكييف القانوني كجريمة إبادة جماعية، لا سيما إذا توافرت النية الخاصة والركن المعنوي للجريمة.
في هذا الإطار، تأتي هذه الورقة القانونية لتبيان الخلفية القانونية والحقوقية لاستخدام الغذاء كسلاح حرب ضد المدنيين في قطاع غزة، وتحليل الأبعاد الجنائية الدولية لتلك الممارسات، وبيان المسؤولية القانونية المترتبة على الدولة القائمة بالاحتلال وأفرادها، مع تقديم توصيات واضحة للمجتمع الدولي من أجل التحرك العاجل لوقف هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.

ثانياً: الحق في الغذاء كحق إنساني وأساس قانوني دولي:

يُعد الحق في الغذاء من الحقوق الأساسية التي أقرتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحق في الحياة والكرامة الإنسانية. وقد نال هذا الحق اعترافاً دولياً صريحاً منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، حيث نصت المادة 25 منه على أن “لكل شخص الحق في مستوى معيشي يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويشمل ذلك الغذاء والكساء والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية”. كما كرّس العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 هذا الحق، وأوضح في المادة 11 أن “للدول الأطراف الاعتراف بحق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، بما في ذلك الغذاء الكافي”، وألزمتها باتخاذ التدابير اللازمة لضمان هذا الحق بما يتوافق مع الموارد المتاحة لها.
يمتد التزام الدولة بتوفير الغذاء الكافي إلى زمن النزاعات المسلحة، حيث يُحظر على أطراف النزاع استخدام الجوع وسيلةً لإخضاع السكان المدنيين أو معاقبتهم. وقد أكّدت اتفاقيات جنيف، ولا سيما الاتفاقية الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، أن تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب محظور تماماً، وأنه لا يجوز تدمير أو الاستيلاء على المواد الغذائية أو المناطق الزراعية أو مصادر المياه إذا كانت تلك الوسائل ضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. وتشمل الحماية القانونية كذلك المرافق المخصصة لتخزين وتوزيع الغذاء، ووسائل النقل الخاصة بإيصاله، سواء أكانت تابعة لجهات حكومية أو لمنظمات إنسانية.
وقد طوّر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هذا الحظر إلى مصاف الجرائم الدولية، إذ نصّ في المادة 8 (2)(ب)(25) على أن “تجويع المدنيين عمداً، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات الإنسانية، يُعد جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية”. ويتفق هذا التوصيف مع الممارسات الدولية الراسخة، كما ظهر في السوابق القضائية للمحاكم الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، حيث تم تجريم ممارسات مشابهة كأفعال تدخل ضمن نطاق جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، بناءً على السياق والأثر المقصود.
إنّ الالتزام بالحق في الغذاء لا يقتصر على التوفير المادي للغذاء، بل يشمل أيضاً ضمان الوصول المادي والاقتصادي إلى الغذاء الكافي، المقبول ثقافياً، والمغذي، والآمن، والمستدام. ويُعد أي سلوك يُفضي إلى حرمان جماعة سكانية من هذا الحق، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، خرقاً جسيماً للقانون الدولي، خاصة إذا اقترن بنية متعمّدة لإهلاك تلك الجماعة، ما يرقى إلى الإبادة الجماعية.
في ضوء ما سبق، فإن حرمان المدنيين في قطاع غزة من الغذاء، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، وتدمير البنية التحتية الزراعية والإنتاجية، يُعد انتهاكاً صارخاً للحق في الغذاء، ويمثل جريمة مركبة تستدعي الملاحقة الدولية.

ثالثاً: الوقائع الموثّقة لتجويع المدنيين وتدمير مصادر الغذاء في قطاع غزة:

لقد شهد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 حملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة من حيث الكثافة والشمول، استُخدمت فيها سياسة “الأرض المحروقة”، وتجلّت فيها نية مبيّتة لتجويع السكان المدنيين عبر تدمير ممنهج لمصادر الغذاء، وفرض حصار خانق، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. وقد وثّقت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، وقائع متعددة تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي اتخذ من الغذاء وسيلة حرب لفرض الإذلال الجماعي على المدنيين.
تجلّى هذا السلوك الإجرامي بدايةً في فرض حصار شامل على قطاع غزة، تم خلاله قطع الإمدادات الغذائية، ومنع دخول القوافل الإنسانية، وإغلاق كافة المعابر، بما فيها معبر رفح البري ومعبر كرم أبو سالم، وهما المنفذان الرئيسيان لدخول الغذاء والمساعدات إلى القطاع. وقد تسببت هذه السياسة في تقليص عدد الشاحنات الغذائية من 500 شاحنة يومياً قبل الحرب إلى أقل من 50 شاحنة في بعض الأسابيع، رغم وجود أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع غزة بحاجة ماسة للغذاء.
وعلاوة على الحصار، نفذ الاحتلال سلسلة من الضربات الجوية والبرية استهدفت بشكل مباشر المخابز ومخازن الأغذية والأسواق المركزية ومراكز التوزيع التابعة لوكالات الأمم المتحدة، إلى جانب تدمير الأراضي الزراعية وآبار المياه والمزارع ومصانع إنتاج الغذاء. وأفادت منظمات أممية بأن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في غزة باتت غير صالحة للإنتاج بسبب القصف أو التجريف أو تلوث التربة. كما تم قصف عشرات “التكايا” التي كانت تقدم الطعام المجاني للفقراء، ما أوقف قدرتها على تقديم الوجبات في وقت بلغت فيه نسبة انعدام الأمن الغذائي مراحل كارثية.

في الوقت ذاته، عمدت قوات الاحتلال إلى منع المدنيين من الوصول إلى الغذاء المتبقي، عبر منع التنقل بين المناطق أو استهداف الطوابير أمام المخابز ومراكز الإغاثة. وقد تم توثيق عشرات الحوادث التي سقط فيها مدنيون شهداء أثناء انتظارهم الحصول على الغذاء، كما حدث في مجزرة “شارع الرشيد” يوم 29 فبراير 2024، حيث استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي شاحنة مساعدات وأعدم عشرات الجائعين ميدانياً بالرصاص الحي.

كما تم رصد حالات موثقة لاستخدام الاحتلال الغذاء أداة مساومة على الولاء السياسي أو على التعاون الأمني، في ممارسات ترتقي إلى مستوى “العقاب الجماعي” وتخالف كل أعراف القانون الإنساني.
إن هذه الوقائع، الموثّقة بالصوت والصورة والشهادات الحية، لا تترك مجالاً للشك في أن الاحتلال انتهج سياسة تجويع متعمدة، تهدف إلى تركيع السكان المدنيين، وإخضاعهم ضمن سياسة تهجير قسري أو الإبادة البطيئة. ويُمكن لهذه الوقائع أن تشكّل عنصراً حاسماً في إثبات النية الإجرامية في المحافل القضائية الدولية.

رابعاً: النية الإجرامية لدى سلطات الاحتلال: تحليل قانوني:

يشكّل إثبات النية الإجرامية أحد الأركان الأساسية في توصيف الجرائم الدولية، لا سيما تلك التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وفي حالة تجويع المدنيين في قطاع غزة، فإن النية الإجرامية لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن إنكارها في ضوء تواتر الأفعال، وتكرار الأنماط، وصدور تصريحات رسمية تعبّر عن أهداف عقابية وانتقامية صريحة بحق السكان.
إن القانون الدولي يميز بين الضرر الجانبي الذي يقع عرضاً خلال العمليات العسكرية، وبين الضرر المتعمد الناتج عن نية مسبقة لاستهداف المدنيين أو تركيعهم عبر أساليب غير إنسانية، وهو ما يُعد انتهاكاً واضحاً لاتفاقيات جنيف، ولا سيما المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977، التي تحظر استهداف أو تدمير المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية ومرافق إنتاجها وتوزيعها.
لقد عبّرت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية عن نواياها الإجرامية بشكل علني منذ الأيام الأولى للعدوان، عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في 9 أكتوبر 2023 فرض “حصار كامل” على غزة، بما يشمل “منع الكهرباء والطعام والوقود”، مضيفاً: “نقاتل حيوانات بشرية وسنتعامل معهم وفقاً لذلك”. هذا التصريح لا يعبّر فقط عن نزع للصفة الإنسانية عن المدنيين، بل يشكّل إقراراً صريحاً بتجريدهم من الحقوق الأساسية، وهو ما يعزز عنصر القصد الجنائي المطلوب لإثبات الجريمة.
كما أظهرت السياسات الممنهجة، مثل القصف المتكرر لمراكز توزيع المساعدات، وتقييد دخول شاحنات الغذاء، واستهداف المزارع والمخابز، وفرض قيود مشددة على التنقل، أن هذه الأفعال لم تكن نتيجة ظروف القتال العشوائي، بل تمّت ضمن خطة عسكرية واقتصادية وسياسية لفرض الجوع على سكان غزة. هذا النمط السلوكي المنتظم يمثل ما يُعرف في القانون الدولي بـ”خطة أو سياسة عامة” تشكّل دليلاً قوياً على توافر الركن المعنوي للجريمة.
ولم تقتصر النية الإجرامية على أفعال الجيش فقط، بل امتدت إلى قرارات حكومية صادرة عن أعلى المستويات السياسية في إسرائيل، والتي أظهرت تصميماً على استخدام الغذاء كسلاح للضغط الجماعي، وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية عبر فرض المجاعة والتجويع كأدوات قتل بطيء أو تهجير قسري.
بناءً عليه، فإن تحليل الوقائع في ضوء نصوص القانون الدولي، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، والسياسات الميدانية المطبقة، يقود إلى استنتاج قانوني قاطع بتوافر النية الإجرامية لدى سلطات الاحتلال، ويضعها تحت طائلة المسؤولية الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي، ووفقاً لأحكام الإبادة الجماعية واستخدام وسائل غير مشروعة في النزاعات المسلحة.

خامساً: التكييف القانوني للجرائم: الإبادة الجماعية واستخدام الغذاء كسلاح حرب:

يُعدّ التكييف القانوني لسلوك سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجاه سكان قطاع غزة من أهم القضايا التي يجب تناولها ضمن منظومة العدالة الدولية، نظراً لخطورة الانتهاكات وارتباطها المباشر بأشد الجرائم جسامة، وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. ويمثل استخدام الغذاء كسلاح، وفرض المجاعة على السكان المدنيين، مؤشراً قانونياً خطيراً على نية الإبادة أو الإضرار الجسيم والمتعمد بالسكان المدنيين كجماعة محمية بموجب القانون الدولي الإنساني.
تنص المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) على أن الإبادة الجماعية تشمل “أفعالاً ترتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كلياً أو جزئياً”، وتشمل هذه الأفعال: “إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يُقصد بها تدميرها الفعلي كلياً أو جزئياً”.

إن تجويع أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، عبر الحصار والتجويع ومنع دخول الغذاء والدواء، وتدمير المنشآت الزراعية ومراكز التوزيع، يدخل ضمن هذا التعريف بوضوح.
كما أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 يجرّم استخدام التجويع كوسيلة حرب. فقد نصت المادة (8)(2)(ب)(xxv) على أن “إخضاع السكان المدنيين عمداً للتجويع، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات من مواد الإغاثة، عملاً بأحكام اتفاقيات جنيف” هو جريمة حرب. وتشير الأدلة الميدانية إلى أن سلطات الاحتلال قد مارست هذا الفعل بشكل منهجي، من خلال استهداف قوافل المساعدات، وتدمير التكايا، وإغلاق المعابر.
يُضاف إلى ذلك أن القانون الدولي العرفي، وقرارات محكمة العدل الدولية، والآليات التفسيرية للأمم المتحدة، تعزز مبدأ عدم مشروعية استخدام الغذاء كوسيلة ضغط سياسي أو عسكري. وقد صنّف “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في تقاريره الحديثة، ومنها تقرير المقرّر الخاص المعني بالحق في الغذاء، مثل هذه الممارسات ضمن انتهاكات خطيرة ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، في حال تم ارتكابها ضمن سياسة منهجية وموجهة.
إن النمط المتكرر لانتهاك الحق في الغذاء في غزة، وتصريحات مسؤولي الاحتلال التي تعبر عن نية استخدام الجوع كأداة للإخضاع، وترافق ذلك مع سياسات الحصار والاستهداف المباشر للبنية الغذائية، تُشكّل بمجموعها قرائن قوية على توافر الركنين المادي والمعنوي لجريمة الإبادة الجماعية، فضلاً عن جريمة استخدام وسائل غير مشروعة في النزاعات المسلحة.
بناءً عليه، فإن التكييف القانوني الصحيح لسلوك الاحتلال الإسرائيلي في غزة لا يقتصر على توصيفه كخرق للقانون الدولي الإنساني، بل يرقى إلى جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان، يتوجّب التحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية المختصة.

سادساً: المسؤولية القانونية للدولة المحتلة والأفراد أمام القانون الدولي:

يُلزم القانون الدولي، بمختلف مصادره، الدول والأفراد بالامتثال التام لأحكامه، لا سيما في زمن النزاعات المسلحة، ويُحمّل الدولة المحتلة المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك استخدام الغذاء كسلاح ضد السكان المدنيين. وفي حالة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، فإن المسؤولية القانونية تُطال الدولة بمؤسساتها السياسية والعسكرية، وكذلك القادة الأفراد الذين أصدروا أو نفذوا الأوامر التي أدت إلى تجويع السكان وتدمير مصادر رزقهم.
أولاً، تتحمل “إسرائيل”، بصفتها قوة احتلال، واجبات قانونية محددة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي تؤكد في مادتها (55) على وجوب ضمان توفير المواد الغذائية والطبية للسكان المدنيين، وتمنع في مادتها (54) تدمير المواد والموارد الضرورية لبقائهم. إن الإخلال بهذه الالتزامات، سواء عبر منع دخول المساعدات أو قصف منشآت الغذاء، يُشكل خرقاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، ويترتب عليه مسؤولية دولة كاملة.
ثانياً، بموجب مشروع لجنة القانون الدولي حول “مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً” (2001)، فإن الدولة التي ترتكب فعلاً يشكل خرقاً لالتزام دولي تتحمل المسؤولية القانونية وتُلزم بجبر الضرر، بما في ذلك الاعتراف بالفعل غير المشروع، والتعويض، وضمان عدم التكرار. وقد وثقت هيئات دولية ومنظمات حقوقية عديدة انتهاك الاحتلال لهذه الالتزامات عبر سياسة منهجية لتجويع المدنيين وتدمير البنية الغذائية، ما يستوجب المطالبة بتفعيل آليات المحاسبة الدولية.
ثالثاً، لا تقتصر المسؤولية القانونية على الدولة، بل تمتد إلى الأفراد من القادة العسكريين والسياسيين الذين شاركوا في التخطيط أو التنفيذ أو التحريض على هذه الأفعال. تنص المادة (25) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على المسؤولية الفردية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، بما فيها جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. كما تنص المادة (28) على مسؤولية القادة والرؤساء عن الأفعال التي ارتكبها مرؤوسوهم إذا كانوا على علم بها ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لمنعها أو معاقبة مرتكبيها.
وقد أكدت السوابق القضائية الدولية، مثل محكمة نورمبرغ، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، أن استخدام الوسائل التي تؤدي إلى الإبادة، مثل منع الغذاء أو تدمير مصادر العيش، تُشكل عناصر مادية ومعنوية كافية لإثبات المسؤولية الجنائية الفردية والجماعية.
وعليه، فإن الانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة تُرتب مسؤولية مزدوجة: مسؤولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دولياً، ومسؤولية القادة والأفراد عن ارتكابهم جرائم خطيرة، تتطلب تحريك الملاحقة الجنائية الدولية وتفعيل مبادئ العدالة وعدم الإفلات من العقاب.

سابعاً: التوصيات القانونية: الإجراءات المطلوبة من المجتمع الدولي والمؤسسات القضائية:

في ضوء جسامة الانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وبخاصة فيما يتعلق بسياسة التجويع وتدمير مصادر الغذاء، فإن الواجب القانوني والإنساني يُملي على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومؤسساتها القضائية والرقابية، اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، وتوفير الحماية الكاملة للسكان المدنيين وفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
أولاً، يجب على مجلس الأمن الدولي، استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، أن يتخذ تدابير عاجلة بموجب الفصل السابع، بما في ذلك فرض عقوبات على دولة الاحتلال، وإحالة الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة قطاع غزة، إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.
ثانياً، ينبغي على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية توسيع نطاق التحقيق الجاري بشأن الحالة في فلسطين ليشمل تحديداً استخدام الغذاء كسلاح، واستهداف مراكز التوزيع والمخازن والتكايا، وقطع سلاسل الإمداد الغذائية، باعتبارها أفعال ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية بموجب المادة (6) من نظام روما الأساسي، وجرائم حرب بموجب المادتين (8)(2)(b)(xxv) و(8)(2)(b)(ii).
ثالثاً، تُطالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأجهزة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي (WFP) ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، بتوثيق الانتهاكات بشكل رسمي، وإدراجها ضمن تقاريرهم الدورية، والضغط من أجل فتح ممرات إنسانية آمنة لإدخال المساعدات الغذائية دون قيود سياسية أو عسكرية.
رابعاً، يجب على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الأربع تفعيل المادة (1) المشتركة التي تُلزمها بضمان احترام الاتفاقيات في جميع الظروف، واتخاذ خطوات ملموسة، بما في ذلك رفع قضايا أمام محاكمها الوطنية وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية ضد المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم تجويع المدنيين.
خامساً، على المجتمع المدني الدولي، والمنظمات الحقوقية، واتحادات المحامين أن توحد جهودها في إعداد ملفات قانونية موثقة تُقدّم للهيئات القضائية الدولية، وتفعّل حملات ضغط منسقة لكسر الصمت الدولي وفضح سياسات الاحتلال الممنهجة تجاه الفلسطينيين.
وأخيراً، تُوصى الدول الداعمة لحقوق الإنسان بعدم الاكتفاء بالتنديد اللفظي، بل بالانتقال إلى خطوات عملية تشمل تجميد العلاقات السياسية والعسكرية مع دولة الاحتلال، وإعادة تقييم صفقات السلاح، والمطالبة العلنية بوقف استخدام الغذاء كسلاح حرب، حمايةً لما تبقى من قواعد النظام القانوني الدولي.
إن تنفيذ هذه التوصيات يُعد ضرورة قانونية وأخلاقية، ومسؤولية جماعية للمجتمع الدولي لمنع تكرار المأساة، ووضع حد للإفلات من العقاب، وإحقاق العدالة للضحايا.

ثامناً: الخاتمة: تجويع غزة جريمة ممنهجة تستوجب المحاسبة:

لقد بيّنت هذه الورقة بالأدلة القانونية والوقائع الموثقة أن الاحتلال الإسرائيلي قد انتهج، على نحو ممنهج ومتعمد، سياسة تجويع المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال تدمير منهجي لمصادر الغذاء، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، واستهداف منشآت الإغاثة والمخازن والمخابز والتكايا، وصولاً إلى استخدام الغذاء كسلاح حرب في انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي الإنساني، وبخاصة المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والمادة (8)(2)(b)(xxv) من نظام روما الأساسي.
إن الأفعال المرتكبة لا تقتصر على كونها خروقات جسيمة لاتفاقيات جنيف فحسب، بل ترقى في مجملها، من حيث السياق والنتائج والنية المتحققة، إلى جريمة إبادة جماعية، وفقاً للمادة (6)(c) من نظام روما الأساسي، حيث أن الحرمان المتعمد من المقومات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وفي مقدمتها الغذاء، قد أدى إلى وفاة آلاف المدنيين، وعرّض مئات الآلاف لخطر المجاعة الحقيقية، وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً وغير قابل للتأجيل من الجهات الدولية المختصة.
لا يجوز أن يُنظر إلى تجويع غزة على أنه سياسة عسكرية عارضة أو نتيجة جانبية للحرب، بل يجب توصيفه بصفته نهجاً ممنهجاً ذا طابع عقابي جماعي، يستهدف شريحة سكانية محمية بموجب القانون الدولي، ويهدف إلى إبادتها أو إرغامها على النزوح القسري في إطار مشروع استعماري استيطاني واضح الأركان. إن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، وتقع ضمن الجرائم الأشد خطورة التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
تتحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بوصفها القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية القانونية الكاملة عن هذه الانتهاكات، كما يتحمل القادة السياسيون والعسكريون المسؤولية الجنائية الفردية، بما في ذلك المسؤولية عن الأمر أو التواطؤ أو الفشل في منع وقوع الجريمة.

وبالمقابل، فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية جماعية في حال تقاعسه عن التحرك، بما في ذلك مسؤولية قانونية بموجب المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف، تفرض عليه “ضمان احترام” الاتفاقيات “في جميع الأحوال”.
لقد آن الأوان لوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة لضحايا الجرائم المروّعة التي ارتكبت بحق سكان قطاع غزة. ويجب ألا تبقى الدعوات الأخلاقية مجرد خطابات فارغة، بل يجب أن تتحول إلى إجراءات قانونية فعلية، ومحاسبة قضائية صارمة، ومواقف سياسية جادة، تُعيد الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، وتصون الكرامة الإنسانية في وجه آلة الحصار والتجويع والتدمير.
إن تجويع غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، لا تغتفر أخلاقياً، ولا تُسقط قانونياً، وتستوجب محاسبة عادلة، ووقفة دولية حازمة تنقذ ما تبقى من الضمير الإنساني.

مقالات مشابهة

  • تجويع المدنيين وتدمير مصادر الغذاء في قطاع غزة .. الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الغذاء كسلاح حرب في تنفيذ جريمة إبادة جماعية
  • غزة تجوع.. كيف صنع الاحتلال الإسرائيلي أولى مجاعات القرن الـ 21؟
  • فصائل فلسطينية تعقب على الهجوم الإسرائيلي على سفينة كسر حصار غزة
  • الأونروا: الحصار الإسرائيلي على غزة يقتل مزيدا من الأطفال والنساء يوميا
  • أونروا: التعليم في غزة يُواجه شللًا كبيرًا بسبب القصف الإسرائيلي
  • شهداء جدد.. الاحتلال الإسرائيلي يستمر في حصد أرواح الفلسطينيين
  • 16 شهيدًا في قصف للاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ الفجر
  • شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
  • تعليق قوي من أحمد موسى عن قضية الطالب ياسين في البحيرة.. فيديو
  • أحمد موسى معلقا على قضية الطفل ياسين: أرجوكم الجميع يحافظ على بلده| فيديو